في رمضان: حال العرب مقلق ولا يسر
-الجزء الثاني-
بقلم:سري سمور
تحدثت في الجزء الأول عن حال العرب مع القضية الفلسطينية ،وسأتحدث في هذا الجزء عن الأمر/ العامل الثاني الظاهر في الخطر على العرب وأحد معالم الفشل التي يحيونها.
ثانيا:التشرذم وخطر تقسيمات جديدة
لطالما قيل بأن الحدود بين أقطار العرب مصطنعة أوجدها المستعمر وهذا ما تعلمه العرب في مدارسهم؛ بأننا أمة واحدة ولا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا ، ولكن ويا للعجب فقد كان هناك حرص على الحفاظ على هذه الحدود المصطنعة التي خطها قلم المستعمر على خريطتنا،في تناقض واضح بين ما نتشدق به وبين ما نمارسه في الواقع ؛ ورغم ذلك كان يمكن ان يكون الحال مقبولا إلى حد ما إذا بقيت القسمة الاستعمارية القديمة،من باب أهون الضررين،وإذ بنا اليوم أمام تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من جديد ؛ففي العراق وطن الأنبياء ومهد الحضارة ومنبع التاريخ؛نرى حالة انفصال سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي لمنطقة الشمال وهناك دولة على الأرض حتى لو لم يتم الاعتراف بها بشكل فعلي وهناك التقسيمات الطائفية في المناطق الأخرى،وحين تتحدث عن العراق تتحدث عن أحد أهم أقطار العرب بما يمتلكه من مقدرات بشرية وثروات ومياه وتاريخ وحضارة وموقع استراتيجي.
والسودان الذي لطالما فاخرنا بأنه سلة غذاء العرب والأفارقة،وأكبر أقطار العرب مساحة(حوالي 2.5 مليون كم2) فقد بات على أبواب التقسيم ؛فالجنوب يستعد للانفصال النهائي،ودارفور حالها معروف ،وكردفان دورها آت.
ويبدو أن فرحتنا باليمن السعيد الموحد لن تطول؛فهذا البلد الهام مهدد بنهاية مأساوية وتمزقات مؤلمة،ليس فقط على أساس الشمال والجنوب،بل هناك مخاطر انفصال حضرموت وصعدة وغيرها من المناطق والمحافظات.
وقبالة سواحل اليمن،الذي غادرته السعادة إلى أجل لا يعلمه إلا الله،هناك الصومال الذي يشتق من اسمه مصطلح الصوملة الذي يشير إلى ما يشبه حال عبس وذبيان أو بكر وتغلب في مرحلة ما قبل الإسلام.
ومصير الصومال ليس بعيدا عن باقي أقطار العرب،خاصة وأن الهوية المعرّفة بالمواطن القاطن في بعض أقطار العرب ارتدت إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة ككيان سياسي واجتماعي يجمع سكانه وطن ينتمون إليه ويحملون هويته؛فمثلا لم يعد العراقي عراقيا كما كان قبل سنوات بل أصبح سنيا أو شيعيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا أو أيزيديا...إلخ وليست بقية بلاد العرب بمفازة من هذا المصير البائس والمستقبل المظلم إذا لم يتم تدارك الوضع أفقيا وعاموديا ،ورسميا وشعبيا ونخبويا.
أما عن أسباب هذا التشرذم الذي يهدد بتحويل الوطن العربي إلى فتات تتنازعه الطوائف والإثنيات فهي كثيرة ،ولا ينبغي قصرها على المؤامرات والتدخلات الخارجية ومكر الماسونية والصهيونية العالمية؛لأنه من الطبيعي أن يكيد هؤلاء للأمة كيدا،وأن يمكروا مكرا،ولكن نجاحهم الذي أزعم أنهم مذهولون من نسبته العالية ،فهو عائد إلى أسباب وعوامل ذاتية منها:-
1- عدم الحكمة في التعامل مع غير العرب في البلاد العربية خاصة أولئك الذين يقيمون بأقاليم ومناطق جغرافية خاصة بهم،بمعنى أنهم يشكلون أغلبية فيها،مما تركهم فريسة لقوى غربية وصهيونية عبأتهم وحشدتهم ضد الدولة المركزية وضد العرق العربي نفسه؛لاسيما أنه كان ثمة إساءات أو نوع من التهميش لهم في بعض الأوقات؛فالدولة العربية لم تبق معهم علاقة قائمة على القواسم المشتركة المتعددة كالدين والمصير والتاريخ المشترك،بل لم تستطع إيجاد ثقافة ناسفة لفكرة الصفاء والتميز القومي أو العرقي لأنه ،وكما نعلم، فإن الأعراق والقوميات قد تمازجت مع بعضها على مرّ الزمن بفعل الحروب والهجرات والتعامل الإنساني اليومي،وليس ثمة عرق صاف؛فانعدام الحكمة والتخطيط وأيضا العدل في التعاطي مع هؤلاء أدى بهذه الأقاليم إلى أن تفكر بالانفصال عن الدولة المركزية بدعم وتشجيع من الغرب وإسرائيل التي موّلت علنا بعض الانفصاليين بالمال والسلاح ونفخت في نار الفتنة القومية.
2- لقد تراجع المشروع القومي،والذي كان هشا منذ البداية بسبب الحرب الشرسة من قوى الاستعمار الغربي التي تقوم سياستها على النظرية المشهورة «فرق تسد» وكذلك بسبب عدم بناء إجراءات تراكمية تجعل الوحدة أمرا ضروريا لا فكاك منه بالنسبة للأقطار العربية، وليس مجرد مشاعر وجدانية نابعة من الانفعال الشعبي مع الشعارات القومية،بل من باب المصالح المشتركة والعلاقات المتشابكة؛كان بالإمكان إنشاء نظام تعليمي موحد ومناهج مشتركة،ومن ثم بناء نظم اقتصادية ومناطق سوق حرة كما فعل الأوروبيون،إلا أن هذا لم يحدث إلا ارتجالا أو بشكل موسمي استعراضي.
3- طبيعة وسلوك النظام السياسي العربي الذي لم يتورع عن استخدام التعبئة القبلية أو الجهوية والقطرية لتثبيت أركانه وإحكام سيطرته على مكونات الدولة والوطن،فانقلب السحر على الساحر،وهذا ينسحب على البدعة الجديدة القديمة القائمة على فلسفة تقديم المصلحة القطرية على نظيرتها الوطنية والقومية،والنتيجة الماثلة أمامنا أن الدولة القطرية باتت مهددة بالتمزق وانفصال أجزاء منها وهي إجمالا تعيش حالة تراجع ملموسة انعكست على 300مليون إنسان هم سكان البلاد العربية.
قبل نحو عقدين من الزمن كان ثمة أمل بإيجاد تكتلات عربية اقتصادية قابلة للتطور مع الزمن لتشكل كتلة واحدة منسجمة سياسيا وموحدة بشكل عام في بنيتها العسكرية؛فقد كان لدينا ثلاث اتحادات عربية؛اتحاد المغرب العربي وضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا،ومجلس التعاون العربي وضم مصر والعراق والأردن واليمن،ومجلس التعاون الخليجي بدوله الست وهو أقدم من سابقيه ويشمل السعودية والإمارات والكويت وعمان وقطر والبحرين.
لكن اجتياح العراق للكويت قضى تلقائيا على مجلس التعاون العربي حيث انقسم العرب آنذاك على أنفسهم بل وأحضرت القوات الأطلسية وبغطاء رسمي عربي إلى المياه والأراضي العربية وكان ما كان.
إتحاد المغرب العربي بقي منه الهيكل والصورة؛حيث أن ليبيا توجهت نحو إفريقيا لأسباب عدة منها عدم وقوف العرب معها بمن فيهم شركاؤها في الاتحاد إبان الحصار الذي فرض عليها بعكس الحال لدى دول الإفريقية،كذلك هنالك خلافات قديمة جديدة بين المغرب والجزائر بخصوص الصحراء الغربية ووقوف الجزائر مع جبهة البوليساريو.
وأما مجلس التعاون الخليجي فقد حقق نجاحات واضحة،بلا شك،إلا أنها تظل دون المستوى المطلوب والأمل المعقود مقارنة مع قدم المجلس وطبيعة الروابط والأواصر بين أعضاءه،كما ان أقطار المجلس تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة الحماية العسكرية،ولم يحسم مجلس التعاون الخليجي أمره بشأن ضم اليمن المهدد بالتمزق وهي خطوة لو تمت ستضرب عصفورين بحجر واحد؛حماية اليمن من التفتت وتقوية بلدان الخليج بالشعب اليمني الفتي الذي سيغير في الميزان الديموغرافي المختل حاليا في الخليج.
كما أن الخلافات السياسية بين دول الخليج الخاملة منها والنشطة يضع العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل تطور المجلس، ولا ننسى ان المجلس وحتى اللحظة فشل في مشروع توحيد العملة وهو أمر لو نجح لكان النجاح الأكبر في مسيرة المجلس منذ إنشائه.
أما البنية الاجتماعية في الخليج ففيها مشكلات متعددة منها مسألة البدون، ووجود نسبة كبيرة من الأجانب خاصة الآسيويين والهنود؛ومؤخرا قرع مسئولون وخبراء خليجيون نواقيس الخطر تحذيرا من هذه المشكلة المقلقة.
يضاف إلى ذلك التباس وارتباك العلاقات بين دول الخليج وكل من العراق وإيران؛ فقد دعم الخليجيون صدام ضد إيران ثم ناصبوه العداء بعد غزو الكويت وهم في تعاملهم مع إيران في حيرة وتردد مردهما عدم تقديم المصالح الخليجية على الضغوط الخارجية لا سيما الأمريكية؛فأمريكا دمرت العراق بالمال العربي قبل عشرين عاما، وهي تسعى اليوم لتكرار السيناريو مع إيران،إلا أن أي نزاع مسلح سيكون الخاسر فيه هو الطرف العربي بنفطه وماله ومجتمعه وبيئته وحتى مناخه.
ولم يعد خافيا إضافة إلى ما ورد أعلاه مخططات تقسيم وتمزيق ما تبقى من بلدان العرب؛ولا يجوز مطلقا الاستهانة بهذا الأمر واعتباره من المستحيلات،فكثيرون لم يتوقعوا أن يغدو حال العراق إلى ما آل إليه اليوم.
فهنالك مخطط لتقسيم مصر بين المسلمين والأقباط والنوبيين،ولتقسيم بلدان شمال إفريقيا بين العرب والأمازيغ؛أما لبنان فالحامي هو الله، لأن الوضع فيه على فوهة برميل بارود يحتاج لشرارة كي ينفجر، كما لا يستبعد الغرب سوريا من مخططات التقسيم والتمزيق.
إن الحديث عن هذه المخططات لم يعد فقط محفوظا في الأدراج المغلقة بأقفال ذات أرقام سرية لا يعرفها إلا أفراد قليلون من دهاقنة السياسة والإجرام،بل يجري التصريح بها علنا أحيانا قليلة،والتلميح بها في أحايين كثيرة.
إن التقسيم الحالي الذي نشأ في مرحلة ما بعد ضعف وتفكك السلطنة العثمانية والتمدد الاستعماري الأوروبي تسبب في ضعفنا وإخفاقنا،وانعكس على الجيل أو الجيلين اللذين ترعرعا في ظله،فكيف سيكون الحال بعد خطط التمزيق الجديدة التي بدأت تأخذ طريقها إلى التنفيذ في غير مكان؟إنه أمر مفزع حقا....ولا يبتعد هذا وغيره من عوامل إخفاقنا كعرب عن طبيعة النظم السياسية وسلوكيات المعارضة وهو ما سآتي عليه في الجزء الثالث بمشيئة الله تعالى..يتبع.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الثلاثاء 21 رمضان/1431هــ، 31/8/2010م
من قلم/سري سمور-جنين-فلسطين-أم الشوف-حيفا