مواساة أهل الشام ... بكفالة ربّ الأنام !
قد عزّ النصير ، وفقِد المجير ، من بني البشر ، وتقطّعت بأهل الشام المستضعفين السّبل ، سبل الاستنصار بالأحرار ، فلم يبق لهم من ناصر ولا مُجير سوى العزيز الجبّار ، ولنعم المولى ونعم النصير . إذ استهدف أهلَ الشام طغاتُهم في البوادي والحضر ، ولم يسلم من هذا الاستهداف الآثم بيتُ مدر ولا وبر ، ولم يشفع لكبيرهم الشيخوخة والكِبَر ، ولا لصبيتهم صِبىً ، ولا حتى لأطفالهم طفولة وصِغر ... يحيلون العمران الإنسانيّ والبنيانيّ أثرا بعد عين ! ويذيقون أبناء شعبهم الأمَرّين !
وتلك رزيّة لم تحلّ بأهل الشام فقط ، إنما بالإنسانية جمعاء ؛ إذ تلبّدت سماء الضمير الإنسانيّ العالميّ بغيوم مثقلة بالعجز ، وسادت آفاقها كتلٌ ضبابيّة مشوبة بالظلم والبخس !
ولمّا كان الشام موضعَ كلاءة وعناية ربانيتين ، كما جاء في حديث ابن حوالة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ) [ مسند الإمام أحمد 4/ 110،100 ـ والحاكم في المستدرك برقم 86030 وصححه ـ والهيثمي في المجمع 10/59 وقاله رجال ثقات ] قال العز بن عبد السلام – رحمه الله تعالى – ( وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشام في كفالة الله تعالى ، وأن ساكنه في كفالته ، وكفالته : حفظه وحمايته ، ومن حاطه الله تعالى حفظه فلا ضيعة عليه ) [ ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام 28 ]
وإذا كان ذلك كذلك : فلئن انقطع عن مستضعفي الشام المدد الظاهر الذي مبعثه الأنام ، فلهم غنية وعوض في المدد الباطن الذي مصدره ربّ الأنام .
حتى إذا ما مسّ الطغاة الكفالة الربانيّة المضروبة على أهل الشام بسوء ، فيكونوا قد زجّوا أنفسهم وكياناتهم في رحى حواصد الآمال وجوارف الآجال !
إذ ستحصد السنن الربانيّة التي هي ظلّ الإرادة الإلهية ستحصد آمال الطغاة لتحيلها هشيماً تذروها الرياح ، رياح النوازل السماوية والقوارع الإلهية ! ولسوف تجرف النواميس الإلهيّة آجال الكيانات المستبدّة كذلك ، مهما كدّست تلك الكيانات الباغية من عتاد وعدّة ، ومهما أجلبت على شعوبها المستضعفة بخيلها ورَجلها وآلة البطش والدّمار والحرب ، ونشرت الموت والخراب والبؤس في كلّ درب ؛ فأزهقت الأرواح ، وأثخنت الجراح ، وتطايرت على أيديها الأشلاء في الساح ، وجرَت بالدم البطاح ...
وستظلّ معركة الشعوب المستضعفة مع طغاتها تتراوح بين الدّاء القاهر والدّواء الجابر ؛ فالدّاء القاهر هو داء الاستبداد والظلم والطغيان والمكر السيّئ الذي لا يحيق إلا بأهله ، فكيانات يدبّ فيها هذا الدّاء حتماً ستندحر، ويقينا ستقهر وتندثر ، لأنها أسست بنيانها على شفا جرف هار ، لا يلبث أن ينهار !
أمّا الدواء الجابر : فهو شيوع الرّوْح وسكون الرّوع الذي يتنزّل على الشعوب المستضعفة المغلوبة على أمرها ، دواء يبلسم لها الجراح ، ويبعث فيها الأمل ، ويبثّ فيها الهمّة والعزيمة ، لتنهض فتتجلّد رغم الجرْح ، وتثبت رغم القرح !
وبعد : فما من طاغية استجلب لنفسه الدّاء القاهر فأعمل في شعبه أسنّته وسنانه إلا كان أحمقَ أخرَق ، إذ سيوبقه العزيز الجبّار فيمن أوْبَق ، وسيغرقه وأشياعَه في بحر لجيّ من الشقوة والنكال والخيبة والخسران فيمَن أغرق ، وسيُفعَل بهم كما فعِل بأشياعهم من قبْل ؛ فلهم في فرعون أطغى الطغاة سلَفٌ ، ومثلٌ أسبق !