جمال العشعوش ..
و حوار الإنسان والشجرة حول سر الحياة
التفرد ... التوحد ...الاندماج... والتوءمة....
مفاهيم ميّزت الفنان جمال العشعوش في مراحل إنتاجه الفني التشكيلي، بدءاً من مراحله الأولى وصولاً إلى لغة النحت الفراغي الفلسفي والموضوعي، حيث ارتسمت الخطوط على ثنايا اللون، لتكون ومضات حساسة تبوح بالجديد والمثالي وذلك حسب الزمان والمكان الذي نراه يسبح فيه .
ومضات حسية
إنها أكثر من تجربة فنية متميزة.. تستحق الدراسة.. إنها مدرسة متكاملة من التعبير والرؤية والقدرة على اختراع النور، والذي يتمدد كبرياء وعطاء متجدداً ومتجذراً برسالة الإنسان عبر مسيرة حياته، إنه الفنان جمال العشعوش دائم الحضور منذ عقود متتلمذاً على يد عمه الراحل الفنان سليم العشعوش منذ الستينيات من القرن الماضي، والذي لم تمكنه الأيام من إنتاج كل ما كان يراه ضرورياً في هذه الحياة، فتابع الفنان جمال هذه الرسالة. حيث اختط لنفسه نهجاً أعطاه ما يملك، وما مكنته الطبيعة الإنسانية منه، حتى حافظ على إرث عمه الفنان سليم العشعوش، ومحافظاً في الوقت نفسه على خصوصيته الطبيعية، وانفرد في رسم الأشخاص المحليين والمتميزين بشفافية مطلقة. ولا يخلو منزل في محافظة السويداء إلا وله صورة لشخص ما، وأذكر هنا تفرده في رسم صورة حية للشيخ «حمد» الرجل، الذي اختزل الزمن في حياته، حيث عاش ومات على الرصيف، ولكن بكل هدوء ومحبة.
ومضات فكرية
مفهوم التوحد ...انطلاقة أخرى عمد الفنان جمال العشعوش إلى صياغة لوحاته بعناصر نباتية من أغصان الأشجار الملتوية، والمنسابة عبر الفضاء، ليشكل بها تعابير إنسانية، ووجدانية وفلسفية، وبهذه الأشجار، ومن خلال أغصانها المتناغمة يرسم لوحات تعبر عن ديمومة الحياة واستقرارها، معتبراً أن الشجرة تحكي الأيام ومتجذرة بالأرض، وعنوان للخير والعطاء والصمود، وأحياناً التحدي لغضب الطبيعة وعنفوان الإنسان، فكلها مقالات تروى عن علاقة الإنسان بالطبيعة.
وفي حقيقة أعماله الشجرية حوار صامت ، ولكنه شاعري ما بين الإنسان والشجرة حول سر الحياة ، إنها مسألة توحد وتكامل وتفاعل وتناغم أعطاها الفنان صيغة منطقية للحياة عبر التعبير الفني .
ومنها اللوحات الراقصة عبر موسيقا الخطوط الملتوية واللوحات الحالمة عبر الألوان الصافية، وكذلك اللوحات المقاتلة عبر الأغصان المتصارعة. وبعض المناظر الخلابة كالربيع والثلج والقطاف والآثار، فهذا التوحد مع الطبيعة عبر ريشة متعددة الألوان يعطي للفن مدلولاً ضمنياً أنه ابن الطبيعة ومستقرها.
ومضات لونية
نأتي إلى مفهوم الاندماج في أعمال الفنان جمال العشعوش ، فهي تقسم إلى مرحلتين الأولى: صناعة اللوحة العفوية التي يستخدم فيها ألوان المائي والأكريليك ، بحيث يمزج اللون بالماء ويتركه يسبح في فضاء اللوحة وعندما يستقر يأخذ الريشة السوداء الناعمة ويرسم عناصر متعددة منها الإنسان والطير والشجرة والحصان.
وفي المرحلة الثانية: هناك عملية رصد للعناصر من خلف الألوان، حيث يرسم جذوع الشجر وأغصاناً متكسرة، وشقوقاً في باب ثم يركب من خلفها عيوناً ترقب، وامرأة تصرخ وحصاناً يجمح، فاللوحة هنا من خلف الستارة، ومنها التعبيرية والسريالية، وكما يسميها هو «الفن المستقبلي»، فهنا عملية الاندماج اللوني والتعبيري والفلسفي، حيث يؤكد الفنان العشعوش« أنها معركة سلمية مع الحياة نحو رؤية نورانية للوجود، إنها كشف لأسرار النفس البشرية، إنها الفن، الذي ولد مع الإنسان، بل إنه سجل للعقل والروح والضوء، والنجوم، إنه اندماج الإنسان مع الطبيعة».
ومضات رمزية
وجاءت آخر إبداعات الفنان العشعوش في الأعمال الرمزية المجسمة «النحتية» تحت عنوان التوءمة بين الإنسان والمادة والروح بشكل فلسفي تعبيري عن الأشياء المحيطة بنا أطلق عليها «سيمفونية الفراغ» ، تبحث في قيم الأشياء ، ومنها حصان على كرة مع معاناة الإنسان بينهما، فالحصان يرمز إلى الحرية والخلاص والكرة الى القلق أو مركز الكون، والإنسان بينهما يحمل الطموح والأمل، فهذه المفاهيم هي توءمة لعناصر الحياة. وعمل آخر لفتاة ترقص بالسيف، وهو رمز للعفة والحق والجمال والخصب، فأجاد الفنان في تحميل مواضيعه الروح الفلسفية ليشحن فينا مفهوم الالتزام والتحرر والبحث في شفافية البعد الإنساني.
ومضات زمن
لقد ارتسم الزمن بكل أبعاده في أعمال الفنان العشعوش، كما ارتسمت معالمه على تفكير فناننا المبدع وهذه العودة إلى البدايات مروراً بما قدمه من التجديد والتنويع، فقد حقق المعادلة في الكبرياء الفني وحافظ على الهوية التشكيلية فكرياً وجمالياً وتعبيرياً، ووضع بصمته الجريئة على الزمن بكل تغيراته، ومفرداته، وكانت أعماله رسالة حرة بريئة تجاه مجتمعه الواعي والمحب .
والفنان جمال العشعوش من مواليد السويداء عام 1945 يمارس العمل الفني منذ الستينيات أيام نادي الفنون الجميلة، وله مقتنيات عديدة رسمية وخاصة.
هيثم أبو سعد
http://www.albaath.news.sy/user/?id=880&a=79283