(نهاية الغزل).. يا فضيحة يا جريمة!
ثقافة «من دق باب الناس دقوا بابه» لم تفلح في وقف المغامرة
د.الغريب: الخلل
في غياب الأنظمة!
د.الرميح: وسائل
الاتصال «كمّلت الناقص»!
العمري: الفتاة تبقى
«الحلقة الأضعف»!
الحميدي: «كذب على المكشوف»
الفتاة ضحية الرد القاسي:
«اللي كلمتني كلمت غيري»!
على الرغم من تعدد الأخبار والقصص المأسوية التي تطالعنا بها الصحف ومواقع «الانترنت» حول «نهاية الغزل» و»المعاكسات»، إلاّ أن الممارسين لتلك السلوكيات يتجاهلون تلك النهايات الحتمية، بل ويشرعون في مد جسور التواصل والاتصال مع الطرف الآخر بكل الوسائل، وكأنهم لم يسمعوا أو يشاهدوا بعضاً من تلك النهايات، والتي ما زالت تطل بجروحها وأوجاعها على من ذاق مرارة العقاب وعاش صدمة النهاية، فما أبشعها من مواقف تساوم وبكل جرأة على المال والعفاف، وما أقسى تلك التي تقف عند باب الفضيحة والجريمة وتنهش بقيم مجتمع هو من أرقى المجتمعات الإنسانية والحضارية.
وأدى غياب «العقوبات الصارمة» دوراً كبيراً في تكرار حالات الغزل، الأمر الذي جعل جيل من الشباب يندفع تجاه «الجنس الناعم»، ليقينهم التام أن النظام يشتكي الكثير من السلبيات، وأنه لاجزاءات تنتظرهم على سوء أفعالهم.
تحقيق «الرياض» يناقش الموضوع مع عدد من المختصين عن أسباب تجاهل الشباب ل»نهاية الغزل»، وإصرارهم على إقامة العلاقات العاطفية وغير الشرعية لمجرد «نشوة التجربة»، والتي يعلمون بأن نهايتها «لا تحمد عقباها»، ولكن «لا حياة لمن تنادي»!.
تعارف وتسلية!
في البداية تحدث «سلطان العمري» -المشرف العام على موقع إسلامي- قائلاً: «الكل يعلم أن الشاب حين يبدأ بالمعاكسة، فهو يهدف إلى التعارف والتسلية، وربما المفاخرة أمام أقرانه، ولم نسمع أن المعاكس تزوج بمن كان يغازلها في الأسواق»، مضيفاً أن كثيراً من الشباب تساهلوا في المضي في طريق الغزل ولم يلتفتوا إلى عواقب أفعالهم إلاّ في نهاية المطاف، فهناك من يعاني من مشكلات عديدة أولها «الشك» و»الوسواس» و»ضيق الصدر»؛ بسبب الخوف من تحقق عبارة «من دق باب الناس دقوا بابه»، أو»كما تدين تدان»، كذلك يصبح هذا المعاكس عبداً لشهوته وغريزته فلا يفكر إلاّ فيها وتغيب عنده علو الهمة والطموح وصناعة النجاح، مشيراً إلى أن هناك جرائم القتل والابتزاز والسجن وضياع السمعة الحسنة وضياع المال وغيرها، كثير مما يندى له الجبين جميعها كانت بسبب المعاكسات، ذاكراً أنه سمع بكاء أطفال رضع في السجن أثناء زيارته أحد السجون، وعندما سأل الضابط عنهم أجاب: «إنهم ضحايا علاقات لأمهاتهم كانت نهايتها أن جاؤوا بهم إلى هذه الحياة»، موضحاً أن الفتاة تبقى في النهاية هي الحلقة الأضعف، لهذا تجدها تفكر بالانتحار؛ لأنها اكتشفت أنها عاشت قصة حب وهمية فقررت الموت، أو لأنها فقدت أعز ما تملك، وربما تعود وتبحث عن العاطفة مرة أخرى في أبواب الحرام، أو تقرر الانتقام ممن خدعها وغدر بها بطريقة مأساوية، مشدداً على أهمية عدم التهاون في مسألة ضياع الأوقات وتشتيت الهموم وقتل الهمم، فكم من فتاة ضاعت همومها بين الحب والعشق ولم تقدم شيئاً لأسرتها ولا لوطنها ولا لدينها.
كذب مكشوف
وأوضح «علاء الحميدي» -محامي وقانوني- أن معاكسات الشباب تبدو وكأنها «كذب على المكشوف»، مضيفاً أن هناك قضية لشاب متهم بالقتل والسبب أن أحد المعاكسين ذهب إلى منزل الفتاة لمحاولة رؤيتها، ولكن شاء الله أن يحضر شقيقها، فحاول المعاكس الهرب من فوق البناية، فسقط وتوفي على الفور ليواجه شقيقها اتهامات بالقتل، ذاكراً أنه من القضايا اغتصاب فتاة خرجت مع شاب في استراحته، رفض بعد ذلك أن يتزوجها؛ لأن السبب بكل بساطة «اللي كلمتني كلمت غيري»، كما أن هناك قضية لطالبة جامعية زودت المعاكس بصور لها، ثم ابتزها لسنوات طويلة، بدأت بأخذ بطاقة الصراف واستلام مكافأتها الشهرية، ثم أرغمها على تسليم راتبها بعد توظفها، بل واستخرج قروضاً بنكية لتغطية طلباته، واستمر الأمر على هذا النحو إلى إن استعانت الفتاة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعملت له كمين وقبضت عليه واستعادة صورها وتسجيلاتها، لتخلصها من معاناة استمرت ما يقارب (11) عاماً، مشيراً إلى أنه من ناحية الأحكام التي تطبق بحق هؤلاء المعاكسين فهي «أحكام تعزيرية» تصل إلى الجلد والسجن، وقد تصل إلى تطبيق «حد الحرابة» عليه بقتله في حالة وصول الأمر إلى ثبوت الاغتصاب والخطف، مطالباً بتشديد العقوبات وتغليظها في حق هؤلاء المعاكسين، واللجوء إلى جلد المعاكس أمام الناس ليكون عبره لغيره.
مغامرة غير محسوبة
وقال «أ.د.عبدالعزيز الغريب» -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- إن سن الشباب معروف لدى الدارسات العلمية والاجتماعية والنفسية بسن عدم اكتمال البناء النفسي والاجتماعي والسلوكي والمعرفي والعقلي، فهي مرحلة تعبر عن أزمة هوية، لهذا دائماً ما يتسمون بالمغامرة وحب التجريب ومقاومة الأنظمة والخروج عن القيم، وهنا دور مؤسسات الإنتاج الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية في ضبط وتوجيه هذا السلوك، مطالباً أن يتواءم الخطاب الإعلامي والتربوي والاجتماعي الذي يوجه للشباب مع المرحلة العمرية والتغير التقني والثقافي ومفاهيم العولمة الجديدة، مبيناً أن السؤال الذي يفترض علينا مناقشته هو لماذا نلحظ بعض الشباب يمارس كثيراً من السلوكيات وهو يدرك العقوبات المترتبة عليها؟، والجواب لا يخرج عن كونه خلل كبير في إشكاليات صرامة الأنظمة وتطبيقاتها في المجتمع، حيث أنه من المعلوم أن المجتمعات المدنية هي التي تخضع جميع أفراد شعبها بالتساوي تحت طائلة القانون والنظام، ولكن من الملاحظ أن المجتمع وللأسف الشديد يمارس شبابه سلوكيات خاطئة، ويعرف طبيعة العقوبات المترتبة عليها، ورغم ذلك يمارسها إدراكاً منه أن تطبيق النظام ليس كما هو لدى المجتمعات الأخرى؛ لأن هناك اختراقات تهزمه، فتلعب مثلاً الواسطة دوراً، واسم العائلة والقبيلة ومفاهيم المجتمع التي تشمل مفهوم العنصرية والستر وعدم الفضيحة والترابط القبلي دوراً أكبر.
احترام النظام
وأكد «د.الغريب» على أن هذا الشاب لو ذهب إلى مجتمع آخر لا يمكنه أن يمارس هذا السلوك، إدراكاً منه أنه لن يحميه أحد، في ظل تطبيق النظام والقانون، إلاّ أنه في مجتمعه يدرك أن هناك معايير مختلفة تسهم في عدم تطبيق تلك الأنظمة والتشريعات التي تردع مثل هذه الانحرافات، أضف إلى ذلك أن التربية نفسها في المجتمع تجعل من الابن واثق بأن أسرته ستندفع خلفه وتحاول بذل جهد كبير لإخراجه من أي ورطة أو حمايته من أي نظام، مطالباً من مؤسسات التربية ابتداء بالأسرة والمدرسة أن تزرع في نفوس الجيل الجديد أن الكل تحت طائلة النظام، لاسيما أن هناك مجتمعات تربي أبنائها منذ الصغر على أنها لن تحميه من النظام، وكذلك من الخضوع تحت طائلة المسائلة لأي سلوك يفعله، ذاكراً أن المجتمعات المدنية والمتحضرة أرقى مراحلها هي المرحلة المدنية الحديثة التي تمتاز بمؤشر واحد، وهو المساواة أمام النظام والقانون، لذلك لا نستغرب أن كثير من شبابنا يعلم النظام والقانون ويمارس هذا السلوك في ظل «مطاطية» تطبيق الأنظمة، لافتاً إلى أن التقنية الجديدة ربما أسهمت في ارتكاب نوعيات معينة من الانحرافات السلوكية، ولكن هذا لا يعني أن الخلل الوحيد في التقنية، وأنها هي الرقيب الأول على سلوك المجتمعات، بل إن السبب الحقيقي يكمن في عدم رسوخ ثقافة احترام النظام، الذي يجب أن يكون عند كل فرد في أي مجتمع من المجتمعات.
خارج التفكير
وقال «أ.د.صالح الرميح» -كلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود-: لاشك أن سلوك «الغزل «غالباً ما يكون فاعله خارج نطاق التفكير الواعي والمتزن، ذلك لأن من يمارس هذا السلوك يدرك جيداً محاذيره الدينية والأخلاقية، فتكون ممارسته تلك في الخفاء وبحذر متقن، موضحاً أن هناك أسباباً متنوعة تجعلهم مندفعون نحو هذا السلوك، بالرغم من معرفتهم أن النهاية لن تكون سوى شهور وربما سنوات من التعارف ثم يتزوج كل منهما «النصيب» وليس من اختاره الآخر من بوابة «الغزل» أو «المعاكسة»، مبيناً أن النهاية لديهم محسومة حتى قبل البداية وهي استحالة الزواج، وهذا ما يدعونا إلى التساؤل: لماذا يعلم أحدهما مسبقاً بتلك النهاية ويستمرئ هذا السلوك، لاشك أن الجواب يكمن في قلة الوعي بخطورة الغزل ونهاياته المؤسفة والمخجلة والمأساوية، تلك النهايات التي هدمت الكثير من المنازل وقضت على سمعة العديد من العائلات؛ لأن نهاية الانسحاب و»كل واحد يروح بحاله» ربما لا تتحقق، خصوصاً إذا خرجت الفتاة مع الشاب وحصل ما حصل أو اكتشف أحد أفراد أسرتها وقوعها بعلاقة مع شاب، أو كانت ضحية لشاب محترف في الابتزاز الجسدي والمادي، لهذا هم حقاً لا يفكرون أو يخافون من تلك النهايات، بل إنهم لا يتعظون بما يسمعوه ويقرأوه في كل وسائل الأعلام عن قضايا القتل والسجن والجلد وغيرها الكثير.
فراغ روحي
وأكد «د.الرميح» على أن وجود العقوبات الصارمة لا يكفي بحد ذاته، إذ لابد من التوقف عند أسباب اندفاع هؤلاء الشباب من الجنسين لهذا السلوك ومن ثم معالجتها، معدداً هذه الأسباب التي تبدأ بالفراغ الروحي والذهني والعاطفي، إلى جانب الرغبة في لفت الانتباه واثبات الذات، وربما «الكبت» أو «الاستجابة» لرغبات نفسية ملحة، وكذلك تأثير رفقاء السوء، بالإضافة إلى أن وسائل الاتصال وطرق التعارف الحديثة سهلت عليهم عملية الاتصال والتواصل، ولا ننسى ما فرضته علينا طبيعة الحياة الاجتماعية المعقدة التي ساهمت في ضعف الرقابة على الأبناء، مشدداً على أهمية بناء مزيد من الرقابة الذاتية في نفوسهم والاقتراب منهم، فمهما كان كان حجم المسؤوليات لابد من الحوار معهم ومتابعتهم وتوجيهم والتعامل معهم بكل شفافية، ومن المهم محاولة تكليفهم ببعض المهام الأسرية التي تساعد على إشغال وقت فراغهم، كذلك ينبغي أن تتحرك جميع المؤسسات المجتمعية لمعالجة تلك القضية المزمنة المخجلة في بدايتها والمؤسفة في نهايتها، مشيداً بالدور الكبير الذي تقدمه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التصدي لتلك الممارسات ومعالجتها بكل مهنية، في محاولة للحد من مخاطرها التي تلقي بضلالها على الفرد والمجتمع.
http://www.alriyadh.com/2011/11/11/article682396.html