حيدر محمد الوائلي


في مقطعٍ لتغطية تلفزيونية للحظة رفع صوت الاذان من مكبرات صوت في مدينة سويسرية قبل عدة سنوات بعد سماح القانون السويسري وقتها بعدم ممانعته لأستخدام مكبرات الصوت الخارجية لأتباع الديانات المختلفة، ثمة رجال شرطة ينتشرون لتنظيم حركة السير وثمة وسائل إعلام تغطي الخبر.
وإلى هنا إنتهى الخبر.
قبل سنة أو اثنتين قام البعض بنشر عنوان (الشرطة البريطانية تغلق مسجد ولا يزال صوت الاذان يُسمع) وتم اعادة نشر نفس الفديو بعناوين مختلفة ومغايرة ومثيرة. وهو بالحقيقة ذات المقطع أعلاه.

تحصل اعتداءات على مسلمين بالخارج كمثل حصول اَي جرائم اخرى عنصرية وغيرها ولكن تسويقها على انها كبيرة وكثيرة وغزيرة فعلى العاقل حينها أن يتفكر بسبب نشر الخوف والتفرقة بين المجتمعات وتأثيراته.
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
يا لها من حكمة بالغة من حكيم عظيم.
هو خطاب بضرورة أن يتبين (الذين امنوا) من أي خبر (نبأ)؟ سواء كان ديني أو سياسي أو اجتماعي أو مجرد أنباء أخرى. من فاسق (ويصح اعتباره هنا مصدر مريب أو غير موثوق أو فيه مكر).
وما هو الضرر بعدم (التبين) و(التفكر) قبل الكلام به أو النسخ واللصق وإعادة النشر؟
الضرر يا سادة يا كرام هو (أن تصيبوا قوماً بجهالة) أي تنشرون الجهل وتجعلون من هذا الوباء (الجهل) يسود ونحن في زمنٍ الجهل فيه كبير أصلاً فلا تضيفوا له جهالة اخرى تزيد من حجمه.
لأن النتيجة (ندم). ويزداد الأمر سوءاً عند إدارك أن هنالك الكثير من الناس ممن لا يفكرون ولا يتدبرون ولا حتى يندمون على فعل اقترفوه بجهالة. وأما من يفعل ذلك عن عمدٍ وقصد فهذا معاند جاهل يصعب التعامل معه.

مثل ما انتشر من خبر (يوم معاقبة المسلمين في ٣/نيسان/٢٠١٨) في بريطانيا، وتم تهويل الأمر ونشره بصورة كبيرة وتخويف النساء والأطفال من قبل أفراد أسرهم قبل غيرهم الذين نشروا ذلك التهديد وهو مجرد ورقة مطبوعة بشكل بائس وبكتابة ركيكة.
مجرد النظر الى طريقة صياغتها يعرف انها (خدعة) و (prank) ولها غرض وحيد من بثها هو لنشر الخوف ولأحلال انشقاق بين صفوف المجتمع، ولخلق روح انهزامية بائسة.
بعض الناس أعاد نشر مقاطع قديمة حدثت منذ فترة بعيدة فيعاد قصها وتسويقها ونشرها وفق إطار مغاير تماماً دون التأكد لسهولة تغلل اَي شيء لمجتمعاتنا مع الأسف.

كذلك تنتشر بين فترة وأخرى مقاطع بلغات ليست سائدة بمجتمعاتنا كبعض اللغات الأوربية والاسيوية، يوضع شريط ترجمة (subtitle) تحتها ويتم تسويق اَي شيء في ذهن من ينشرها عن طريقة طباعة اَي كلام يريده على أنه ترجمة لما يتم قوله في المقطع وذلك لصعوبة فهم اللغة والتأكد منها. ولكن من الممكن التأكد من الترجمة (على الأقل) بالبحث حول ما ورد فيها وهل هي فعلاً ترجمة أم خدعة أخرى.

ينبغي الإشارة هنا الى ان انتشار ثقافة (لا تفكر... فقط أعد النشر) قد ظهرت من فترة ليست بالقريبة.
هكذا ثقافة إبتدأت قبل عقودٍ من الزمن عن طريق نشر احاديث وآيات بقصاصات ورقية توزع على البيوت مع وعد بالعقاب الالهي لمن لم يعد كتابتها ونشرها لعشرة اخرين.
من يريد قضاء حاجة وأشياء اخرى تكتب فليعد نشرها وحسب فما الضرر؟
بسطاء الناس يخافون من أشياء (غيبية) ويرتجون الثواب وذلك لأثار دينية (غيبية) تم تلقينها للناس أنها حاصلة بفعل تراكم تراث ديني يحتاج الكثير من النظر والتصحيح، فتخشى الناس المستقبل وتتصور الوعد الوعيد حاصل بهم (فقط) لفعلهم أو لعدم فعلهم أشياء معينة (حسب صياغة الموضوع) وهم بالأصل متلاعب بهم وبعقولهم.
الان وبتطور وسائل التواصل صار لنشر الإشاعات والاكاذيب (دينياً وسياسياً واجتماعياً وعلمياً) منصة اكثر سهولة وأوسع انتشاراً. وتعدى الأمر الدين لتشمل الحياة الأجتماعية والنظام السياسي وحتى العلوم.

يجب الإقرار والاعتراف بشيء مهم وهو أن مجتمعاتنا هشه ويَسهُل التلاعب بها مع الأسف بأية صياغة عاطفية أو تحوير منمق لصورة أو مقطع فديوي لأضفاء قداسة على دين وطائفة أو سلب تلك القداسة من دين اخر وطائفة أخرى أو للتلاعب سياسياً بالعقول حول بلدان وسياسات وسياسيين وأشياء أخرى.
إن اهم وسيلة للعلاج هو الإقرار بوجود خلل، ومن ثم سيكون العلاج.

ينبغي التحقق والبحث (إلكترونياً على الأقل) من الأخبار والمعلومات التي تصل للمتلقي عن طريق الفيسبوك والواتساب والوسائل الاخرى. مجرد بحث عن طريق (Google) على الأقل فربما سيأتي بمعلومات عن خبر ما ومعلومة ما بطريقة مغايرة.
ويبقى الاساس بالتفكر والتدبر بالامور كلها هو الحل الأفضل.

على العاقل عدم نشر أو إعادة نشر أي شيء من هذا القبيل قبل التأكد منه وبهذا يساهم (ولو قليلاً) بالقضاء على نشر الإشاعات وبث الخوف من غير داعي أو المبالغة بروحانيات لا أساس لها أو نشر اخبار ليس لها في الواقع وجود.
وإن وصلت لك هكذا رسائل وعرفت بكذبها فتجاهلها ونبه الآخرين ممن تطمئن نفسك لهم وقدر الإمكان ولكن لا تتفاجأ لو تم الطعن بك أو تزداد المعاندة أو حتى الاستهزاء بك أو الزعل عليك فقبلك أجيال من أنبياء وعلماء ومصلحين قد تم الضحك عليهم ومعاندتهم والاستهزاء بهم ومحاربتهم وهم الان قدوة لنا وعنواناً للفكر والدين.

هناك الكثير من الناس من يروق له العيش بجهالة، لأنها حياة سهلة لا تكلفه جهد التفكير والإطلاع والتعلم.
لا تتفاجى أبداً لو عرفت أن من هؤلاء الناس (الجهلة) علماء دين وخطباء وسياسيين وحملة شهادات واصحاب وظائف صغيرة وكبيرة.