منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 10

العرض المتطور

  1. #1

    قصيدة البوصيري في المدائح النبوية(هدية)

    أن من أجمل من كتب عن البردة البوصيرية
    [align=center]د . عبد العزيز محمد آل عبد اللطيف
    في مذكرته قَوَادِحٌ عَقَدِيَةٌ فِي بُرْدَةِ الُبوصِيرِي
    وهذا نصها
    ميميه البوصيري - المعروفة بالبردة - مـن أشـهــــر الـمــدائـح النبوية وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، ولذا تنافس أكثر من مائه شاعر في معارضتها، فضلاً عن الـمـشـطِّرين والمخمِّسين والمسبِّعين، كما أقبل آخرون على شرحها وتدريسها، وقد تجاوزت شروحـهـــــا الـمكتوبة خمـسـيـن شــرحـــــاً، فيها ما هو محلى بماء الذهب! وصار الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن.
    يـقــول الـدكـتـور زكـي مـبــارك : وأما أثرها في الدرس، فيتمثل في تلك العناية التي كان يوجهها العلماء الأزهريون إلى عـقـــــد الدروس في يومي الخميس والجمعة لدراسة حاشية الباجوري على البردة، وهي دروس كـانـت تـتـلـقـاهــــا جماهير من الطلاب، وانما كانوا يتخيرون يومي الخميس والجمعة، لأن مـثــل هذا الـــدرس لم يـكـــن من المقررات فكانوا يتخيرون له أوقات الفراغ
    وقد أطلق البوصيري على هذه القصيدة البردة من باب المحاكاة والمشاكلة للقصيدة الشهيرة لـكـعـــــب بن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؛ فقد اشتهر أن النـبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى كعباً بردته حين أنشد القصيدة - إن صح ذلك - فـقــــد ادعى البوصيري - في منامه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألقى عليه بردة حين أنشده القصيدة !!
    وقد سمى البوصيري هذه القصيدة أيضاً بـ الكواكب الدرية في مدح خير البرية
    . كما أن لهذه البردة اسماً آخـــــر هو الـبرأة ؛ لأن البوصيري كما يزعمون برئ بها من علته، وقد سميت كذلك بقصيدة الشـدائــد ؛ وذلك لأنها - في زعمهم - تقرأ لتفريج الشدائد وتيسير كل أمر عسير.
    وقـد زعم بعض شراحها أن لكل بيت من أبياتها فائدة ؛ فبعضها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون
    يقــــول محمد سيد كيلاني - أثناء حديثه عن المخالفات الشرعية في شأن البردة -: ولم يكـتـف بعض المسلمين بما اخترعوا من قصص حول البردة، بل وضعوا لقراءتها شروطاً لم يوضــع مثلها لقراءة القرآن، منها : التوضؤ، واستقبال القبلة، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابـهــــــا، وأن يكون القارئ عالماً بمعانيها، إلى غير ذلك. ولا شك في أن هذا كله من اختراع الصوفـيــة الذين أرادوا احتكار قراءتها للناس، وقد ظهرت منهم فئة عرفت بقراء البردة، كانت تُستدعى في الجنائز والأفراح، نظير أجر معين
    وأما عن مناسبة تألـيـفـها فكما قال ناظمها : كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثـــم اتفق بعد ذلك أن أصابني خِلْط فالج أبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة، فـعـمـلـتـهـــا، واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، وبكيت ودعوت، وتوسلت ونمت، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بــردة، فـانـتـبـهــت ووجــدت فيّ نهضة ؛ فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت : أيّها؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولّها، وقال : والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأيت رسول الله -صلى الله عـلـيــــه وسلم-، يتمايل وأعجبته، وألقى على من أنشدها بردة، فأعطيته إياها، وذكــر الفقير ذلك، وشاع المنام
    ففي هذه الحادثة تلبّس البوصيري بجملة من المزالق والمآخذ، فهو يستشفع ويتقرب إلى الله - تعالى - بشرك وابتداع وغلو واعتداء - كما سيأتي موضحاً إن شاء الله -.
    ثم ادعى أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- دون أن يبيّن نعته ؛ فإن من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب صفاته المعلومة فقد رآه، فإن الشيطان لا يتمثل بــــه - كما ثبت في الحديث -.
    ثـم ادعــى أن النبي في -صلى الله عليه وسلم- مسح على وجهه وألقى عليه بردة، فعوفي من هذا الفالج، فتحققت العافية بعد المنام دون نيل البردة! ثم التقى البوصيري - في عالم اليقظة - بأحد المتصوفة وأخبره بسماع القصيدة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسـلــم، وأن الرســــــول -صـلـى الله عليه وسلم- تمايل إعجاباً بالقصيدة، وهذا يذكّرنا بحديث مكذوب بأن النبي -صلــى الله عليه وسلم- تواجد عند سماع أبيات حتى سقطت البردة عن منكبيه وقال: ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر المحبوب.
    قال شيخ الإسلام : إن هذا الحديث كذب بإجماع العارفين بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته وأحواله
    وأما عن استجابة دعاء البوصيري مع ما في قصيدته من الطوامَّ، فربما كان لاضطراره وعظم فاقته وشدة إلحاحه السبب في استجابة دعائه.
    يقول شيخ الإسلام : ثم سـبـب قـضــــاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له، لصدق توجهه إلى الله، وان كان تحري الدعاء عند الوثن شركاً، ولو استجيب له على يد المتوسل به، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته، فـإنــــه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعفُ الله عنه، فكم من عبد دعا دعاء غير مبــاح، فقضيت حاجته في ذلك الدعاء، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة
    وأما عن التعريف بصاحب البردة فهو : محـمــــد بن سعيد البوصيري نسبة إلى بلدته أبو صير بين الفيوم وبني سويف بمصر، ولد سنة 608هـ، واشتغل بالتصوُّف، وعمل كاتباً مع قلة معرفته بصناعة الكتابة، ويظهر من ترجمته وأشعاره أن الناظم لم يكن عالماً فقيهاً، كما لم يكن عابداً صالحاً ؛ حيث كان ممقوتاً عند أهـــــــل زمانه لإطلاق لسانه في الناس بكل قبيح، كما أنه كثير السؤال للناس، ولذا كان يقـف مــــــع ذوي السلطان مؤيداً لهم سواء كانوا على الحق أم على الباطل.
    ونافح البوصيري عن الطريقة الشاذلية التي التزم بها، فأنشد أشعاراً في الالتزام بآدابها، كما كانت له أشعار بذيئة يشكو من حال زوجه التي يعجز عن إشباع شهوتها!
    توفي البوصيري سنة 695هـ وله ديوان شعر مطبوع
    وسنورد جملة من المآخذ على تلك البردة التي قد تعلّق بها كثير من الناس مع ما فيها من الشرك والابتداع. والله حسبنا ونعم الوكيل.
    1- يقول البوصيري :
    وكيف تدعو إلى الدنيا ضـرورة مـن = لـولاه لم تُخرج الدنيا من العدم
    ولا يخفى ما في عَجُز هذا البيت من الغلو الشنيع في حق نـبـيـنــا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث زعم البوصيري أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال - سبحانه: ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56]،
    وربما عوّل أولئك الصوفية على الخبر الموضوع : لولاك لما خلقت الأفلاك.
    2- قال البوصيري :
    فاق النبيين في خَلق وفي خُلُق=ولـم يـدانــوه في عــلـــم ولا كرم
    وكلهم من رسول الله ملتمس =غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
    أي أن جميع الأنبياء السابقين قد نالوا والتمسوا من خاتم الأنبيـاء والرسل محمد -صلى الله عليه وسلم-، فالسابق استفاد من اللاحق! فتأمل ذلك وقارن بينه وبين مقالات زنادقة الصوفية كالحلاج القائل : إن للنبي نوراً أزلياً قديماً كان قبل أنــــــه يوجد العالم، ومنه استمد كل علم وعرفان ؛ حيث أمدّ الأنبياء السابقين عليه.. وكذا مقالـة ابن عربي الطائي أن كل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي يأخذ من مشكاة خاتم النبيين
    3- ثم قال :
    دع ما ادعته النصارى في نـبـيـهم =واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم [/poem]
    يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - منتقداً هذا البيت : ومن المعلوم أن أنواع الغلو كثيرة، والشرك بحر لا ساحل له، ولا ينحصر في قول النصارى ؛ لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان وأهل الجاهلية كذلك، وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في الـمـسـيـــح - غالباً - : إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله، لكن عبدوها معه لاعتقادهم أنها تشفع لهم أو تنفعهم فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات على أن قوله في منظومته : دع ما ادعته النصارى في نبيهم مَخْلَصٌ من الغلو بهذا البيت، وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة
    لقد وقع البوصيري وأمثاله من الغلاة في لبس ومغالطة لمعنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- : لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مـريـم إنـمــــــــا أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله،
    فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هـــــو الإطراء المماثل لإطراء النصارى ابن مريم وما عدا ذلك فهو سائغ مقبول، مع أن آخر الحديث يردّ قولهم ؛ فإن قوله - عليه الصلاة والسلام - : إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله تقرير للوسطية تجاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، والمبالغة في مدحه تؤول إلى ما وقع فيه النصارى من الغلو في عيسى - عليه السلام -، وبهذا يُعلم أن حرف الكاف في قوله -صلى الله عليه وسلم- : كما أطرت هي كاف التعليل، أي كما بالغت النصارى
    ويقول ابن الجوزي - في شرحه لهذا الحديث - : لا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه ؛ لأنَّا لا نعلم أحداً ادعى في نبينا ما ادعته النصارى في عيسى - عليه السلام - وإنما سبب النهي فيما لم يظهر ما وقع في حديث معاذ بن جبل لما استأذن في السجود له فامتنع ونهاه ؛ فكأنه خشي أن يبالغ غيره بما هو فوق ذلك فبادر إلى النهي تأكيداً للأمر
    4 - وقال أيضاً :
    لو ناسبت قــدره آيــاتــه عِظماً = أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرمم
    يقول بعض شرّاح هذه القصيدة : لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله - تعالى - وكل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره
    يقول الشيخ محمود شكري الآلوسي منكراً هذا البيت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغلو ؛ فإن من جملة آياته -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم الشأن ؛ وكيف يحل لمسلم أن يقول : إن القرآن لا يناسب قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو منحط عن قدره ثم إن اسم الله الأعظم وسائر أسمائه الحسنى إذا ذكرها الذاكر لها تحيي دارس الرمم؟
    5- وقال أيضا :
    لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه = طوبى لمنتشق منه وملتثم
    فقد جعل البوصيري التراب الذي دفنت فيه عظام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطيب وأفضل مكان، وأن الجنة والدرجات العلا لمن استنشق هذا التراب أو قبَّله، وفي ذلك من الغلو والإفراط الذي يؤول إلى الشرك البواح، فضلاً عن الابتداع والإحداث في دين الله - تعالى -.
    قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد
    6- ثم قال :
    أقسمتُ بالقمر المنشق إنّ له=من قلبه نسبةً مبرورة القسم [/poem]
    ومن المعلوم أن الحلف بغير الله - تعالى - من الشرك الأصغر ؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك
    وقال ابن عبد البر - رحمه الله - :لا يجوز الحلف بغير الله - عز وجل - في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال، وهذا أمر مجتمع عليه... إلى أن قال : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها، لا يجوز الحلف بها لأحد
    7- قال البوصيري :
    ولا التمست غنى الدارين من يــده = إلا استلمت الندى من خير مستلم فجعل البوصيري غنى الدارين مُلتَمساً من يد النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن الله - عز وجل - قال : ((ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)) [النحل:53]، وقال - سبحانه - : ((فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ)) [العنكبوت:17]، وقال - تعالى - : ((قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ) [يونس:31]، ((قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)) [سبأ:22] .
    وأمر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة المذكورة في قوله - تعالى - : ((قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ ولا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ)) [الأنعام:50].
    8- قال البوصيري :
    فإن لي ذمة منه بتسمـيـتي=محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
    وهذا تخرُّص وكذب ؛ فهل صارت له ذمة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمجرد أن اسمه موافق لاسمه؟! فما أكثر الزنادقة والمنافقين في هذه الأمة قديماً وحديثاً الذين يتسمون بمحمد!
    و يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت : قوله : فإن لي ذمة... إلى آخره كذب على الله وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- فليس بينه وبين اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك.
    فالاتفاق في الاسم لا ينفع إلا بالموافقة في الدين واتباع السنة.
    9- وقال البوصيري :
    إن لم يـكـن في معادي آخذاً بيدي = فضلاً وإلا فقل يا زلة الـقــدم
    والشاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين ؛ إذ مضمونه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المسؤول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر، فانظر إلى قول الشاعر، وانظر في قوله - تعالى - لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : ((قُلْ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) [الزمر:13].
    ويزعم بعض المتعصبين للقصيدة أن مراد البوصيري طلب الشفاعة ؛ فلو صح ذلك فالمحذور بحاله، لما تقرر أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله - تعالى - : ((ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [يونس:18]، فسمى الله - تعالى - اتخاذ الشفعاء شركاً
    10- وقال :
    يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به= سواك عند حلول الحادث العمم
    يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت -: فتأمل ما في هذا البيت من الشرك :
    منها : أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
    ومنها : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية.
    وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب هذا البيت قائلاً : فعظم البوصيري النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يسخطه ويحزنه ؛ فقد اشتد نكيره -صلى الله عليه وسلم- عما هو دون ذلك كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه ؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه ؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله : ((وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً)) [الجن: 6]، أي طغياناً، واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر، فهو سواء في الطلب والهرب
    وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - عن هذا البيت : فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . إنا لله وإنا إليه راجعون
    11- وقال البوصيري :
    ولن يضيق رسول الله جاهك بي = إذا الكريم تحلى باسم منتقم
    قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : سؤاله منه أن يشفع له في قوله : ولن يضيق رسول الله... إلخ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره ؛ فإن الله - تعالى - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداءاً
    12- وقال أيضا :
    فإن من جودك الدنيا وضرتها = ومن علومك علم اللوح والقلم
    فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإفضاله، والجود هو العطاء والإفضال ؛ فمعنى الكلام : أن الدنيا والآخرة له -صلى الله عليه وسلم-، والله - سبحانه وتعالى - يقول : ((وإنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأُولَى)) [الليل:13]
    وقوله : ومن علومك علم اللوح والقلم. في غاية السقوط والبطلان ؛ فإن مضمون مقالته أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، وقد قال - سبحانه - : ((قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] وقال - عز وجل - : ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ والْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) [الأنعام:59]، والآيــات فـي هـذا كثيرة معلومة
    وأخـيـراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع ؛ فإن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- إنـمـا يكون بتصديقه فيما أخبر، واتباعه فيما شرع، ومحبته دون إفراط أو تفريط، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما ؛ فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة.
    وإن كـــان لا بد مـن قـصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة -رضي الله عنهم- كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي.
    اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛ إنك حميد مجيد.
    وللفائدة والإطلاع
    قراءة نقدية لأبيات شركية
    أقوال علماء السنة في البردة البوصيرية
    ولقراءة القصيدة مع التحذير من الأبيات الشر كية بها



    أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ = مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ
    أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ =وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضـمِ
    فما لعينيك إن قلت اكْفُفا هَمَتــا = وما لقلبك إن قلت استفق يهــــمِ
    أيحسب الصبُ أنّ الحب منكتـــمٌ =ما بين منسجم منه ومضْطَّــــــرمِ
    لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـللٍ = ولا أرقْتَ لذكر البانِ والعَلــــمِ
    فكيف تنكر حباً بعد ما شــهدتْ =به عليك عدول الدمع والســــقمِ
    وأثبت الوجدُ خطَّيْ عبرةٍ وضــنىً =مثل البهار على خديك والعنــــمِ
    نعمْ سرى طيفُ منْ أهوى فأرقـني =والحب يعترض اللذات بالألــــمِ
    يا لائمي في الهوى العذري معذرة =مني إليك ولو أنصفت لم تلــــمِ
    عَدتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمســـــتترٍ =عن الوشاة ولا دائي بمنحســــمِ
    محضْتني النصح لكن لست أســمعهُ = إن المحب عن العذال في صــممِ
    إنى اتهمت نصيحَ الشيب في عذَلٍ =والشيبُ أبعدُ في نصح عن التهــمِ
    في التحذير من الهوى
    فإنَّ أمَارتي بالسوءِ ما أتعظـــتْ = من جهلها بنذير الشيب والهـــرمِ
    ولا أعدّتْ من الفعل الجميل قـرى = ضيفٍ ألمّ برأسي غيرَ محتشـــم
    لو كنتُ أعلم أني ما أوقـــرُه = كتمتُ سراً بدا لي منه بالكتــمِ
    منْ لي بردِّ جماحٍ من غوايتهـــا = كما يُردُّ جماحُ الخيلِ باللُّجُــــمِ
    فلا ترمْ بالمعاصي كسرَ شهوتهـــا = إنَّ الطعام يقوي شهوةَ النَّهـــمِ
    والنفسُ كالطفل إن تُهْملهُ شبَّ على = حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــمِ
    فاصرفْ هواها وحاذر أن تُوَليَــهُ = إن الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِـمِ
    وراعها وهي في الأعمالِ ســائمةٌ = وإنْ هي استحلتِ المرعى فلا تُسِمِ
    كمْ حسنتْ لذةً للمرءِ قاتلــةً مـن = حيث لم يدرِ أنَّ السم فى الدسـمِ
    واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع = فرب مخمصةٍ شر من التخـــــمِ
    واستفرغ الدمع من عين قد امتلأتْ = من المحارم والزمْ حمية النـــدمِ
    وخالف النفس والشيطان واعصِهِما = وإنْ هما محضاك النصح فاتَّهِـــمِ
    ولا تطعْ منهما خصماً ولا حكمـــاً = فأنت تعرفُ كيدَ الخصم والحكــمِ
    أستغفرُ الله من قولٍ بلا عمــــلٍ = لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقـــــُمِ
    أمْرتُك الخيرَ لكنْ ما ائتمرْتُ بـه = وما اسـتقمتُ فما قولى لك استقـمِ
    ولا تزودتُ قبل الموت نافلـــةً = ولم أصلِّ سوى فرضٍ ولم اصــــمِ
    في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
    ظلمتُ سنَّةَ منْ أحيا الظلام إلـــى = إنِ اشتكتْ قدماه الضرَ من ورمِ
    وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطـــوى = تحت الحجارة كشْحاً مترف الأدمِ
    وراودتْه الجبالُ الشمُ من ذهــبٍ = عن نفسه فأراها أيما شــــممِ
    وأكدتْ زهده فيها ضرورتُـــه = إنَّ الضرورة لا تعدو على العِصَمِ
    وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ منْ = لولاه لم تُخْرجِ الدنيا من العـدمِ
    محمد سيد الكونين والثقليــــن = والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ
    نبينا الآمرُ الناهي فلا أحــــدٌ = أبرَّ في قولِ لا منه ولا نعــــمِ
    هو الحبيب الذي ترجى شفاعـته = لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــمِ
    دعا إلى الله فالمستمسكون بــه = مستمسكون بحبلٍ غير منفصـــمِ
    فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ = ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــرمِ
    وكلهم من رسول الله ملتمـــسٌ = غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
    وواقفون لديه عند حدهــــم = من نقطة العلم أو من شكلة الحكمِ
    فهو الذي تم معناه وصورتــه = ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النســـمِ
    منزهٌ عن شريكٍ في محاســـنه = فجوهر الحسن فيه غير منقســـمِ
    دعْ ما ادعتْهُ النصارى في نبيهم = واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
    وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف = وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ
    فإن فضل رسول الله ليس لــــه = حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفــــــمِ
    لو ناسبت قدرَه آياتُه عظمــــاً = أحيا اسمُه حين يدعى دارسَ الرممِ
    لم يمتحنا بما تعيا العقولُ بـــه = حرصاً علينا فلم نرْتبْ ولم نهـــمِ
    أعيا الورى فهمُ معناه فليس يُرى = في القرب والبعد فيه غير مُنْفحـمِ
    كالشمس تظهر للعينين من بعُـدٍ = صغيرةً وتُكلُّ الطرفَ من أمَـــمِ
    وكيف يُدْرِكُ في الدنيا حقيقتـَه = قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحُلُــــــمِ
    فمبلغ العلمِ فيه أنه بشــــــرٌ = وأنه خيرُ خلقِ الله كلهــــــمِ
    وكلُ آيٍ أتى الرسل الكرام بها = فإنما اتصلتْ من نوره بهــــمِ
    فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُهــا = يُظْهِرنَ أنوارَها للناس في الظُلـمِ
    أكرمْ بخَلْق نبيّ زانه خُلـُـــقٌ = بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّســـــمِ
    كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ = والبحر في كرمٍ والدهر في هِمَمِ
    كانه وهو فردٌ من جلالتــــه = في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشـمِ
    كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ = من معْدِنَي منطقٍ منه ومُبْتَســم
    لا طيبَ يعدلُ تُرباً ضم أعظُمَـــهُ = طوبى لمنتشقٍ منه وملتثـــــم
    =
    في مولده صلى الله عليه وسلم
    أبان مولدُه عن طيب عنصــره = يا طيبَ مبتدأٍ منه ومختتــــمِ
    يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهــــمُ = قد أُنْذِروا بحلول البؤْس والنقـمِ
    وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ = كشملِ أصحاب كسرى غير ملتئـمِ
    والنار خامدةُ الأنفاسِ من أسـفٍ = عليه والنهرُ ساهي العينِ من سدمِ
    وساءَ ساوة أنْ غاضت بحيرتُهــا = ورُدَّ واردُها بالغيظ حين ظمــي
    كأنّ بالنار ما بالماء من بــــلل = حزْناً وبالماء ما بالنار من ضَــرمِ
    والجنُ تهتفُ والأنوار ساطعــةٌ = والحق يظهرُ من معنىً ومن كَلِـمِ
    عَمُوا وصمُّوا فإعلانُ البشائر لــمْ = تُسمعْ وبارقةُ الإنذار لم تُشــــَمِ
    من بعد ما أخبر الأقوامَ كاهِنُهُمْ = بأن دينَهم المعوجَّ لم يقـــــمِ
    وبعد ما عاينوا في الأفق من شُهُب = منقضّةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ
    حتى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ = من الشياطين يقفو إثر مُنـــهزمِ
    كأنهم هرباً أبطالُ أبرهــــــةٍ = أو عسكرٌ بالحَصَى من راحتيه رُمِيِ
    نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهمـــــا = نبذَ المسبِّح من أحشاءِ ملتقــــمِ
    في معجزاته صلى الله عليه وسلم
    جاءتْ لدعوته الأشجارُ ســـاجدةً = تمشى إليه على ساقٍ بلا قــــدمِ
    كأنَّما سَطَرتْ سطراً لما كتـــبتْ = فروعُها من بديعِ الخطِّ في اللّقَـمِ
    مثلَ الغمامة أنَّى سار سائــــرةً = تقيه حرَّ وطيسٍ للهجير حَــــمِي
    أقسمْتُ بالقمر المنشق إنّ لـــه = من قلبه نسبةً مبرورة القســــمِ
    وما حوى الغار من خير ومن كرمٍ = وكلُ طرفٍ من الكفار عنه عـمي
    فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يَرِما = وهم يقولون ما بالغـار مــن أرمِ
    ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على = خير البرية لم تنسُج ولم تحُــــمِ
    وقايةُ الله أغنتْ عن مضاعفـــةٍ = من الدروع وعن عالٍ من الأطـُمِ
    ما سامنى الدهرُ ضيماً واستجرتُ به = إلا ونلتُ جواراً منه لم يُضَــــمِ
    ولا التمستُ غنى الدارين من يده = إلا استلمت الندى من خير مستلمِ
    لا تُنكرِ الوحيَ من رؤياهُ إنّ لــه = قلباً إذا نامتِ العينان لم يَنَـــم
    وذاك حين بلوغٍ من نبوتــــه = فليس يُنكرُ فيه حالُ مُحتلــــمِ
    تبارك الله ما وحيٌ بمكتسـَــبٍ = ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهـــــمِ
    كم أبرأت وصِباً باللمس راحتُـه = وأطلقتْ أرباً من ربقة اللمـــمِ
    وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوتـُــه = حتى حكتْ غرّةً في الأعصر الدُهُمِ
    بعارضٍ جاد أو خِلْتُ البطاحَ بهـا = سَيْبٌ من اليمِّ أو سيلٌ من العَـرِمِ
    في شرف القرآن
    دعْني ووصفيَ آياتٍ له ظهــرتْ = ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علــمِ
    فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظــمٌ = وليس ينقصُ قدراً غير منتظــمِ
    فما تَطاولُ آمالِ المديح إلــــى = ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيـمِ
    آياتُ حق من الرحمن مُحدثـــةٌ = قديمةٌ صفةُ الموصوف بالقــدمِ
    لم تقترنْ بزمانٍ وهي تُخبرنـــا = عن المعادِ وعن عادٍ وعـن إِرَمِ
    دامتْ لدينا ففاقت كلَّ معجـزةٍ = من النبيين إذ جاءت ولم تــدمِ
    محكّماتٌ فما تُبقين من شبـــهٍ = لِذى شقاقٍ وما تَبغين من حَكَــمِ
    ما حُوربتْ قطُّ إلا عاد من حَـرَبٍ = أعدى الأعادي إليها ملْقِيَ السلمِ
    ردَّتْ بلاغتُها دعوى معارضَهــا = ردَّ الغيورِ يدَ الجاني عن الحُـرَمِ
    لها معانٍ كموج البحر في مـددٍ = وفوق جوهره في الحسن والقيـمِ
    فما تعدُّ ولا تحصى عجائبهــــا = ولا تسامُ على الإكثار بالســــأمِ
    قرَّتْ بها عين قاريها فقلتُ لــه = لقد ظفِرتَ بحبل الله فاعتصـــمِ
    إن تتلُها خيفةً من حر نار لظــى = أطفأْتَ حر لظى منْ وردِها الشّبِـمِ
    كأنها الحوض تبيضُّ الوجوه بـه = من العصاة وقد جاؤوه كالحُمَــمِ
    وكالصراط وكالميزان معْدلــةً = فالقسطُ من غيرها في الناس لم يقمِ
    لا تعجبنْ لحسودٍ راح ينكرهـــا = تجاهلاً وهو عينُ الحاذق الفهـــمِ
    قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد = وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من ســـقمِ
    في إسرائه ومعراجه صلى الله عليه وسلم
    يا خير من يمّم العافون ســـاحتَه = سعياً وفوق متون الأينُق الرُّسُـــمِ
    ومنْ هو الآيةُ الكبرى لمعتبـــرٍ = ومنْ هو النعمةُ العظمى لمغتنـــمِ
    سَريْتَ من حرمٍ ليلاً إلى حــــرمِ = كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ
    وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلــةً = من قاب قوسين لم تُدركْ ولم تُرَمِ
    وقدمتْكَ جميعُ الأنبياء بهـــــا = والرسلِ تقديمَ مخدومٍ على خــدمِ
    وأنت تخترقُ السبعَ الطباقَ بهــم = في موكب كنت فيه صاحب العلمِ
    حتى إذا لم تدعْ شأواً لمســتبقٍ = من الدنوِّ ولا مرقىً لمُسْـــــتَنمِ
    خَفضْتَ كلَّ مقامٍ بالإضـــافة إذ = نوديت بالرفْع مثل المفردِ العلــمِ
    كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مســــتترٍ = عن العيون وسرٍ أيِّ مكتتـــــمِ
    فحزتَ كل فخارٍ غير مشــــتركٍ = وجُزْتَ كل مقامٍ غير مزدَحَــــمِ
    وجلَّ مقدارُ ما وُلّيتَ من رُتـــبٍ = وعزَّ إدراكُ ما أوليتَ من نِعَـــمِ
    بشرى لنا معشرَ الإسلام إنّ لنـــا = من العناية ركناً غير منهــــدمِ
    لما دعا اللهُ داعينا لطاعتـــــه = بأكرم الرسل كنا أكرم الأمـــمِ
    فى جهاده صلى الله عليه وسلم
    راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتــه = كنْبأةٍ أجفلتْ غُفْلا من الغَنــــمِ
    ما زال يلقاهمُ في كل معتــركٍ = حتى حكوا بالقَنا لحماً على وضـمِ
    ودُّوا الفرار فكادوا يَغبِطُون به = أشلاءَ شالتْ مع العِقْبان والرَّخــمِ
    تمضي الليالي ولا يدرون عدَّتَهـا = ما لم تكنْ من ليالي الأشهر الحُرُمِ
    كأنما الدينُ ضيفٌ حل سـاحتهم = بكل قَرْمٍٍ إلى لحم العدا قَـــرِمِ
    يَجُرُّ بحرَ خَميسٍ فوقَ ســـابحةٍ = يرمى بموجٍ من الأبطال ملتَطِــمِ
    من كل منتدب لله محتســـبٍ = يسطو بمستأصلٍ للكفر مُصْطلِـــمِ
    حتى غدتْ ملةُ الإسلام وهي بهمْ = من بعد غُربتها موصولةَ الرَّحِــمِ
    مكفولةً أبداً منهمْ بخـــير أبٍ = وخير بعْلٍ فلم تيتمْ ولم تَئِــــمِ
    همُ الجبال فسلْ عنهم مصادمهـم = ماذا رأى منهمُ في كل مصطدمِ
    وسلْ حُنيناً وسل بدراً وسل أُحداً = فصولُ حتفٍ لهم أدهى من الوخمِ
    المُصْدِرِي البيضِ حُمراً بعد ما وردتْ = منَ العدا كلَّ مسودٍّ من اللِمَــمِ
    والكاتِبِينَ بسُمْرِ الخَط ما تركتْ = أقلامُهمْ حَرْفَ جسمٍ غيرَ مُنْعَجِــمِ
    شاكي السلاحِ لهم سيما تميزُهـمْ = والوردُ يمتازُ بالسيما عن السَّــلَمِ
    تُهْدى إليك رياحُ النصرِ نشْرهـمُ = فتَحسبُ الزهرَ في الأكمام كل كمِى
    كأنهمْ في ظهور الخيل نَبْتُ رُباً = منْ شِدّة الحَزْمِ لا من شدّة الحُـزُمِ
    طارتْ قلوبُ العدا من بأسهمْ فَرقاً = فما تُفرِّقُ بين الْبَهْمِ وألْبُهــــُمِ
    ومن تكنْ برسول الله نُصـــرتُه = إن تلقَهُ الأسدُ فى آجامها تجــمِ
    ولن ترى من وليٍ غير منتصــرٍ = به ولا من عدوّ غير منقصــــمِ
    أحلَّ أمتَه في حرْز ملَّتـــــه = كالليث حلَّ مع الأشبال في أجَــمِ
    كم جدَّلتْ كلماتُ الله من جدلٍ = فيه وكمْ خَصَمَ البرهانُ من خَصِـمِ
    كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ مُعجــزةً = في الجاهلية والتأديب في اليُتُمِ
    في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
    خدْمتُه بمديحٍ استقيلُ به ذنوبَ = عمرٍ مضى في الشعر والخِــدَمِ
    إذْ قلّدانيَ ما تُخْشي عواقبُــه = كأنَّني بهما هدْيٌ من النَّعَـــمِ
    أطعتُ غيَّ الصبا في الحالتين وما = حصلتُ إلاّ على الآثام والنـــدمِ
    فياخسارةَ نفسٍ في تجارتهـــا = لم تشترِ الدين بالدنيا ولم تَسُــمِ
    ومن يبعْ آجلاً منه بعاجلــــهِ = يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سَـلمِ
    إنْ آتِ ذنباً فما عهدي بمنتقض = من النبي ولا حبلي بمنصـــرمِ
    فإنّ لي ذمةً منه بتســــميتي = محمداً وهو أوفى الخلق بالذِمـمِ
    إن لّم يكن في معادي آخذاً بيدى = فضلاً وإلا فقلْ يا زلةَ القــــدمِ
    حاشاه أن يحرمَ الراجي مكارمَـه = أو يرجعَ الجارُ منه غير محتــرمِ
    ومنذُ ألزمتُ أفكاري مدائحــه = وجدتُهُ لخلاصي خيرَ مُلتــــزِمِ
    ولن يفوتَ الغنى منه يداً تَرِبـتْ = إنّ الحيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأكَمِ
    ولمْ أردْ زهرةَ الدنيا التي اقتطفتْ = يدا زُهيرٍ بما أثنى على هَـــرمِ
    في المناجاة وعرض الحاجات
    يا أكرمَ الخلق ما لي منْ ألوذُ بـه = سواك عند حلول الحادث العَـمِمِ
    ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بــي = إذا الكريمُ تجلَّى باسم منتقـــمِ
    فإنّ من جودك الدنيا وضرّتَهــا = ومن علومك علمَ اللوحِ والقلـــمِ
    يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظمــتْ = إنّ الكبائرَ في الغفران كاللــممِ
    لعلّ رحمةَ ربي حين يقســــمها = تأتي على حسب العصيان في القِسمِ
    يارب واجعلْ رجائي غير منعكِـسٍ = لديك واجعل حسابي غير منخــرمِ
    والطفْ بعبدك في الدارين إن له = صبراً متى تدعُهُ الأهوالُ ينهــزمِ
    وائذنْ لسُحب صلاةٍ منك دائمــةٍ = على النبي بمُنْهَلٍّ ومُنْسَــــــجِمِ
    ما رنّحتْ عذباتِ البان ريحُ صــباً = وأطرب العيسَ حادي العيسِ بالنغمِ
    ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمـرٍ = وعن عليٍ وعن عثمانَ ذي الكـرمِ
    والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهُــمْ = أهل التقى والنَّقا والحِلمِ والكـرمِ
    يا ربِّ بالمصطفى بلِّغْ مقاصـدنا = واغفرْ لنا ما مضى يا واسع الكـرم
    واغفر إلهى لكل المسلمين بمــا = يتلوه فى المسجد الأقصى وفى الحرم
    وبجاه من بيْتُهُ فى طيبة حــرمٌ = وإسمُهُ قسمٌ من أعظــم القســم
    وهذه بردةُ المختار قد خُتمـتْ = والحمد لله في بدإٍ وفى ختــــم
    أبياتها قدْ أتتْ ستينَ معْ مائـةٍ = فرّجْ بها كربنا يا واسع الكـــرم

  2. #2
    ماشاء الله
    الف الصلاة على خير الانام
    جاريه الطباعة
    شكرا

  3. #3
    اتمنى لو طبعتها
    جزاكم الله خيرا

  4. #4

  5. #5

  6. #6
    فكرتنى بالمدرسة لما كنا فى ثانوى حبينا نعمل

    ملحمة شعرية وكنت اخترت البوردة كله فرح فى الاول

    ولما قرائوا الكلام تراجعوا

    ولو تدبروا قليلا لعلموا ان فيها ابيات عظام

    وبيت واحد يبنى امة لو تدبروا

    والنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
    هكذا لابد ان نكون دائما

    فرسانا للخير

    http://www.m5zn.com/uploads/707bd55f33.gif

  7. #7
    كلامك روعة اخي فارس
    انا مرة رددتها في موقف تعزية بكيت لشبعت حسيت كم نحن مقصرون حتى في محبة نبي الامة الف الصلاة والسلام عليه وعلى اله الطيبين
    جزاك الله خيرا اخي حكيم
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #8
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    http://www.fursan.ws/wisam2.gif


    من العذاب ... إن تكتب لمن لا يقرا لك
    وان تنتظر من لا يأتي لك
    و ان تحب من لا يشعر بك
    وان تحتاج من لا يحتاج لك
    من المؤلم ... إن تحب بصدق
    وتخلص بصدق .. وتغفر بصدق
    ثم تصدم في النهاية بموت
    كل الصدق الذي قدمته
    "ثم تكتشف إن أجمل العمر كان سراباً"

  9. #9
    tasawof_2010
    Guest
    كفاية بس
    فمبلغ العلم فيه انه بشر وأنه خير خلق الله كلهم
    وجزاك الله كل خير

  10. #10
    map7as
    Guest
    مشكوور أخي والله اللهم صلي وسلم وباركـ علية . بس احب اقول حاجة بسيطة انت نسيتة

    ان بعد كل شطرة من القصيدة يقال : مولاي صلي وسلم دائما أبدأ علي حبيبك خير الخلق كله .

    وشكرأأ ..

    تقبلو مروري :مباحث .

المواضيع المتشابهه

  1. شرح ما أشكل على البعض في قصيدة البردة الشريفة للإمام البوصيري
    بواسطة عبدالله باسودان في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-26-2015, 07:24 AM
  2. هدية هذه الجمعة الروم/ الغرب في الرؤية النبوية.. دراسة نصوصية غير مكتملة
    بواسطة أ . د . محمد جمال صقر في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-28-2014, 09:39 AM
  3. قصيدة ( من وحي الهجرة النبوية) شعر طلعت المغربي
    بواسطة طلعت المغربي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-05-2013, 05:27 AM
  4. قصيدة ( من وحي الهجرة النبوية ) شعر طلعت المغربي
    بواسطة طلعت المغربي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-31-2010, 03:05 PM
  5. مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 03-29-2009, 11:08 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •