نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الشــاعر الدكتور أحمـد عبــد الرزاق الخــاني
نبض حمــاة وشــاعر الملاحــــم
(هشــام الخــاني)


كتبت جريدة الشرق الأوسط منذ ســنوات ليست بالقريبــة مقــالا مطولا تحت عنـوان: ملحمة الشاعر أحمـد الخـاني ... لقد مات هوميروس مرتيـن ... ترى ماهي الفحوى التي حملهـا المقـال الذي كان عنوانـه كذلك؟

في الحقيقة ... اثـار العنوان فضولي بشكل كبير لحين أن تعرفت إلى الرجل المعني في المقال. لقد كان القـول والمقـال يخصان الشـاعر الإسـلامي الكبيـر (ابن العـم) الدكتور أحمد عبد الرزاق الخـاني (المعروف بشاعر الملاحم)، وهو الشــاعر الذي نظم (بالإضافة إلى عشرات الدواوين والقصص) عـددا من الملاحـم الشــعرية المتألقـة، التي لم يعرف الشعر العربي لها مثيــلا، وقــد تم نشـر بضعـا منهـا منذ فتـرة قاربت العشــرين عاما.

وليست الملاحـم الشـعرية الثلاث للشـاعر الكبيـر، وهي ملحمـة بـدر، وملحمـة احـد، وملحمـة الخنـدق ... إلا باكورة الشواهد عن الموهبـة النـادرة التي تمتع بهـا الدكتـور أحمـد الخـاني، حيث تتألف كل ملحمـة واحـدة من ثلاثـة مجلـدات، ويصـل عدد أبيات كل ملحمــة إلى مايعـادل عشـرة آلاف بيت. وهي ملاحـم تنبـىء منذ البدايـة، وعبر عناوينهــا العظيمـة ... تنبـىء كل ذي عقـل بالمضون الرئيسي لشـعر الشـاعر. إنـه (بدون شـك) الشـعر الإسـلامي الهـادف الذي ينضوي تحت اســتثناء اللــه للشــعراء الذين انتصـروا من بعـد ماظلمــوا. .

منذ ذلك الوقت قبـل مايزيـد على عقديــن، ، وقبـل إصـداره لملاحـم أخـرى ودواوين أخـرى كثيـرة ذات طوابـع عديـدة وهادفــة تحت مقاصـد عـدة، بالإضافـة إلى القصص، واهتمامـه بالبراعـم الناشـئة من أطفال المسلمين يزودهـم بجميـل العبـر والمفيـد من العظـة عبر قصص مختصـرة مفيـدة وذات مغزى ... منذ ذلك الوقت مابـرح هذا الرجـل يعطي من روحـه ودمـه نتاجــا أدبيــا عالي النقـاء والصفـاء، في المقصـد وفي الأداء، ضمن بيئـة مخلصــة براقــة تضـع شـعر (الخـاني) في اللــه وفي ســبيل اللـه.

إن للشـاعر الدكتـور أحمـد الخـاني تجربته الشعرية التي ذكـر هو مؤثراتهــا في تكوينه، وعزا تلك المؤثـرات إلى الوراثة، والبيئــة، والغربة والنــدوة الرفاعية. ويشـير الأسـتاذ الدكتـور إلى أفضـال أهلـه ومدينتـه وبيئتـه ووالده (رحمـه اللـه) في زرع القريحـة الشـعرية لديـه، ونموهـا.

ومن طريف مايقول مما يعكس الحس المرهف، والولاء المطلق، والاقتـداء الحسـن: "لقد ورثت الشــعر من أجدادي الشعراء: محمد الخاني وعبد المجيد الخاني، ومن أخوالي آل البارودي، وخاصة الشـاعر (وجيه البارودي) شــاعر حمــاة وطبيبهــا".

وقـد بيــن (الخـاني) ما للبيئـة من أثـر في شــعره، إذ نالت مدينتــه (مدينـة حماة) جائزة أجمــل مدينة في سوريا بنهرهــا ونواعيرها، وهي بالنسبة له أجمل مدينـة في التـاريخ بغض النظـر عن التصنيفات أو التحليـلات.

ويشـير "أحمـد الخــاني" وفق وفـاء فريـد، وحنيــن كبيـر (وبكل صراحـة) إلى حــذاء الخيــل الذي كان هو الإيقـاع الأقرب إلى قلبــه، والذي كان ســماع قرع إيقاعــه الرتيب محركـا أوليـا دفـع بقريحتــه وتذوقـه ونظمـه للشــعر القوي الجزل.
كيف لا .. وقد ارتبـط هذا الإيقــاع بورود الـوالد (رحمـه الله) ممتطيــا جـواده.

كذلك كانت غربـة (أحمـد الخـاني) عامـلا ذا أثـر كبيـر في شـعره وعواطفـه. وكان ســفره إلى المملكة العربية السعودية، ووفـائه لهـا ولأهلهـا، خاصـة اولئك الذين شـاكلوه في الشــعر والأدب والحس، عامـلا جعل من عاطفـة الحنيـن إلى الأهـل والأوطـان باعثـا رئيســا لنمـو مقـدرة النظـم الجميـل المعبـر لديـه. وقــد نتــج عن هذا الحنيـن نتاجــا كثيــرا، وكان منــه (على سبيل المثال لا الحصر) قصيدة مميزة تعم بالحنين والعطف والرقــة ابتدأهـا بمطلع:

بكت الحمامــة لوعــة ........ ســحرا فســالت أدمعـــي

ومن قصائده الاغترابية معارضته لمالك بن الريب في قصيدته:
ألا ليت شـــعري هــل أبيتــن ليلـــة
..........بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا

كذلك قـال:
ألا يا زمــان الوصـــل بالله قل ليـــا
.............فقد شفني وجدي وأنكرت حاليـــا
أمالك يا ابن الريب قم أيقظ القنــــا
............ألا ابك صلاح الدين إن كنت باكيـــا

وقـد عارض (الخــاني) عددا من شــعراء المعلقات، وتعرض إلى قضية السلام المزعوم مع اليهود.

وتوالت الأحداث الجسام على الشاعر، إذ مالبث أن ســمع خبر اســتشـهاد أخيه - فرثاه بقصيدة منها:

أخي ما أخي؟ نشر الجراح يطيب
ونجوى الشهيد يا أخي حبيب .......

واكتوى بألم فراق أمه فرثاها بقصيدة يقول فيها:

حنانيك يا أمي إليك حنيني
فهذي دموعي في النوى وأنيني......

وقد زادت هذه الأحداث من وطأة الغربة عليه ومعاناته فأغنت تجربته الشعرية بعواطف حارة صادقة فياضة.

لحن الجراح
وقف الأديب الخاني عند ديوانه الأول (لحن الجراح) الذي اعتبــره مرآة نفســه المتألمة، في غربته مع وفاة أبيه وأخيه وأمه. وحين انضم إلى ندوة الخميســية الرفاعيــة وجد شعرا مختلفا، إذ سمع شعرا ذا نوعيــة متميـزة ضمن جـو يمتاز بالشفافية والأصالة، فصمم ان يكون على مستوى منافسة هؤلاء العمالقة، فتطورت تجربته الشعرية من الناحية الفنيــة، وكانت قصيدته التي شهد لها الدكتور حسن ظاظا، وهي معارضة لقصيدة البردوني (وردة من دم المتنبي) ومنها:

يبصر الخلد في عمــاه المدمى ...... وسواه بشمس تشـرين أعمــى
يعربـي من رأس حمـــدان دارا ....... خاله النـــور، والندى صـــار عمــا
مأرب حافل، وصنعاء عطشــى ...... جاءك العيد كيف تنوين صومـــــا؟

إلى أن يقول على لسان المتنبي:

من ندى السيف طلع القتل صبحا.........ودمائي ترشُ نجما فنجما
اقطفـوا الورد من دماء قتيـــــــل ........ فالأكاليل من دمائي تدمى

ملحمة بدر الشعرية
كتب الشاعر أحمد الخاني ملحمة بدر، وصمم أن ينجزها مهما اعترضـه من صعوبات، خاصـة بعـد أن ســدّت عليه مسارب القول في منتصف الطريق. فذهب إلى أبهــا حيث اجمـل مناطـق الجزيـرة العربيــة، وهناك تفتحت في ذاتـه أبواب الشــعر على مصراعيها. فأكمل المسيرة الملحمية إلى أحــد فالخنــدق، فمعركة مؤتة، فاليرموك، وفتح القدس، والقادســـية، ثم الحروب الصليبية، وضياع القدس واسترجاعها، ودحر التتــار في عين جالوت، ثم فتح القسطنطينية، والحربين العالميتين وموقع الأمة الإسلامية فيهما، ثم الانتفاضة، وأخيراً ملحمة الفلوجة التي صاغها بأسلوب الرباعيات، ومطلعها:

يعشق المجد ومضة الأشواق ..... للبطــولات في مغانـي الحــداق

ومنها:
عزف النور لحنه البكر فجــــرا .......... فتهادى بمسمع الخلد نصـــــرا
وشدا السيف آي لحن نـديّ .......... خط بالحب في البطولات سطرا
من نداه تبرع الصخـــر حبــــا ...........ضمخ الكون في العوالم عطـــرا

الرؤية الشعرية لدى الخاني
تناول الشاعر أحمد الخاني رؤيته الشعرية بالحديث عما يسميه نظرية الأدب القائد، ومفادها - كما يقول - أن الآداب العالمية لا يوجد فيها أدب يقود النفس الانسانية إلى الخير والحب إلا الأدب الإسلامي، وطبقت هذه النظرية في دراسة على عدد من النصوص الشعرية لعدة شعراء، فأصدر كتاب: (مدرسة بدر الشعرية)، وبنت هذه المدرسة رؤيتها الفنية وفق مبـدأ يتمثـل بقيـام الشـاعر يصياغـة أحاسيسه بصدق الانفعال والتعبير عن الحياة بشفافية وفـق أسلوب مبدع بما لا يتناقض مع العقيدة الإسلامية. أما النظرية الغربية التي لا تنظر إلى المضمون مدعية الموضوعية، فإن مدرسة بدر تختلف معها تماماً.

ويتحدث الخاني عن موقفه الرافض لقصيدة التفعيلة، وعدم الاعتداد بها شعرا، والرسالة المفتوحة التي كتبها إلى الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة في رؤيتها التجديدية في الشعر الحديث. وكانت معارضتــه واضحـة لرفضها التناظر في الشعر القديم، حتى مالبثت أن غيرت موقفها فيما بعد.

قـام الخــاني بالتدريس في أكثـر من جامعـة من جامعـات المملكـة العربيـة الســعودية، وكان رائــدا ومازال في مجـال الأدب العربي، ورجـل النخبــة في الشــعر، يتوشــح سـيف الحـق والصــدق في نظم شــعره أو نثـر مقالاتــه. ويتلمس المتتبـع لنتـاج الخــاني ذلك واضحــا في سـائر أدائـه وعطائــه. ومـازال (حفظـه اللــه) مقصـدا للأدبـاء والشــعراء من شــتى أرجـاء العالـم العربي.

ولا أنسى اللقـاءات والمناســـبات التي عقـدت ولم تنقطــع في بيتـه العـامر يحضرهـا النخب من الشـعراء والأدبــاء وأهـل العلــم والفكــر. وأتذكـر عندمـا أطالـع ايـا من قصائـد أو دواوين ابن العـم أحمد الخـاني حديث رسـول اللــه عليه الصلاة والسلام الذي ورد في ســنن أبي داوود يقول: "إن المجاهد يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده ترمونهم به نضح النبل ... سنن أبى داود".

ورغم أن المقـام لايتسـع لأكثـر مما قلت، إلا أن القـول في حق العطـاء الذي بذلـه الخـاني تجـاه أمتـه ووطنـه يطـول ويطـول. لكـن موقع الشـاعر، والمواقع الأخـرى التي تتحدث عن شـعره، هي مصـادر كفيلـة بتزويـد من يريـد أن يتزود بمعلومات أوفــى عن (أحمـد الخـاني)،

إن متابعـة نوعيـات فريـدة ونـادرة مثـل هؤلاء الشــعراء هي أمـر جديـر بالمتابعـة والدراســـة والتحليـل لمن تمثـل الأدب وأحب الشـعر والنظـم، أو أحب العربيـة بشـكل عـام، لأن أيـا من هؤلاء سـيكون مـع سـيرة وأداء (الخـاني) أمـام نمط فريــد قـل نظيـره في عـالم الأدب العربي.

هشــام الخــاني

للاسـتـزادة .. يمكن مراجعة الروابط التاليــة:

http://www.alukah.net/Web/AlKhani/0/49284/
http://www.alukah.net/Literature_Language/0/1012/

http://www.alukah.net/Authors/View/World_Muslims/7464/
http://www.alukah.net/Sharia/11439/







مع الشكر الجزيل لابن العم "هشام الخاني" الذي نقلت من صفحته هذه السيرة العطرة