السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


وار مع د/عبدالغني مليباري


البرمجة اللغوية العصبية بين القبول والرد


البرمجة اللغوية العصبية منهج جديد يقول دعاته: بأنه يقوم بصياغة الواقع في ذهن الإنسان من تصورات وعادات وقدرات بحيث تصبح في داخل الإنسان وتنعكس على قدراته، وقد انتشرت هذه الصرعة في المجتمعات العربية ومنها مجتمعنا السعودي وكانت محل حوار علمي بين دعاته ومنتقديه ولأهمية عرض هذا الاتجاه الجديد للقراء ومعرفة حقيقته كان من المناسب الحوار مع أحد المهتمين به هو د/عبدالغني محمد مليباري، المشرف التنفيذي على التعليم الإلكتروني بجامعة الملك عبدالعزيز والأستاذ المشارك ورئيس قسم الهندسة النووية الذي وضع النقاط على الحروف ولا أزيد لاترككم مع الحوار الساخن الذي كشف فيه حقيقة هذا العلم وتجاربه وما يحويه من خلـط ومـدى مطابقته أو مخالفته للواقع والدين فإلى هذا الحوار..

> ما علم البرمجه اللغوية العصبية ومتى تأسس؟

>> "البرمجة اللغوية العصبية" واختصارها الغربي "NLP " هي خليط من العلوم والفلسفات والاعتقادات والممارسات، تهدف تقنياتها لإعادة صياغة صورة الواقع في ذهن الإنسان من معتقدات ومدارك وتصورات وعادات وقدرات بحيث تصبح في داخل الفرد وذهنه لتنعكس على تصرفاته. يقول المـدرب البــريطاني وايـت ود ســـمول: "الـ NLP عبارة عن مجموعة من الأشياء. ليس هناك شيء جديد في الـNLP ، أخذنا بعض الأمور التي نجحت في مكان معين، وشيئاً آخر نجح في مكان آخر وهكذا". وهو علم جديد له ظاهر يدعي أهله أنه يحسن قدرة الفرد على الاتصال مع الآخرين، وقدرته على محاكاة المتميزين. وله باطن يركز على تنويم العقل الواعي بإحداث حالات وعي مغيّرة لـزرع بعـض الأفـكـار (إيجـابـية أو سلبية) في ما يسمونه "اللاوعي" بعيداً عن سيطرة نعمة العقل.

وقد تأسس في السبعينيات الميلادية 1973/1978م، وانتشر بين العامة في الغرب انتشاراً ساحقاً في الثمانينيات، فاهتمت به الجهات العلمية وتم تقييمه في بداية التسعينيات وتحقق للمقيمين العلميين عدم صحة كثير من ادعاءات مروجيه. ومن أشهر تقييماته التقييم المقدم للجيش الأمريكي من الأكاديميات القومية ففي عام 1987م بعد انتشار دورات تطوير القدرات رغب الجيش الأمريكي في تحري الأمر فقام معهد بحوث الجيش الأمريكي The US Army Research Institute بتمويل أبحاث تحت مظلة "تحسين الأداء البشري"، وعُهد لمجموعات مختلفة بمراجعة البحوث حسب الإجراءات المعتمدة لدى أكاديميات البحوث الأربع. قدم الفريق ثلاثة تقارير:

الأول عام 1988م تقييمًا للعديد من الموضوعات والنظريات والتقنيات منها البرمجة اللغوية العصبية الذي ذكر عنها ما نصه: " أن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الادعاء بأن الـNLP استراتيجية فاعلة للتأثير في الآخرين، وليس هناك تقييم ل لـNLP كنموذج لأداء الخبير ".

واستمر البحث والتحري في مجال "تحسين الأداء البشري" وبعد ثلاث سنوات يشيد التقرير الثاني 1991م بنتائج التقرير الأول والقرارات التي اتخذها الجيش الأمريكي بخصوص عدد من التقنيات السلبية ومنها الـNLP حيث أوصى بإيقاف بعضها، وتهميش بعضها، ومنع انتشار البعض الآخر.

وبعد ثلاث سنوات أخرى اكتفى التقرير الثالث 1991م -نصاً- في موضوع البرمجة اللغوية العصبية بما قُدم في التقريرين الأول والثاني.

وكذلك التقييم المقدم من د. مايكل هيب Michael Heap عالم النفس السريري بجامعة شفيلد البريطانية في عام 88م، حيث قام بتقييم سبعين بحثاً علمياً في البرمجة اللغوية العصبية وانتهى إلى إن البرمجة اللغوية العصبية تفتقد إلى الأدلة الموضوعية لإثبات ادعاءاتها، وأن البحث التجريبـي المقدم في هذه البحوث فشل في دعم فرضياتها.

وحالياً فإن أكبر الفئات المتبنية له في العالم هي حركة "النيو اييج" العصر الجديد، و دعاة عبادة قوى النفس "الشامانيون الجدد " وهم من حركات الوثنية الجديدة في الغرب.

>> لماذا أحدث هذا العلم ضجة إعلامية على مستوى العالم ؟

> لأنه انتشر انتشاراً كاسحاً في الثمانينيات في أوساط العامة في أوربا وأمريكا وبخاصة عند عموم الناس، كما أن مروجيه يدعون ادعاءات كبيرة جداً مما جعل الجهات العلمية والبحاثة والجهات الرسمية تسعى للتأكد من مصداقيته لاسيما وأنها لم تلحظ آثاراً إيجابية على المتدربين ولا بنصف ما يدعيه المدربون.ويرى علماء النفس الذين درسوا هذه البرامج أن المشاركين فيها يكونون في "حالة من التحول" (Altered State) مما يُمكن قادة مجموعاتهم من التأثيـر على طريقـتهم في التفـكير وزرع ما يرغبون فيه من أفكار، ومما يساعد على ذلك؛ تغيير إدراك الناس ووعيهم بإضافة بعض التقنيات النفسية في حياتهم مثل التأمل (بمفهوم البوذية)، والتنويم والترنيم (بمفهوم الهندوسية)، والتغذية (بمفهوم الطاوية)، والعزلة والاستهداء بالأرواح والكائنــات ذات القـوى الروحية - الوثنية- (كالتماثيل والأحجار الكريمة والألوان والجودات والجوديسات) ذكرت ذلك مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر 29 سبتمبر 1986م في مقالة بعنوان "المبادئ الروحية. تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين".

>> هل تعتبر البرمجة اللغوية العصبية من العلوم الباطنية ذات التأثير العقدي التي وفدت إلى البلدان الإسلامية؟

> ليس الأمر اعتبارًا شخصيًا، وإنما هي حقيقة فالبرمجة اللغوية العصبية علم باطني، لا يخضع للضبط التجريبي، ومحاولات ادعاء إخضاعه كلها تجارب أثبتت فشلها كما ذكرت سابقاً في تقديم رئيس علم النفس السريري "د.مايكل هيب"، فهو علم له ظاهر يعرفه إخواننا المبرمجون، وباطنه يعرفه خاصة "الإنلباويين الغربيين" ويمارسون أسراره الخفية مستخدمين السحر والتارو والتقمص وأنواع من التانترا البوذية والهندوسية. وللبرمجة العصبية اتصالها بكثير من العلوم الباطنية القديمة حيث كان قدماء الباطنية يعولون كثيراً على العقل الباطن والتفسير الباطن والممارسات الباطنية ولهم تصورات باطنية خاصة للعقل والروح والنفس.

كما أن الجامعة الوحيدة التي اعتمدت البرمجة اللغوية العصبية ضمن مناهجها هي جامعة "أميركان باسيفك " التي تعد الجامعة الرئيسة للعلوم الباطنية.

>> كثيرا ما نسمع بقدرة العقل الباطني عن طريق التركيز على إحداث تغييرات معينة للإنسان، هل بالفعل يتحكم بالرسائل الإيجابية والسلبية للفرد نفسه؟ وكيف؟

> لا نشك أن للإيحاء أثر كبير في النفوس، فالإنسان يستطيع أن يقنع نفسه بفكرة ما عن طريق الإيحاء أو يقنعه بها الآخرون، فإذا صدق الفكرة وآمن بها يفعل بها الأعاجيب، وهذه القدرة من نعم الله على الإنسان إذا استخدمها من أجل تحقيق غايته " العبودية لله تعالى " فتكون بمنزلة عون رباني للعبد في مواجهة تثبيط الشيطان وكيده ووسوسته التي تورث العجز والكسل، أما إذا عوّل عليها واغترّ بها فقد تخرجه عن غايته وتصرفه عن هدفه وعندها فما أسهل أن يغويه الشيطان ويصور له أمورًا كثيرة وقد يعينه ويحقق له أموراً مما يستطيعها وصدق الله العظيم: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، والقرآن يحكي لنا قصة فرعون الذي كان يقول: {أنا ربكم الأعلى} و{ما علمت لكم من إله غيري} كان يتصرف في قومه وكأنه إله فعلا فقصمه الله وأخذه أخذ عزيز مقتدر.

وفي الحقيقة هناك أناس كثيرون يحكون تجربتهم في تدريبات التركيز ومن ثم اســـتخدام قـدرات العقل الباطن الخارقة -كما يعتقدون- وأنهم استطاعوا إيصال رسائل غير مسموعة ولو عبر القارات إلى عقول من يريدون، أو يرسلون لأنفسهم وأعضائهم الداخلية بالذات فيما يتعلق بالشفاء من الأمراض العضوية والنفسية. وموقفنا التصديق بما جاء في النصوص مما يدل على أثر الإيحاء في النفوس (تفاءلوا بالخير تجدوه) وأثر حسن الظن في حياة العبد ومآله (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، أما العقل الباطن وادعاء قدراته الخارقة تحت هذه النصوص أو غيرها فهو لا يخرج عن كونه ادعاء، مع كوننا نثبت خوارق العادت التي تحدث بقدرة مسبب الأسباب سبحانه فهو الذي خلق الأسباب وهو الذي يبطلها متى شاء وهو على كل شيء قدير، وخوارق العادات هذه تأتي بلا اكتساب وتدريب وممارسة فإذا أتت لأهل خير كانت كرامة، وإذا أتت على خلاف ما يرجو صاحبها كانت إهانة، وإذا أتت لأهل مخالفة أو فسق ومعصية كانت استدراجًا. أما ما يكون بجهود بشرية لحـدوثـه فــذلـك إما أن يكــون ســــحراً أو شعوذة وكهانة، أو إعانة من الشيطان.



>> كيف أثبت أنها علم باطني لايخضع للتجربة، وقد دخل إلى المسلمين عن طريق المزاحمة والاقتران بالعلوم الأخرى؟

> البرمجة اللغوية العصبية ليست علماً محايداً، ولا يمكن أن تصنف هكذا وإنما هي خليط -كما أوضحنا في البداية- وكتبها في الغرب تصنف غالباً تحت عنوان "حركة العصر الجديد" أو تحت العلوم الباطنية. وأؤكد أنها لو خلت من الحقائق والعلوم لما تبقى منها إلا ظنون ودجل وأوهام، وسحر وشعوذة، ولرفضها عامة العقلاء وأصحاب الديانات السماوية، ولهذا فقد جمعت خليطاً من الحقائق من عدد من العلوم هي التي شكلت ظاهر البرمجة اللغوية العصبية.

لذا فالفاحص لها بروية وموضوعية يجد فيها من العلوم التجريبية ومن النظريات مالا يستطيع رفضه، ولكنه ممتزج معها بصورة باطنية خفية تخفى على أكثر الناس لسحر التخييل واللغة وأوهام وظنون وافتراضات. من هنا فهي مليئة بالادعاءات التي تزاحم الحقائق وتقارن النظريات فيقبلها فريق من الناس لظاهرها دون أن يتفطنوا لخطورتها الباطنية.

أما عدم خضوعها للتجربة فلست أنا من أثبته، وإنما أثبتته الجهات العلمية للأكاديميات القومية، وأثبته الدكتور "مايكل هيب" عندما فحص سبعين بحثًا يدعي أصحابها إثبات ادعاءات البرمجة وأكد في تقريره على فشل أدلتهم في دعم دعاواهم !!! فكونها مجرد ادعاءات أمر ذكره كثير من المتخصصين العلميين، كما يســتطيع كل ذي بصـر- غيـر متورط ولا مفتون - أن يثبته بمجرد حضور الدورات أو سماع الادعاءات التي لا يفتأ إخواننا "المبرمجون" يرددونها دون أن نجد لها أثراً حقيقياً في واقع الناس، وهاهي البرمجة تتم عامها السابع في مجتمعنا ولم يكن من أثر يُلحظ على إنجاز الشركات، أو حالات الطلاق، أوعلى الإبداع والنبوغ !! وإنما الأثر الوحيد الملحوظ لكل ذي بصيرة الزيادة الهائلة في أعداد "الإنلباويين"ما بين ممارسين ومدربين، كما سيلاحظ غياب الخطوات الجدية لتحصيل النتائج كأسباب طبيعية -بعد الدعاء -لتحل محلها ادعاءات العقل البـاطن وممارســات الاســترخاء أو عزو الأمر إلى ضعف في الطاقة الحيوية للإنسان مما يتطلب مضاعفة الجهود للتدريب على أخت البرمجة الكبرى "الطاقة" بما تحمله من فلسفة شركية وادعاءات باطلة عقلا ونقلا. وقد حذرنا الرحمن الرحيم من خطوات الشيطان.

>> ذكرت في إحدى المحاضرات أن البرمجة آخذة في الانتشار بترويج من الحركات الوثنية الجديدة في الغرب بقيادة حركة "العصر الجديد" ومجموعة "الشامانيون الجدد". من هم هؤلاء وعلى ماذا تقوم أهدافهم؟

> حركة العصر الجديد "النيو إييج"، حركة واسعة الانتشار -في أمريكا الشمالية والغرب اليوم -بين طوائف الشباب بالذات فقد رفضوا الفكر المادي الذي تربوا عليه، ورفضوا الجفاف الروحي في الكنائس والمعابد الذي لم يروِ ظمأ أرواحهم ؛ فانتموا إلى هذه الطائفة التي يدعي أصحابها أنهم أصحاب عصر جديد من الفهم والنضوج الذهني شبيه بعصر النهضة التي تلت القرون الوسطى في أوروبا. وعقيدتهم تشمل مزيج المعتقدات والتقنيات والنظريات (المتناقضةأحياناً) وأكثرها مستعار من الديانات الشرقية المبنية على عقيدة وحدة الوجود، وإمكانية الوصـول إلى خــوارق العــادات، ورواد هذه الحركة لا يهتمـون بمـا يوجــد أو يتبقى في أذهان أتباعهم من الأفكار والعقائد، ومنها الديانات السماوية وغيرها، إنما يهتمون فقط بما يضاف إلى العقول من أفكار. ويفسرون عدم اهتمامهم بأن منهجهم الجديد مع الزمن كفيلان بترسيخ المفاهيم الجديدة وتلاشي المفاهيم القديمة، ومن هنا فهم يركزون على الأدوات والممارسات المدروسة بعناية والتي تولد مع الزمن عقائد وقناعات كفيلة بمحو السابق لها مثل:

التأثير على العقل من خلال برامج الـ (NLP) وما شابهها.

التأثيرعلى النفس من خلال الـ (Reiki) وماشابهه من برامج الطاقة.

التأثير على الجسد من خلال برامج مثل الماكروبايوتيك المضادات الحيوية الدقيقة وما شابهه.

التأثير على الروح من خلال برامج مثل اليوغا والهونا وغيرها.

>> حتى نكون منصفين للرأي الآخر هناك دعاة نحسبهم -والله حسيبهم- أصبحوا ممارسين متقدمين في البرمجة اللغوية وسخروا ذلك في الدعوة لها. هل تعتقد أنهم على خطأ وأنتم على صواب؟

> حقيقة أنا لا أشك لحظة في صلاحهم والله حسيبهم، ولي منهم رفقاء وأحبة حاورتهم وناقشتهم وناصحتهم مراراً ولكن ليس هناك أحد معصوم، ومن المعلوم أن المتورط في شيء يغم عليه الحق وتتلبس عليه الأمور، بخلاف من يرى الأمر وهو غير داخل فيه قال الإمام ابن تيمية موضحاً هذا الأمر للإمام ابن القيم: "لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته". ولست وحدي من تصدى لهذا الأمر بالبيان، والإشكالية تكمن في أن معرفة حقائقه تحتاج إلى إتقان اللغة الإنجليزية ومعرفة بمصادر المعلومات وأدوات البحث بالإضافة إلى الثقافة العامة والمعرفة الدينية وهذه قد لا تتوافر مجتمعة عند كثير من الناس، وهناك من نقد البرمجة غيري فزوجتي تفعل هذا في أوساط النساء، والدكتور عوض عودة والدكتور خالد الغيث والدكتور صالح الزهراني والدكتور سعيد الغامدي وغيرهم كل من وجهة نظره ومن زاويا متعددة.

>> الكثير علق فشل (NLP) على فشل كارنيجي صاحب كتب: دع القلق وكيف تكسب الأصدقاء الذي مات منتحراً.كيف تربط ذلك الفشل بالبرمجة؟

> الفارق بين ما قدمه "كارنيجي" وبين ما تقدمه البرمجة كبير جداً من حيث الصحة فكارنيجي قدّم كثيراً من الأفكار المستنبطة بالعقل والنظر، ولكنها ليست كفيلة أبداً بمنح صاحبها سعادة وطمأنينة مالم تخالط بشاشة الإيمان قلبه. ومن هنا فالذي: يربــط بينهما ربمـا باعتـبار أنه لا يصلح أن يكون الحائر الضال مرشداً ومدرباً في أمور القلوب وتزكية النفوس، وأحسب أنه ينطبق عليهم قول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- إذ قال: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء إنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ". فكيف يهتدي المسترشد والدليل حائر.

>> ما حجــج المعـارضــين لـرأيـك وهل اقتنعت بجزء منها ؟ولماذا لم يكن هناك تدخل مباشر من الجهات المعنية إذا كانت بهذا الخطر سيما وأن دوراتها تعقد باستمرار وبأسعار باهضة الثمن؟

> المعارضون لا حجة لديهم إلا كونهم وجدوا فيها شيئاً من المنفعة ويتذرعون بشبه عديدة لتبرير انغماسهم في دوراتها تدريباً وتدرباً ومن ذلك:

قولهم: البرمجة علم حيادي يخدم الأمور الدنيوية الحياتية، فالأخذ بها من باب:" أنتم أعلم بأمور دنياكم" .

وشبهتهم هذه ظاهرة البطلان فالبرمجة كما بينا سابقاً إنما هي علم باطني وليست علمًا حياديًا، و"أنتم أعلم بأمور دنياكم " جزء من حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حادثة تأبير النخل المشهورة، وفهمه ينبغي أن يكون في ضوء القصة وسياقها لا بحسب الهوى والرغبة، فأمور دنيانا هي أمور صناعتنا وزراعتنا وسائر الأمور المتعلقة بالأمور الدنيوية البحتة من إدارة، وتخطيط، ومواصلات، واتصالات، وتقنيات، ونحوها، أما أمور تربية ذواتنا وتزكية أنفسنا، وتهذيب أخلاقنا، ونشاط همتنا، وسمو أرواحنا فهي من الأمور الدينية التي بعث الله بها محمداً -صلى الله عليه وسلم- بمنهج كامل شامل نافع وهي من أخص مهماته عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.

كذلك هم يحتجون ببعض منافع حدثت لهم أو على أيديهم، وقولهم: ثبت نفع هذه التطبيقات بالتجربة:

ولهم أقول: لا شك أن الشيطان يزين الباطل ويجمله بما يظهره نافعاً وقد يحقق بأســـباب الباطـل نفـع ظــاهر، ومن ذلك ما بينه ابن مسعود -رضي الله عنه- في قصته مع امرأته عندما كانت تجد النفع عندما تتداوى بغير المشروع لمرض عينها فتبرأ فقال لها: " إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها- رقية غير مشروعة- كفِّي عنها، إنما يكفيك أن تقولي: أذهب الباس رب الناس اشــف أنت الشافي لا شفاء إلا شــفاؤك شــــفاء لا يغادر سقماً " ثم إنه لابد لإثبات النفع من منهجية علمية، وفهم دقيق لقانون السببية، فليس الاقتران الذي يحدث بين حصول نفع وتطبيق أمر ما كافيًا على القول بأنه سببه، قال ابن تيمية: "إن الشيطان زين لهم نسبة الأثر إلى مالا يؤثر نوعاً ولا وصفاً ؛ فنسبته إلى وصف قد ثبت تأثير نوعه أولى أن يزين لهم" وقال عن الصالين في باب الأسباب والمسببات: "يتوهمون كل شيء سبباً ولو كان في دين النصارى والمجوس"، ولمزيد من البيان في هذا الباب ارجع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم).

ولهم حجج أو بالأصح شبه غير ذلك كثيرة ومنها: تذرعهم بدعوى "الأسلمة" فيقولون نحن "نُفلتِر" هذه الوافدات وننقيها، ونأخذ الصحيح منها مع الاستدلال عليه بالآيات والأحاديث، وهذا الصحيح إنما هو من ديننا أصلا ولكننا غفلنا عنه:

والرد عليهم من كلامهم فما دمنا قد غفلنا فلا بد أن نعود لما غفلنا عنه، لا أن نكمل الغفلة بتقديم صوارف عن العودة. ثم لابد أن نفرق بين ما يمكن " أسلمته" وبين ما لا يمكن، فلا يقول مسلم عاقل: بأننا يمكن أن نؤسلم النصرانية، واليهودية، والبوذية والطاوية، ويمكن أن ننقي عقيدة التثليث من الدخن، ونقبل من عقيدة التثنية بعض تطبيقاتها، فالعـقـائـد المنحـرفـة تـرفـض ولا نقبل فيها ترقيعاً وإنما تكون أسلمتها الصحيحة - إن صح التعبير- برفضها وأخذ الإسلام الصافي الذي قد توافقه في بعض أفكارها، بخلاف مالو قلنا: سنؤسلم نظريات الإدارة، وتقنيات الإقناع؛ فنرفض منها ما يخالف الدين، ونقبل ما لا يتعارض مع الدين فيكون مما يرفض مثلا: تقنيات الإدارة التي تقود لعبودية المرؤوسين للرؤساء، أو وسائل الإقناع والتأثير التي ينتج عنها التغرير بالمستهلكين وخداع المفاوضين وغير ذلك. ولهذا ينادي كثير من علماء النفس المسلمين بما أسموه "أسلمة المؤسلمين" لما رأوا من جرأة في الاستدلال بالنصوص على غير مرادها الحقيقي وما يتبعه من تسويغ للضلالات.

ــــــــــــــــــــ

المراجع

ــــــــــــــــــــ

1- مجموع الفتاوى (13 / 135).

2- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية( 9 / 266).

المصدر:
http://bafree.net/alhisn/showthread.php?t=47403&page=1