سليق القمح ولحم الخروف...بقلم آرا سوفاليان
الهريسة وهي سليق القمح مع لحم الخروف اسمها DJADABOUR كانت تحضر في أرمينيا يوم عيد الصليب ويتم الطبخ في حلّة ضخمة جداً توضع على موقد حجري وتحتها نار أخشاب الصندل والصنوبر ويضاف الماء ويتم التحريك بمعالق خشبية ضخمة حتى ظهر اليوم التالي، تذكرني هذه الأكلة بقصة جميلة حدثت لي منذ بضعة سنين وهي الآتية:
تلقيت دعوة من الصديق بوغوص خاجاريان بمناسبة افتتاح الهامالير وهو مجمع ثقافي ومدرسة وكنيسة ونادي وملاعب لحزب التاشناك في دمشق...وكانت الدعوة مبكرة والموعد هو بعد اسبوعين وقبلت الدعوة وأحببت البادرة الجميلة.
في اليوم المحدد وكنت عائداً من دار أهل زوجتي في العباسيين الى جرمانا والأولاد نصف نائمين في السيارة والساعة هي 10:30 ليلاً حيث وردت مكالمة على الجوال عرّف المتحدث فيها عن نفسه بأنه من نادي الهومنتمن فرحبت به وقد نسيت موضوع الدعوة والافتتاح ودار الحوار الآتي:
ـ يقول لك السيد بوغوص خاجريان انك تأخرت كثيراً
ـ تأخرت عن ماذا؟
ـ تأخرت عن الافتتاح
ـ افتتاح أي شيء؟
ـ افتتاح هامالير الهومنتمن
ـ يا ساتر...تذكرت الآن ارجو ان تبلغ اعتاذري للسيد خاجاريان بأن الوقت تأخر وانا سأعتذر عن الحضور
ـ لا يمكن ابداً نحن بإنتظارك
ـ شكراً لك ولكن اعذرني فانا لا أعرف مكان الهامالير؟
ـ بسيطة اين انت الآن؟
ـ في منطقة العباسيين وذاهب الى جرمانا
ـ ممتاز هل يمكنك الوصول الى منتزه النسيم في آخر جرمانا
ـ نعم
ـ اتجه الى اليسار وادخل في مفرق دير العصافير بعد دقيقة واحدة تجد الاضواء والاحتفال.
وتحدثنا في السيارة وتقرر أن نذهب ووصلنا الى النسيم والى محطة الوقود وتجاوزناها ودخلنا أولاً في الطريق الصحيح ورجعنا منه لأنه شديد الظلمة ولا يوجد أي أثر لأضواء أو احتفال...وذهبنا في الطريق الثاني وصعدنا الى الجسر الموصل الى طريق المطار واكتشفنا اننا في الجهة الخطأ ورجعنا وجربنا الدخول في طريق الخيارة فكان الظلام شديداً أيضاً ولا يوجد أي أثر لأضواء أو احتفالات، وفجأة اتصل بوغوص هذه المرة وقال لي لقد نفد الوقت المقرر لوصولك وهذا يدلّ على انك ضائع، قلت له لم اعثر إلاّ على الشوارع المظلمة، قال لي أين انت بالتحديد؟ قلت بالقرب من محطة الوقود او على بعد قليل عنها، قال: أضئ الفلاشر في سيارتك وتوقف على يمين الطريق سنعثر عليك...وفعلت...وجاؤوا بسياراتهم ومشيت وراؤهم وشعرت كأنني أقود طائرة اجبرتها طائرات أخرى على الهبوط في مكان محدد كنت مسروراً بالطبع لأنني لم اجرب ان يحتفي بي أحد بطريقة مماثلة!!!
وصلنا الى الهامالير ولو اننا تابعنا المسير في أول طريق سلكناه من قبل لمدة نصف دقيقة أخرى لوصلنا، واكتشفت أني تراجعت بسبب الظلمة، وكان الهامالير نادي رائع يشغل مساحة ضخمة، وسمحوا لسيارتنا بالدخول الى نقطة متقدمة في حين لم يسمح لسيارات أخرى بالدخول الى هذه النقطة، وكان هناك حشد كبير من الناس أكثر بكثير من عدد الطاولات والكراسي التي تم احضارها ومع ذلك فلقد تم كتابة اسمي على الطاولة التي بقيت غير منشغلة حتى وصولي وجلست وجلس معنا بوغوص خاجاريان واحضروا لنا هريسة سليق القمح ولحم الخروف وزبادي اللبن والخبز والكمّون...واهتم بنا كل الشباب من النادي، وخجلت جداً لأني كنت أحب أن أكون في الموقف المقابل فأحمل انا الصحون لغيري...قالت لي زوجتي: من هؤلاء؟ قلت لها: شباب نادي الهومنتمن قالت: ناديكم؟؟؟ قلت: لا... يفترض ان نادينا هو الهومنمن قالت: النادي الثاني قلت: لا ليس بالضرورة فأنا أراه الأول وليس الثاني قالت: بالفعل يححبونك بهذه الطريقة الرائعة...قلت: هذا عادي قالت: لا لا ليس عادي هؤلاء يحبونك أكثر من جماعتك...قلت: عندهم الاسباب الموجبة لذلك، ولديهم وجهة نظرهم الخاصة...كما كانت الاسباب الموجبة المتعلقة بك ووجهة نظرك التي دفعتك الى القبول بي كحبيب وخطيب وزوج وأب لأطفالك...فالدنيا هي مشاعر حب ووجهات نظر...قالت: حسناً قل لهم أنني أحببتهم.
وكان أطيب DJADABOUR تذوقته في حياتي وأطيب معاملة واحترام لي ولزوجتي وأولادي وذهب بي الخيال الى مملكة كيليكيا والى سيس وكاثوليكوسية سيس والكرسي المقدس، والى غابات الصنوبر في أرمينيا الصغرى وكنت ارنّم مردداً كلمات أغنية كيليكيا واتمنى ان يكرمني الله بعشاء مماثل ولكن هناك في ارمينيا الصغرى في كيليكيا، وهذا سيحدث إن لم يكن لي فالى حفيد من أحفادي مهما طال الزمان.
اضغط هنا ... لسماع موسيقى اغنية كيليكيا بعزف وتوزيع آرا سوفاليان وبحجم بسيط للغاية بعد تحميل قطعة كيليكيا في اسفل الشاشة كليك مرة ثانية للتشغيل ملاحظة: الخدمات الصوتية ميديا غير متاحة على الفيسبوك لذلك يرجى الدخول الى نفس هذه المقالة بإستخدام حسابي الخاص الموجود على الرابط www.arasouvalian.com والاستماع الى القطعة الموسيقية كيليكيا عبر موقعي
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق الأحد 07 07 2013
arasouvalian@gmail.com