بقايا حلم...
إهداء إلى التي اغتالت أحلامها صواريخ الاحتلال... إلى هدى غالية
بقلم: ملكة أحمد الشريف
ترسل ببصرها على امتداد الأفق هناك...
حيث تحتضن السماء البحر اللجُي... تتعانق أمواج البحر الهادر مع صخرة شامخة بتواضع، فتنكسر الأمواج دون يأس من اللقاء... تعيد الكرة مرة أخرى... يطفو الزبد المختلط بالطحالب الخضراء ليمتد على شكل شريط ناصع البياض.
تستعيد آخر ذكرى لذلك الفرح الذي تطايرت فيه أشلاء طفولتها بفعل صواريخ الاحتلال التي اغتالت أسرتها كاملة دون أن تُبقي لها وليفا.
أخذت يومها عهدا على نفسها ألا تعود للبحر، فحرمت عشقها البريء لأمواجه على نفسها...
و بعد مرور عدة أعوام... نداء خفي في أعماقها يستميحها عذرا للقدوم إلى عشقها القديم...
تسوقها قدماها المثقلتان إلى نفس المكان، وتلقي بنفسها المتهالكة على الرمال الساخنة... تربت برفق على تلك الرمال، وتمسك بحفنة منها وقد اختلطت برائحة ماء البحر، أحست تلك المرة بعمق الصلة بينها وبين البحر، فرائحته لم تغب لحظة عن ذاكرتها...
رائحة المسك التي انبعثت من امتزاج الرمال بدم أحبائها الذين اغتيلت فرحتهم البسيطة...
امتزجت روائح الملح، والسمك، والبرتقال، والبطاطا المشوية التي انبعثت في الأفق مع الأرض، والسماء، والبحر، والأطفال، والصخور، والباعة، كلها امتزجت برائحة الشواء ليستنفر معدتها الخاوية...
تتناثر أحلامها مع تلاطم تلك الأمواج، تطل برأسها الصغير على واقعها الجديد ما بين ألم الأمس والأمل في الغد الآتي.
أخذت ترقب بعض الفتية وهم يداعبون مياه البحر بأجسادهم الفتية، ويجمعون رمال البحر المختلطة بالصخر الصغير في أوعية بلاستيكية مثقوبة لتخرج المياه من تلك الثقوب... وتظل محتفظة بالرمال... كان الفتية يضعون ما يجلبون في أكوام على الشاطئ في انتظار تعبئتها بالفأس على عربة يجرها حصان، بدا متعبا في جر حمولته عبر الطريق الرملي إلى مصنع الطوب القريب من المكان.
كانت عيناها تتابعان الفتية بشغف واهتمام وصمت، خفق قلبها قليلا...
يعلو الموج ويمتد إلى الخيام القريبة من الشاطئ، تصاحبه جلبة مرحة بين الأطفال وهم يلعبون، في حين رأت طفلة صغيرة كانت في مثل عمرها ذات يوم، وسمعتها تعاتب أباها على انهيار بيت الرمال الذي جرفته الأمواج في طريقها، كانت الحروف تتداخل في كلمات الصغيرة لتبعث في نفسها ابتسامة الأفق الغائب...