الصحافة الثقافية العراقية .. بين مشاكل النشر وهموم المكافأة
المقالهك
تحت باب الثقافة والحياة
في 17/11/2007 09:18 AM
GMT
--------------------------------------------------------------------------------
الصحافة الأدبية تفتقر إلى التصنيفات والتقاليد المعمولة في العالم
قال لي حينما سألته عن غيابه انه ليس غائبا ولم يتعطل عن الكتابة ، لكنه لم يجد من ينشر له الا قليلا او كما قال ( الا لماما ) ، فاستغربت قوله وقلت : ان الصحف كثيرة والصفحات الثقافية تبحث عمن يملؤوها ، قال : نعم .. والبركة في الانترنت الذي مواده مجانية وجاهزة ولا يحتاج محرر الصفحة الثقافية سوى ان يحرك (الماوس) لتهرع اليه المواد عبر (النسخ واللصق) ولا يريد ان يتعب نفسه ولا يتعب الجريدة بصرف مكافآت للكتاب والادباء ، لكنني سألته : هل يهمك النشر ام المكافأة ؟ اجاب : لابد من المكافأة فهي نوع من التحفيز ، والى متى نظل ننشر مجانا .
كلام صاحبي هذا جعلني اقلب في صفحات العديد من الصحف التي تصدر في بغداد ، وابحث عن نشاطات الادباء العراقيين وفوجدتها متفاوتة ، فهناك صفحات تحتفي بالابداع العراقي (بغض النظر عن النوع ) وهناك صفحات لا علاقة لها بالادباء والمثقفين الا من خلال اخبار تأتيها من هنا وهناك ، وهذا ما دفعني الى استطلاع واقع الصفحات الثقافية ومعرفة ما لها وما عليها .
وقفتي الاولى كانت مع الكاتب والصحفي
ناظم السعود:
الذي كان متحمسا للحديث في هذا الموضوع بعد ان غاص في اعماقه كاتبا وناقدا ، فقال:
-ابرز ما يمكن تسجيله على الصحافة خلال السنوات الأربع الأخيرة يتمثل في تصّدر غير المهنيين على المهنة وتراجع الأعراف والسياقات بشكل مهين فلا اعرف بلدا مر بظروف شبيهة وأنا الذي زرت أقطار عربية وغير عربية وتابعت عن قرب صحافتها المقروءة والمرئية فلم أجد حالة هجينة أو خارجة عن السياقات جميعا إلا عندنا فهي تكاد تفتقر إلى التصنيفات والتقاليد المعمولة في العالم كله فهل هناك بلد يسمح للغرباء والمتطفلين بان يهيمنوا على مقدرات الصحف والمؤسسات الصحفية بينما ينزوي أصحاب المهنة في أركان المقاهي اوزوايا البطالة ، واضاف ناظم :
هناك عشرات من الأمثلة المنظورة، وأكاد أقول المضحكة عندنا، نجد فيها السياسيين ورجال الأعمال والعاطلين عن أي مهنة وهم يتقلدون المناصب الصحفية الأولى بينما يتم إبعاد أهل المهنة عن مجال العمل ولأضرب مثالا شاخصا على ما أقول فهناك عدد كبير من الأدباء وهم معروفون بكتابة القصة والرواية والشعر والنقد والدراسات ولكنهم بقدرة متنفّذ أو إشارة أو واسطة أو أمر لعنوان تسلقوا واجهات صحف ومجلات وملاحق ثقافية وهم فقيرون بأساليب المهنة وحساسيتها وخصوصيتها فترى الشاعر يصبح مسئولا على صفحة ثقافية يومية والكاتب الأيدلوجي يصبح مشرفا على ملحق ثقافي أسبوعي والناقد الأدبي يكون رئيسا لتحرير مجلة ثقافية ، وهنا نجد خلطا صارخا بين العنوان الصحفي وكتاّب الصحافة والفرق واضح ( او فاضح لا فرق!) بين الاثنين ففي الأولى نجد صاحب المهنة والمحترف في العمل له مواصفاته المهنية وعنواناته التحريرية ، أما في الثانية فهناك الملايين التي تكتب وتنشر في الصحافة ولكنهم لم يكونوا صحفيين ولن يكونوا: طه حسين كان يكتب في الصحافة المصرية وعباس العقاد كان يكتب مثله وعندنا في العراق علي جواد الطاهر كتب باستمرار في الصحافة وحتى السياب والبياتي ونازك الملائكة ومالك المطلبي وحسب الشيخ جعفر وحاتم الصكر كل هؤلاء وأكثر كتبوا في الصحافة العراقية والعربية فهل أنهم صحفيون أم لهم عناوين حسب أجناسهم وتأريخهم؟ ان هذا الخلط المقصود يراد منه تضييع المهنة الصحفية وتوزيع عناوينها وخصوصيتها بين قبائل الكتاب والأدباء والنقاد والخاسر الوحيد هو المهنة التي أهدرت دماؤها علنا وأطيح بتقاليدها في الأرض وتم تمريغ أنوف أصحابها الشرعيين في إسفلت المزادات والصفقات ، وكان من الطبيعي ان تجد شريحة كبيرة من الصحفيين المحترفين انفسها خارج حسابات المرحلة واهتمام أولي الأمر لكن البديل المكافئ موجود في ذلك الصيت وتلك المكانة التي حققها صناع الصحافة الحقيقيون ولا يمكن أن تزول أبدا ، واشار ناظم موضحا : وحتى اقرّب للأذهان صورة مجّسدة لفداحة ما ينوء به الجسد الصحفي الراهن (ولا سيّما في المفصل الثقافي ، وهنا أود ان اثبت واقعة شهدتها شخصيا عن قرب ، إذ قام رئيس جريدة يومية بإصدار ملحق رياضي ( ملّون ) يكلفه مبلغا ضخما ويوزع مجانا مع العدد ثم قام رئيس التحرير ذاته بإصدار ملحق أسبوعي خاص بالطفل ( وأيضا ملوّن ويوزّع مجانا ) ! ... ولا غرابة هناك لو أن المسؤول يمتلك قدرات مالية وفنية وتحريرية تدفعه لزيادة الملاحق والصفحات بصورة مضطردة أسوة بالمنافسين الآخرين ولكن المؤلم إن يأتي هذا التوسّع على حساب الصفحات الثقافية في الجريدة ذاتها بمعنى أن يقوم المسؤول بتقليص المساهمات الثقافية الفعلية ( المحلية ) بحجة الصعوبة المالية في تدبير الأجور والمكافآت ويقوم بإملاء الصفحة المخصصة بما تجود عليه شبكة الانترنت ( المجانية ) بما كبر حجمه وقلّت فائدته !..
طبعا لم يتخذ المسؤول المذكور قراره الآنف ألا بعد مشاهدته العيانية لما تقوم به صحف ومجلات نظيرة من استهانة و ونظرة قاصرة وتعامل فوقي للعمل الصحفي الثقافي حتى وان أدى ذلك إلى اختفاء الصفحات الثقافية أو شحوبها أو اختناقها تحت ركام الانترنت وأخواتها !، والمأساة تكبر في أن هناك نظرة عامة من قبل أغلب الصحف والمجلات والمؤسسات الإعلامية مفادها أن الثقافة آخر ما يجب التفكير به أو التعويل عليه أو الاهتمام ينصب على الصفحات السياسية والفضائحية والرياضية في حين توارت المساحات المخصصة للثقافة ( وبصورة اخصّ الثقافية الأدبية ) إلى الهامش الصحفي وانزوت في ذيل اهتمامات المسؤولين أو المتربعين على عرش صاحبة ألجلالة ، واستطرد ناظم في شيء من الحزن : !.
واقعة كهذه ( نجدها تتكرر وبصورة مستنسخة في غير مكان من الذي يطلق عليه بالمطبخ الصحفي!) تكاد تعطي مسوغا منطقيا لما نراه من أكداس الصحف والمجلات المنتشرة في شوارع بغداد وما جاورها ولا نجد فيها على صحيفة أدبية أو صفحة تعني بالثقافة الأدبية تحديدا مع أن العراق مّر في عقود سابقة بازدهار حقيقي وطفرات نوعية بالصحافة الثقافية ومنها الأدبية حتى لم تكن هناك صحيفة أو مجلة دون أن تفسح مجالات محترمة للقسم الثقافي الأدبي تظهر من خلال الكتابات والنصوص والنقود والأسماء الجديدة التي تفعّل الشريان الثقافي العام، ويمكننا أن نقول بثقة لا تعوزها الدلائل أن عقد السبعينيات في القرن الماضي شهد نضجا ثقافيا قل نظيره حين تبارت الصحافة يومها بالتنافس على الصحف الأدبية والملاحق المتخصصة بالضبط كما تفعل الصحافة اليوم وهي تصدر الملاحق الملونة لصالح عيون ( ميسي ) و ( هيفا) ، كلام ناظم كان ذا شجون ودفعني الى ان استرسل في معرفة خفايا اخرى .
فتوقفت مع الكاتب
علي المالكي:
الذي بدأ كلامه بالقول لايمكن ان نتجاهل عشرات الصفحات التي تشير عناوينها الى كونها معنية بالثقافة في الاعلام العراقي الان ، اذن .. هناك صحافة ثقافية موجودة على ارض الواقع وهي صحافة بحاجة بحسب الوقائع الى ان تسعى الى تطوير نفسها عبر المراجعات اولا الذاتية لرؤساء تحرير تلك الصحف ومسؤولي الاقسام الثقافية الذين غالبا ما يتعاملون على نحو (غير مثقف) مع اقسامهم الثقافية واثارة النقاش حول واقع الصفحات الثقافية كما تفعل جريدة (المؤتمر) الان ، واعتقد ان التواصل وسبل التواصل بين المؤسسات الثقافية افرادا وجماعات والتنسيق فيما بينها من شأنه ان يعزز من عمل ما ندعوه في الصحافة الثقافية ) واضاف علي في اجابته حول سؤال عن ملاحظاته الاخرى فقال : (ما زالت نزعات المحاباة والعلاقات الشخصية مهيمنة على سلوك معظم محرري الصفحات الثقافية ، وهذا امر مؤسف لاننا نفترض بمحرر الثسم الثقافي ان يكون متحررا ومثقفا حقيقيا في التعامل مع عمله كمحرر ثقافي والتعامل مع الاخرين ، الامر الاخر الذي من شأنه ان يعزز الصحافة هو التوصيف الدقيق لكل الاقسام الثقافية والالتفات الى ضرورة انهاء فعل التجريح الذي تسببه المكافأة المادية للمثقف العراقي ، اذ ما يزال الكاتب والشاعر والناقد ينتظر صدقة المؤسسة الصحفية والتي لا تتعدى ربما حدود (البقشيش) في فنادق الخمس نجوم والتي يمنحها ضيوف مهرجانات الثقافة في العراق الجديد ممن تمتلىء جيوبهم بالدفاتر النقدية ).
اما الكاتب
معتز عناد غزوان
فقال : وجود الصفحات الثقافية في صحفنا حالة سليمة وظاهرة ناضجة ، فهي تزيد الوعي الثقافي وتؤلف جمهورا خاصا ، بعض هذه الصفحات مرتفع بمستواه وبعضها يعتمد على الانترنت لنشر المواد الجاهزة ، لكنها لم تحتضن الادب العراقي بسبب التكتلات الثقافية والحزبية والمحسوبية التي تسيطر على الثقافة بشكل عام وهذه تقلل من قيمة انتشار الثقافة الواعدة الحرة الى المتلقي العراقي )، واضاف حينما طلبت منه ان يوضح صورة النشر من خلال المحررين في الصفحات الثقافية قائلا : (هناك من يتعامل بشكل جيد مبني على الاحترام والتقدير وهناك من يفعل العكس ولم ينشر للبعض لاسباب معرضته لسياسة الصحيفة او معارضته لافكار رئيس القسم الثقافي) ، وحول المكافأة المالية قال معتز هناك من لا يفكر في ان تكون مثل هذه المكافأة او بحجة ضعف امكانات الجريدة او قلتها عند البعض ) .
ثم التقيت الكاتب
ريسان الخزعلي
الذي ما وجد بدا من الاجابة الا سؤالي الا بكلمات موجزة فقال في الصحافة الثقافية الان تتوفر فرصة النشر اكثر مما كان سابقا ، غير انها حادت عن طبيعتها فأصبح النشر مقترنا بأسماء محدودة بعضها لا يرتبط بالثقافةغير انها عقدة قديمة ، المهم ان يكون السعي لنشر ثقافة تؤيد محنة الانسان العراقي في تكلعه الحياتي والثقافي نحو اسماء اكثر نجوما وبعكسه لا فرق بين ما حصل وبيم ما سيحصل ).
* ترى هل تستطيع صحفنا الثقافية احاطة متطلبات المثقف العراقي ام انها تبقى فقيرة وغيرقادرة على ان تلبي رغبات الادباء والكتاب ؟ هل ثمة امل ان نجد لدينا صحف ومجلات ترتفع فوق مستوى الطموح ؟ لا ادري ولكن يبقى السؤال مفتوحا على اجوبة جديدة .
بغداد
المجلة -الالكترونيه