الدكتوراه أصبحت لا تغني ولا تسمن علماً/ مصطفى ابراهيم
5/4/2014
الطموح لا حدود له و ليس عيبا ان يسعى الانسان الى تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي، فهذا شعور انساني وحق لكل إنسان، لكن العيب ان يتم التدليس على حساب العلم و المعرفة، قبل سنوات كان الطلاب المتفوقون والمؤهلون علميا و معرفيا هم المقبولون للتسجيل للحصول على الشهادات العليا من الماجستير و الدكتوراه، وهؤلاء هم من يشكلون نخبة المجتمع العلمية.ومع بداية السلطة قامت بفتح باب التوظيف بالشهادات العليا والترقيات، و اصبحت اعداد كبيرة من النساء والرجال يتسابقون للحصول على شهادات فارغة من محتواها المعرفي و العلمي، والتقليل من قيمة البحث العلمي، فإن معظم الحاصلين على الشهادات العليا في الجامعات الفلسطينية او العاملين في الوزارات المختلفة لم يسبق لهم ان كتبوا نصا او انجزوا دراسة أفادوا بها انفسهم او المجتمع الفلسطيني.خلال السنوات الاخيرة انتشرت موضة الحصول على الشهادات العليا، على الرغم من ان البحث العلمي و الابداع لا يتوافق و الموضة، فالعلم ليس سلعة، و في كل سنة يتخرج المئات من حاملي الشهادة العليا الماجستير و الدكتوراه، و اصبحت الشهادات مجرد وسيلة للرزق والانتفاع منها عند شريحة من الموظفين في الوزارات والجامعات، فالكثير منهم لا يكتبون جملة. و الهدف من وراء دراستهم تحسين اوضاعهم المالية و الادارية، و عندما يكون هدف الدراسة وهاجسها المنفعة يغيب الابداع والتفكير والإنتاج العلمي والمعرفي، وتصبح شهادة الدكتوراه لقب من كرتون.وبعضهم يعد نفسه من المشاهير و يحمل القاب تحوم حوله شبهة حصوله على الشهادة العلمية، ولا يعرف القيمة الحقيقية للشهادة، وبعضهم وسم نفسه بسمة الكبرياء والغرور والعجرفة، ومنهم من وضع نفسه في قالب من الوقار يشدك مظهره، وعندما تقترب منه تجده من دون طعم ولا لون، ويغضب منك إذا ناديته باسمه من دون اللقب، فهو لا يحب ان تناديه باسمه إنما الدكتور.اصبح الحصول على لقب الدكتوراة ظاهرة وعرفا اجتماعيا، و غاية إما من أجل التباهي به أمام الأصدقاء والأهل أو من أجل الحصول به على امتيازات مالية و معنوية ووظيفة محترمة.والسؤال الملح: ما هو الهدف من الحصول على الشهادة العلمية؟ و هل كل دكتور مثقف؟ وما هو الرصيد العلمي والمعرفي له وللمجتمع؟ محزن ان تسمع وترى عدداً من حملة الشهادات العليا الدكتوراه يدورون على مؤسسات المجتمع المدني و الجامعات والمعاهد والكليات المتوسطة من اجل ان يحصلوا على مساق او اثنين أو ساعات مقطوعة، و كم هو محزن أن تسمع عن المحسوبية والواسطة والتوظيف على اساس الحزب والسلطة الحاكمة في غياب واضح لتكافؤ الفرص ومزيد من الافساد و الفساد.البعض منهم يحق أن تحترمهم ونقدر طموحهم وعلمهم الذي يحملونه في عقولهم وصدورهم، و مجرد الحديث معهم تجده تواق للإبداع وللإسهام في الحقل المعرفي في مجال تخصصهم، كمن اختار الفيزياء التي اصبحت نادرة الان في مجتمعنا او العلوم و الهندسة الوراثية او تكنولوجيا المعلومات استجابة لمتطلبات العصر، أو عالج في دراسته و أطروحته قضية اجتماعية تمس واقعنا الفلسطيني المتدهور، ودراسة بعض الظواهر الاجتماعية المتفشية في مجتمعنا الفلسطيني كعمالة الاطفال، او أطفال الشوارع، او العنوسه، والفقر وضحايا الطلاق وغيرها من المشكلات التي يعني منها المجتمع الفلسطيني.
هؤلاء لهم الحق في التوظيف والعمل والسلطة ملزمة بتشغيلهم للاستفادة من علمهم ومعرفتهم، وكثر من كلف نفسه وعائلته عناء سنين طوال للحصول على شهادة لاتسمن ولا تغني من جوع.أعداد كبيرة من حملة الدكتوراة يتكاثرون بصورة مشوهة من دون أي اضافة نوعية معرفية وعلمية، فحامل هذه الشهادة لا هو من طور ذاته وقدراته ولا أسهم بشكل ملموس في حل قضايا البلد المستمرة في التأزم، و حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية او مشكلة أزمة السكن غير اللائق، أو ارتفاع اسعار الاراضي والعقارات وتأثير الانفاق، او التخفيف من تداعيات الأزمة المالية.لست بصدد التقليل من قيمة و قدر احد أو التجريح في شخص أحد أو حتى الدفاع عنه، لكن ما خطر ببالي و أحزنني بعض من يحسبون أنفسهم دكاترة ويدافعون عن اللقب أكثر ما يدافعون عن تحصيلهم العلمي والمعرفي الحقيقي وليس المزيف والإنتاج الذي يقدمونه للمجتمع وطلابهم، ما يخلق تضخماً لأصحاب الشهادات الفارغة، و مشكلات لسوق العمل، لأنها شهادات بدون قيمة مضافة و إنتاج مهني متدني.وكي اكون منصفاً ولا أتهم باني اقدم صورة سوداوية، فهناك اعداد من الحاصلين على شهادة الدكتوراه بجداره ويرهقون أنفسهم ويجهدونها في تقديم الانتاج العلمي والمهني والتنوير وتوعية المجتمع، ولهم إسهامات مهمة في التنمية البشرية، و نهضة مجتمعنا الفلسطيني.والسؤال المهم: هل الخلل في الباحث الجامعي الطموح الذي يبحث عن العلم والمعرفة والإنتاج العلمي؟ ام في النظام التربوي والتعليمي؟ و اذا ما قلنا ان السلطة والحكومتين لا تساهمان في تشجيع الشباب على البحث العلمي؟ أزمة البحث العلمي في فلسطين وبشكل مجرد والنظر في نسبة البحث العلمي من ميزانية السلطة، وعدد الرسائل الجامعية خلال السنوات العشرة الماضية لم استطع التوصل الى رقم محدد، فهي متدنية جداً ومعيب ان لا تكون ميزانية للبحث العلمي، و سنكتشف مأساة البحث العلمي في فلسطين، والشكوك والأسئلة حول مصداقية الكثير من الشهادات العلمية المزعومة.وحتى اللحظة لا يوجد أي استثمار حقيقي في البحث العلمي، ما يعزز القناعة بأن دعم البحث العلمي مرتبط بالإرادة الذاتية و السياسية، ويجب ان ينخرط فيها الجميع من جامعات ومعاهد علمية و المجتمع المدني و القطاع الخاص. مع ضرورة الاهتمام والرقي بالمستوى المعرفي الشخصي والجماعي كي يصبح العلم وشهادة الدكتوراه تغني و تسمن علماً ومعرفة و تصبح عقولنا كالسنابل المثمرة.