لطائف مجمعية منقولة
1
(مقام الحفظ)
==================================
السابق:
كلام عجيب وغريب سطره مفكر وأستاذ كبير يحتاج إلى تأمل، وقبل أن أنقل لكم كلامه أنقل لكم أنه لم ينقض عجبي من إخواني الكرام حفظة كتاب الله وحفظة المتون العلمية من عدم إعمالهم الفكر والعقل عند مناقشتهم في مسائل علمية ضمن محفوظاتهم، وكان غالب أجوبتهم يدور حول كلمة (هكذا حفظنا) أو (هكذا تلقينا)، إلى أن قرأت كلام هذا المفكر، ووجدت في كلامه بعض الأسباب التي تجعل الحفاظ لا يُعملون عقولهم.
يقول الدكتور محمد الأحمري في كتابه مذكرات قارئ ص 112 :
(وقد لاحظت أن المعلومات الكثيرة والذاكرة الجبارة ربما أضعفت الفهم، فإذا أراد الحافظ فهم موقف فإنه يتجول في صندوق معارفه ويعزل عقله، بل ربما بادر باتهام عقله ووعيه ولجأ لحفظه، والحفظ أدنى درجات الوعي، وكم جنت الذاكرة على الوعي وحاصرته! وهذا حاضر جدا في ثقافتنا الإسلامية، لأن زحام الحفاظ فيها ربما رسّخ السخرية من العقل ومن الفهم الذاتي الذي يمارسه الشخص، فيبادرون باتهام عقولهم حتى أدانوها وأضعفوها ، وبنوا منهجية معادية لها، وبالتالي منهجية تجارب الوعي).
اللاحق:
التقليل من شأن الحفظ مزلق خطير، وحجج متكلفيه داحضة، والحافظ الذي لايفهم بلاؤه في جهله لا في حفظه، والذاكرة لاتجني على الوعي بل تغذيه وتقويه وتمده بالمعلومات، وثقافتنا الإسلامية تشهد أن حفاظها هم أئمة الوعي والفهم، وهم أساتذة الابتكار والبراعة في العلوم، والسخرية من العقل تأتي من ذوي العقول الخاوية من نور العلم ونصوص الوحيين، وهي العقول التي تتخبط في متاهات الأهواء وادعاء الفهم،يتبعون ما تمليه عليهم عقولهم بلاضوابط من محفوظات العلم النافع والحكمة، وقد يزعم أهلها أنهم عباقرة عظام، وأصحاب بصائر وتفوق فكري، وهم في الحقيقة يسعون في الأرض فسادا، وقد يتنافسون في إحراق الأرض وإبادة الإنسانية واستعباد البشر بالباطل ومحاربة الهدى والحكمة التي لاتوجد إلا في النصوص التي لايحفظونها ويعيبون من يحفظها، وفيهم أنزل الله قوله ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) نزلت في قوم يرون أنهم أعقل أهل الأرض وأعلم بحقائق المعرفة ممن يحفظ نصوص الشرع ويدعو إلى ما فيها من الهدي والحكمة.
وأما مدح الحفظ بلا فهم فهو إسقاط على المسلمين، فإنه ليس معروفا بل مذموم أو معيب فلا ينبغي الاحتجاج به على حفاظ المسلمين، ولاعبرة بالشاذ، ولولا الحفظ ما وصل إلينا شيء من تراثنا الشرعي ولا العقلي.
وعزل العقل لايكون بسبب الحفظ ولكن بسبب الجهل، ويستوي في ذلك الحافظ وغيره، وقد دلل علماء المسلمين على جهل كثير من المناطقة والمتفلسفة وأصحاب المذاهب الكلامية، أوالشحوط العقلي، أو الشذوذ الفكري، فذكروا أن سبب ضلالهم هو جهلهم، حتى لبّس عليهم واشتبه الحق بالباطل في عقولهم، ومثل هذا من يدعي العقل والفهم فيذهب ينتج الشر أو يصد عن سبيل الله، فأي عزل للعقل بعد هذا؟ وما خلق الله العقل إلا لجلب النفع ومنع الضر وعمارة الأرض بما يرضي الله، وأي عزل للعقل أفظع ممن يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها؟ وقد أصبح أمثال هؤلاء ينعتون بالأذكياء والمتقدمين!
والله المستعان.