خطبة الجمعة : أهل العزة.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير...شنني قابس

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام..وأكرمنا بالإيمان..و رحمنا بنبيه عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام..أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له..جعل السعادة في خشيته و تقواه..و جعل العزة و الكرامة لمن خافه و اتقاه.. و أشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا رسول الله..و حبيبه من خلقه و رضيه و مصطفاه.. فاز و ربح ما اتبع سنته و هداه..و خاب و خسر من خالف منهجه وعصاه..اللهم صل عليه وعلى آله و صحابته..صلاة تزيد في رفعته..و ترفع في درجته..و تبارك في منزلته..و تظلنا تحت لوائه في أعز زمرته..وتجعلنا من رواد حوضه و أهل شفاعته..
أما بعد .... إخوة الإيمان و العقيدة
لو حق لأمة أن تعتز بدينها..و تفخر بمعتقدها.. لكانت هذه الأمة , أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. فنحن لنا دين ..ولا دين لغيرنا..ديننا تولى خالق الخلق حفظه..إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ..أما الديانات من حولنا..فهي شرك بالله..كالذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة.. و الله جل جلاله يقول..لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ.. وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ.. فالله في الإسلام.. بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ.. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة .. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.. ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ.. لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.. فَاعْبُدُوهُ.. وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ .. لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ..هذا الخالق العليم الحكيم.. أرسل لنا رسولا منا..يتلو علينا آيات الله..ويطهرنا من الحرام و الخبث و الفواحش..ويدلنا على الخير و البر و التقوى..ويدفعنا إلى العمل الصالح و الخلق الحسن..يقول الله تبارك و تعالى.. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مبين هذا الرسول الحبيب.. صلى الله عليه وسلم. جاء بالهدى و دين الحق..أسس رسالته على الفضيلة و الأخلاق الكريمة.. فقال صلى الله عليه و سلم.. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. رواه الإمام البخاري في المفرد.. فالإسلام عبادة و سلوك ..فهو تقرب إلى الله بطاعته و حسن عبادته..وهو كذلك تعامل مع الناس بالحسنى.. وفعل للخير..هذا الدين القيم..رفع أمة الإسلام إلى قيادة الأمم في سنوات قليلة.. يوم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة.. لحق به سراقة بن مالك..طامعا في إعادة الرسول إلى كفار مكة.. لينال سراقة الجائزة..ولما غاصت قوائم فرسه في الأرض..وسقط فارس الصحراء مرة بعد مرة.. طلب الأمان..فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم.. رد عنا الطلب.. ألبسك الله سواري كسرى..وكسرى في ذلك الوقت إمبراطور أعظم دولة على وجه الأرض.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم.. لا يملك إلا إيمانه ..وثقته في الله.. الذي شهد له أن دين الإسلام.. سيكون هو الأعلى.. وهو المهيمن ..لأنه الدين الحق..فقال جل جلاله .هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ.. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.. وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا..وما هي إلا خمسة عشر عاما.. حتى أسلمت دولة فارس..وذهب نفوذ كسرى..وحملت قوافل جند الإسلام.. كنوزه إلى المدينة المنورة ..ليقف أمامها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. فيرى من بينها أساور كسرى.. فينادي أين سراقة بن مالك ..و يلبسه سواري كسرى و هو يقول.. هذا موعود رسول الله لك يا سراقة..قد جعله ربي حقا.. فأية أمة..تصعد خلال خمسة عشر عاما.. من قبائل متناحرة..من فلول بين كثبان الرمال..إلى أمة تقود أهل الأرض..تملأ الدنيا بناء وتعميرا ورخاء, . . في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز..بلغ إلى علمه أن رجلا من المسلمين وقع أسره من طرف الروم.. وحمل الرجل إلى الإمبراطور الذي أمره بترك الإسلام.. فرفض الرجل.. فأدخله السجن.. لما بلغ الخبر إلى الخليفة الزاهد.. كان جالسا فوقف..ونادى في جلسائه..أحضروا إلي كاتبي و حامل البريد...و لما حضرا .. قال لكاتبه أكتب: من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز..إلى ملك الروم..وبعد..لقد بلغني ما فعلت بأسيرك فلان.. وإني أقسم بالله العظيم.. إن لم ترسله من فورك.. لأبعثن إليك من الجند..ما يكون أولهم عندك و آخرهم عندي.. وبلغت الرسالة إلى إمبراطور الروم.. فأمر في الحال بإحضار الأسير ..فأعطاه من المال و الهدايا .. وأرسله في مجموعة من حرسه الخاص..إلى الحدود آمنا.. هكذا كان حال الأمة..لما تمسكت بدينها..المسلم عزيز..أعزه الله..يقول تبارك و تعالى.. وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..علــّم الإسلام أهله أن يكونوا أعزاء.. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.. فما حال الأمة اليوم؟..تفطن أعداء الإسلام إلى سر تقدم المسلمين.. وسر قوة المسلمين.. و سر عزتهم.. فباعدوا بين الأمة ودينها..و خوفوها من العودة إليه.. فهانت..وصدق فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ ..مِنْ كُلِّ أُفُقٍ.. كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا .... قَالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ.. وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ .. يَنتـزِعُ اللهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ.. وَيَجْعَلُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ.. قَالَوا وَمَا الْوَهَنُ يا رسول الله .. قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.. رواه الإمام أحمد ..و هذا حال الأمة..غثاء كغثاء السيل..و ما أروع حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم..و ما أبلغ تشبيهه..فغثاء السيل أيها المؤمنون..هو ذلك الزبد الأبيض الطافي فوق الماء.. ..مهين لا قيمة له..وأين قيمة الأمة..خفيف لا وزن له.. وأين وزن الأمة..متناثر لا ارتباط له..و أين وحدة الأمة.. يطفو على السطح لا عمق له..وأين مبادئ الأمة .. محمول..لا إرادة له.. وأين قدرة الأمة.. يتجه به السيل حيث يشاء..وكذلك حال الأمة.. لما بعدت عن دينها..لما تركت عاداتها و تقاليدها..و قلدت عدوها..و سارت خلفه دون وعي..وقد نبأها بحالها ..رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وحديثه في صحيحي البخاري و مسلم.. حيث يقول.. لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ .. قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ علم أهل الكفر أن المؤمن في الدين غالي الثمن .. وعزيز الجانب.. ففصلوا بين المسلمين و إسلامهم ..فرخص المسلم .. وهان دمه.. ولا نصير له على الأرض.. أهل الأرض يتفرجون على المذابح في بلاد المسلمين.. الدماء تجري غزيرة..كأنها ليست دماء..وكأنها تجري من أجسام ليست بشرية.. البيوت تقصف وتهدم.. الأرواح تزهق.. الأعراض تنتهك..الأموال مسلوبة.. المسلمون في العراء..لماذا كل هذا.. لأنهم فقدوا العزة..والعزة في الإسلام..و الإسلام دين الله..فإذا طلب المسلمون العزة ..فإن طريقها بينه الله في قوله تبارك وتعالى..مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا..العزة في طاعة الله..العزة في العمل بما شرع الله..العزة باجتناب ما حرم الله..العزة في العمل بسنة رسول الله.. العزة في كتاب الله..وفي كتاب الله يقول الله جل وعلا.. وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ..إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ..إن رسختم الإيمان في قلوبكم.. إن طبقتم شرع الله في حياتكم.. تكونون أنتم أهل العزة .. وأنتم القدوة ..و أنتم الأسوة.. وأنتم القوة..كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.. فلا تقلدوا اليهود و لا النصارى..و كونوا عبادا لله طائعين..\
اللهم ارزقنا الفقه في الدين، والتمسك بالكتاب المبين، والاقتداء بسيد المرسلين، والسير على نهج أسلافنا الصالحين.. اللهم اجعل حاضرنا خيرا من ماضينا، ومستقبلنا خيرا من حاضرنا..واكتب لنا العزة في الحياة الدنيا و في يوم الدين
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم \