اغتيال المبحوح: بصمات إسرائيلية واضحة


حلمي موسى


بعد تسعة أيام على اغتياله، أعلنت شرطة دبي أن القيادي في حركة حماس محمود المبحوح قد لقي مصرعه اغتيالا على أيدي «عصابة إجرامية متمرسة»، يحمل معظم أفرادها جوازات سفر أوروبية. وأعلنت حركة حماس أثناء تشييع الشهيد المبحوح في مخيم اليرموك في دمشق أن الموساد الإسرائيلي هو من ارتكب الجريمة وأن ثأرها له قريب، فيما عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، كعادتها، إلى التلميح بأن دور المبحوح في أسر واغتيال جنود إسرائيليين في الماضي، وتهريب الأسلحة إلى غزة، كان وراء ملاحقته، معتبرة أنّ اغتياله كان تصفية لحساب مفتوح منذ عشرين عاما.
وجاء في بيان المكتب الإعلامي لحكومة إمارة دبي أن شرطة دبي تمكنت من كشف غموض حادث مقتل محمود عبد الرؤوف محمد حسن، العضو في حركة حماس، وأن التحقيقات الجارية ستساهم في سرعة تعقب المشتبه بهم وتقديمهم إلى المحاكمة في أسرع وقت، وذلك من خلال التنسيق مع سلطات الإنتربول الدولي، حيث غادر المشتبه بهم البلاد قبيل الإبلاغ عن وفاة المجني عليه، والعثور على جثمانه في أحد فنادق دبي.
ونقل المكتب عن مصدر أمني مسؤول في دبي إن التحقيقات الأولية ترجح أن الجريمة ارتكبت على يد عصابة إجرامية متمرسة، كانت تتبع تحركات المجني عليه قبل قدومه إلى دولة الإمارات. وأشار إلى أنه «بالرغم من سرعة تنفيذ الجريمة ومهارة مرتكبيها، إلا أن الجناة خلفوا وراءهم أثراً يدل عليهم وسيساعد على تعقبهم، ومن ثم القبض عليهم في أقرب
فرصة»، مؤكداً أن شرطة دبي لم تعد تعترف بعبارة «جريمة غامضة أو مجهولة».
وأوضح المصدر الأمني أن التحقيقات المبدئية أظهرت أن معظم المشتبه فيهم يحملون جوازات سفر أوروبية، لافتاً إلى أن شرطة دبي ستباشر كافة الترتيبات اللازمة مع الإنتربول الدولي، من أجل إلقاء القبض على الجناة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة في أقرب وقت ممكن. ونوّه بأن الأثر الذي حصلت عليه جهات التحقيق سيساعد بشكل كبير في سرعة تعقب مرتكبي الحادث.
وكان المبحوح قد وصل إلى دولة الإمارات بعد ظهر يوم الثلاثاء 19 كانون الثاني الحالي، قادماً من إحدى الدول العربية، حيث عثر على جثمانه ظهر اليوم التالي في الفندق الذي كان يقيم فيه في دبي. وأشار شقيق الشهيد، فائق المبحوح إلى أن النتائج الاولية للتحقيقات اثبتت أنه اغتيل بواسطة جهاز يحدث صعقة كهربائية، ثم جرى خنقه بواسطة قطعة قماش، وأن شخصين على الاغلب قاما بالاغتيال، وفقا للمعلومات التي ابلغ بها.
وأضاف أن شقيقه كان قد نجا خلال السنوات الاخيرة من ثلاث محاولات لاغتياله في غزة وفي بيروت، مشيراً إلى انه تم تسميمه قبل ستة أشهر، حيث ظل فاقدا للوعي لمدة 36 ساعة.
وأشارت صحف إماراتية إلى أنه عثر على جسد الشهيد المبحوح على آثار كي وتعذيب بكوابل كهربائية. ونقلت عن مصادر أمنية إن أربعة أشخاص شاركوا في عملية الاغتيال. ومنذ اغتياله قبل حوالي عشرة أيام، بقي الغموض يلف ظروف تصفيته، حيث أوحت جهات فلسطينية عديدة بأن إسرائيل تقف خلف ذلك.
وتتعامل إسرائيل مع الشهيد المبحوح على أنه أحد مؤسسي «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة حماس، وأنه من بين كبار المسؤولين في الحركة عن تهريب السلاح للضفة الغربية وقطاع غزة. وكان المبحوح مطلوبا لإسرائيل أثناء وجوده في غزة، إلى أن ترك القطاع، حيث تنقل بين دول عربية عديدة. وتتهم إسرائيل المبحوح بأنه كان وراء اختطاف واغتيال الجنديين إيلان سعدون وآفي سسبورتاس في منتصف الثمانينات، وأنه واصل عمله لتهريب الأسلحة للقطاع، فيما أشارت بعض الصحف الإسرائيلية إلى أنه كان للمبحوح دور في الأسلحة التي ضبطتها البحرية الإسرائيلية على سفينة «فرانكوب» قبل أشهر.
وخلال استقبال جثمان المبحوح في مطار دمشق، اتهم نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق إسرائيل باغتيال الشهيد، فيما أكد عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق أن دماء الشهيد لن تذهب هدرا، مشدداً على أن «العدو الصهيوني وراء الجريمة، ولدينا بالإثبات والدليل من خلال التحقيقات، أن يد العدو كانت موجودة، وأن أسلوبه وعملاءه كانوا في المكان».
وحمّلت كتائب القسام الاحتلال المسؤولية الكاملة عن اغتيال المبحوح. وأكد المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة لشبكة «فلسطين الآن» أن الاحتلال لن يفلت من العقاب، مشددا أن «القسام» سترد على الاحتلال في الوقت المناسب ولن تسكت على مثل هذا الأمر.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت «القسام» ستحول جبهة القتال مع الاحتلال إلى الخارج كرد على اغتيال المبحوح، قال أبو عبيدة إنّ «معركتنا مع الاحتلال داخل فلسطين، وسنرد عليه في الوقت المناسب، وسننشر تفاصيل الاغتيال أيضا في الوقت المناسب».
بدوره، تقدم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل المشيعين في مخيم اليرموك حيث توعد إسرائيل بالثأر لهذه الجريمة. وقال مشعل: «سنثأر لدماء هذا العملاق الزكية والأيام سجال بيننا، يوم لنا ويوم علينا.. سنثأر لدم هذا الرجل». وتابع: «إن سررتم بأنكم اغتلتم رجلاً عظيماً اغتال بعض جنودكم بشجاعة وليس بغدركم، فهي فرحة عابرة استثنائية، فلا تفرحوا كثيراً، ففرحة عابرة لن تتوقفوا عندها كثيراً». واختتم مشعل بالقول: «أقسم بالله وباسم الله وعلى بركة الله... سننتقم لدماء محمود المبحوح، والأيام بيننا سجال، واليوم الأخير لنا بإذن الله».
ورحبت عائلتا الجنديين الإسرائيليين سعدون وسسبورتاس باغتيال المبحوح، حيث أثنت على أجهزة الأمن الإسرائيلية، فيما أعرب رئيس بلدية عسقلان بني فاكنين عن رضاه على «تصفية الحساب» مع المبحوح. وقال فاكنين: «من ناحيتنا هذا إغلاق لدائرة، فطوال سنوات عانت أسرة الجنديين، ونحن نثني على الجيش الإسرائيلي وعلى قوى الأمن على عمليتها هذه».
واعتبر المعلق الأمني لموقع «يديعوت أحرونوت» الالكتروني روني بن يشاي أن الاغتيال رسالة لحماس ولآسري الجندي جلعاد شاليت. وكتب أنه لا غرابة في اتهام الموساد باغتيال المبحوح الذي كان «أحد كبار المسؤولين عن منظومة مشتركة لحماس وإيران، تنظم وتشرف على تهريب الصواريخ والسلاح والمواد المتفجرة والمخربين الفلسطينيين المدربين من إيران إلى قطاع غزة».
وأضاف بن يشاي أن نتائج فحص جثة المبحوح أظهرت أنه توفي جراء تسمم أو بسبب مادة تعرض لها. وأشار إلى أن التسميم أو التعريض لمواد معينة أو لأجهزة كهربائية يمس مراكز الأعصاب الرئيسية ويقود إلى مصاعب في التنفس أو اختناق أو حتى لجلطة. وأوضح أن الأطباء في دبي ربما اكتشفوا آثار صعق كهربائي. وخلص إلى أنه إذا صحت اتهامات حماس للموساد، فإن اغتيال المبحوح في دبي يكشف عن القدرات الفائقة للاستخبارات الإسرائيلية في ملاحقة رجال حركة حماس والوصول إليهم.
يذكر أن المبحوح هو من مواليد العام 1960 في مخيم جباليا، وهو أب لأربعة أبناء هم منى (24 عاماً)، وعبد الرؤوف (21 عاماً)، ومجد (11 عاماً)، ورنيم (7 أعوام). انخرط في صفوف المقاومة في العام 1978، وقد اعتقل عام 1986 بتهمة حيازة سلاح «كلاشنيكوف». وبعد خروجه من المعتقل واصل نضاله في صفوف حركة حماس، حيث توطدت علاقته بمؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين، وبمؤسس «القسام» الشهيد صلاح شحادة، وكان عضواً في المجموعة العسكرية الأولى لـ«القسام» التي أسسها محمد الشراتحة.
إثر انكشاف دور المبحوح في عملية قتل الجنديين سعدون وسبورتاس العام 1989، وبعد مطاردة في غزة دامت أكثر من شهرين، تمكن الشهيد المبحوح من اجتياز الحدود إلى مصر، هو ورفاقه، ومنها توجهوا إلى ليبيا، ومن ثم إلى سوريا.


المصدر
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1450&articleId=2959&Channel Id=33632&Author=حلمي%20موسى