فن الهوليّة
حديث التراث
بقلم( محمد فتحي المقداد)*
في مناسبات الأفراح وخاصة الأعراس ذات الطقوس التراثية التي اندثر أغلبها ولم يتبق منها إلاّ القليل والنادر, حتى تعرض الكثير منه للنسيان و الاندثار بسبب قلّة الممارسة له, ومن ضمن ذلك الهولية , وهي حلقة من النساء تكون حسب حجم الحضور وأهميته , حيث يتحلقن وتمسك كلٌّ منهن بيد الأخرى بواسطة الخنصر وترفع الأيدي بمحاذاة الصدر , ويكون دوران الحلقة ببطء شديد , وذلك على رتم الأغنية التي تقال بلحن خاص بالهوليّة , ويكون الغناء بشكل جماعي , تنقسم الحلقة الكبيرة لقسمين , يكون القسم الأول يردد الأغنية , بعد أن ينتهي , يجيء الدور على القسم الآخر من الحلقة ليردد , ما قاله القسم الأول و وبنفس الرتم , من اللحن والتوقيت
وتكون النسوة في هذه المناسبة يلبسن الألبسة التراثية, مثل الجُبّة الحمراء الطويلة حتى تكاد أن تلامس الأرض أو الكعبين , وهذه الجبة مفتوحة من الأمام , وعلى الرأس تعتمر الحطة من القماش الأغباني الفاخر , وهي مقصبة باللون الذهبي ...
ومنهن من يعتمرن الشماغ الأحمر المشريش و الذي هو عادة للرجال ,ولكنه من ألبسة الزينة المتميزة , ومنهن كذلك من يعتمر الغطاء الأبيض المسمى ( القضاضة) المرسوم عليها الزخارف المشغولة باليد وبألوان زاهية.
ولكن الأغاني التي تقال في الهولية هي خاصة بهذا الحلقة , وهي مقولات عادة ما تتغنى بمفاخر الآباء والأجداد من عادات الكرم والشجاعة و المروءة , وهي عل سبيل المثال , كالآتي :
برجاس يا قاضي الهوا برجاسي
بصرى نهار الكون ما تنداسي
بيها شباب موشحة برصاصي
بيها أحمد فارعين و دارعين
وبيها محمد ياعصابة الراس
ومعنى ذلك ( أن برجاس اسم قاضي, وهو بمعنى قاضي الهوا والحب , كما تعورف عليه عند العامة . و بصرى يوم الحرب ما يستطيع أحد من الأعداء أن يدوس ترابها لأن فيها الشباب كأمثال أحمد ومحمد وهم من النشامي ذوي الطول الفارع ودارعين صدورهم أي مكشوفة ومشمرين عن سواعدهم وهذه من مواصفات الفتوة و الشجاعة و النادرة مما تدفعهم للتضحية دفاعاً عن حياض الكرامة والشرف وصون تراب الوطن . وكلمة بيها هي تدل على نفس معنى فيها أو بها , ولكن اللفظ الشعبي هكذا أضيفت الياء لثقل اللسان توجهاً للتأكيد ).
ومن ذلك الأغنية :
ثلاثتهن و أقبلن يا زين ملفاهن
وصلن نواحي حلب عيني يا محلاهن
أحمد يخزّهن يأخذ حلاياهن
وأحمد ويا نمرهن يا ذيب شلاياهن
وهذا يعني التغني بجمال البنات وهن ثلاث أقبلن , بجمالهن وهيبتهن الوقورة , يا زين المكان الذي جئن إليه ( ملفاهن) المكان الذي يلفي عليه الشخص من بعد عودة
من سفر أو مكان بعيد أو قريب, وهن قد وصلن مدينة حلب , وعيني لم تجد لا أجمل ولا أحلى منهن , هذا الابن أحمد ينتقي إحدى هؤلاء البنات للزواج , وهو كالنمر في رشاقته وشبابه وفتوته ,وكذلك هو الذئب يحوم حول تجمع هؤلاء البنات الذي شبه بشليّة الغنم من حيث التجمع والتكدس ) .
هذا هو فن الهوليّة , الذي هو خاص للنساء في مناسبات الزواج , وأغانيه هي من نوع الفخر الذي تطرب له القلوب , وكذلك لطرح المزايا الحسنة للعروس والعريس من الحسن والجمال , وهذا النشاط قد خفّت وتيرته في الأفراح .
====================== انتهى
بصرى الشام 21-12-2010م