النص الفائز بالمركز الأول
بقعة تحرسها الملائكة
أجواء شهر رمضان الكريم تملأ المكان سحرا وبهاءا ، ابتهالات الشيخ (النقشبندى) تنساب الى الأفئدة ، أوشكت الشمس على الأفول ، والزوجة (رشيدة) تعد طعام الإفطار ،إنه يوم الراحة للمقدم (جاسم) ، تعوّد أن يقضى السويعات الأخيرة من ذلك اليوم بشرفة المنزل الباسقة متأملا أرجاء الحرم النبوي الشريف المسربل بالضوء والندى ، تستسلم حواسه لجلال المشهد النورانى ، يهمس مغتبطا :
ــ كم أنت محظوظ ياجاسم لإقامتك بهذه البقعة المقدسة
ينفرط عقد أطفاله منحدرين نحو الشرفة، يلتفون بفرحة حول أبيهم ، يتقافز أصغرهم (الألثغ) بين يدىّ أبيه :
ــ أنا فرحان يابابا لأنك سوف تأكل معنا اليوم ، كل يوم عندك شغل ، كل يوم عندك شغل، كل يوم نار نار نار ؟
يستغرق اخوته فى الضحك وهم يشيرون الى أخيهم الألثغ (فيصل) مقلدين صوته : كل يوم نار نار نار ؟ها ها ها
يربت على ظهر صغيره ويدلف الى ممر صغير يفصل بين الشرفتين ليستمتع ببهاء المشهد من الجهة المقابلة للمكان ، اصطدمت عيناه بعمود الدخان الأسود المتصاعد من بعيد ، هاله المنظر ، ولازالت ضحكات صغاره تمزق أستار الصمت ، حتى اغتال رنين التليفون ضحكاتهم:
ــ حاضر يافندم ، دقيقة واحدة وسوف أكون فى موقع الحريق
تسلل الوجوم الى وجوه أطفاله ، طبع قبلة على خد كل منهم ،ألقى بجسده داخل زيّه الميرى ، التقط الخوذة الحديدية :
ــ افطروا يارشيدة ولاتنتظرونى ، ربما اتأخر ، فالحريق بالقرب من الحرم
قالها لزوجته وهو يهول مختفيا فى ثوان عن الأنظار.
أعمدة الدخان تتصاعد نحو السماء ، دخان أسود يذبح الرؤية ويغلق نوافذ العيون ويقطف من الرئة ورود الشهيق ، انقباض صدور، سعال، صراخ، شرر متطاير، صهد يلفح الأجساد، نيران مسعورة تسدّ الطرق وتطل برأسها من النوافذ ، أجساد تقفز مشتعلة من الشرفات فى مجاولة يائسة للنجاة ، انها الجحيم ، الكل يهرول نحو المجهول ، رجال الإطفاء يسلّطون خراطيمهم الى وجه الموت ، والمقدم جاسم يتسلق الأعمدة الخرسانية ويصل الى أول نافذة بالمبنى ، يلتقط منها الطفل تلو الآخر ويسلّمهم الى أيادى الآخرين ، يطلب الخرطوم من الجندى مرة أخرى ، يقتحم به المبنى ويشهره فى وجه النار، تتلبد عيناه بالغيوم السوداء، تختنق أنفاسه، يحاول التشبّـث بالخرطوم، تخور قواه، لم يعد يملك زمام الخرطوم، لاأحد حوله ، ترنّح هنا وهناك ، انهار جزء كبير من المبنى ، ساعة من الموت المتواصل نكّـست بعدها النار آخر راياتها ، ولم تفلح أصابع النيران أن تتسلل الى الأبنية الملاصقة للحرم، توافد رجال الإنقاذ الى المكان ، ينتشلون المصابين وتحاول سيارات الإسعاف اللحاق بأهداب الحياة ، ومن بين الركام ينتشل رجال الإنقاذ جثة متفحمة تتلألأ فى ليلها( نجمة)نحاسية وحيدة تجاور (نسرا)، ينطلق مدفع الإفطار، صوت المؤذن يخترق الآفاق ، ويواصل الشيخ (النقشبندى) إبتهالاته
ألف مبارك للأديب / عبد الناصر حجازي
النص الفائز بالمركز الثاني
عندما لاح الهلال
أردتُ أن أحتفي بهلالِ الشّهرِ وحدي، فأرقبُ حلوله مع منظاري الأسود القديم، فخرجتُ إلى سفح الجبل الكبير على حافّة المدينة، قرب القلعة، وصعدتُ أنشدُ ذاك الهلال ورغبة تعتريني بأن أصاب بحمّى الفرح.
ذلك المرض النادرُ الذي أنتظر الإصابة به منذُ قرون دون جدوى .. فكلما مرّ عمرٌ أتوسمُ في القادم خيراً، ولما يطلُّ أبكي حسرة على الذي فات ورحل .
وقد تعبتُ الليلة في حساب عمري الحقيقي، فوجدتّ العام يمرُّ بثقل قرن، فغضضتُ الطرف عن إحصائه إذ أنني لا أحسنُ العد .
كانت السماءُ غائمة بحزنٍ لا تشتهي البكاء، بل تبتلع دموعها بأسى، وتخفي في غيمها الأبيض الرقيق جمال الهلال..
نظرة واحدة للهلال تهيّجُ في داخلي الكثير من الهموم.
أتوكأ على جدارِ القلعة ورغبة في داخلي تُلحُّ لأن أتوحّد معه .
هذه القلعة القديمة قد كانت في يوم ما أبيّة شامخة ترهبُ العدو وترجفه، فيحسبُ لها ألف حساب.. وهاهي اليوم كومة حجارة بالكاد تحميني من دوار العجز.
أستأذنُ الغيمة والقلعة وحتى الهلال بأن أنوب الليلة عنهم جميعاً بالبكاء، وأوصيهم بألا يحدّقوا في دموعي، فلا أحد يحبُّ أن يرى دموع الرجال.. لكنّ قلبي يبكي كعجوزٍ ثكلى، والأرض مثلي تنتحب، فهي تحتضنُ كلّ يوم عشرات من أبناءها الشهداء .
مذياعي الصغيرُ في جيبي قد أخبرني عن موجز الأنباء ..
فلسطينُ تئنُّ ولكن بإباء، تستقبلُ رمضانها رضيّة، فقد خلقت لتعلمنا الكفاح، وكنّا تلاميذاً كُسالى في مدرستها، فتعلمنا كل دروس الحزن، وتغيبنا عن صفوف الشجاعة والنضال.
العراقُ تعيشُ رمضانها صامتة .. فما عادت تصرخ منذُ أن قطعوا حبالها الصوتية، ومنذُ أن استساغ الناس علّة الصمم، تتحاملُ على جراحها لتحفظ ما تبقّى منها من أشلاء طاهرة، وتغفو لتحلم آملة بالعودة، وتبتهل لله في كل ليلة داعية لله بأن يحبر الكسر ويعيد كلّ من رحل.
في باقي المدن العربية احتفالات كبيرة.. بشهر عبادة قد حوّلوه إلى مهرجان .. وعلّقوا كل القناديل الملوّنة، وحبال الزينات.. نصبوا الخيام وهيئوها لكلّ وسائل المرح..
رمضان قد غدا شهر المرح!
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
عظّم الله أجركِ يا أمتي في مصابك، ولماذا لم تعلميني كي أعزّيكِ بموتى القلوب ؟!
ستنظرين إليّ بغرابة وتسألين .. أولا تدري أنها ماتت منذُ زمن؟ ورمضان شهرُ حزينٌ لم يزل ..
وأنت هنا وحدك تبكي وتتجرع ألوان الألم .
نسمةٌ تهبُّ فترتجفُ أوصالي، أشعرُ أنني أقربُ للموت من كل حين، قلبي يعاود إزعاجي بطرقه العنيف، أتهاوى قرب جدار القلعة، وعيناي معلقتان على الهلال الغائب بين الغيوم ..
فجأة .. يسري الدفء في كل خليّة من جسدي ..
إنه معطفي الأسود !
أهذه أنت يا مريم ؟! أما تعبتِ يا ابنتي من اللحاق بي في العتمة ؟
تبتسمُ بحنان، وتلمع عيناها العسليتان .. وتومئ لي بحب ..
هيا لنذهب ..
لكنني أبحثُ عن فرحي ..
- سيعود يا أبتِ .. سيعودُ يوماً ..
- لكنني لا أراه، لا أسمعُ تكبير المآذن، لا ألحظُ أنوار القرآن تشعُّ في بيوت مدينتي .. ولا ألحظ معناهُ في قلوبهم، فأي شيء تراه سيعيدهم ؟..
تساعدني على النهوض، وتعيد ترتيب معطفي على كتفي، وتهمسُ واثقة ..
- فقرهم للقرآن سيعيدهم إليه، نحنُ أمة لا تموتُ يا أبتِ، كلما انتكست أحست بألم الجرح فانتشلت نفسها وعادت أقوى .. سنعود يوماً يا أبتِ لدفء المعاني في الحياة، وسنتوقف عن اصطياد الفرح ليلة إطلالة الهلال، لأن حياتنا كلها ستغدو رمضان..
أومئ موافقاً ، وأبتلعُ الجرح والملح والمرارة والألم، وأعودُ معها إلى بيتنا الدافئ، فرمضان قد أتانا مواسياً أحزاناً تسكننا، وهلاله قد لاح لنرفع الحجب عن ظلمة قلوبنا، ونور القرآن قد أطل ليشرق روعة في كل تفاصيل حياتنا، فهل نملكُ إلا أن نبتسم ؟!
ألف مبارك للأديبة / نور الجندلي
النص الفائز بالمركز الثالث
الغريب
في أحد الأيام وبعد طول غياب اتصلت بإحدى صديقاتي وحددنا موعدا لأزورها في بيتها , طرقت الباب, فإذا بها تفتح راسمة على محياها نظرة غريبة بادرت:
- أتبحتين عن شخص أنستي, فأنا كما أتصور لا أعرفك ولم تسبق لي رؤيتك, لا لا انتظري ...ربما كنت أعرفك لكن الإنسانة التي أعرفها لا تغيب عني هكذا ولا تنساني هكذا ولا تتحمل فراقي مذة طويلة هكذا, ادن بسرعة أخبريني على من تبحتين؟
سايرتها في حديتها وأجبتها:
- أنا أبحث عن صديقة لي مرحة جدا, تحب تقمص الأدوار وتحب المغالاة في الأحاديث وتحب الترحيب بي في كل مرة بشخصية جديدة, لكن يجب أن أخبرها أن شخصيتها هذه المرة سخيفة جدا فأنا رغم الغياب لم أنسها يوما ولأني لم أتحمل فراقها فقد بحتث عنها حتى وجدتها.
ابتسمت بسمة كبيرة تم نظرت إلي وقالت:
- كما عهدتك دائما تحسنين انتقاء كلماتك
- وأنا كما عهدتك دوما حساسة بطبعك
عانقنا بعضنا عناقا طويلا يستحق تلك المذة الطويلة التي لم نرى بعضنا فيها, يستحق طول البعاد وطول الغياب وطول الوقت الذي لم ننعم بعده بالرفقة الجميلة والأحاديث اللامنتهية والصداقة السامية, بعد العناق والقبلات دعتني للجلوس, جلسنا والضحكات لا تكاد تفارقنا
قالت وضحكتها الوديعة على شفتيها:
- كم اشتقت لك ياوفاء, اشتقت لكل شيء فيك
- أنا أيضا اشتقت لك خاصة ضحكتك هذه التي تميزك دون غيرك.
- لو كنت كذلك لما أطلت الغياب بهذه الطريقة.
- لا تحكمي علي عزيزتي بهذه الطريقة, فأنت تعلمين أنه مند تخرجنا من الكلية كل واحدة منا انشغلت بمستقبلها لكن مع ذلك تأكدي أن الصداقة الحقيقية هي أبدية ولا تنسى.
- ياه يا وفاء, كم أتمنى أن تعاد أيام الكلية, كانت أروع أيام وأجملها على الإطلاق
- هي الأيام الجميلة هكذا تمر بسرعة لا نكاد نستمتع بها, لكن دعينا مما مضى وقولي لي ما آخر أخبارك ؟ أما زلت تعملين في تلك الشركة؟
- نعم مازلت رغم أني ترقيت...
- حقا ؟ مبروك نوال مسرورة لأجلك
- شكرا عزيزتي, لكن أخبريني أنت كيف أحوالك وكيف أحوال الصحافة؟
- بخير لقد أخدت الصحافة جل وقتي لكن رغم كل شيء مازلت في بداياتي وما زال الطريق طويلا أمامي
- أتنبأ لك بمستقبل واعد
- ومتى أصبحت تتنبأين بالمستقبل يا نوال؟
- أنا لا أتنبأ بالمستقبل لكن من حبك القديم للصحافة وولعك الغريب بالصحفين والكتاب والرسامين وكل ما يهم الأدب يحق لي أن أتنبأ لك بذلك, فالإنسان غالبا ما يبرع في شيء يحبه ويتقنه
- هل أخدت الأمر بجدية كنت فقط أمازحك؟ لكنك رغم ذلك كنت حكيمة في إجابتك, دعينا من الأعمال قولي لي ما أخبارك مع خطيبك الوسيم؟
- جيدة جدا وربما قريبا ستسمعين أخبارا سارة.....
واصلنا الأحاديت التي لا تنقطع من موضوع لآخر, أحضرت والدتها الشاي, جلست معنا قليلا مرحبة بزيارتي وبعد السلام والتحية انصرفت لتتركنا نواصل أحاديتنا التي لا تمل عن الماضي والحاضر وحتى المستقبل, وبعد هنيهة أقبل رجل مارا من أمامنا فما لبت أن عرج ليسلم علينا تم انصرف خارجا.
بعد خروجه بادرت نوال:
- من هذا الرجل هذه أول مرة أراه هنا؟ هل هو أحد أقربائك؟
- نعم هو كذلك لكن حكايته محزنة جدا سيرق لها قلب أي شخص مهما كان متحجرا
- لكن ما الذي أصابه؟
- حقا تريدين أن تعرفي؟
- طبعا إن لم يكن هناك مانع ؟
- لا أبدا سأحكي لك , لكن سأعيدك للوراء قبل ثلاتين سنة
في قرية نائية نشأ شاب يافع وسط أسرة فقيرة , شاب جميل المحيا, مهدب وله سمات الريفين المميزة التي ما فتئت تتلاشى يوما عن يوم, وكان المختلف فيه عن جيل قريته أنه أحب القراءة , سمح له والده بالسفر للمدينة للدراسة بشرط أن يأتي في العطل ليعتني بالأرض وكان كما أراد الأب في كل عطلة يستعد الولد ليشتغل فيما علمه والده, يحرث الأرض, يزرع, يسقي, يشدب, يحصد, وهكذا مرت الأيام إلى أن جاء يوم كان الشاب في القرية حيت حدت وتعرض لحادث رهيب في رأسه, لا يهم كيف حدت ذلك لكن المهم أن آلة حادة من الآلات الفلاحية أصابته إصابة بليغة في رأسه , انشق وسالت الدماء غزيرة لا شيء يوقفها, عندها لم تدري الأسرة ماتفعل خاصة أنها نائية وبعيدة جدا عن المدينة فلم تجد سوى أن تأتي بالمرأة الحكيمة في القرية التي تداوي بالأعشاب, جاءت الحكيمة مزجت مختلف الأعشاب بيد ماهرة ملأت بها الجرح العميق والشاب مغمى عليه من فرط الألم, لكن بعد قليل التهب الجرح, ارتفعت الحرارة مندرة بحمى شديدة , و رغم كل هذا طمأنتهم الحكيمة أنه بعد أيام ستنخفض وبعدها يلتئم الجرح, وفعلا هكذا حدت هدأت الحمى والتأم الجرح, لكن الصدمة جاءت حين لم يذكر الشاب ما حدت له تم لم يعد يتذكر أقاربه الذين يزورونه, تم بعد ذلك لم يعد يتذكر أسرته, تم بعدها لم يعد يفرق بين الخطأ والصواب, أي أنه أصبح مجنونا.
لم يستطع أبواه فعل شيء سوى الدعاء له وزيارة بعض الشيوخ, فهام
على وجهه في القرية تم بعدها لم يعد يرى في القرى , بحثت عنه أمه كالمجنونة إلى أن توفيت حسرة عليه وما لبت أن لحق بها والده.
لم أطق الإنتظار فقلت:
- حقا قصته محزنة لكن كيف حدت ووصل عندكم هنا؟
- لماذا أنت متسرعة هكذا؟ فالكلام آت ولم أنتهي بعد
- آسفة تفضلي وأكملي ما بدأته
- حسنا قلت أنه بعد وفاة والديه كان له أشقاء, كبرو وهم يعلمون أن شقيقهم الأكبر مفقود, مرت سنوات كثيرة, تعلموا, اشتغلوا, وكل واحد منهم كون أسرته وتيسرت حالته المادية من حسن إلى أحسن, لذا فكل الظروف توفرت ليفكرو في البحث عن أخيهم , فكان لهم ذلك بحثو كثيرا , نقبو كثيرا, إلى أن وجدوه أخيرا , فأودعوه أفضل المستشفيات للمعالجة, بعد سنوات من العلاج والتدقيق في حالته ومراعاته حقق الأطباء انجازا هائلا فتتبعو حالته إلى أن استقرت واسترجع عقله, لكنهم أخبروا العائلة أن هناك مشكلة بسيطة وهي أن كل تلك الفترة التي كان فيها هائما على وجهه كأنه لم يعشها وكأنه كان في غيبوبة مذة ثلاتين سنة استيقض منها الآن, إد من الطبيعي أن لا يعقل شيئا لأنه أصلا كان بلا عقل , أي أن تفكيره مازال كما كان لم يتغير, تفكير ذلك الشاب اليافع البسيط الذي نال قصطا ضئيلا من التعليم والذي يعتني بالأرض بكل ما يملك والذي لم يعاصر لاالتطورات التكنولوجية ولا القفزات العلمية في مختلف المجالات, وكل هذا يدل على أنه سيكون غريبا في بيئة غريبة عنه وبيت غريب عنه وآلالات ليست بالمرة تلك التي ألفتها يداه وسيدل أكثر على أنه انتقل زمنيا ثلاتين سنة رغما عنه.
- يا إلهي ما هذه القصة الغريبة وكأنك تحكي عن رواية أو فيلم ما؟
- لا عزيزتي هذا ليس فيلما أو رواية بل هو عين الحقيقة
- إذن فعقل ذلك الشاب اليافع في جسم هذا الرجل الناضج؟
- نعم هو كذلك
- وكيف أصبحت حياته مع عائلته؟
- أول ما فعلوه أنهم عرفوه على كل أفرادها تم بعدها عليه أن يمضي فترة في كل بيت لتتوتق أواصر العائلة لديه وبيتنا أول بيت.
- حقا؟ وكيف كانت أيامه الآولى؟
- كانت جد طبيعية هو بطبعه لطيف, مهدب...لكن الغريب في الأمر أننا في يوم كنا نجلس أمام التلفاز وآلة التحكم كانت لذى أبي فكان من الطبيعي أن يختار قناة الأخبار...
- نعم وبعد؟
- كانت نفس المواضيع التي تداع كل يوم, لكن الغريب أن ملامحه تغيرت وبدى الإنتباه جليا على وجهه, تم سأل سؤالا عجيبا قال:" هل هذا الذي نراه الآن حقيقي؟" فكان الجواب نعم تم سأل :" ولمن هذه الجتت والدماء والأشلاء؟" فكان الجواب أنها لأناس عرب فسأل:" وهل هم مسلمون؟" فقلنا نعم فكان جوابه كالصاعقة إد قال:" وكيف ترضون أن ترو إخوانكم المسلمين هكذا؟, كيف تستطيعون أن تتحادتو وتتجادبو أطراف الحديت وأحيانا تضحكو وأمامكم هذه المناظرالتي لا تجلب سوى القهر والأسى؟" فبهت الكل, لم يكن أحد ينتظر متل هذا الرد وكان جواب أبي:" نحن كذلك يا أخي نأسى, نحزن, نتحسر, لكن ليس بأيدينا شيء"
تم في أمسية أخرى كنا نتناول العشاء والتلفاز كما العادة مشغل الكل يتناول عشاءه إلا هو لم يتدوقه حتى فسألناه لماذا لا يأكل ألأن الطعام لم يعجبه؟ فأجاب:" لا ليس كذلك, لكني لا أستطيع أن آكل وأشرب وعيني ترى مالا تستطيع احتماله, لا أستطيع, هناك شيء أقوى مني يمنعني من ذلك, فقلبي يتمزق ولا أظن أن من يتمزق قلبه سيفكر في شيء سوى في الألم وسكرات الألم"
- وفاء, وفاء ...
- آسفة لقد شردت قليلا
- هذا واضح لكن فيما سرحت وأين؟
- أبدا, كنت فقط أفكر في كلام قريبك
أنهت نوال حكايتها وبعد قليل استأدنتها بالإنصرف وودعتها وداعا حارا على أمل اللقاء القريب بإدن الله.
نزلت الدرجات القليلة المفضية للشارع , فإدا بي مجددا أشرد مع كلام قريب نوال وأفكر:
هل حقا تبلدت مشاعرنا لهذه الدرجة حتى نستطيع أن نفتح أعيننا لنرى الجتت والدماء والأشلاء؟ هل من المعقول أن يكون كل هذا جزءا من حياتنا؟ لكن كيف حدت واقتحم كل هذا حياتنا؟ ربما هو التعود, تعودنا عليه كما تتعود الشجرة على العواصف والرياح القوية ربما بفضلها تصبح قوية قاسية تجابه كل شيء, لكن للأسف هذه الرياح والعواصف تذهب برائحتها الزكية وتذهب بأوراقها الندية وتتفرق بفعلها أغصانها المجتمعة وأكثر في كل يوم تقطع جدرا من جدورها المنغرزة في الأرض ورغم كل شيء, رغم أنها تكبر, تتضخم, تتفرع, تزهر, تثمر تتجعد بفعل السنين , إلا أنها تظل تخاف من يوم لن تتحمل فيه لمسة من العواصف والرياح.
ألف مبارك للأديبة / سعيدة لاشكر