حين استقمت.. والتقيت بــ علي الجفري!! (قصتي مع الجفري)
--------------------------------------------------------------------------------
حين استقمت والتقيت بعلي الجفري..
قبل أن أكتب أول حرف من قصتي مع هذا الرجل وأيامي مع تلك الفرقة أريد أن أشكر الباري أن دلني على الطريق القويم والصراط المستقيم، وهداني للحق المبين والفكر المستنير الذي أسأله سبحانه أن يثبتني عليه كما دلني إليه..
أثناء دراستي في جامعة البترول والمعادن تعرفت على زميلٍ جمعتني به إحدى المواد المشتركة بيني وبينه منذ السنة الأولى، ثم توطدت العلاقة مع كثرة زياراته لي، كان شاباً تبدو على قسمات وجهه علامات الاستقامة والصلاح، لا تخلو كلماته من ذكر لله أو مدح للنبي صلى الله عليه وسلم. كان دوماً يناديني بـ يا سيد، وذلك أن نسبي يرجع إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكان ذلك اللقب الذي ما اعتادت نفسي على سماعه من قبل له رنين غير عادي في أذني. كان جم الأدب والتواضع، لا يدخل عليّ في غرفتي دون أن يحضر معه هدية لي أو لزميلي الذي يسكن معي، غير أني لاحظت عليه عدم الحرص على الصلاة في المسجد مع الجماعة، بل كنا نصلي في الغرفة جماعة ونقوم وهو جالسٌ مطيل المكوث بعد الصلاة كثير الذكر والتبتل إلى الله.
لقد كانت أُولى أيامي في الجامعة تشهد كثيراً من التحولات والصراعات الفكرية في داخلي، وكُنتُ متأثراً بالفكر المعتزلي أشد التأثر، أُنزل العقل في غير المنزل الذي خلقه الله فيه من القدر والمكان. كان للسن دور رئيس في تلك التحولات والثورات الفكرية والتي كانت تتأجج وتزداد توهجاً مع تلك الكتب التي اعتدت قراءتها والبحث بين أسطرها عن ما يمجد العقل والفكر، رامياً النقل وأقوال أهل العلم العدول عرض الحائط. وكنت أُطلع الصديق الجديد على بعض مكنونات فكري بحذر وأحياناً بتهور لاذع. كان يفتح معي بعض الحوارات كمحاولة منه لأن يعيدني إلى السنة ونبذ تقديم العقل على النقل لكنه كان يخرج دون أدنى فائدة من تلك الحوارات العقيمة، بل إنه كان يخافُ أحياناً على نفسه من التأثر بما أحمله من أفكار، ويحاول الاستعانة بمن هم أعلم منه وأقدر، فما كانت لتثنيني تلك المحاولات ولا تلك المناورات العقيمة. كنتُ متعلقاً بفكري واعتقاداتي كأشد ما يكون الطفل الرضيع بأمه.
كان كل يوم يمضي يزداد ارتباطي بهذا الزميل، وتقوى العلاقة بيننا، إلى انتكست حالي وانزلقتُ مع رفقة السوء في ردهات خطيرة من المعاصي والآثام، فكان هذا الصديق نعم الصاحب ونعم المعين بعد الله في هذه المحنة. وكان يكثر علي من النصح حتى أتضايق منه وأبدي له ذلك وهو صابرٌ لا يملُّ ولا يكل. مرت سنة هي من أشقى سنوات العمر وأتعسها، عانيت فيها مصاعب جمة وواجهت بها متاعب كثيرة، انتهت بامتنان الله عليّ بالتوبة والرجوع إليه سبحانه في قصة أترك أحداثها وتفاصيلها لوقت آخر أصف فيه تلك التحولات الفكرية والصراعات التي مررت بها.
المهم أن هذا الصديق كان الأقرب لي بعد توبتي وتبدل حالي، فلازمته كثيراً وبدأت انكب على قراءة السيرة النبوية وكتب العقيدة. وكان صديقي يأخذني إلى دروس كانت تقام في بعض غرف الجامعة عن الشمائل المحمدية للترمذي، تعرفت من خلالها على شباب كثر ممن هم على نهج صديقي. وكنّا أحياناً نذهب إلى المُقرأ وهو مكان يجتمع فيه مجموعة من الشباب لقراءة جزء من القرآن يومياً ثم يختمونه آخر الشهر، وكان الهدف المعلن حينها تصحيح التلاوة والتجويد.
كان من الملاحظ أيضاً أنهم لم يكونوا يطلعوني على كثير من أسرارهم واجتماعاتهم بل كل ذلك كان يحصل في تدرج شبه منظم.
كان ذلك لا يروق لي أبداً، حيث أني تعلمت من تجربتي الماضية أن لا أُنيخ ركاب فكري ورَحْلَ عقلي وقلبي عند أي أحد كان،كما أن حماستي للدين وتعلم فنونه كانت منقطعة النظير وذلك أني كنت حديث عهد باستقامةٍ والتزام.
كانت البداية مع الأدعية الغريبة التي تأتي بعد قراءة الجزء أو عند ختم القرآن، حيث أن تلك الأدعية التي كما يقولون للولي الفلاني والعالم العلاني، لا تخلو من بعض الشركيات والأمور التي كانت محل نقاش وجدل مع صديقي حالما نخرج من تلك المجالس..
استمر الحال كذلك لفترة كنت فيها أرى منهم التواضع ولين الجانب ما لم أره من قبل عند أحد من الناس. وكانوا يقدمون خدمات تعجز أحياناً عن إيصال الشكر المناسب لها.. حتى جاء ذلك اليوم الذي أخبرني فيه هذا الشاب أننا ذاهبون إلى المولد!!. كنت شغوفاً لأن أحضر مثل تلك المناسبات لأرى فيها كيف يصنعون؟ وماذا يفعلون؟ أهي كما كنا نسمع ونشاهد في المسلسلات أم غير ذلك.
كان في داخلي رهبة شديدة، وشوق قد بلغ مداه، لأني سأحضر المولد، وأحكم بنفسي على ما فيه. لقد كان الشعور بالخوف والقلق مصاحباً لي ولصديقي الذي كان يخشى ردة فعلي وما سيكون عليه حالي بعد المولد...كنت متلهفاً للقاء صاحب الكرامات الذي طالما حدثني عنه صديقي. كنت كثير الجدل معهم بشأن تلك الخوارق للعادات وكثرتها عندهم. كانوا يستدلون على بعض الكرامات التي حدثت لبعض الصحابة ومحاولة إقحامها في داومة الخرافة التي يقتفون أثرها ويستقون منها شراباً ساذجاً فيه غولٌ كثير وشوائب منتنه، نسأل الله لنا ولهم الهداية...
مرّ ذلك الأسبوع كأنه دهر، وأنا في شغف الإنتظار ليوم الإربعاء وما أدراك ما يوم الإربعاء، فهو اليوم الذي سيجتمع القوم فيه لتذكر سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم وإنشاد المدائح فيه... وسأكون فيه حاضراً غير غائب إن مد الله لي في عمري..
يتبع......
عن محمد ابراهيم