التطوع مفهوم يحتاج إلى الدعم
المصدر زينة بيطار
14 / 02 / 2007
في يومٍ من الأيام قرَّروا التطوُّع ... هدفهم الإحساسُ بالخير والوصولِ إلى السعادةِ عبر فرح الآخرين ... لديهم ما يميّزهم ... إنهم معطاؤون ... وسط غفلة من الزمن وُجِدوا ليكونوا يداً حنونة تمدُّ لكل محتاج ومريض وجاهل .... لكل يتيم ومسن ... لكل من يطلب أن يكون هناك من يساعده ... إنهم من قرروا في يوم من الأيام أن يمنحوا غيرهم الكثير من وقتهم ... أن يجعلوا الأولوية في دربهم للآخرين ... هم كل إنسان عرف أهمية الإنسانية وأهمية أن يكون مواطناً فاعلاً يقدم لبلده الخير والمحبة.......
"بلدنا" أحبَّت أن تلقي الضوء على مفهوم التطوُّع من خلال فئة شابة تعد بالكثير... فاليوم لم يعد مفهوم التطوع غريباً خاصة مع بدء ظهور الجمعيات الأهلية بشكل واضح في المجتمع السوري... إلا أنه لا زال ينقصه الكثير من الرتوش الضرورية...
لتحديد معنى التطوع "بلدنا" التقت السيد "أنس حبيب" مسؤول المشاريع من جمعية تنظيم الأسرة الذي عكس عمق ثقافة التطوع وربطها بفهموم المواطنة وهي شعور وجداني بالارتباط بالأرض وبأفراد المجتمع الآخرين الساكنين على تلك الأرض وهذا الارتباط الوجداني تترجمه مجموعة من القيم الاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم الآخر وتحضُّهم على فعل الخير من أجل الصالح العام، ويشمل مفهوم المواطنة أيضاً استشعار المسؤولية وتحمل الأمانة والقيام بكل ما يتطلبه الصالح العام من أجل حفظ الكرامة الإنسانية.
ومما يدعم مفهوم المواطنة هي مؤسسات المجتمع المدني التي تأخذ على عاتقها استيعاب طاقات المجتمع وتبلور كفاءاته وقدراته، وتسهم في معالجة المشكلات التي يمرُّ بها المجتمع.
بالتالي من أحد أشكال تجسيد المواطنة هو التطوع الذي تطلبه المؤسسات المدنية الذي يعني تسخير الشخص نفسه عن طواعية دون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى باتجاه واحد، أي وبالمفهوم العام هو الخدمات التي يقدّمها الفرد خارج إطار عمله، دون توقعه لأي منفعة أو أي مردود مادي، على أن تعود هذه الخدمات بالخير على المجتمع ككل.
وحول أهمية التطوع فقد أشار السيد "حبيب" أنها تكمن في تدعيم الانتماء بين أفراد المجتمع وقيادته ومساعدة المؤسسات المجتمعية على أداء وظائفها، فالمتطوعون هم أكثر الفئات إحساساً بالمشكلات التي يعاني منها المجتمع، إضافة إلى أن التطوع يدعم المشاركة بين الجهود الأهلية والجهود الحكومية ويدعم الثقة بين المواطن والقادة.
وبالنسبة للشباب فأهمية العمل التطوعي تكمن في تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية، ويتيح لهم التعرف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع.
كما يمكنهم من التعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة التي تهم المجتمع، هذا عدا تأديتهم للخدمات بأنفسهم مما يتيح المجال أمامهم لحل المشاكل بجهدهم الشخصي.
ونوَّه السيد "أنس حبيب" إلى أن التطوع يتيح التعرف على أشخاص يختلفون عنه في السن والقدرات، والتعرف على مهارات جديدة تساهم في تنمية أو تحسين مهارات يمتلكها المتطوع، والأهم من هذا هو الشعور بالقدرة على إحداث تغيير ما…
بعد هذا الحديث مع السيد "حبيب" توجَّهت "بلدنا" إلى بعض أولئك الشباب الذين رأوا في التطوُّع تحقيقاً لذاتهم ولمواطنتهم ومنفذاً يستطيعون من خلاله المشاركة في تنمية مجتمعهم وربما مسح دموع سالت في عيون أناس كان لا بد من الأخذ بيدهم وسط ظلمة حياتهم…
ومن جمعية تنظيم الأسرة تحدَّثت "لمى الفصيح" رئيسة لجنة الشباب التي بدأ مشوارها مع التطوع منذ أن كان عمرها سبعة عشر عاماً والبداية كانت مع الهلال الأحمر، "لمى" لا تعرف سبباً واضحاً لتطوعها إلا أن والديها كانا قد لعبا دوراً كبيراً في زرع فكرة التطوع في داخلها منذ الصغر، فقد اعتادت أن تحكي لها والدتها عن واجبها عند الكبر في التردد على دور المسنين لتعتني بهم مثلاً، ولذا بمجرد أن أصبحت في عمر يخولها التطوع التحقت بالهلال الأحمر.
ومن ثم بدأت مع جمعية تنظيم الأسرة بهدف حصولها على خبرات جديدة وقد وجدت نفسها في مجالات عمل هذه الجمعية، والتطوع بنظرها هو أمر مهم جداً لبناء الشخصية حتى إن كل من يحيط بالمتطوِّع سيلمس نضوجاً واضحاً في بناء شخصه، وبرأيها أن نشر ثقافة التطوع أمر ضروري ويبدأ بالتربية منذ الصغر وعلينا زرعه في أطفالنا وعدم الاكتفاء بتشجيع أقراننا، وبرأيها أن انتشار ثقافة التطوع سيرسم الابتسامة على وجوه الكثيرين، والتطوع بالجهد والوقت والمعلومات هو ليس أمراً سهلاً بل له دور كبير، وهناك الكثير من الفئات الاجتماعية ستستفيد من هذا التطوع فهناك من يملك المال والعائلة لكن لديه نقص في المعلومات وفي هذه الحال فإن المال لن يعوّض هذا النقص.
"محمد نجم خليل" بدأ مشواره أيضاً من الهلال الأحمر والتطوع ووضَّح رؤيته للمشاكل التي تدور حوله، وهذا يعطي دفعاً كبيراً للمشاركة الاجتماعية بحثاً عن الحلول المفيدة وهذا كان له أثر كبير في تغيير حياته.
و"رولا القطب" التي كانت من أصغر المتطوعين في الهلال الأحمر ومنظمة اليونيسيف فلم يتجاوز عمرها الـ (15) سنة عند بداية مشوارها، وقد أعطاها عملها التطوعي ثقة كبيرة بالنفس، فرغم صغر سنها كانت تقوم بعمل الأكبر منها سناً، زارت دور أيتام ومسنين ساعدتهم في الدراسة ورسمت الابتسامة على وجوهم مما منحها شعوراً عارماً بالسعادة، واليوم هي متطوّعة في لجنة الشباب في جمعية تنظيم الأسرة وقد وجدت في عملها تجديداً من حيث العمل مع الفئة الشابة خاصة أنها شعرت أنها قادرة على العطاء أكثر من خلال تعاملها مع أقرانها.
والتطوع غيَّر الكثير من شخصية "رولا" حيث منحها ثقة كبيرة بالنفس وساهم في نضوجها في وقت مبكر، كما اتسعت علاقاتها الاجتماعية، وأكدت أن التطوع يمنح الإنسان شعورا غامرا بالسعادة عند لمسك مدى استفادة أحدهم منك، والتطوع بالمعلومات في رأيها هو أمر مهم جداً ذلك أنه من خلال معلومة صغيرة بالإمكان المحافظة على حياة إنسان بكاملها.
"مي هنيدي" من دير الزور أكدت أن التطوع يعني مسؤولية، فالإنسان يعمل وفق إرادته واختياره للتطوع يعني اختياره الالتزام بواجبه الاجتماعي، وقد دفعها إلى التطوع مبدأ حضن الوعي لدى سكان دير الزور فشبابها خارج المدينة يبدون وعيا وتفهما حتى في مواضيع تنظيم الأسرة لكن عند عودتهم للبيئة الاجتماعية ينساقون مع مجتمعهم من جديد فالشباب لديهم وعي لكن بحاجة إلى من يعمّقه ويؤازرهم.
"مي" أكدت أن التطوع غيَّر شخصيتها وبدلها من إنسانة خجولة ومنطوية إلى منطلقة ولها ثقة بنفسها، كما أحيا فيها شعورها بأهمية إيصال رسالتها إلى مجتمعها وإقناعه بالصحيح.
لا يزال هناك الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي احتضنها من آمنوا برسالتها .... والحقيقة يسعدني قولي هذا... لكن الضعف يكمن في أن أغلب الشباب عند انضمامهم إلى الجمعيات يتطوَّعون دون هدف وكنوع من النشاط ليكتشفوا الكثير داخلهم خلال الممارسة ويتنقلون حتى يجدوا المجال المناسب لطاقاتهم ... إلا أن المنتظر أن نزرع ثقافة التطوُّع داخل كل طفل يشب ... فمن شأن هذا الأمر أن يغيّر الكثير الكثير...
الأمر ليس صعباً ... ساعة من وقتك كل يوم قادرة على مسح دمعة إنسان ...
آخر تحديث ( 14 / 02 / 2007 )
جريدة بلدنا