نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي








Brahim Youcef




الدكتور محمد شحرور - الصفحة الرسمية
يتساءل البعض ما القصد من زرع الشك والريبة لدى المسلمين اليوم في تراث علمائهم وفقهائهم وأئمتهم؟ وما الغاية من كل هذه الدراسات؟ وما الحكمة في معاداة غالبية عظمى من المسلمين سنة وشيعة؟
أقول أن التراث بالنسبة لمحبيه لا ريب فيه، بكل ما يحتويه من كتب تفسير وحديث وسيرة نبوية وفقه، وهذا غير صحيح فالتراث إنتاج إنساني، عرضة للصواب والخطأ والنسيان والتقديم والتأخير، وكتب التفسير والحديث تمثل ما فهمه أصحابها من الكتاب والقرآن والأحاديث النبوية، وفق أدواتهم ونظمهم المعرفية، والكتاب الوحيد المبرأ من العيب والريب والحاوي على الحقيقة المطلقة هو كتاب الله تعالى فقط {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} (البقرة 2)، ثم إن أخبار التراث عند علماء الأصول دليل ظني، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
وهناك من يريد لكل شيء أن يبقى على ما هو عليه، باعتبار أن ليس في الإمكان أبدع مما كان، كي تبقى طبقة الهامانات السفهاء متربعة على أكتاف الناس وعقولهم، فيحللون ويحرمون وفقاً للأهواء والمصالح، فيوم بما يرضي السلطان ويوم بما يرضي داعش، مخالفين أحكام كتاب الله، وموظفين الحديث لخدمة أغراضهم، وهؤلاء ليس لهم مصلحة في عودة الأمة إلى ربها.
علماً أن ما نعانيه اليوم من مآزق يعود في معظمه إلى تقديسنا لتراثنا، وأخذه بمجمله دون تمحيص، فإذا فرقنا مثلاً بين مقامي الرسالة والنبوة تتهافت الكثير من المسلمات في تفكيرنا، فأطروحة صاحب الوحيين التي اعتمدها الشافعي فجعل من كلام الرسول وحي، لا صحة لها وتخالف أبسط قواعد التنزيل الحكيم، والغيبيات الواردة في كتب الحديث من معراج وعذاب قبر وأهوال الساعة والأعور الدجال لا علاقة لنا بها، ولا يمكن أن يكون مصدرها الرسول (ص) لأنه لا يعلم الغيب، أما عصمة الرسول فهي في مقام تبليغ الرسالة فقط لا غير، بينما لا عصمة في مقام النبوة، والله تعالى كان يوجه النبي بتعليماته حين يخطىء {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التحريم 1).
هذا عدا عن أن اعتبار السنة ككل قول أو فعل قام به الرسول، مصدراً للتشريع، جعل من الرسالة المحمدية العالمية رسالة محلية لعرب شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي فقط، وحول العقل العربي الإسلامي إلى عقل قياسي، أي أن أوامر النبي ونواهيه في غير الشعائر، كالسفر واللباس وولي اﻷمر بالزواج، تتبع أعراف مجتمعه وهي بمثابة القانون المدني للدولة التي أسسها ولمجتمعه وفق الأعراف السائدة، وهي وثائق تاريخية بحتة حتى إن صحت، وﻻ يقاس عليها.