-
باحث في علم الاجتماع
الانتخابات الأمريكية (4)
الانتخابات الأمريكية (4)
وودرو ولسون الرئيس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي الأمريكي وفلسطين!
كما ذكرنا سابقاً أن تأسيس الكيان الأمريكي التوراتي كان توطئة لتأسيس (إسرائيل التوراة) في فلسطيننا، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تكن غافلة عن وطننا، ولكنها كانت تنتظر الوقت والفرصة المناسبين للتدخل فيه، وما أن طلبت دول التحالف في الحرب العالمية الأولى ـ بريطانيا وفرنسا ـ من أمريكا أن تدخل الحرب إلى جانبها ضد دول المحور، حتى بادرت للاستجابة إلى طلبها، ولكنها وضعت شروطها لدخول الحرب. وقد كانت ولا زالت هذه الشروط هي الأهداف الأمريكية الثابتة في وطننا، ولم تتغير منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وإن كان قد أضيف إليها هدف آخر، لم يكن مسقط من حساباتها آنذاك، ولكنه اليوم أصبح مناطاً بها بحكم زعامتها للغرب الصليبي في صراعه ضد الإسلام. وقد كانت هذه الأهداف ـ الشروط ـ هي:
تحقيق الحلم التوراتي الأمريكي بإقامة (الدولة اليهودية) في فلسطين، وتوفير الأمن لها في وسط محيطها العربي الذي ستقام في قلبه وعلى أقدس جزء من أرضه. وطوال مائة عام والمهزومون أمام النموذج الحضاري الغربي، المخترقة عقولهم بأكاذيب وتبريرات غير صحيحة، وأفقدوا الأمة وأجيالها وعيها بحقيقة الموقف الأمريكي من كيان العدو الصهيوني، وهم يقرأون على رؤوسنا كذبة:
أن الموافقة الأمريكية على طلب بريطانيا دخولها الحرب إلى جانبها، جاءت استجابة للضغوط الصهيونية على الرئيس الأمريكي وودرو ولسون، لرغبة في كسب الأصوات اليهودية في الانتخابات، والتمويل اليهودي للحملة الانتخابية، هي السبب في هذا التدخل الأمريكي، وشرط إسراع بريطانيا في إصدار (وعد بلفور) ... إلخ، مما رسخ في أذهان الكثير من مثقفينا! وذلك كذبة رسخوها في أذهان الأجيال وأصبحت ديباجة تقليدية لهم لتبرير العداء الأمريكي ضدنا وانحيازه إلى العدو الصهيوني! في حين أن الحقيقة التي يعترف بها معظم الباحثين المؤرخين لتلك الفترة، تؤكد أيضاً فيما سنذكره من حقائق فيها شيء نسبي غير صحيح أيضاً، وخاصة موقف اليهود الإصلاحيين الأمريكيين:
أن عدد اليهود الصهاينة الذين كانوا في أمريكا كان قليلاً جداً، ولم تكن الصهيونية مرغوبة عند اليهود الأمريكيين، وأن التيار الإصلاحي اليهودي هو الذي كان منتشراً وسط يهود أمريكا، كما أن أصوات اليهود الانتخابية في ذلك الوقت لم تكن من الأهمية لترجح فوز هذا المرشح أو ذاك. أضف إلى ذلك أن النفوذ الصهيوني في دوائر الإدارة الأمريكية كان يكاد لا يذكر. وإن كان على علاقة الرئيس وودرو ولسون بصديقه اليهودي الصهيوني القاضي لويس برانديز، فإن تأثير هذا الأخير لم يكن ليجعل ولسون يؤيد الصهيونية، خاصة وأنه كان له كثير من الأصدقاء المقربين أكثر من برانديز، وكانوا يجاهرون بعدائهم للصهيونية آنذاك!
ولكن موافقة الرئيس الديمقراطي ولسون جاءت لتنسجم مع الثقافة والموروث الشعبي الديني البروتستانتي الأمريكي المستقر في الشعور واللاشعور الأمريكي الذي أسس كيانه في الوطن الجديد على أساس المثل والخرافات التوراتية. لقد جاء موقف ولسون منسجماً مع خلفيته الدينية التي كثير ما عبر عنها بقوله: "ربيب بيت القسيس ينبغي أن يكون قادراً على المساعدة في إعادة الأرض المقدسة لأهلها"! وذلك ما يفسر إصرار ولسون الشخصي على تأييد إصدار بريطانيا لوعد بلفور، ويرسل لها موافقته الشخصية وليس موافقة رسمية من الإدارة الأمريكية. وهذا ما دفعه للتأكيد عدة مرات للزعماء الصهاينة أنه باستطاعتهم الاعتماد على تأييده الشخصي! ليس ذلك فحسب بل وأصر على "الخارجية البريطانية كي تصدر وعد بلفور، قبل شهر من الموعد المحدد لصدوره عام 1917"!
ووافق الرئيس الديمقراطي على (وعد بلفور) في برقية بعثها باسمة الكولونيل "هاوس" بتاريخ 16 تشرين الأول 1917م إلى سير "أريك إدراموند" السكرتير الخاص لوزارة الخارجية البريطانية، وقال ولسون بعد ذلك في بيانه للشعب الأمريكي: "أنا مقتنع أن أمم الحلفاء بالاتفاق التام مع حكومتنا وشعبها قد اتفقت أنه في فلسطين سترسى أسس كومنولث يهودي". بل إن الكاتب اليهودي (لندمن) يقرر أن أمريكا لم تؤيد فقط وعد بلفور، بل إن دخولها الحرب العالمية الأولى لم يتأكد إلا بعد أن أعلن وعد بلفور كثمن لمشاركتها في الحرب، ويقول: "إن مستر مالكوم سكرتير رئيس الوزارة البريطانية لويد جورج قد أقنع بعض الساسة الفرنسيين وجوب التحالف مع الصهيونية مؤكداً أن الطريقة المثلى بل الوحيدة لحمل رئيس الولايات المتحدة على دخول الحرب هي الوصول إلى تفاهم مع صهيونيي الولايات المتحدة!
كما أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي ولسون صاحب مبادئ حقوق الإنسان الكاذبة حمل ممثل أمريكا إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919م "اقتراحاً باستثناء فلسطين من أية محاولة لإعطاء العرب الاستقلال! أسس للعداء الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية نحو الفلسطينيين والعرب والمسلمين!
وتعهده بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني عند قيامه، كما جاء في المذكرة التي قدمها الوفد الأمريكي إلى المؤتمر ونصت على "الاعتراف بالدولة اليهودية حينما تبرز إلى الوجود!
فقد كان ولازال الموقف الأمريكي من الحركة الصهيونية سابقاً، ومن الكيان الصهيوني حالياً، هو موقف ذاتي لا علاقة له بكل ما يقال عن النفوذ الصهيوني واليهودي في دوائر القرار أو الحملات الانتخابية الأمريكية، وإن كان لا يمكن تجاهل ذلك، ولكن ليس هو العامل الحاسم. أضف إلى ذلك أنه لم يكن لأمريكا في ذلك الوقت مصالح اقتصادية في المنطقة تريد من الكيان الصهيوني أن يحافظ لها عليها مستقبلاً. أما في الوقت الحاضر فإن مصلحة الولايات المتحدة المفترض أنها مع العرب والمسلمين، ومن الحكمة ألا تكسب عداءهم ضدها، خاصة وهم لا يعارضون سياساتها ولا نهبها لثرواتهم. ولكنها مع ذلك تجاهر في عدائها لهم وتأييدها للعدو الصهيوني القائم على أسس دينية وخرافات نهاية العالم الدينية، التي يؤمن بها أتباع المذهب البروتستانتي!
وإذا ما عرفنا أن أبرز شخصيتان يهوديتان لعبتا دوراً بارزاً في تحقيق التطلعات الصهيونية في القرن العشرين هما الحاخام الدكتور (باهليل سيلفر) والحاخام الدكتور (ستيفن وايز)، كانا من اليهود الإصلاحيين، تأكدنا أن حركة الإصلاح "الهسكلاه"، كانت تؤدي الدور الموكل إليها من قبل اليهودية العالمية!
هكذا وضع الحزب الديمقراطي عبر الرئيس الأمريكي وودور ولسون الأسس الاستراتيجية للسياسة الأمريكية الحديثة، وحدد أهدافها نحو وطننا أثناء وأعقاب الحرب العالمية الأولى!
... يُتبع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى