مفهوم الثقافة العصرية:
لم يعد مفهوم الثقافة في عصرنا محدودا بأربعة جدران ,لكنه بات حرا وبعيدا عن المؤسساتية, ورغم هذا مازالت تلهث كي تعيد تلك الحدود, ولو بطريقة غير ظاهرة للعيان.
لكن هناك مفهوما واحدا يجب أن يكون واضحا لكل مثقف ومن يملك أبواب الإدارة في تمرير أمور الثقافة:
أن هناك ثقافتان: ثقافة تابعة لمصدرها تصيح بصوتها وتجلجل , وثقافة حرة تطير بجناح العطاء مهما كانت هويته.
وهاتان الثقافتين تتنازعان الريادة, وعندما تصبح الثقافة تابعة لا يعد لها صوت إلا من خلال مؤسستها, أما الثقافة ولنقل العصامية, فتلك التي تبقى إنسانية على معظمها , بالمعنى الدقيق للكلمة.
كل يصنف الثقافة حسب رؤيته الخاصة ,وحسب هويته الثقافية الخاصة ,وتبقى بعنوانها العريض تحمل أكثر من مضمون:
يقول الدكتور منير سويداني:
أن سؤال الهوية في حياتنا الثقافية المعاصرة هو أول سؤال يطرح على عالم الثقافة عموما.
وما يميز المثقف عن غيره ,غيرته على هويته ومدى إخلاصه الثقافة مهما كان من ظروفه الخاصة والعامة.[1]
ومهما اختلفت المصطلحات حول المثقف : الزئبقي التابع السلطوي, فإنه في عالمنا العربي مازال منفصلا عن العمل الملزم, ذلك لأن المبدع الحقيقي لا يرتبط بتبعية.
إنما يعمل من وحي فكره ورسالته, وبالطبع مع الحفاظ على الضوابط المعروفة, اما المؤسساتية ففيها ما فيها من تبعية إن لم يكن فيها حيزا ضئيلا وهامشا بسيطا من الحرية الفكرية.
ولان هذا الأمر غير مطروح في الغرب عموما, فإننا نراه هناك يبدع منذ الصغر وتصقل موهبته باكرا, ويبدأ مشوار العطاء وحتى البحث عن المردود المادي ا باكرا جدا , حتى ليصبح مصدر رزق ولو انه حاليا تراجع أشواطا
أمام الركود الاقتصادي العالمي عموما, الذي أثر على كل المجالات.
إن نجاح المثقف متوقف على بلورة دوره في الحياة , وتحديد هدفه بناء على آماله وأحلامه, وتبلور دوره الإيجابي البناء, لذا يطيب لأحدهم إطلاق مصطلح:
المثقف التاريخي: وهو مفهوم متطور وفي تصاعد مستمر لأنه يبني فوق الأسس بناءه الشاهق.
وإلا فهو سيبتعد عن معالجة بوادر التفكك الثقافي الضمني ,التي نراها على السطح بنتائجها , ولجوئه للانكفاء في دورة مغلقة غير واضحة وكانه يكلم نفسه, وهذا ما تبتغيه القوة الإعلامية العالمية في تقليص دور النخبة العربية التي تبث مفاهيمها وتصدرها
فيدسون السم في مسارها كي لا يصل صوتها فيقدم على أنه صدى للحركات غير البناءة عموما.
باختصار شديد إن الأقلام التي استطاعت تحليل الفكر الثقافي العالمي وجعله بمتناول المتابع العربي قلة, ذلك ان المنطق العربي مازال قاصرا عن اللحاق بالقفز الغربي الثقافي العام, والإبداع الفردي الخاص, وبصرف النظر عن العالم المنفتح الذي نعرفه هناك:
فالمنطق في الإبداع لا يحتاج في بعض الاوقات للحرية بقدر ما يحتاج ,لنبش الذخائر اللغوية الفكرية والثقافية, فتمتزج بالمحاكمة العقلية الحاضرة والمتفتحة دوما ,فتخرج لنا عسلها.
يقول لنا المحامي هائل اليوسفي عن المنطق العربي الذي كان حاضر وسباقا قديما:
إن أول أمة في التاريخ أدخلت البحث العلمي والتحقيق العادل النزيه على أصول كشف الجريمة ,وتؤكد هذه الواقعة أن تطور وسائل التحقيق تتماشى طردا مع تطور التفكير الإنساني ,فإذا أخذنا بعين القياس زمن هذه
الواقعة عن علي بن أبي طالب وجدناها تسبق بكثير زمن(داميان) و(خباز مالطة) وكارل تشيسمان فالسؤال الذي يطرح نفسه أين يقف أسلوب المساعد جميل في مسار هذا التاريخ؟[2]
باختصار كلما ارتفع المنطق ارتقت الامة, وقل التعذيب لان سلاح التعذيب سلاح الاغبياء وهناك ما هو أكثر تحضرا منه.[3]
من هنا نعرف طريق الإبداع عندما يكون الإنسان إنسانا , وتحترم إنسانيته اولا...
الخميس 13-2-2014
[1] انظر العدد 562 من مجلة المعرفة البحث: الثقافة العربية المعاصرة وسؤال الهوية.
[2] حادثة داميانت حيث حاول اغتيال الملد لويس الخامس عشر فربط بخيول اربع, وأما عن سيدنا علي فقد راودت امرأة شابا عن نفسها زمن عمر وتبين علي انها دهنت فخذيها ببياض البيض فرمى عليه ماء ساخنا وذاقه
فعرف مكرها وانه تعفف, وبكل الاحوال تبقى الوسائل وخاصة جهاز الكذب الذي يتكئ على الجهاز غير الارادي في الجسم لمعرفة الكذب وكم من اناس لا يعرفون الحقيقة ويعتبر بوحهم صدقا! فهو جهاز يحتاج لمرجعية قوية.
[3] المصدر مجلة المعرفة العدد 562 تموز 2010 بحث: تطور وسائل التعذيب في التحقيق المحامي هائل منيب اليوسفي