الغرب والإسلام
زور الغرب تاريخ أوروبا العربي والعالم مستندا لمثيولوجيا التوراة (52)
مصطفى إنشاصي
في الحلقة السابقة تحدثنا عن الأسباب التي دفعت الغرب لتزوير تاريخ أوروبا الغربي، وتتزامن هذه الحلقة مع ذكرى النكبة 15/5/1948 وضياع فلسطين وإقامة كيان العدو الصهيوني على أرضها مستندين إلى المثيولوجيا التوراتية نفسها، علما أن الثابت القطعي أن التوراة هي مجموع ميثولوجيات وأساطير العالم القديم بكل خرافاتها، وأنها لا تصلح لا كتاب دين، ولا مرجع تاريخي، لكنه الحقد الغربي الذي وجد ضالته في التوراة ليحقق تحذير المولى عز وجل الأمة من خطر الموالاة والتحالف بين اليهود والنصارى ضد الإسلام وأمته: "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود النصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض".

خرافة العالم الالماني شلوتسر وكذبة السامية
بداية المؤامرة الغربية الحديثة وجدت ضالته لتزوير ذلك التاريخ العربي الحقيقي في الخرافة التي صاغها العالم الألماني أ. ل. شلوتسر عام 1781 في كتابه (فهرس الأدب الشرقي) وكأن الأدب التوراتي ليس شرقياً... "، وأصبغها بالصبغة العلمية والعلمية منها براء، "والواقع أنه انطلاقاً من الوثائق والمصادر والمواد التي كانت تحت يد العالم، يبدو أن من المستحيل البرهان على وجود شعوب سامية وآرية، وبالأحرى إعطاء الفروق الخاصة بينها، كما أنه يبدو كذلك خاطئاً في منطلقاته كما هو خاطئاً في عرضه ووقائعه"
ويؤكد عدم صحة أو علمية ما زعمه شلوتسر لأن (سام بن نوح وأخوته) شخصية أسطورية وليست حقيقة تاريخية: "بيد أنه لا شيء في ميدان الحقيقة يفرض تمييزاً سليماً أو مريباً بين (الآريين) و(الساميين). إن التعبير الأول من التعبيرين اختراع بسيط وصاف، أما الثاني فهو تعبير منطقي جديد مشتق من سام بن نوح، وهو شخصية أسطورية، يضاف إلى هذا أننا، من أجل احترام التراث التوراتي، ينبغي أن نقول (اليافثيون) وليس (الآريون)، لأن (يافث) من أبناء نوح الثلاثة وهو الذي نسل اليونانيين، والأناضوليين، وأقارب الأوروبيين فبأية غفلة لا تغتفر تقدمت مدرستنا العلمية في ميدان ليس فيه شيء من الثبات والصحة". ِ
ويعتبر بيير روسي ذلك التمييز بين الآريين والساميين المصطنع هو تفرقة لا تنسجم مع الحقيقة التي ستر عيوبها الغرب بالخرافة التوراتية (نظرية شلوتسر عن أصل الشعوب واللغات السامية)، لأن "الشرق والغرب ليسا أبداً ميدانيين متناقضين، فالإغريق شرقيون، والرومانيون يعترفون بأنهم أبناء أينيوس وهو أبوهم الإغريقي. إن الجذور الصوتية والخطوط هي من هذه النقطة مربوط بعضها ببعضها الآخر ...". كما "أن تعبير (سامي) لم يرد له ذكر بين مفردات اللغة الإغريقية أو اللاتينية؟".
وقد ثبت أن حقيقة موطن الشرقيين العرب (الساميين) هو الجزيرة العربية: "لقد سجل حديثاً أن جزيرة العرب المركزية كانت مهد الساميين. لقد كان الساميون الذين بقوا في جزيرة العرب أجداد الشعب العربي. وهؤلاء الذين استقروا في الفرات الأدنى وتألقوا وانتشروا في آسيا الغربية كانوا الآشوريين والـ... والإسرائيليين".
وبناءً على تلك الحقيقة الثابتة بدلاً من كلامنا عن الساميين الأبطال المختلقين من أصل خيالي الأصح "لو أننا تكلمنا عن العرب، ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً، وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدة آلاف من السنوات. وإن الأبنية الأثرية قائمة هناك لكي تشهد وتثبت وتقرر أن الحضارة، التي هي حضارتنا، قد ولدت وازدهرت وتفجرت في أرض تمتد بين النيل ونهر السند، بين القوقاز ومضيق باب المندب. وأن أربعة من الدول قد اقتطعت من إمبراطورية عاشت طويلاً: إنها دولة المصريين، والسوريين الكنعانيين، والإغريق الحثيين، والبابليين. إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية والإغريقية تابعتها الملحقة بها التي تقترب كل منهما من الأخرى بصورة دقيقة، ثم تطورت الآرامية منذئذ طبيعيا، ودون معارضة، إلى اللغة العربية التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري والكنعاني والحثي والبابلي. ها هو ذا المعيار الدقيق للثقافة العربية، أُم الثقافة الهيلينستية والموحية بها والتي صاغت وشكلت عقلها وقوانينها. إن العرب والإغريق يتواصلون ويتوالون لإعطاءنا ما نسميه (الحضارة) التي هي، شرقية مقدار ما هي غربية، وسامية بمقدار ما هي آرية، على أنها واحدة ولا تتجزأ في جميع أقسامها، سواء كانت روحية أو مادية".