من أمتع التقاليد الرمضانية القديمة التي كادت اليوم أن تنقرض موضوع ( السكبة ) .
كنت قد كتبت مقالاً عنها منذ سنتين وتم نشره في صحيفة الوطن بتاريخ 30 / 6 / 2015 ، وأعيد نشره هنا الآن ، أرجو أن ينال إعجابكم .
* * *
السكبة في رمضان
ودٌّ وإلفةٌ وتسامحٌ وعطاءْ ، خصالٌ كانت تدل عليها عاداتٌ رمضانية قديمة اندثر معظمها وبقي منها أقل القليل ؛ تترؤسها عادة ( السكبة ) .
والسكبة عادة قديمة تلقى النفوس حين ترقى إليها سروراً ، وتحس للقيام بها غبطة ؛ وأي غيطة .
لا يلقى شهر اهتماماً بالطعام كما يلقى رمضان ، وقد اعتاد الناس في هذا الشهر على تبادل أطباق الطعام والشراب المتعددة والتي أعدتها النساء ، لترسل قسما منها لجيرانها المقربين منها الذين يقومون بدورهم بإرسال قسم مما أعدوه للإفطار إلى الجيران . . .
ما إن يقترب موعد أذان المغرب في رمضان حتى تسمع أصوات الحركة في مداخل البناء وعلى الدرج ، وأصوات قرع الأبواب . . .
انظر إلى الشارع ترَ أطفالاً صغاراً تعلو الابتسامة وجوههم ، يحمل كلٌّ منهم صينية عليها آنية أو أوان من الطعام الفاخر ذي الروائح الزكية ، والبخار يتصاعد منها . . . تابعهم بشغف لترى أحدهم وهو يدق الباب على الجيران والفرحة تملأ قلبه ، وما إن يُفتح الباب ، حتى ينبري الصبي بالقول : مرحبا : تفضلي ، ماما بتسلم عليكِ وتقول لكِ ذوقي هذا الصحن من الكوسا المحشي . . . وآخر يقول : ماما اشتهتكم بهذا الحلويات من صنع يدها .
وهل يمكن أن ننسى منظر صحن المقلوبة التي تتألف من الأرز المطبوخ مع الباذنجان واللحم والسمن العربي والمزين بأنواع المكسرات كالجوز والصنوبر واللوز والفستق الحلبي محمولاً قبيل الإفطار لينتقل من بيت إلى آخر في الحارة ، أو نازلاً إلى طابق آخر في البناء أو صاعدا .
حقاً إنها ظاهرة اجتماعية تدعو إلى التراحم والتوادد . . .
ومن طرافة هذه العادة أنها كانت تستخدم أحياناً لإنهاء الخلافات بين عائلتين تخاصمتا ، فتقوم إحداهما بتقديم طبق حلوى للأخرى ، فيكون هذا الطبق كفيلاً بإنهاء الخصام . . . وبالتالي فإنه يندر أن يستمر خلاف بين الناس ضمن الشهر الفضيل .
والصائمون يراعون مشاعر بعضهم عند تقديم السكبة ، فقد تكون العائلة التي سيُقدَّم إليها الطعام من العائلات الفقيرة ، لذلك فإن أفضل وقت لتقديم السكبة بشكل شبه سري هو قبيل آذان المغرب بدقائق قليلة .
عادة السكبة عادة تقوي الأواصر الاجتماعية بين الناس ، وتشيع روح الألفة في الأحياء ، وتزرع المحبة في النفوس . . . وليس شرطاً إطلاقاً أن تكون السكبة من أنواع الطعام الفاخر ، بل على العكس إن تبادل السكبة المؤلفة من طعام بسيط جيد الصنع ورخيص الثمن هو الذي يمنح هذه العادة رونقها الحضاري وبعدها الاجتماعي .
ألا ليتنا نعود إلى عادة السكبة ، وإلى زرعها في نفوس أطفالنا لِـما تحمله من تآلف وتراحم بين الناس ، ذلك التآلف الذي من شأنه أن يقوي الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع .
http://alwatan.sy/archives/9215