الشخصية ومرض الذات
مدخل:
لا شك أن الإنسان في هذه الحياة يعيش ضمن مراحل إنسانية متعددة من حيث النشأة والمكان والزمان , وأن مراحله الأولى من الدورة الحياتية لها دور كبير في بلورة شخصية هذا الإنسان إضافة إلى كيفية النشأة والبيئة التي نشأ فيها ومدى رسم معالم تلك الشخصية.
إذ تبدأ كل شخصية بظهور ملامحها في زمن متقدم من المرحلة الأولى من الطفولة في أغلب الأحيان ومع أول يوم يتم فيه الطفل مرحلة الإدراك والتمييز وهذا ما يتحدد من خلال العلاقة مع الأم ومدى تبادلهما ذلك الشعور والإحساس.
وكما إن هناك حالة شعورية ايجابية أيضا هناك شعور سلبي ينتج من أول قطيعة بينهما إن لم يتدارك بكم هائل من الحنان, فالطفل كما له قلب يحب أيضا له قلب يكره ولأتفه الأسباب ,إذ تجد الطفل المكبوت غالبا يكبت حبه لامه، ويحب نفسه بدلا عنها، أي يقوم بعملية استبدال للصورة المكبوتة بصورة جسده، حيث تصبح ذاته معيارا لاختيار الأشياء التي يحبها ويتقوى لديها الشعور بالمقدرة العظيمة وأن قوة العالم الهائلة هي ملكه وهي قوته .
مكمن الخطر:
ويكمن مركز الخطر عند تجاوز هذه الشخصية لتلك المرحلة نحو الرشد وعند اصطدامه بالواقع وبفرقية الذات عن غيرها من الأشياء مما يشعره بالفشل والخذلان والنفور نحو ما هو ذاتي وجسدي إلى ما هو دون ذلك إذ تطغى عليه حالة الأنا ليرى نفسه فوق كل اعتبار ناعتا إياها بعظمة الآراء و ِبُعجب مبطن بالثقة دون الاكتراث للشخوص
تفاقم الحالة:
وكلما تقدمت به مراحل الحياة ينمو عنده ذلك الخيال الجامح لجنون العظمة مع الرغبة في إعجاب الآخرين به فتجده ينتقد الآخرين قبل إن ُينتقد وما إن وقع عليه نقد فهو لا يهدأ حتى ينتقم من منتقديه وان لم تكن هناك إساءة له ظاهرة أو كان القصد شريفا فهو لا يرعوي عن تكوين تحالفات مع أناس لا يلتقي معهم في فكر أو هدف لتدليل العقبات من حوله
تعزى إصابة الأشخاص بهذا الداء الذاتي في الشخصية لعدة عوامل أهمها «اليتم ,الحرمان, والصدمة» لذا نرى المصاب بهذه العقدة أما إن يركز على الجسد كذات وذلك بتركيزه على «القوة أو الجمال» أو على المعنى العقلي كالدور« الأكاديمي أو الفكري متفرد» بمزيج حذر من التباهي الملفت
سيطرة الخيال:
تجد هؤلاء الصنف من الناس دائمي التضخيم للأشياء ومنغمسين في مثاليات العظمة والكمال وينسبون كل نجاح إلى ذواتهم وقدراتهم مستغلين حالة القبول من الآخرين حتى لو كلفهم ذلك مجابهتهم أو الضغط عليهم للتصديق.
وهم من أكثر الناس مراوغة وتقلب يحيكون النكتة والدعابة بمكر لمآربهم دائمي الاعتماد على الذاكرة وقوتها مقابل الآخرين وينتهزون كل فرصة دون خوف حتى لو كلفهم ذلك الاعتراف بالحق مؤقتا
كما تجدهم أيضا محبي للفتنة والكذب والخداع والنميمة بنوع من الهزل المصاحب بالخبث واللطافة واللباقة دون إن يلومهم أحد, فلا يشعرون بتأنيب الضمير أو الشفقة أو الندم , كما إنهم لا يمارسوا عنفهم إلا على الأطفال والنساء وكبار السن.
مهارات التخلص:
غالبا ما يلجأ هذا الصنف من الناس إلى جمال الألفاظ والتفاني من أجل فكرته الأحادية وتغليب الرأي باستخدام كلمات كالأفضل والأسلم والأحسن والأجدى وهو يتصف بالمهارة في الحديث والدقة في الكلام أو التلاعب بالكلمات والأفعال ويكون ذا عادة ينال بها المرام، وجل همّه المال والجاه وهو غالبا ما يتظاهر بالمسكنة والحاجة واللجوء إلى الأصدقاء
كما تعتبر مهارة الانسلال والتخلص والتراجع عن ما قال أو ما فعل واثبات أنه على العكس من ذلك بما يبديه من أسف وندم, تعتبر من أقوى أسلحته الدفاعية التي ما إن بدأها حتى تعود ثقة الناس إليه بعد اهتزازها وحتى الذين قد كشفوا حقيقته وتركوه ,تراه لا ينفك يعاودهم بحال معذب يائس وحزين يلوم نفسه مطولا ويستعطف عطفهم بسرد بعض أياديه عليهم تارة ونعتهم بسمو أخلاقهم وتسامحهم تارة أخرى
التعب صفة ملازمة:
كما إن هؤلاء الصنف من الناس لا يهنئون بحياة مستقرة في أغلب الأحيان فهم دائمي القلق والخوف من الانكشاف والوقوع بجانب التخطيط لسلب ما في أيدي الناس أو حسدهم للغير أو القفز على مكانتهم أو الانتقام ممن أساء لهم
فهم يتعبون أنفسهم ويجهدونها للوصول لمطامعهم مما يصيبهم بالتعب والأمراض فهم دائما قلقين على حياتهم وسلامتها مع تعلل جسدي ظاهر عليهم
وهم أيضا كثيري الشك حتى بأعز الناس عليهم يفقدون صداقاتهم بسرعة كما يكسبونها ,فهم يميلون لاستغلال الآخرين ويستعملوهم وسيلة لتحقيق أهدافهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك فإنهم قلما يكونون متعاطفين مع الآخرين أو محسين لهم, ويمكنهم أن يمتلئوا بالغيظ والغضب على أي شخص لمجرد أنه له رأيه الخاص أو لا يريد أن يكون تابعاَ لهم يدور في فلكهم وان أغلب ضحاياهم هم السذج والعاطفيين والمنهوكين بالمشاكل وضعاف التفكير.
خاتمة:
فمن خلال هذا التبيين لتلك الصفات المرضية في الشخصية نستشف قراءة جيدة لمن هم مبتلون بهذا المرض السلوكي مما يمنحنا المناعة عند التعامل مع هكذا شخصية وعن حجم التعامل معهم ,وذلك بتقديم المعقول دائما على المنقول وبأخذ الحيطة والحذر من دون الإفراط في الثقة أو الانجرار تحت تخدير العاطفة أو الإثارة والكلام المعسول .
** عون **