مـَزْميهراء
أوّل ما يلفت نظري اهتزاز الراكب في الحافلة لأنه يتمايل بفعل الحركة الاعتيادية وأحيانا يتمايل بما في داخله من اهتزاز .
رغبتُ كسر طوق صمتها ، الأفريقية التي تدفقت كلماتها لأول سؤال عن سَكنها فهي صعدت من نفس المنطقة التي أسكن .
تبادلنا الأحاديث أنثى لأنثى وأمٍّ لأم .
- كم عدد أولادكِ سيدتي ؟
حكـَّت شَعرها القصير بكثافة :
- لي اثنين كبيرهم سيتزوج بعد أسبوعين .
فرحتُ لأن قربي أم لها مشكلتي أيضا ، قد نختلف في أماكن معينة لكننا نتشابه في الأمومة، تابعت أسئلتي :
- والثاني هل هو في حلّ الزواج ؟
- هو متزوج منذ عام .
- أهنيء العائلة وأباركها .
لا أعرف لماذا خطر ببالها تسأل عن ديانتي :
- هل أنتِ مسلمة ؟
أجبتُ دون رغبة مني على الإجابة لأنني أؤمن بالإنسانية على أية دين ولون وقومية لكني جاريتها لأرضي استفسارها.
- نعم أنا مسلمة بريطانية من أصل عربي وجذور عربية .
قالت : زوجي مسلم وأنا مسيحية .
أجبتها بعد أن رأيت القلق في عينيها :
- ما المشكلة في ذلك ؟
بصوت حنون ويد أحن أطلعتني على صورة ابنها :
- لا مشكل إطلاقاً فقط ولدي في حيرة هل يعقد قرانه في الكنيسة أم في المسجد ؟
قلتُ سيدتي : هنا وهنا أي عقد شيخ وعقد دولة حكومي رسمي.
شدت على يدي، أعطتني عنوانها وهاتفها ودعتني لحفل الزواج محددة لي اليوم والساعة والمكان .
قبل النزول من الحافلة سألتها :
- هل لي أن أحضر العـَقدين ؟
فرحت من قلبها : - بكل سرور، أنتظرك .
اتصلتْ هاتفيا قبل يومين من حفل الزواج تخبرني عن اسم المسجد لأن الشيخ مشغول جدا ولا وقت لديه للحضور إلى منزلهم، اعتبرتُ هذا شرف لي ورحتُ أحضِّر نفسي بصبغ شيبي وكوي فستانين ثم اشتريت هديتين واحدة للعروس وأخرى للعريس .
عـُقد القران كما هو متفق وبفرح غامر تصافح الجميع وتواعدوا على الحضور في يوم غد إلى الكنيسة .
لفتت انتباهي سيدة متخذة زاوية بعيدة من زوايا المسجد وبأي نظرة منها تكتشف القلوب والعيون، كانت صامتة طوال الوقت لكنها احتضنت الجميع بعينيها وغادرت قبل مغادرتنا المسجد، سألتُ صديقتي قالت لا تعرفها ربما هي زوجة "الشيخ ".
عند باب الكنيسة توزعت باقات الزهور بألوانها الزاهية البيضاء ، دخل أطفال بيدهم سلال من الزهور . غمر الكنيسة البياض والفرح والهدوء والرهبة لمهابة المكان .
انشغل الجميع بالطقس الخاص باحتفالية الحياة الجديدة أما أنا فشغلتني السيدة ذاتها التي حضرت المسجد معنا، تساؤلات كثيرة دارت برأسي عن هويتها وشخصيتها ولماذا لا تحدِّث أحدا ؟ هل هي من أصحاب اهل العريس ؟ قطعا ًلا لأنني سألت صديقتي، ربما من أصحاب أهل العروس ؟ طيب، إذا هي منهم لماذا لا تدخل ؟ لماذا اتخذت الركن أيضا في الكنيسة كأن لها رغبة احتضان الفرح كله ؟
انتبهتُ للقس حين عقد القران، كونه حين لاحظها انتفض متوتراً وفرحاً، لذلك قلت في ذاتي أسأله لعلـّي أجد الجواب لديه فالسيدة خرجت بعد انتهاء القس مباشرة . دنوتٌ منه أشكر أسلوبه في أداء طقس العقد واختصرت الحديث كي أطرح سؤالي :
أيها المحترم، أظنك رأيت السيدة التي وقفت بعيداً، هل تعرفها؟
هزّ رأسه بابتسامة رضا :
- نعم كل المعرفة .
- ما اسمها ؟
- اسمها ( مزميهراء )
- هذا اسم غريب لم أسمعه من قبل، هل هي ؟
قبل أن أهمَّ بسؤالي الثاني وضع يديه على صدره بعلامة صليب ومسح على شعري قائلا :
- ابنتي، لكم زهراء ولنا مريم، لكنهما اجتمعتا في واحدة في بيوت الله، واتخذتا اسماً واحداً يجمعها في أي بيت من بيوته .
رجعتُ إلى داري أدعو قديستين أن تحفظا ولدي من كل سوء .