Die amerikanischen Juden und Israel: Was falsch läuft
Peter Beinart
München, C.H.Beck. 2013, 320 Seiten
الكتاب الذي بين أيدينا هو ترجمة ألمانية لكتاب كُتب باللغة الإنجليزية بعنوان “الأزمة الصهيونية”. بالرغم من مرور عدة سَنوات على صُدور هذا الكتاب إلا أن أفكار بيتر بينارت، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية والإعلام في جامعة مدينة نيويورك لازالت تَحتل أهمية كبيرة لعدة أسباب منها: أولا: أن النقد الموجه في هذا الكتاب للحركة الصهيونية هو عبارة عن نقد داخلي ، أي نقد من الصهيونية الليبرالية للحركة الصهيونية وإسرائيل، حيث إن بيتر بينارت يهودي يؤمن بالصهيونية وبإنشاء دولة يهودية لليهود في فلسطين التاريخية. ثانيا: لا زال يُمثل هذا المصنف أهم الكتب التي تتعرض للأزمة الصهيونية ليس فقط في فلسطين التاريخية بل أيضا يتعرض للأزمات التي تَعيشها الحركة الصهيونية في العالم وخصوصا في الولايات المتحدة الامريكية.
يَحتوي الكتاب على مُقدمة وتسعة فُصول بالإضافة إلى خاتمة خُصِّصت للنسخة الألمانية حصراً، في هذا المُلخص المُوجز سيتم التركيز على بَعض من فصول هذا الكتاب. يَشرع بيتر بينارت مقدمة الكتاب بأسلوب عاطفي مَحض حيث يقول أنه عندما استهل كتابة هذه الدراسة كان يستذكر دَوما من ناحية الطفل الفلسطيني خالد الجعبري، ذو الأربع سنوات الذي حاول منع جيش الاحتلال الإسرائيلي من اعتقال والده، حيث صَرخ وبكى دون جَدوى[1]. من ناحية أخرى فقد كان يَستذكر أيضاً جدته التي جَعلته يؤمن بالصهيونية وأهدافها. بعبارة أخرى، فالكاتب يُريد أن يعبر أنه ليس متناقضاً حين يكون شخص ما صهيونيا وبنفس الوقت يكترث لحقوق الفلسطينيين ومعاناتهم.
يَتعرض الكاتب إلى تنشئة اليهود الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتساءل: كيف للجالية اليهودية أن تُنفق أموالاً على النصب التذكارية أكثر من التي تنفقها على المدارس والتعليم؟ فالأطفال اليهود على معرفة جيدة بالمحرقة والتشريد أكثر من التوراة نفسها (ص14). يُحاول الكاتب في المقدمة استعطاف القارئ من خلال تسليط الضوء على الظلم والاضطهاد بشكل عام، ثم يتطرق لقصة جدته التي عانت وهُجرت فقط لكونها يهودية، حيث أنها كانت تَخشى عليه أن يُصيبه ما أصابها في المستقبل. ليخلُص أنه سوف يُدرس أطفاله أن دولة إسرائيل الديمقراطية عبارة عن سَفينة نجاة، يَجب أن تقوم على العدالة والحرية والمساواة للجميع دون استثناء. “هذه السفينة يجب أن لا تغرق، هذه الحلم يجب أن لا ينتهي” (ص18).
الأزمة في إسرائيل
انتقاد الحركة الصهيونية وإسرائيل من المواضيع الحساسة في الولايات المتحدة الأمريكية و لذلك “بيتر بينارت” يبدأ هذا الفصل بالتأكيد على انتمائه إلى الحركة الصهيونية بل وتحديد فهمه لهذه الحركة التي يسميها الصهيونية الليبرالية، يقول: “أنا صهيوني، أؤمن أن الشعب اليهودي وبعد مُضي ألفين عام من التشرد له الحق أن تكون له دولة […] في نفس الوقت فإنني من أنصار الديمقراطية التحررية، التي يتمتع جميع مواطنيها بنفس الحقوق” (ص19). يتعرض بيتر بينارت الى سياسة التمييز الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل، فعلى سبيل المثال فان فلسطينيي الداخل يمتلكون أقل من 4% من الأراضي مع أنهم يشكلون حوالي 20% من السكان الإسرائيليين (ص24)، أيضا حسب الكاتب فإن هناك تمييز لا سيما في النظام الاجتماعي وطريقة التعامل مع العرب حتى أن النشيد الوطني الإسرائيلي يتحدث عن “الروح اليهودية ” (ص24) ولا يوجد أي ذِكر للعرب على الرغم من أنهم مواطنون يحملون الجنسية الإسرائيلية. يَخلص الكاتب إلى أنه لكي يتم الوئام بين الحركة الصهيونية والصهيونية الليبرالية فإنه يجب أن يتم عمل الآتي:
أولاً: يجب محاربة جميع أشكال اللامساواة بين اليهود وغير اليهود. فإسرائيل حسب الكاتب تستطيع أن تكون دولة يهودية دون التمييز العنصري ودون أن تنفق ميزانيات أقل على غير اليهود. و يصرح الكاتب أن الأحزاب العربية يجب أن تشارك في العملية السياسية بل يجب أن تعطى الفرصة لتكون في الحكومة.
ثانيا: يجب أن يتم مساندة ودعم الفلسطينيين في بناء دولتهم، ففي حال ظلت إسرائيل تحتفظ بالضفة الغربية بشكل مستمر دون أن يتمتع الفلسطينيون بحقوق المواطنة، فإن هذا سوف يجعل أساس الدولة اليهودية مبني على التمييز العنصري (ص29).
يوضح الكاتب مفهوم التمييز العنصري في إسرائيل فيقول: عندما يهاجم فلسطيني يهودي فإن الجيش الإسرائيلي يمنع التجول على قرى وربما مدن بأكملها، وأحيانا تُهدم بيوت الفلسطينيين وتسوَّى بالأرض. في المقابل فإن أقل من 10% من جرائم المستوطنين يتم استنكارها أو متابعتها قضائيا. لذلك فإن القانون لا يحكم بل إن المستوطنين هم الذي يحكمون (ص31). يتابع المؤلف الحديث عن العنصرية والخطاب العنصري فيقتبس من كلام الحاخام اليهودي “ديف ليور” رئيس الحاخامات في الضفة الغربية الذي يؤمن أن “دم باروخ جولدشتاين هو أطهر من دماء جميع شهداء المحرقة النازية” [جولدشتاين هذا الذي نَفذ مجزرة إرهابية في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل أسفرت عن استشهاد 29 فلسطينيي].
الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية
يوضح بيتر بينارت تاريخيا كيف أن اليهود الصهاينة الأوائل في الولايات المتحدة الأمريكية كان أغلبهم من الليبراليين. فمثلاً “لويس برانديز” أحد القادة الأوائل للحركة الصهيونية في أمريكيا كان يُؤمن بالقيم الأمريكية، ففي خطاب له في عام 1914 بعنوان “الصهيونية تُؤيد الديمقراطية” أوضح أنه يُساند العدالة الاجتماعية (ص46). بالإضافة الى ذلك فإن أحد أسس الصهيونية الليبرالية هو الإيمان بأن الدولة اليهودية والمنظمات اليهودية الأمريكية يجب أن يكونوا ديمقراطيين. يُوضح المؤلف أنه وبالرّغم من أن الحركة الصهيونية لم تكن على معرفة جيدة بالسكان العرب وبمطالبهم وأمانيهم، إلا أنّ الصهيونية الليبرالية كانت ترى الديمقراطية كمكون ضروري وأساسي لمشروعهم (ص47). لذلك فإن قادة الحركة الصهيونية في أمريكا كانوا يساندون دولة ديمقراطية تساوي بين اليهود وغير اليهود.
يَتعرض الكتاب إلى الدعم المادي للمشروع الصهيوني فيُبين أنه عندما زحفت الجيوش المِصرية والسورية والعراقية والأردنية وأعلنت نيتها إزالة الدولة اليهودية، قرر اليهود آنذاك في أمريكا مساندة إسرائيل بشكل حازم، لم يكن له مَثيل في السابق، فعلى سبيل المِثال في مدينة نيويورك وحدها وخلال خمس عشرة دقيقة تّم جمع تبرعات بقيمة خمس عشر مليون دولار أمريكي. وفي ولاية أوكلاهوما، حيث يوجد جالية يهودية صغيرة قامت ببيع أحد المعابد اليهودية في المدينة وتم إرسال العائدات إلى إسرائيل. المنظمات اليهودية وبفترة قصيرة جداً جمعت تبرعات كان من الصعب على المحاسبيين حصرها لكثرتها حسب الكاتب (ص49). بعبارة أخرى فإن هذا الدعم لم يكن يهتم كيف سوف تتصرف إسرائيل بتلك الأموال بل كان الهدف هو دعم دولة إسرائيل بصرف النظر عن سلوكها المستقبلي.
في الماضي كان دعم المنظمات الصهيونية في أمريكا يأتي من شرائح مُتنوعة وعديدة لكن في الوقت المُعاصر فإن مُعظم الدعم يأتي من عدد قليل من الأثرياء. بِعبارة أخرى فإن عدد ضئيل من الأفراد المانحين يُسيطرون على المنظمات اليهودية في أمريكا وتوجهاتها وسياساتها وليس شرائح كبيرة من اليهود كما كان الوضع في السابق. الكاتب يقتبس من “يوسي بيلين” الذي يصف الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية بالقول: “... يمكن نعتهم بلوتوقراطية [أي حكم الأغنياء] حيث أن هذه المنظمات مُهيمن عليها من أكثر الأعضاء ثراء” (ص 57). يَخلُص بيتر بينارت أن تَقليص الدعم للصهيونية الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية لم يؤدي فقط إلى زيادة معادات السامية وخصوصاً الموجه ضد إسرائيل بل إن ذلك يهدد المبادئ الديمقراطية الليبرالية في إسرائيل.
هل يجب على اليهود الأمريكان نَقد إسرائيل
يَشرح بيتر بينارت كيف أن المنظمان اليهودية في أمريكا تُؤمن بأن اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية يجب عليهم أن يتخلوا عن انتقاد إسرائيل بشكل علني وذلك مَبنّي على حجتين:
أولا: أن اليهود الذين يعيشون في الشتات “أي خارج إسرائيل” ليس لديهم الحق بِنقد إسرائيل، وحَسب الكاتب فإن هذه الحجة نابعة من شعور اليهود في أمريكا بالذنب بسبب عدم هجرتهم لإسرائيل، حيث في أمريكا الحياة أفضل وأكثر أمانا لذلك فهم يحاولون أن يدعموا إسرائيل بكل الطرق الممكنة لتقليل شعورهم بالذنب لعدم هجرتهم لإسرائيل.
ثانيا: إسرائيل دولة ديمقراطية وبالتالي يجب احترام الديمقراطية الإسرائيلية بل ودعمها بشكل كامل. يرد المُؤلف على هذه الحجة الواهية بأن حركة حماس في عام 2006 فازت بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بشكل شرعي وشفاف لكن وبُشكل مناقض للديمقراطية فإن المنظمات اليهودية في أمريكا وبشكل فوري ناصرت الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة (ص65).
هل إسرائيل مُذنبة باحتلالها؟
حسب الكاتب فإن الكثير من مُمثلي اليهود الأمريكان لا يعتقدون أن هناك إشكالية بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية (ص75). فهناك الكثير من الذرائع والحجج الواهية التي يُرددونها لشرعنه الاستيطان، فمثلا ذريعة الأمن التي يتم استخدامها دّوما كتبرير لدعم الكيان الإسرائيلي.
المستقبل
يُبين بيتر بينارت أن مستقبل المنظمات اليهودية في أمريكا لن يكون على ما يرام، فَمثلا رؤساء وزعماء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية معظمهم أشخاص مُسنون مثل “دافيد هاريس”. بكلمات المؤلف فإن مَن يُشارك في اجتماعات الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية يَشعر بأنه في ” بيت المسنين” (187). أيضا هؤلاء الزعماء والقادة اليهود يتحدثون بِلغة وطريقة مختلفة عن تفكير طبقة الشباب اليهود، مما يَجعل هؤلاء الشباب يَشعرون بِعدم الانتماء لهذه المنظمات اليهودية. و يَخلص الكاتب إلى أن السنوات القادمة سوف تشهد ازدياد في الفجوة بين تلك المنظمات الصهيونية وفئة الشباب اليهود في أمريكا الذين يشعرون بالغربة ليس فقط تجاه هذه المنظمات اليهودية في أمريكا بل أيضا تجاه إسرائيل.
الأزمة داخل الحركة الصهيونية تَزاد حِدّة يوماً بعد يوم، فَمِن جيل الى جيل يَقل الشعور بعلاقات الارتباط بين اليهود الأمريكان ودولة الكيان الإسرائيلي. لذلك فإن الاغتراب والانسلاخ الذي يشعر به يهود أمريكا هو – حسب الكاتب – دليل واضح على فَشل المُؤسسات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية.
أخيراً فإن ترجمة كُتب كهذا الكتاب او كُتب مشابه تَنقُد الحركة الصهيونية وسياسة الكيان الإسرائيلي بعيدا عن العاطفة إلى اللغة العربية من شأنه تَحويل النقاشات العاطفية حَول الحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي إلى نِقاشات تَطرح حُلولاً عملية بَديلة وجديدة لكيفية التعامل مع هذا الكيان.
للتحميل من هنا
جميع الحقوق محفوظة لدى مركز برق للأبحاث والدراسات © 2016
[1]– للوقوف على قصة اعتداء جيش الاحتلال الإسرائيلي على والد خالد الجعبري انظر الرابط هنا.
لزيارة موقعنا على الانترنت
http://barq-rs.com/barq/
صفحتنا على الفيس بوك
https://www.facebook.com/barqrs
توتير
https://twitter.com/barq_rs
تيلجرام
https://telegram.me/barq_research