القضية الفلسطينية إلى أين ؟..
q د. غازي حسين
ياسر عرفات والمفاوضات:جرت المفاوضات وتجري حسب المخططات والإملاءات الإسرائيلية وبرعاية الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، وبدعم وتأييد كاملين ممن أسمتهم رايس بمحور المعتدلين العرب، وانخرط فيها ياسر عرفات ومحمود عباس عن قناعتهما التامة بالدور الأمريكي والتسوية السياسية.
ساد في فتح منذ التأسيس اتجاهان: الأول: يؤمن بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
والثاني: نادى بالكفاح من أجل التحريك للتوصل إلى تسوية من خلال مفاوضات تحت الرعاية الأمريكية.
رفع ياسر عرفات في الستينات من القرن الماضي شعار توريط البلدان العربية في حرب مع إسرائيل، وفلسطنة قضية فلسطين وفصلها عن بعديها العربي والإسلامي والقرار الفلسطيني المستقل.
وبعث في اليوم الرابع لحرب تشرين التحريرية عام 1973م برسالة سرية إلى كيسنجر يبلغه فيها رغبته في الدخول بالمفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية لقضية فلسطين.
وحمل عرفات المجلس الوطني الفلسطيني على الموافقة على البرنامج المرحلي في عام 1974 لإقامة دولة في الضفة والقطاع.
[IMG]file:///C:\Users\PC\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\cli p_image001.gif[/IMG]ووافقت القمة العربية في الدار البيضاء في العام نفسه على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتوجه عرفات في نهاية أيلول 1974م على رأس وفد فلسطيني إلى الأمم المتحدة (وكنت أحد أعضاء الوفد الفلسطيني آنذاك) وطرح فكرة إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين.
أعلن كيسنجر بعد اتفاقية سيناء الثانية عام 1975م أن الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع منظمة التحرير شريطة أن تعترف صراحة وعلناً بــ "إسرائيل" وبالقرارين 242 و338 وتتخلى عن المقاومة وتدينها.
طرح مناحيم بيغن عام 1977 مشروع الحكم الذاتي الفلسطيني، ومارست إدارة ريغان الضغوط على الملك حسين لحمله على الدخول في المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني انطلاقاً من مبادرة الرئيس ريغان التي طالب فيها إنشاء حكم ذاتي فلسطيني في الضفة والقطاع وارتباطه مع الإدارة.
حاولت الولايات المتحدة تعميم كمب ديفيد على الساحة اللبنانية ففجرت بالتعاون مع العدو الإسرائيلي الحرب الأهلية في لبنان (بعد اتفاقية سيناء الثانية مباشرة)، ودعمت الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وحملت الرئيس أمين الجميل على توقيع اتفاق 17 أيار 1983، ونجحت القوى الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية بدعم وتأييد كاملين من سورية في إلغاء اتفاق الإذعان في 17 أيار.
إدارة ريغان والمفاوضات:
حددت إدارة ريغان الشروط الأمريكية للتعاون مع منظمة التحرير كما يلي:
ــ معارضة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لذلك جاء الاتفاق الذي وقعه عرفات مع الملك حسين في 11 شباط 1985م ينص على الكنفدرالية.
ــ معارضة الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال، لذلك جاء إعلان القاهرة الذي فرضه الرئيس السابق حسني مبارك، ووقعه عرفات في 7 تشرين الثاني 1985 يتضمن شجب منظمة التحرير الفلسطينية وإدانتها لجميع العمليات الإرهابية، ووقف عمليات المقاومة داخل الكيان الصهيوني.
ــ وأن يعلن عرفات استعداده لإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني استجابة لطلب الإدارة الأمريكية، وتخليه عن الكفاح المسلح وإدانته.
ــ الدخول بمفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني.
ــ التفاوض مع العدو على أساس مبادرة ريغان واتفاق عمان وإعلان القاهرة.
نجحت الولايات المتحدة في ترويض وترتيب ياسر عرفات رئيس فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وموافقته على بعض الأسس المفصلية التي يطالب بها العدو الصهيوني للتوصل إلى تسوية برعايتها لتحقيق الأهداف السياسية لحرب حزيران العدوانية.
وأدى الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وتوقيع ياسر عرفات مع فيليب جيب مبعوث الرئيس ريغان اتفاقيات خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت وتحويل منظمة التحرير من منظمة مقاتلة إلى منظمة سياسية وضعت جميع أوراق الحل في السلة الأمريكية.
وتسبب خروج المنظمة ومقاتليها من بيروت وتوزيعهم في تونس والجزائر والسودان واليمن إلى إضعاف مكانة منظمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات.
استغلت الولايات المتحدة و«إسرائيل» مكانة عرفات وأجريتا معه الاتصالات السرية، ووافق على الشروط التي وضعها اليهودي كيسنجر لبدء الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير في دورة المجلس الوطني بالجزائر عام 1988، وبدأت بعدها المفاوضات السرية مع أحمد قريع ومهندس اتفاق أوسلو محمود عباس وياسر عرفات في أوسلو.
المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 وتلبية الشروط الأمريكية :
انعقدت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 12/11/1988 في الجزائر، وقرأ عرفات في ختامها بتاريخ 15/11/1988 إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين، وصدر عن المجلس ثلاث وثائق أساسية:
1 ــ إعلان دولة فلسطين.
2 ــ إعلان تشكيل الحكومة المؤقتة.
3 ــ البيان السياسي الذي حدد الخطوات السياسية لمنظمة التحرير في المرحلة القادمة.
تضمنت مقدمة البيان السياسي التوجه السلمي لمنظمة التحرير لحل قضية فلسطين، وضرورة انعقاد المؤتمر الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة وعلى قاعدة قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
ربط البيان السياسي العلاقة المستقبلية بين دولتي الأردن وفلسطين بالكونفدرالية، وتضمن البيان رفضاً للإرهاب بكل أنواعه والالتزام بإعلان القاهرة عام 1985 الذي فرضه الرئيس المصري السابق حسني مبارك على ياسر عرفات.
عقد عرفات دورة المجلس الوطني في الجزائر لتحقيق المطالب الأمريكية لبدء الحوار الأمريكي الفلسطيني كمقدمة لبدء الحوار الفلسطيني ــ الإسرائيلي فيما بعد، لذلك أعلن عرفات في مؤتمره الصحفي في ختام أعمال دورة المجلس «أن دورة الجزائر هي دورة من أجل السلام، إذا كانت الولايات المتحدة و«إسرائيل» ترغبان في السلام».
وأكدت مجلة وول ستريت جورنال هذا الهدف قائلة: «إن الخطوات التي اتخذت في الجزائر كانت موجهة لواشنطن».
وكتبت مجلة دير شبيغل الألمانية قائلة: «إن قبول منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود وبالقرارين 242 و338 ونبذ الإرهاب تكون قد وافقت بالشروط الأمريكية الثلاثة التي فرضها كيسنجر».
اعتبرت الولايات المتحدة أن قرارات الجزائر خطوة جيدة ولكنها لا تفي بحاجات عملية التسوية، وهي خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، خطوة إلى الأمام بسبب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل وبالقرارين 242 و338 والتنديد بالعنف والإرهاب، وخطوة إلى الوراء بسبب إعلان الدولة المستقلة والتمسك بحق تقرير المصير.
قدمت دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر تنازلات جوهرية مست صميم قضية فلسطين والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة لتصرف الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين العربية، ووضعت استراتيجية جديدة لمنظمة التحرير استجابت فيها للعديد من الشروط الأمريكية والإسرائيلية.
وعلى الرغم من ذلك تابعت إدارة ريغان ضغطها وابتزازها على ياسر عرفات واعتبرت أن قرارات المجلس غير واضحة وغير كافية لبدء حوار أمريكي ــ فلسطيني، لأن منظمة التحرير لم تعترف صراحة وجهاراً بإسرائيل وأن القرارات غير كافية وتحمل غموضاً والتباساً ولا تتضمن اعترافاً واضحاً وصريحاً بإسرائيل.
واعتقد عرفات بعد قرارات الجزائر أن الولايات المتحدة ستفتح له أبوابها على مصراعيها، ولكنها رفضت في 26/11/1988 منحه تأشيرة دخول للأمم المتحدة لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة في نيويورك، لأنها اعتبرت القرارات غير مستوفية للشروط الأمريكية، فقررت الجمعية العامة نقل مناقشات قضية فلسطين إلى جنيف ليتمكن عرفات من إلقاء خطابه المتضمن الموافقة على الشروط الأمريكية.
وألقى خطابه في 13/12/1988 وطرح فيه مبادرة السلام الفلسطينية وجاء فيه: «إنني كرئيس لمنظمة التحرير أعلن من هنا مرة أخرى أنني أدين الإرهاب بكل أشكاله، ولاقى خطابه القبول والاستحسان من جميع الدول الغربية ما عدا الولايات المتحدة، حيث علق جورج شولتس وزير الخارجية الأمريكي قائلاً:
«لم يكن (الخطاب) كافياً ولا يلبي الشروط الأمريكية، وقال الرئيس ريغان: «نحن نريد كلمات أكثر وضوحاً وأكثر تحديداً».
وفي اليوم التالي لإلقاء الخطاب أي في 14/12/1988 عقد عرفات مؤتمراً صحفياً قرأ فيه بيان جنيف بالإنكليزية كما كتبه شولتس والذي تضمن الاستجابة الحرفية للصيغة التي طلبتها إدارة ريغان، وكرر عرفات فيه إدانته ورفضه للكفاح المسلح والتخلي عنه، وأن الرغبة في السلام استراتيجية وليس تكتيكاً.
ولن يتراجع عنها إطلاقاً، وأن القرار 181 أساس الاستقلال، وأن القبول بالقرارين 242 و338 كأساس للمفاوضات مع إسرائيل.
وعلى الفور أصدر الرئيس ريغان في اليوم نفسه قراراً نص على فتح الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير ووجه شولتس في اليوم نفسه أيضاً رسالة إلى بيرس وشامير يقول فيها أن منظمة التحرير قبلت بالقرارين 242 و338 واعترفت بصورة واضحة بحق «إسرائيل» في الوجود ونبذ الإرهاب، لذلك نعتزم بدء الحوار معها.
وأكد الرئيس ريغان أن الهدف من الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير هو مساعدة إسرائيل على تحقيق الاعتراف بها والأمن لها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة.
المفاوضات السرية وولادة اتفاق الإذعان في أوسلو :
وصل عرفات في بداية العقد الأخير من القرن العشرين إلى حافة السقوط والانهيار بسبب فرديته واستبداده وغياب القيادة الجماعية في منظمة التحرير ومؤسساتها بسبب هيمنة فتح وحدها عليها، وبسبب انتشار الفساد والإفساد الفاضح في منظمة التحرير واستغلال الكفاح المسلح والمقاومة من أجل التحريك وليس التحرير وللانخراط في التسوية الأمريكية والمشروع الأمريكي ــ الصهيوني لتصفية قضية فلسطين وحل مشاكل «إسرائيل» وأزماتها.
وجاء تأييد عرفات لاحتلال الكويت ليدمر مكانة الإنسان الفلسطيني في الكويت وبقية دول الخليج، وفقدان منظمة التحرير لدولارات دول النفط العربية.
تأكد العدو الصهيوني من قصف مكانة عرفات وخشي من انهيار زعامته، فأسرع وفتح معه قناة أوسلو السرية على الرغم من وجود الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن برئاسة حيدر عبد الشافي والذي انبثق عن مؤتمر مدريد عام 1991.
وكان عرفات مستعداً للتنازل عن بعض ثوابت النضال الفلسطيني، بل وأعلن في آخر اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح في بيروت قبل الخروج منها قبوله بالحكم الذاتي الفلسطيني الذي طرحه بيغن في عام 1977.
وعندما قال له الشهيد أبو جهاد خليل الوزير إن الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير لا يوافقان على ذلك أخذ يكيل الشتائم البذيئة لشعبه وقال له قلمي ده هو منظمة التحرير، وبالتالي وافق عرفات على الشروط الأمريكية لبدء الحوار وعلى الحكم الذاتي الفلسطيني وتنازل عن أهم الحقوق الوطنية الثابتة وهي حقوق غير قابلة للتصرف، تنازل عنها للشعب العربي الفلسطيني مقابل الاعتراف بزعامته وبسلطته ولو في دويلة منقوصة السيادة والأرض والكيان والحدود وعلى الورق.
حضر أحمد قريع في بداية كانون الثاني 1993 اجتماع لجنة المفاوضات المتعددة الأطراف في لندن، وجرى خلال انعقاد الاجتماع ترتيب لقاء بينه وبين يائير هيرشفيلد عضو الوفد الإسرائيلي، واقترح هيرشفيلد على قريع متابعة المباحثات في النرويج، طرح قريع الأمر على محمود عباس فوافق وعرض عليه أن يصطحب معه حسن عصفور من مكتبه لتسجيل محضر الاجتماع.
وصل تيدي إلى تونس مقر ياسر عرفات وعلى الفور في منتصف كانون الثاني 1993 عميل الموساد النرويجي تيدي رود لارسن ومعه زوجته الشقراء مونا مديرة مكتب وزير خارجية النرويج، ونظم قريع لهما موعداً مع ياسر عرفات، وطلب عرفات في اللقاء من لارسن إيجاد قناة خلفية للمفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية المتعثرة في واشنطن وقيام النرويج بدور الوساطة بين منظمة التحرير و«إسرائيل».
كانت مفاوضات واشنطن بين الوفدين الرسميين الفلسطيني والإسرائيلي قد وصلت إلى الطريق المسدود بسبب إيمان الوفد الإسرائيلي بالاستعمار الاستيطاني وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني الواردة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
سافر قريع وحسن عصفور وماهر الكرد إلى أوسلو بتاريخ 20/1/1993، ووصل إليها أيضاً ريائير هيرشفيلد ورون بونديك من تل أبيب، ودارت حتى 8/5/1993 خمس جولات من المفاوضات، وانضم أوري سافير المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الجولة السادسة في 21/5/1993.
والتحق المحامي الشهير يوئيل سنجر إلى الجولة السابعة في 13/6/1993 لمهارته في صياغة الاتفاقات.
وتوصل الجانبان إلى اتفاق أوسلو في الجولة الثانية عشرة بتاريخ 17/8/1993 حيث وصل شمعون بيرس إلى أوسلو وقاد الجولة الختامية للمفاوضات.
وكان عرفات وعباس وياسر عبد ربه ومحسن إبراهيم يتابعون المفاوضات في تونس والجنرال رابين في تل أبيب، وبيرس والفريق الإسرائيلي المفاوض والفريق النرويجي في أوسلو مع قريع وحسن عصفور، وتوصلوا إلى الاتفاق الذي وقعه عرفات بالأحرف الأولى في 9/9/1993.
توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو:
وقع عرفات اتفاق أوسلو في 9 أيلول 1993 برسالة وجهها إلى الجنرال رابين وجاء فيها: «أود أن أؤكد التعهدات التالية لمنظمة التحرير الفلسطينية: إن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، وتوافق على القرار 242 و338 لمجلس الأمن، وتلتزم بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وبالمشاركة في إيجاد حل سلمي ينهي النزاع بين الطرفين وتعلن أن جميع المسائل المعلقة التي ترتبط بالوضع الدائم سيتم تسويتها عن طريق التفاوض، وتعتقد م. ت. ف أن توقيع إعلان المبادئ يعد حدثاً تاريخياً ينبئ ببدء عهد جديد من التعايش السلمي والاستقرار ومن ثم فإن م. ت. ف تتخلى عن الإرهاب وعن أي عمل من أعمال العنف وستتحمل المسؤولية بالنسبة لكل عناصر وموظفي م. ت. ف وتتعهد بتدارك أي انتهاك لهذه التعهدات وباتخاذ إجراءات تأديبية ضد أي مخالف لها».
وتؤكد أن مواد ونقاط الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود وأيضاً نقاط الميثاق التي تتعارض مع التعهدات الواردة في هذه الرسالة عديمة الأثر وغير سارية المفعول.
ورد الجنرال رابين برسالة تتكون من جملة واحدة وهي:
«رداً على رسالتكم المؤرخة في 9 أيلول 1993 أود أن أعلن لكم أنه على ضوء تعهدات م. ت. ف الواردة في هذه الرسالة فقد قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات مع م. ت. ف في إطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط».
ووقع محمود عباس إعلان المبادئ في 13 أيلول 1993 في البيت الأبيض بحضور الرئيس بيل كلنتون.
لم يعترف اتفاق أوسلو بالشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وجرى فيه تغييب القضايا الأساسية للصراع، وحدد سقفاً زمنياً مدته خمس سنوات، وانتهت المدة من دون نتيجة لقلع الاحتلال واستعادة الأرض والحقوق المغتصبة وأثبت حصاد أوسلو المرّ والمرير أن هذا الاتفاق فشل في تحقيق أية حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، فلا انسحاب للقوات المحتلة، ولا سيادة وطنية، ولا حق تقرير مصير ولا أية حقوق دولية أو إنسانية، واستمر العدو في الاستيطان والتهويد والقتل والتدمير والترحيل والتمرد على القرارات والمرجعيات الدولية.
ووجه عرفات رسالة إلى وزير خارجية النرويج في 9/9/1993 أكد فيها أن منظمة التحرير تشجع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وتدعوه إلى المشاركة في التدابير التي تؤدي إلى التطبيع ورفض العنف والإرهاب والإسهام في تحقيق السلام والاستقرار.
أخذ الكيان الصهيوني من ياسر عرفات كل ما أراده من اعتراف به والتزامات من منظمة التحرير ودون أن تعلم المنظمة أو الشعب بها.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من الويلات والمآسي والمصائب التي جلبها له اتفاق أوسلو الذي أنهى الانتفاضة الأولى، وأدى إلى إضعاف الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وتآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي.
كان الكيان الصهيوني يهدف من جراء توقيع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات بعد أن ابتزته إدارة رونالد ريغان تحقيق عدة أهداف منها:
أولاً: نسف المقاومة والميثاق الوطني وبرنامج فصائل منظمة التحرير.
ثانياً: تحويل حركة فتح من حركة تحرر وطني إلى سلطة تخضع لدولة الاحتلال.
ثالثاً: الاعتراف باغتصاب الكيان 78% من فلسطين العربية وبدون اعترافه بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
رابعاً: إنهاء عرفات للانتفاضة بعد أن عجزت «إسرائيل» ووقف المقاومة وتكريس الاحتلال والاستيطان وتهويد المقدسات.
اندلعت الانتفاضة الأولى بعفوية شعبية، وفشل العدو الصهيوني في القضاء عليها، واهتزت قيادة عرفات بسبب استبدادها وفسادها وفرديتها وتفريطها بالثوابت الفلسطينية واستعدادها للاعتراف بالكيان الصهيوني.
فأسرع العدو الصهيوني وفتح قناة أوسلو السرية من وراء ظهر الشعب الفلسطيني.
وأنقذ اتفاق الإذعان قيادة عرفات من السقوط والانهيار بسبب الدعم الأمريكي والأوروبي ومحور الاعتدال العربي لها، وأدان المقاومة وتخلى عنها ونعتها بالإرهاب وتعهد بمعاقبة رجالها من خلال التعاون الأمني مع الاحتلال.
وأقام سلطة الحكم الذاتي والتي أسماها بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في تاريخ البشرية، وجلبت له سنوياً أرباحاً هائلة من خلال التعاون التجاري معه ومن خلاله، ومن خلال اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقعه أحمد قريع.
ووصف بيرس اتفاق أوسلو بأنه ثاني أكبر انتصار في تاريخ الحركة الصهيونية، واعترف بيرس في مقابلة مع جريدة دافار بأنه هو الذي وضع اتفاق أوسلو وأعطاه للرئيس المصري السابق حسني مبارك، والذي قام بتسويقه إلى عرفات بذريعة أنه اقتراح مصري وعليه القبول به ويقول بيرس في المقابلة المذكورة حرفياً بأن الفلسطينيين قدموا إليّ اقتراحي على أنه اقتراح فلسطيني فوافقت على اقتراحي الذي صغته.
مراحل المفاوضات وصناعة السلطة الفلسطينية :
مرت المفاوضات السرية بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في عدة مراحل منها:
المرحلة الأولى: توقيع الجنرال رابين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق الإذعان في أوسلو بتاريخ 9/9/1993 وتوقيع محمود عباس ورابين إعلان المبادئ في البيت الأبيض بتاريخ 13/9/1993 وكان رابين على استعداد لتقاسم الضفة الغربية المحتلة مع منظمة التحرير كشريك في التسوية التي تصفي قضية فلسطين لصالح المشروع الصهيوني وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
المرحلة الثانية: بعد اغتيال رابين والتردد الإسرائيلي في تحقيق ما كان على استعداد لتحقيقه بالتخلي عن المدن وبعض المناطق الأخرى من الضفة لمنظمة التحرير وأخذ مناطق معينة منها وضمها للكيان الصهيوني.
المرحلة الثالثة: مجيء شارون وطرحه الحل الأحادي بالتخلص من المناطق ذات الكثافة السكانية، كالانسحاب من غزة، وطرح مشروعه للتسوية عام 2001 لإقامة دويلة فلسطينية على 40 ــ 45% من مساحة الضفة الغربية، وتقاسم الوظائف بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وظهرت رؤية الدولتين في فلسطين التاريخية من مشروع شارون للتسوية التي أخذها بوش من المشروع المذكور.
المرحلة الرابعة: المفاوضات التي جرت بين أولمرت وليفني من جهة ومحمود عباس وأحمد قريع من جهة أخرى وتم فيها الاتفاق على تبادل الأراضي والتشطيب على حق العودة وإبقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمة للكيان الصهيوني والتعاون الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
المرحلة الخامسة: وهي المفاوضات التي جرت وتجري بين نتنياهو ومحمود عباس للتوصل إلى الحل النهائي وإنهاء الصراع بالشروط والإملاءات الإسرائيلية وبالرعاية الأمريكية المنحازة للعدو الصهيوني وبتغطية من لجنة المتابعة العربية ومن أسمتهم كونداليسا رايس وليفني وأولمرت بالمعتدلين العرب لحل مشكلة إسرائيل وأزماتها وتخليد وجودها في المنطقة.
فشلت الولايات المتحدة والرباعية الدولية والمجتمع الدولي في إلزام نتنياهو بوقف سرطان الاستعمار الاستيطاني الخبيث، وجدار الفصل العنصري، ووقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعقوبات الجماعية والحصار الجائر على قطاع غزة وتهويد المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية.
عملت السلطة التي ترأسها عباس بصلاحيات المجالس البلدية وتوطيد التعاون الأمني مع أجهزة الاحتلال لوأد الانتفاضة الثانية واجتثاث المقاومة المسلحة، وإضعاف الحركة الوطنية وإنهاء الصراع عن طريق تقديم التنازلات المستمرة.
وبالتالي وقعت منظمات المقاومة تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الأسوأ في التاريخ البشري، وتحت نير الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالح الاحتلال وأمن المستعمرات والمستعمرين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووقعت المقاومة تحت بطش أجهزة السلطة نهاراً وقوات الاحتلال ليلاً، وارتمت السلطة في عهد محمود عباس وسلام فياض ومحمود دحلان وجبريل في أحضان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
مخاطر السلطة ورؤية الدولتين :
نتجت السلطة عن توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو وملحقاته، وقامت بإدارة الضفة والقطاع بصلاحيات المجالس البلدية، وتوطيد التعاون الأمني مع أجهزة الاحتلال الأمنية، وأجهضت الانتفاضة الأولى والثانية، وأضعفت الحركة الوطنية في الضفة الغربية ومقاومة الاحتلال تطبيقاً لاتفاق أوسلو والمرحلة الأولى من خارطة الطريق، وفشلت في تعزيز العمل الوطني وحماية الوطن وحياة المواطن وممتلكاته ومقدساته.
وكان هدف الكيان الصهيوني من إقامتها هو تحميلها الأعباء الملقاة على عاتق دويلة الاحتلال بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وتوفير الأمن له داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل الكيان الصهيوني نفسه، وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية حتى القضاء عليها.
إن التخلي عن خيار المقاومة وإدانتها ومعاقبة رجالها وتبعية السلطة للولايات المتحدة أدى إلى خضوعها المستمر في المفاوضات العبثية إلى الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وتبنيها وتبريرها والدفاع عنها وتقديم التنازل تلو التنازل عن الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني.
وأصبحت السلطة في رام الله العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني وخيار المقاومة وتحرير القدس وفلسطين التاريخية وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
جرى تشكيل السلطة وصناعتها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاستيطانية لحرب حزيران العدوانية التي شنها العدو عام 1967، ونجحت الإدارة الأمريكية بتوفير غطاء عربي عن طريق من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب، لدعم تنازلات رئيس السلطة الفلسطينية عن الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، وساعد الموقف العربي الرسمي المتخاذل بقيادة الرئيس السابق حسني مبارك وبلجنة الجامعة العربية على تقديم السلطة للمزيد من التنازلات عن عروبة فلسطين.
وظهر بجلاء أن مسار المفاوضات التي أجرتها السلطة خلال عشرين عاماً من التفاوض قد ألحق أضراراً جسيمة بالأرض والمقدسات والحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب والأمة، وأصبحت السلطة العائق الأساسي أمام مقاومة الاحتلال والمشروع الوطني، وأصبح وجودها ووجود أجهزتها الأمنية مصلحة إسرائيلية لخدمة الاحتلال ومصالحه واستيطانه وتهويد القدس بشطريها المحتلين، وبالتالي عجزت عن وقف الاستيطان والتهويد وفي بناء مؤسسات فعالة لخدمة المواطنين وتوفير الأمن والحماية لهم، وغرقت هي ورموزها في عملية الفساد والإفساد وقمع المقاومة المسلحة وإضعاف الحركة الوطنية.
ووافقت على رؤية الدولتين التي طرحها بوش في خارطة الطريق وأخذها من مشروع شارون للتسوية، حيث يؤكد قادة العدو أن الهدف من إقامة دولة فلسطينية من خلال رؤية الدولتين هو الشطب الأوتوماتيكي لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وترحيل فلسطينيي الداخل من أم الفحم وغيرها إلى دولتهم الفلسطينية والاعتراف بيهودية الدولة.
ويسعى العدو الصهيوني من خلال الراعي الأمريكي المنحاز كليةً للتسوية. مع حليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني بهدف تخليد وجوده في قلب الوطن العربي من خلال إقامة دولة فلسطينية لمصلحة «إسرائيل» وبشروطها، دولة معازل عنصرية منقوصة الأرض والسكان والسيادة والحقوق ومحمية إسرائيلية لخدمة مصالح العدو في الوطن العربي.
وتعتقد أوساط إسرائيلية أن تحقيق فكرة الدولتين عن طريق المفاوضات العبثية يساعد الإدارة الأمريكية على إقامة تحالف معاد لحركات المقاومة ودول الممانعة وضد إيران والحدّ من التطرف الإسلامي في باكستان وأفغانستان.
ويعتقد الرئيس أوباما أن تحقيق رؤية الدولتين بإقامة دولة فلسطينية عن طريق المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» يخدم الأمن القومي الأمريكي وينقذ إسرائيل من نفسها.
أوغلت سلطة أوسلو في التفريط والتنازل والتبعية، مما جعلها أداة طيعة لتنفيذ ما تطلبه الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال حفاظاً على مصالحها ومصادر تمويلها وعلى حساب المصالح والحقوق الوطنية والقومية للعرب في فلسطين العربية.
[TABLE="width: 181, align: left"]
[TR]
[TD="align: left"]المفاوضات الراهنة ورئيس السلطة الفلسطينية :
استجابت لجنة المتابعة العربية لرغبة محمود عباس وأوباما ووفرت الغطاء العربي لدخول محمود عباس في المفاوضات غير المباشرة والمفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني.
إن سير عملية المفاوضات بالشكل الراهن بدون خيارات وبدائل أخرى يصب في مصلحة العدو الإسرائيلي لذلك من الضروري بلورة خيارات وبدائل أخرى كإعادة الاعتبار للميثاق الوطني وخيار المقاومة وإنهاء الانقسام وتشكيل الهيئات القيادية في منظمة التحرير على أسس ديمقراطية واعتماد مرجعية تطبيق مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتوقف لجنة الجامعة العربية عن تغطية دخول المفاوضات بالشروط الإسرائيلية.
ويساعد الموقف العربي المتخاذل المفاوض الفلسطيني الذي نصبته إسرائيل على تقديم المزيد من التنازلات.
لقد وضعت السلطة نفسها رهينة بيد الولايات المتحدة، فإذا رفض محمود عباس الدخول بالمفاوضات ستفرض عليه عقوبات أمريكية وإسرائيلية وأوروبية، وإذا دخل المفاوضات بالشروط الإسرائيلية (وفقاً للشروط الإسرائيلية) يقضي على نفسه بالانتحار السياسي.
لا يجوز على الإطلاق أن يدخل المفاوض الفلسطيني المفاوضات بدون مرجعية وبدون ضمانات.
إن قرار العودة للمفاوضات تفريط بالحقوق والثوابت، وإن بيان الرباعية مجرد عملية تضليل وخداع للرأي العام الفلسطيني، وتستغل إدارة أوباما العودة إلى المفاوضات لحساب مشاريع إقليمية أمريكية، وصهيونية وبعيدة كل البعد عن المصالح الفلسطينية والعربية.
فدخوله المفاوضات بدون شروط مسبقة وبدون التزام بالقرارات الدولية والقانون الدولي يعني القبول بالشروط الإسرائيلية وغطاء لاستمرار الاستيطان في مدينة القدس المحتلة.
ويعمل محمود عباس المنتهية ولايته من خلال المفاوضات المباشرة على تصفية قضية فلسطين، وإن ما قام به رئيس السلطة غير الشرعية التي خلقها الاحتلال واتفاق الإذعان في أوسلو من مواقف وممارسات يمثل خطراً حقيقياً على حقوق شعبنا الوطنية غير القابلة للتصرف وتشكل جرائم وطنية وقومية ودينية، ويعمل على أن يكون السادات الفلسطيني، لا سيما وأن الذي جلبه إلى سدة الحكم بوش وشارون، وخرج عباس عن الإجماع الوطني، ولم يعد يمثل سوى نفسه، ولكنه ينجح بتدمير مؤسسات الحركة الوطنية واستبدلها بسلطة عميلة للاحتلال تعمل بالتعاون معه لقمع نضال شعبنا الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال.
إن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية تؤكد على شرعية المقاومة الفلسطينية، وإن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم تضمنه الحقوق الطبيعية والقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي أكدت عليه الأمم المتحدة في قراراتها 135 مرة، والاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام 1966.
إن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم هو جوهر قضية فلسطين، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، وهو حق فردي وجماعي وملك للاجئ نفسه وليس لمحمود عباس أو حركة فتح أو منظمة التحرير أو حتى مؤتمرات القمة العربية.
وخاض محمود عباس المفاوضات بعد أن تنازل عن 78% من فلسطين في اتفاق الإذعان في أوسلو، ووافق على بقاء كتل المستعمرات الكبيرة في الضفة الغربية وضمها الكيان الصهيوني بذريعة تبادل الأراضي، أي القضاء على حق العودة وحدود عام 1967 وتهويد القدس وترحيل أبناء شعبنا عام 1948.
إدارة أوباما والمفاوضات :
تعتقد إدارة أوباما أن التوصل إلى تسوية للصراع العربي الصهيوني يخدم المصالح الأمريكية والأمن القومي للولايات المتحدة وتحسين العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، وتؤكد على خارطة الطريق التي وضعها الرئيس بوش، وتركز على تحريك العملية السياسية وإعادة محمود عباس والسلطة التي تترأسها فتح في الضفة الغربية إلى طاولة المفاوضات مع الكيان الصهيوني.
واتخذت إدارة أوباما نفس الموقف الذي اتخذته إدارة بوش من حكومة هنية وحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
وعارضت إقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفي الوقت نفسه تابعت سلطة رام الله في تطبيق ما جاء في المرحلة الأولى من خارطة الطريق بإشراف الولايات المتحدة وطلبت من«إسرائيل» تنفيذ الاستحقاقات الواردة في المرحلة الأولى من خارطة الطريق وهي التجميد الكلي والفوري للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة، كوسيلة لتوثيق التعاون الأمني بين أجهزة السلطة والكيان الصهيوني.
ونجحت إدارة أوباما في بلورة غطاء عربي لدعم تنازلات محمود عباس وعملية المفاوضات.
طالبت الدول العربية تطبيع العلاقات مع «إسرائيل» على الرغم من استمرارها في سياستها الاستيطانية والإرهابية والعنصرية.
وعلى الرغم من أن رؤية الدولتين أخذها بوش من مشروع شارون للتسوية لم يوافق عليها نتنياهو إلاّ في حزيران 2009، ووضع على الدويلة العتيدة قيوداً أمنية مشددة كتجريدها من السلاح والإشراف على حدودها الغربية والشرقية وعلى معابرها وأجوائها والاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة كشرط للاتفاق وليس لاستئناف الحوار، ورفض نتنياهو مطلب محمود عباس لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، أي رفض الاعتراف بما اقترحه أولمرت وما تم الاتفاق عليه بين أولمرت ومحمود عباس، كما أصر على بحث مصير المستوطنات في نهاية المفاوضات، وتطبيقاً لهذا الموقف توقف نتنياهو عن تفكيك المستوطنات التي وافقت حكومة أولمرت وحكومات سابقة، وأعلنت حكومة نتنياهو سيطرتها على غور الأردن كحدود أمنية شرقية للكيان الصهيوني حتى بعد قيام الدويلة الفلسطينية.
طلب أوباما من نتنياهو عندما اجتمع معه بتاريخ 18 أيار 2009 في واشنطن التجميد الكلي لجميع عمليات البناء في المستوطنات وفي القدس الشرقية، ورفض نتنياهو قبول الطلب الأمريكي وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2009 أعلن نتنياهو تجميد عمليات البناء الجديدة في الضفة الغربية لمدة عشرة أشهر، على أن لا يشمل التجميد عمليات البناء التي تم البدء بها والمباني العامة وفي القدس وكانت المرة الأولى التي أعلن فيها مناحيم بيغن تجميد جميع عمليات البناء في المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة لمدة ثلاثة أشهر خلال توقيع اتفاقيتي كمب ديفيد مع السادات في أيلول 1978، وتفكيك مستعمرة ياميت في سيناء.
ويعتقد بعض المحللين السياسيين أن مناورات التمويه والتضليل والكذب الذي لجأت إليها الحكومات الإسرائيلية لتفكيك 26 مستوطنة وافقت على تفكيكها كانت وراء الإصرار الأمريكي على تجميد الاستيطان.
وكان إعلان نتنياهو قد تم الاتفاق عليه مع الإدارة الأمريكية في بداية شهر تشرين الثاني 2009.
وصادقت عليه لجنة الخارجية والأمن المكونة من 15 عضواً بنتيجة (12) مقابل صوت واحد ضد الاقتراح وغياب عضوين من حزب شاس.
وصل نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في 8 آذار 2010 إلى الكيان الصهيوني لزيارة رسمية وأدلى بسلسلة من التصريحات المؤيدة للكيان الصهيوني وتقوية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وعلى العكس من ذلك استقبلته إسرائيل بالمصادقة على إقامة (1600) وحدة سكنية جديدة في حي رمات شلومو في القدس الشرقية المحتلة، مما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين لفترة قصيرة، بسبب إعلان المصادقة على بناء الوحدات الجديدة إبان زيارة نائب الرئيس الأمريكي.
وانتهت مدة التجميد في 26 أيلول 2010، ما أدى إلى وقف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا سيما وأن نتنياهو رفض التعهد رسمياً بتجميد البناء في القدس الشرقية.
وحدث خلال الفترة التطابق بين الموقف الأمريكي وموقف محمود عباس في موضوع تجميد الاستيطان، ولكن الشعب الفلسطيني يؤمن بأن جميع المستوطنات في الضفة الغربية بما فيها القدس غير شرعية ويصر على تفكيكها.
وشدد المفاوض الفلسطيني على طلب تجميد الاستيطان كاستحقاق على «إسرائيل» بموجب المرحلة الأولى من خارطة الطريق، وطالب بتعهد إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 مع تبادل الأراضي لضم كتل المستعمرات الكبيرة للكيان الصهيوني، ورفضت حكومة نتنياهو هذا المطلب لأسباب أيديولوجية واستعمارية وسياسية وائتلافية.
وركزت حكومة نتنياهو على مفهوم السلام الاقتصادي والسلام مقابل السلام وأن الضفة الغربية أرض محررة وليست محتلة لتبرير استمرار الاستعمار الاستيطاني فيها.
وضعت إدارة أوباما عملية التسوية (بالمفاوضات) على قائمة أولوياتها بهدف تحقيق رؤية الدولتين وخدمة الأمن القومي الأمريكي.
وعين أوباما جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له إلى المنطقة، فأعلن مشروعاً يتضمن النقاط التالية:
1 ــ الوقف التام للاستيطان.
2 ــ إطلاق المفاوضات الثنائية برعاية الإدارة الأمريكية.
3 ــ البدء بخطوات تطبيعية عربية بين الدول العربية و«إسرائيل» تراجعت إدارة أوباما عن مشروعها هذا قبل نهاية العام 2009 ووافقت على مشروع نتنياهو الذي تضمن:
1 ــ تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان في الضفة الغربية واستثناء القدس المحتلة من عملية التجميد.
2 ــ إطلاق المفاوضات من دون أية شروط أو مرجعية وعدم الالتزام بما وصلت إليه المفاوضات مع حكومة أولمرت.
وهكذا تراجع الرئيس أوباما عن شرطه بتجميد الاستيطان، وبالتالي فقد صدقيته في عملية المفاوضات.
ويعتقد أن تراجع أوباما يعود إلى عدم قدرته ممارسة أي شكل من أشكال الضغوط على نتنياهو بسبب انحياز الكونغرس الأمريكي لنتنياهو وكثمن للصفقة التي عقدها أوباما مع اللوبي اليهودي لتمرير مشروع التأمين الصحي في الكونغرس.
وهكذا دخلت عملية المفاوضات ضمن الشروط التي حددها نتنياهو، ما يجعل الإدارة الأمريكية والرباعية الدولية ودول الاتحاد الأوروبية تخشى على أوضاع السلطة الفلسطينية والدول العربية المؤيدة لعملية المفاوضات.
إن الاستمرار في تحريك عملية التفاوض هو مصلحة إسرائيلية، لأن الكيان الصهيوني يحصد التنازلات الفلسطينية والعربية المستمرة مع استمرار الاستيطان وتهويد المقدسات، وهو في الوقت نفسه أفضل الخيارات للإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، لأن التوقف الكلي للمفاوضات ووصول المفاوضات إلى الطريق المسدود يقوي التوجه إلى خيار المقاومة.
وجه أوباما في 19/9/2010 رسالة إلى نتنياهو جاءت كمحصلة للقاءات التي عقدها وزير الحرب الصهيوني باراك ورئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي اسحق مولخو مع كبار المسؤولين في إدارة أوباما وتضمنت ما يلي:
أولاً: تتعهد إدارة أوباما مقابل استجابة «إسرائيل» لمطلب تجميد الاستيطان مرة واحدة فقط ولمدة (60) يوماً بتقديم ضمانات طويلة الأمد، وذلك بتوفير سلسلة من الوسائل الحربية الحديثة قبل التسوية النهائية.
ثانياً: تتعهد الإدارة الأمريكية بأن تحبط أية مبادرة عربية لإثارة مسألة الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
ثالثاً: تتعهد الإدارة الأمريكية بأن مستقبل المستوطنات لن يتقرر إلاّ في نطاق التسوية النهائية وعلق نتنياهو بعد مقابلته لميتشل في اليوم نفسه (29/9/2010) بالقول:
«أنا وحكومتي ملتزمان بمحاولة التوصل إلى اتفاق سلام يضمن أمن إسرائيل والمصالح الوطنية الحيوية الأخرى»، وبالتالي فالتسوية النهائية بالرعاية الأمريكية هي لمصلحة «إسرائيل» فقط وليس لإيجاد حل لقضية فلسطين.
وتضمنت التعهدات الأمريكية أنه مقابل تجميد الاستيطان لشهرين بالموافقة على بقاء التواجد العسكري الإسرائيلي في غور الأردن حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية، وذلك استجابة للمطلب الإسرائيلي الذي يضمن مصالح «إسرائيل» الأمنية، وبالتالي أغرى الرئيس أوباما نتنياهو بغور الأردن، الذي يلعب لعبة الابتزاز مع أوباما بذريعة وجوب استقرار ائتلافه الحكومي والحفاظ على أمن «إسرائيل» لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعهد أوباما بالضغط على الدول العربية للتوحد بشكل مشترك في مواجهة الخطر الإيراني (المزعوم) وبالتالي تغير الضمانات الأمريكية وجه المنطقة لمصلحة الكيان الصهيوني وضد حركات المقاومة وإيران وتمنح العدو الصهيوني ضمانات واسعة تحدد وجهة المنطقة العربية وتوفر له كل عوامل التفوق.
وينسف مضمون الضمانات مبدأ الأرض مقابل السلام الذي تكرَّس في مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
عرض نتنياهو بتاريخ 14/11/2010 أمام وزرائه اقتراحاً أمريكياً يتضمن تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة ثلاثة أشهر مقابل رزمة محفزات سياسية وأمنية، ومقابل التجميد الذي لن يشمل القدس المحتلة، ستتعهد الولايات المتحدة بألا تطلب مرة أخرى تمديد بتجميد البناء، كما أن الإدارة الأمريكية ستطلب من الكونغرس الموافقة على تسليح «إسرائيل» بــ 20 طائرة من طراز (إف 35)، وتقترح الولايات المتحدة استخدام حق النقض في مجلس الأمن، ووقف أي إجراءات في الأمم المتحدة بشأن تقرير غولدستون، وأن تلتزم برفض أي قرار ضد إسرائيل بشأن مجزرة أسطول الحرية.
الموقف الوطني الفلسطيني من المفاوضات :
انتقلت الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد حرب حزيران العدوانية من المطالبة بتحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1948 إلى التركيز على إزالة آثار الحرب العدوانية وتنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و338، أي اعتبار المناطق المحتلة عام 1967 وكأنها فلسطين وبالتالي التنازل عن الحقوق التاريخية وعن القدس وفلسطين وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
ووضع الكيان الصهيوني الاعتراف به وبما اغتصبه بما فيه القدس الغربية جانباً وانتقل إلى المساومة على ما احتله عام 1967، وتعرض واقع جديد كالواقع الذي فرضه في الأراضي العربية المحتلة عام 1948، وجزأ الصراع العربي الصهيوني إلى نزاعات ثنائية، وفرض تصوراته للمفاوضات الثنائية والمباشرة على النظام المصري والأردني وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
واستفرد بكل طرف عربي على حدة، وشق وحدة الصف والموقف العربي بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والعربية.
بدأ بمصر أولاً وفي كمب ديفيد وبالرعاية الأمريكية، ثم في لبنان مستغلاً نتائج الغزو لعام 1982 والدور الأمريكي، ووقع اتفاق الإذعان في 17 أيار، واتفاق الإذعان في أوسلو، ومعاهدة وادي عربة مع الأردن.
وأدت اتفاقات الإذعان هذه إلى شق وحدة الصف الفلسطيني وشق وحدة الصف العربي، وخرج نظام كمب ديفيد في القاهرة من الصف العربي وانتقل إلى السير في المشروع الأمريكي ــ الصهيوني، وأدت هذه الاتفاقات أيضاً إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني والتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 بما فيها القدس الغربية والدخول في لعبة المفاوضات حول الــ 22% من مساحة فلسطين التاريخية والمتنازع عليها بموجب اتفاق أوسلو.
أقام العدو الصهيوني حكماً ذاتياً محدوداً في قطاع غزة، والمدن الفلسطينية الآهلة بالسكان في الضفة الغربية والتي شكلت عبئاً سياسياً وعسكرياً ومالياً ومعنوياً عليه.
وتابع العدو التوسع وتوسيع المستعمرات اليهودية كانتشار السرطان الخبيث في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة.
ويصر في المفاوضات على تحقيق الأساطير والخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية بعد أن نصّب اللوبي اليهودي غلاة الصهاينة في أهم المراكز في الإدارات الأمريكية بدءاً من هنري كيسنجر ومروراً بالصهيوني العتيق مارتن أنديك وحتى دنيس روس وجون بولتون.
إن تعيين رؤساء الولايات المتحدة طواقم المفاوضات من يهود أمريكا مع الأطراف الفلسطينية والعربية من الذين يؤمنون كما يؤمن قادة الكيان الصهيوني بالتعاليم التوراتية والتلمودية لا يمكن أبداً أن يقود إلى تحقيق الحل العادل والسلام الشامل والدائم ويخدم الاستقرار والازدهار في المنطقة.
تبنى جيمس بيكر في مؤتمر مدريد عام 1991 صيغة المفاوضات التي طرحتها عليه «إسرائيل» وهي تأجيل قضية اللاجئين إلى مفاوضات الوضع النهائي.
ووافقت قيادة منظمة التحرير على صيغة مؤتمر مدريد، ومنعت «إسرائيل» المفاوض الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد ومروراً باتفاق الإذعان في أوسلو وحتى المفاوضات غير المباشرة والمباشرة من طرح قضايا الحل النهائي: الحدود، القدس، اللاجئين.
خلف جميع الاتفاقات ومراحل المفاوضات من مرجعية القانون الدولي والقرارات الدولية برعاية وضغوط الولايات المتحدة واستبعاد الأمم المتحدة والعهود والمواثيق والاتفاقات الدولية.
وأنهت دور منظمة التحرير كحركة تحرر وطني وبرز دور السلطة والتعاون الأمني واجتثاث المقاومة والتنازل عن القرارات الدولية والموافقة على الضغوط والمطالب والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.
وهيمنت السلطة المنبثقة عن اتفاق أوسلو على عملية المفاوضات واتخاذ القرارات السياسية والإدارية والتنظيمية والمالية، وانتشرت في السلطة مظاهر الفساد والإفساد والصهينة والمحسوبية.
فقد الشعب الفلسطيني منذ مفاوضات أوسلو والمفاوضات التي عقدت في طابا وشرم الشيخ في أيلول وتشرين أول 2010 ما تبقى من أرض وحقوق ومكاسب نضالية، ونجح العدو الصهيوني في الحصول على تنازلات استراتيجية من قيادة منظمة التحرير وبعض البلدان العربية في قضايا أساسية كالتطبيع والعلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية ونعت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب.
ثبت بجلاء فشل مسار المفاوضات وأن العدو لا يرغب ولا يستطيع تحقيق تسوية عادلة بسبب تنامي العنصرية والفاشية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني في المجتمع الإسرائيلي، واستمرار الاحتلال وتصاعد الاستيطان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وظهر أن مسار المفاوضات خلال العشرين سنة من التفاوض قد ألحق أضراراً جسيمة بالمواطن وبالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وأن انحياز لجنة الجامعة العربية لرئيس السلطة الفلسطينية وتغطيتها لاستمراره في مسار التفاوض لا يحدث تأثيراً لدى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وإنما أصرَّ في الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
واستمرت حكومة تسيير الأعمال غير القانونية حكومة سلام فياض ورئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي فقدت شرعيتها منذ عام 1984 في ممارسة أعمالهم، ما أدى إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، وضياع مكاسب النضال الفلسطيني وتآكل الحقوق وقرارات الشرعية الدولية.
الموقف الصهيوني من المفاوضات :
ساد في الكيان الصهيوني حول ما بعد الصهيونية اتجاهان:
الاتجاه الأول: يقول: إن الصهيونية قد حققت جميع أهدافها، ولم يبق لها ما تفعله وفق تصوّر هرتسل، لذلك يجب العمل للتقدم نحو التسوية، ورفع مستوى الحياة وتطور الرفاه الاجتماعي وإلزام العرب الاعتراف بيهودية الدولة.
الاتجاه الثاني: يعتقد أن الحروب مهدت الطريق أمام الصهيونية لإقامة إسرائيل الكبرى مع الهجرة الكبيرة، ولجمع أكبر عدد من يهود العالم وإرغام العرب على تحقيق الأمن والسلام.
وسيتحقق ذلك في عام 2025 عندما تنجح «إسرائيل» في جمع معظم يهود العالم فيها، لاستكمال المشروع الصهيوني في الهيمنة على المنطقة، وتحققت حتى الآن المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني والتي تمثلت بتحقيق أغلبية يهودية.
ويعتقد نتنياهو «أن قدرة الكيان الصهيوني على التوصل إلى سلام مع العرب قائمة في الدرجة الأولى بفضل قوة «إسرائيل» الرادعة، وحتى لو توصلنا إلى تسوية ثابتة مع الفلسطينيين، وهذا ما آمل به وأؤمن به فلن نحل الصراع العربي الإسرائيلي في مجمله».
ويتضمن برنامج الليكود للتسوية عن طريق المفاوضات المباشرة «إن حق الشعب اليهودي في «أرض إسرائيل» (أي فلسطين) حق أزلي غير قابل للطعن فيه، وهو مندمج في الحق بالسلام والأمن وإن الأمن هو الأساس الذي لا يمكن أن يسود من دونه سلام قابل للبقاء، وإن القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة «إسرائيل».
وينطلق العمل والليكود من المرتكزات الأساسية التي أرستها الصهيونية ويتفقان بالرؤى الاستراتيجية والثوابت السياسية، ويختلفان بالتفاصيل والتكتيكات والمناورات السياسية والخبرات الدبلوماسية، وهنا لا بد من الإشارة إلى الوثيقة التي وقعتها مجموعة من قياديين وأعضاء كنيست من العمل والليكود، والمعروفة باسم وثيقة بيلين ــ إتان حول الرؤية المشتركة لقضية فلسطين وجاء فيها:
ــ القدس الموحدة عاصمة «إسرائيل» الأبدية.
ــ لا عودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967.
ــ الإبقاء على المستوطنات حتى بعد التسوية النهائية.
ــ رفض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الذين شردوا منها عام 1948.
ــ الموافقة على كيان فلسطيني أقل من دولة.
وظهر بعد توقيع اتفاق أوسلو في نهاية 1993 كتاب شمعون بيرس: «الشرق الأوسط الجديد»، انطلق فيه من ممارسة الكيان الصهيوني الدور القائد والمسيطر بالمنطقة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضاء على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وعلى المقاطعة العربية، وأعلن فيه الحرب على حركات المقاومة وعلى العروبة والإسلام، ويهدم في كتابه بأساليب يهودية خبيثة فكرة العروبة والوحدة العربية والإسلام، ويستعدي جميع بلدان العالم على العرب والمسلمين.
وتناول في كتابه خطر الأصولية (الإسلام) والخطر النووي من وجود الأسلحة في أيدي مسلحين متعصبين وقال إنه يشكل خطورة على «إسرائيل» ويهدد السلام العالمي.
واعتقد جازماً أن قادة الكيان الصهيوني هم الذين أشعلوا الحرب العالمية على العروبة والإسلام.
ويعترف بيرس في الفصل الثالث ولأول مرة أن «إسرائيل» هي التي أشعلت حرب حزيران العدوانية عام 1967 وكانت تصرح دائماً وتعلن أن مصر هي التي بدأت بالحرب وتناول في الفصل الرابع مؤسسات الشرق الأوسط الجديد وقال إن الهدف النهائي خلق أُسرة إقليمية من الأمم، ذات سوق مشتركة وهيئات مركزية مختارة على غرار الجماعة الأوروبية، وأنه يريد علاقات جماعية مع البلدان العربية.
ويعترف في الفصل السابع بأنّ من جملة الأسباب لتوجهه إلى نظام الشرق الأوسط الجديد هو أن الولايات المتحدة (وألمانيا) لم تعد قادرة على الاستمرار في تقديم المساعدات المالية الضخمة لإسرائيل.
وتناول في الفصل الرابع عشر والأخير مشكلة اللاجئين، فهو يرفض حقهم في العودة إلى ديارهم للمحافظة على النقاء العنصري للكيان الصهيوني وتوطين اللاجئين في أماكن وجودهم.
ونبعت خطورة مشروع الشرق الأوسط الجديد آنذاك من غياب المشروع العربي والإقليمي البديل، والدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود للعدو الصهيوني، والحرب العالمية التي تشنها الدول الغربية على العروبة والإسلام، ووجود القواعد العسكرية الأمريكية في بلدان الخليج، وتوقيع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق الإذعان في أوسلو.
المفاوضات وموقف أوباما ومبارك وعباس:
احتل الهاجس الانتخابي وإرضاء اللوبيات اليهودية والكيان الصهيوني سلّم أولويات الرئيس الأمريكي أوباما في خطابيه بتاريخ 19 و22 أيار 2011، وبالتالي احتل الصراع العربي الصهيوني وتصفية قضية فلسطين وتبني مطالب كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي حيزاً كبيراً في خطابيه، حيث حاول الالتفاف على الثورات والتحولات في الساحة العربية وإفراغها من مضمونها، وتعزيز نفوذ قوى الثورة المضادة وشرائها بعشرات المليارات من الدولارات وخاصة بعض منظمات المجتمع المدني.
انحاز أوباما في خطابيه انحيازاً أعمى للأكاذيب والأطماع الاستعمارية والعنصرية للكيان الصهيوني، وعلى حساب الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني ومدينة القدس بشطريها المحتلين، وجاء الخطاب الثاني أمام اللوبي الإسرائيلي إيباك في 22/5/2011 مليئاً أكثر من الخطاب الأول في 19/5/2011 بالأكاذيب وإنكار حقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا وقرارات الشرعية الدولية، وأظهر تطرفاً أمريكياً حقيراً تجاه قضية فلسطين وحقوق الشعوب العربية والإسلامية فيها، وأكد أوباما في الخطابين تبنيه للاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعمه للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي، وتطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة وأسوة بالتعامل الدولي.
وظهر بجلاء دعمه لتمسك دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي باحتلالهم فلسطين العربية وتهويدهم للقدس وأكتافها مقدمة لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتشكل مواقف الرئيس أوباما في خطابيه المذكورين تدخلاً أمريكياً فظاً في الشؤون الداخلية الفلسطينية وفي الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني، مما يتطلب من القوى والفصائل الفلسطينية والدول العربية والإسلامية التمسك باستراتيجية المقاومة أكثر من أي وقت مضى.
وافق أوباما في خطابه الثاني أمام الإيباك على جميع الأكاذيب والأطماع الاستعمارية التي طرحها نتنياهو في خطابيه أمام الكنيست وأمام الايباك، لذلك يمكن الجزم بأن الخطب الأربعة أغلقت أبواب التسوية بالرعاية الأمريكية.
لقد تغير العالم وكل شيء فيه يتغير إلاّ «إسرائيل» كأنها تسير إلى الأسوأ والأخطر والأبشع فكراً وممارسة، فهي لا تتعامل مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني انطلاقاً من مبادئ الحق والعدالة والإنصاف ومن مبادئ القانون الدولي ومن القيم الإنسانية والحضارية، وإنما من الأكاذيب والأطماع والأساطير التوراتية والتلمودية والصهيونية، أي من المفاهيم والمنطلقات الاستعمارية والعنصرية المعادية للعرب والمسلمين، وتحولت هذه القيم الصهيونية المعادية للإنسانية إلى نوع من العقيدة الثابتة التي تؤمن بها اليهودية العالمية وتدعمها الولايات المتحدة وبقية الدول العربية.
إن خطب أوباما ونتنياهو الأربعة ليس فيها ما يستحق المناقشة أو التوقف عنده، فكلاهما يجسدان مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، وكلاهما مجردان من أية قيم إنسانية أو حضارية.
كالخطب الأربعة كذب وخداع وتضليل وتزوير ومعادية لحقوق العرب والمسلمين في القدس وفلسطين ومكانها سلة المهملات ومزبلة التاريخ.
بدأت حماس تتعامل مع مفرزات اتفاق الإذعان في أوسلو بعد استلامها للسلطة في قطاع غزة التي انبثقت عن توقيع الاتفاق وبعد توقيع المصالحة مع فتح وقول خالد مشعل في حفل التوقيع أن حماس أعطت المفاوضات عشرين عاماً وستعطيها عاماً آخراً.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الأوساط الصهيونية تعتقد أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية بدون حماس.
ويؤكد الموقفان الأمريكي والإسرائيلي على المضي قدماً والعمل المشترك بينهما لكسر إرادة رئيس السلطة وإجباره على توقيع اتفاق جديد لحل مشكلة «إسرائيل» وأزماتها وليس لحل قضية فلسطين وإنما لتصفيتها بشكل نهائي، وربما كان هذا السبب الذي حمل (فتح) فجأة على قبول ملاحظات حماس ووقعت الحركتان على المصالحة.
حدثت بعد التغيرات في الموقف المصري بعد خلع مبارك، ولكن مصر لم تغيّر موقفها بعد توقيع نفس الورقة التي صيغت إبان عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ولكنها وافقت على توقيع ورقة التفاهمات وضمها للورقة المصرية.
ويعتقد البعض أن مصر لم تعد تشكل غطاءً سياسياً لرئيس السلطة ولم تعد تعارض حماس كما كان يفعل نظام مبارك، وأعطت الفرصة لرئيس السلطة لمتابعة المفاوضات مجدداً، كما لا يمكن القول: إن مصر تدعم حماس والمقاومة، ولكنها لم تعد ترفض التعامل مع حماس وسمحت بعقد المؤتمر التأسيسي للتجمع العربي والإسلامي لدعم المقاومة ولأول مرة منذ توقيع اتفاقيتي الإذعان في كمب ديفيد في نقابة الصحفيين بالقاهرة في 24 و25 تموز 2011 ولا تزال تشارك في الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المخالف لأبسط مبادئ الأخوة العربية والقانون الدولي والعهود الدولية واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
خطاب أوباما الأول :
حدد أوباما في خطابه الأول بتاريخ 19/5/2011 أن مصالح الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية في المنطقة تتحدد في مكافحة الإرهاب ومنع السلاح النووي وأمن «إسرائيل» ودعم السلام معها.
وأكد التزام أمريكا الصارم بأمن «إسرائيل» ووجودها والحيلولة دون انتقادها في المجتمع الدولي، والتوقف عن نزع الشرعية عنها، وطالب الإسرائيليين بوقف الاستيطان، ورأى أن المصالحة بين فتح وحماس تعرقل السلام وعلى حماس أن تتوقف عن الإرهاب، وطالب بوجوب التركيز على قضايا الحدود والأراضي في حدود 1967 مع تأجيل قضايا حق العودة والقدس المحتلة، وأعلن دعمه لحل الدولتين.
وتبنى التصور الصهيوني للصراع حول كراهية «إسرائيل والغرب» وزعم بأن العداء العربي للغرب وإسرائيل لم يكن عداءً حقيقياً بل كان تنفيساً عن الشعور بالظلم من الأوضاع الداخلية، مما يجسِّد منتهى الرياء والانحياز الأمريكي الهمجي للعدو الإسرائيلي.
وأكد أن مستقبل أمريكا مرتبط بمستقبل الشرق الأوسط، وسكت عن ظلم واستبداد بعض من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب ووقف مع ملك البحرين وضد سورية وإيران.
وزعم كذباً وبهتاناً أن عدم التسامح والتخلف أدى إلى النزاعات (بما فيها النزاع مع إسرائيل) ودعا الفلسطينيين إلى الاعتراف بشرعية «إسرائيل» وأنهم لم يحققوا شيئاً، وأن صداقته مع «إسرائيل» عميقة، وأن التزامه بأمنها لا يتزعزع، وأن جهود عزل «إسرائيل» في الأمم المتحدة لن يجلب السلام.
وقال: إن حق اليهود في دولة لا يمكن تحقيقه بالاحتلال، وإن السلام الدائم للشعبين يعني دولة يهودية ودولة للشعب الفلسطيني، ولا بد من المفاوضات: دولة فلسطينية قابلة للحياة و«إسرائيل» آمنة، وأن لــ «إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها.
وقال: إن جهود الفلسطينيين لنزع الشرعية عن إسرائيل ستبوء بالفشل وإن التحركات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول لن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
إن الفلسطينيين لن يحققوا السلام أو الازدهار إذا أصرت حماس على المضي في طريق الإرهاب والرفض.
والفلسطينيون لن يحققوا أبداً استقلالهم بإنكارهم حق إسرائيل في الوجود، وانتقد المصالحة بين فتح وحماس وشدّد على أمن إسرائيل غير القابل للتزعزع.
وأكد أن السلام الدائم يعني قيام دولة قومية يهودية إلى جانب دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وقال: إن أساس المفاوضات ينطلق من أمن إسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للحياة وترسيم الحدود مع الأردن وفلسطين على أساس حدود 1967.
وأشار إلى أن المفاوضات يجب أن تبدأ من التوافق على مسألتي الأمن وتبادل الأراضي.
وأسهب في الحديث عن الديمقراطية والقيم الأمريكية وغياب الحقوق لدى شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا.
وتطرق إلى دور التكنولوجيا المحوري في دفع عجلة الثورات قائلاً: «إن الانترنت أخرجت أجيالاً جديدة تقول إن التغيير لا يمكن مقاومته، مضيفاً «ليس مستغرباً أن يكون أحد قادة الثورة في مصر من غوغل».
اعترض نتنياهو على خطاب أوباما الأول وأصدر بياناً شدد فيه على رفضه لأقوال الرئيس أوباما والمتضمنة أن حل الصراع يجب أن يستند إلى حدود عام 1967، باعتبار أن هذه الحدود لا يمكن حمايتها.
وصدق نتنياهو عشية لقائه مع أوباما على بناء 1550 مسكناً في مستعمرتي «هار هوما» في (جبل أبو غنيم) في جنوب القدس الشرقية وبسغات زئيف في شمالها.
لقد ولدت دعوة أوباما لإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 في ظل تخليه عن مواقف أمريكية سابقة والرفض الفوري الإسرائيلي لدعوته وموافقته على الاستمرار في تهويد القدس المحتلة.
حاول أوباما في خطابه الأول طمأنة الحليف الاستراتيجي الأهم إسرائيل التي تتوجس من الثورات وما أنتجته على الصعيد الفلسطيني من مصالحة بين فتح وحماس، حيث أبدى أوباما تحفظه الشديد عليها وتبنى فكرة يهودية الدولة وأسقط مطلبه ومطالب أمريكية سابقة بوقف الاستيطان.
وأعلن التزاماً أمريكياً متجدداً بالأولويات الإسرائيلية لأية مفاوضات وهي الأمن والحدود وتأجيل القدس واللاجئين إلى مرحلة لاحقة، وحمّل المسؤولية للجنة الرباعية والمجتمع الدولي والعالم العربي لرعاية المفاوضات.
وطرح مبادرة تسوية تقايض دويلة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود أقل من حدود 67 وتبادل الأراضي لنقل المستعمرات اليهودية الكبيرة في القدس وحولها وبقية الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، والالتزام بأمن «إسرائيل» وتقويتها وحق الدفاع عن نفسها، وتأجيل التفاوض على القدس المحتلة واللاجئين.
وقال إن الإجراءات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول المقبل لن تؤسس دولة فلسطينية مستقلة، القادة الفلسطينيون لن يحققوا السلام والازدهار إذا أصرت حماس على طريق الإرهاب والرفض.
ولن يحقق الفلسطينيون استقلالهم بحرمان إسرائيل حق الوجود، فالوضع الراهن لن يستمر وعلى إسرائيل التصرف بجرأة لتحقيق سلام دائم لدولة يهودية وديمقراطية لا يمكن تحقيقه من خلال احتلال دائم.
ورأى أن أرضية المفاوضات هي دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 مع اتفاق لتبادل الأراضي مع حق الفلسطينيين بحكم أنفسهم في دولة سيدة ومتواصلة جغرافياً ويجب أن يكون لإسرائيل قدرة الدفاع عن نفسها بنفسها ضد أي تهديد.
رأى أوباما أن السياسات والمصالح الأمريكية لعقود ارتكزت على جملة عناصر مثل محاربة الإرهاب ومنع الانتشار النووي والدفع بعملية السلام وضمان أمن المنطقة وحماية أمن إسرائيل، ورأى أن أمام أمريكا فرصة للترحيب بالتغيير الحاصل ومواكبته.
ورأى أوباما أنه على المفاوضات أن تأتي بدولتين وبحدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر وحدود دائمة لإسرائيل مع فلسطين، وأن هذه الحدود يجب أن تستند إلى خطوط 1967 مع تبادل الأراضي.
تميز الخطاب بمحاولة أوباما مصادرة الثورات الشعبية العربية المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في محاولة منه لإجهاضها ومنع انتقالها إلى العداء لأمريكا الحليف التقليدي لأنظمة الاستبداد في البلدان العربية.
أعلن نتنياهو وحكومته الحرب على خطاب أوباما الأول، واتخذت الحكومة الإسرائيلية المصغّرة قراراً بالمواجهة والصدام، لأن أوباما طالب بترسيم الحدود على أساس حدود 1967 مع تبادل الأراضي، ورفض نتنياهو معادلة الأمن مقابل حدود 1967 وإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، على الرغم من أن أوباما وافق على أولويات الأمن الإسرائيلي ودويلة فلسطينية منزوعة السلاح وتأجيل البحث في قضيتي القدس واللاجئين، وتقود مواقف أوباما إلى ترسيخ الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
علق أيدكوتش رئيس بلدية نيويورك السابق على خطاب أوباما الأول وقال: «إن أوباما سعى بشكل فعلي لتقليص قوة «إسرائيل» التفاوضية، وإنني أدينه من أجل ذلك، وأضاف: بأنه قد لا يصوّت لصالحه في الانتخابات المقبلة».
ورأى الملياردير مورتمور زوكرمان بأن الدعم السياسي لأوباما سيقل وسيقل الناشطون من أجل حملته بما في ذلك الدعم المالي.
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس :
تضمن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس: لا بحدود 1967، ولا للانسحاب من القدس الشرقية، أو لتقاسمها، ولا لعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا لمفاوضة حكومة تكون حماس مشاركة فيها.
ـــ وأعلن نتنياهو أن ليس لإسرائيل شريك في العملية التفاوضية من أجل إنشاء كيان فلسطيني يشكل درعاً لإسرائيل وليس للتعبير عن أماني وتطلعات الفلسطينيين.
ـــ ونال خطابه الفاشي التصفيق وقوفاً من أعضاء الكونغرس 29 مرة، الكونغرس الذي كان يحث الإدارات الأمريكية على مساعدة «إسرائيل» في حروبها ومجازرها واستعمارها الاستيطاني ومعاقبة الفلسطينيين والعرب ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
ـــ أحبط نتنياهو المفاوضات بالرعاية الأمريكية وبالرعاية الدولية للاستمرار في الاستعمار الاستيطاني وكسر الإرادات الرسمية الفلسطينية والعربية.
ـــ وحمل إدارة أوباما على رفض مشروع آلان جوبيه الذي قدمه في حزيران 2011 حول عقد المؤتمر الدولي لإطلاق المفاوضات والتوصل إلى التسوية.
ـــ خدع نتنياهو انطلاقاً من عادة اليهود في الكذب والخداع الكونغرس واليهودية العالمية والمجتمع الإسرائيلي، وأغلق الطريق مجدداً أمام المفاوض الفلسطيني.
ـــ أبدى قلقه من الثورات العربية، ولكنه أيدها أمام الكونغرس في خطابه.
ـــ وصف فلسطينيي الـــ 1948 بالخطر الديمغرافي ولكنه قال عنهم أمام الكونغرس: إنهم الوحيدون من بين العرب في الشرق الأوسط الذين يتمتعون بالديمقراطية.
ـــ بدأ خطابه بامتداح أوباما، لأنه يعرف أن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة سيجعله الخاسر الأكبر وقال: ليس لإسرائيل صديقة أفضل من أمريكا، ولا لأمريكا صديقة أكثر من «إسرائيل».
ـــ وأعلن كعادة اليهود في الكذب والتضليل أن إسرائيل ليست دولة كولونيالية.
«نحن لسنا البريطانيين في الهند، ولسنا البلجيكيين في الكونغو، نحن لسنا محتلين غرباء، هذه أرض آبائنا، أرض إسرائيل».
ـــ وقال بخبث وخداع اليهودي العريق بالكذب والتمويه: «حتى الآن الفلسطينيون لم يوافقوا على قبول دولة فلسطينية، إذا كان يعني قبول دولة يهودية إلى جانبها، الصراع بيننا لم يكن حول إقامة دولة فلسطينية، بل كان دائماً حول قيام دولة يهودية».
«أنا وقفت أمام شعبي وقلت: إنني أقبل دولة فلسطينية، وآن الأوان ليقف الرئيس الفلسطيني أبو مازن قبالة شعبه ويقول: «إني مستعد لقبول دولة يهودية».
«على الفلسطينيين أن يكونوا مستعدين للتنازلات، أنا مستعد لتنازل كبير جداً».
«سنكون كرماء، بما يتعلق بحجم فلسطين المستقبلية، لكن لن نعود إلى حدود 1967، حدود لا يمكن الدفاع عنها، والقدس لن تقسم أبداً، وعلى القدس أن تكون العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل.
وكرر أن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ستكون خارج دولة إسرائيل، وأكد على وجوب ضم 650 ألف مستعمر يهودي في الضفة الغربية ضمن الحدود النهائية لدولة إسرائيل، ومكانة المستوطنات تحدد فقط من خلال المفاوضات».
خطاب أوباما الثاني :
ألقى أوباما خطابه الثاني أمام الإيباك في 22 أيار 2011 وأشار فيه إلى صعوبة إنشاء دولة يهودية وديمقراطية مع وجود احتلال واستيطان دائم، وحث نتنياهو على الرجوع إلى حدود 1967 مع تبادل الأراضي، وأظهر الخطاب أن لدى أوباما العديد من القضايا والمشاكل الداخلية والخارجية والانتخابات المقبلة، لذلك خضع بالكامل أمام الإيباك لبرنامج نتنياهو وتبناه في خطابه المشؤوم، وعمل على تضمين خطابه جميع مطالب نتنياهو، وهكذا قضى أوباما ونتنياهو على عملية المفاوضات التي انخرط فيها محمود عباس، ودمر أوباما زخم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين عندما أعلن في خطابه أن توجه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وأن السلام لا يمك أن يفرض على الأطراف المتفاوضة، وأن الاتفاق بين فتح وحماس يضع عراقيل أمام عملية السلام، وتحفّظ على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وأيد أن تكون الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة ومجردة من السلاح، وتحدث عن دعم أمن إسرائيل وتقويتها عسكرياً وليس عن أمن الفلسطينيين، وستقدم بلاده لإسرائيل مساعدات عسكرية للمحافظة على تفوقها العسكري في المنطقة.
ووجه صفعة قوية للمفاوض الفلسطيني وقال: إن السلام لا يمكن أن يفرض على «إسرائيل» من قبل جيرانها، وأن التصويت داخل الأمم المتحدة لن يقيم أبداً دولة فلسطينية.
ودعا حماس إلى الاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود ورفض العنف والموافقة على الاتفاقات الموقعة، وردت حماس قائلة: إن الإدارة الأمريكية ستفشل في إرغام حماس على الاعتراف بالاحتلال، وأن الإدارة الأمريكية منحازة بالكامل لصالح الاحتلال على حساب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته كاملة السيادة.
وعلق نتنياهو على خطاب أوباما أمام الإيباك وقال: أوافق الرئيس على رغبته في تشجيع السلام وأقدر جهوده الماضية والحالية لبلوغ هذا الهدف، واعترف بوجود تنسيق ممتاز مع إدارة أوباما أدى إلى الحظات المذكورة.
وأكد أوباما أن حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تقوم على حدود 1967 مع تبادل الأراضي وشدد على حل الدولتين دولة يهودية وطن للشعب اليهودي، وكل دولة لها الحق في تقرير المصير والاعتراف، وستختلف الحدود الجديدة عن حدود 1967، وقال إن الحدود قابلة للاتفاق حسب الواقع على الأرض أي القبول الفلسطيني بالمستوطنات، مما يعني تفريغ حدود 1967 من مضمونها.
وضع مسؤولية عدم التقدم بالمفاوضات على عاتق الطرفين: طرف يصر على الاستيطان والآخر انسحب من المفاوضات.
وابتعد أوباما عن موضوعي القدس واللاجئين متبنياً موقف نتنياهو منهما وركز على مسألتي الأمن والحدود، ووأد إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول، وهو مع إسرائيل في تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح.
ويمكن القول: إن استجابة أوباما في خطابه أمام الإيباك لجميع الشروط التي وضعها نتنياهو ترمي إلى إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وأكد الخطاب انحياز إدارة أوباما الأعمى للمحتل الإسرائيلي على حساب الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وتناسى أوباما وضع الأقلية العربية في الكيان الصهيوني وتجاهل حقوقها والحملة العنصرية تجاهها، وأصبحت قضية القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم مجرّد عواطف محتلة وليس أراضي وحقوق دولية وقانون دولي إنساني وحقوق وطنية وقومية ودينية للعرب والمسلمين.
ووصف موفاز خطاب أوباما بالتاريخي إذ وضع خطوطه العريضة لتسوية مستقبلية، وقال عنه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة: إن الخطاب احتوى على أفكار مهمة للمضي قدماً في محادثات السلام.
شطب أوباما فكرة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وتبنى موقف نتنياهو من بقاء القدس بشطريها المحتلين عاصمة للكيان الصهيوني.
تبنى أوباما موقف نتنياهو في رفض اعتبارات الاستيطان غير شرعي.
ويمكن القول أن خطاب أوباما أمام منظمة الإيباك كما هي تماماً مع موقف نتنياهو، مما يجعل موافقة القيادة الفلسطينية على مشروع التسوية بالرعاية الأمريكية عبارة عن انتحار سياسي للقيادة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني وتنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني.
طرح نتنياهو ثوابته من تسوية الصراع وحصل على موافقة أوباما عليها في خطابه الثاني أمام الكونغرس.
أكد أوباما في خطابيه الأول في 19/5 والثاني في 22/5 تنكره لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي تعدّ الضفة الغربية بما فيها القدس أراضي محتلة يجب الانسحاب منها وعدم تغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي ورأى أن المستوطنات غير شرعية وباطلة ويجب تفكيكها.
وتبنى أوباما موقف نتنياهو بالتشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرار الأمم المتحدة رقم 194 وأسوة بالتعامل الدولي.
إن أوباما لم يتنكر فقط لقرارات الشرعية الدولية التي وافقت عليها الولايات المتحدة وإنما أيضاً تنكر لروح خطابه في القاهرة في نيسان 2009.
يتطابق الموقف الأمريكي في مواضيع الحدود والاستيطان وتبادل الأراضي والأمن الإسرائيلي وقضية القدس مع مشروع نتنياهو لحل مشكلة «إسرائيل» وتصفية قضية فلسطين بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية والاعتراف الفلسطيني والعربي بالمشروع الصهيوني وتطبيع العلاقات معه على حساب الوطن والمواطن العربي.
وتقفز اقتراحات نتنياهو التي تبناها أوباما في خطابيه عن تنفيذ حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم من خلال اشتراط الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، وبذلك يتم تجاوز قضية اللاجئين.
وتتجاوز خطة نتنياهو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تنص على الانسحاب الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967: وتتلخص خطة نتنياهو للتسوية:
أولاً: رفض إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 ورفض قراري الأمم المتحدة 181 و194.
ثانياً: شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتوطينهم خارج وطنهم فلسطين.
ثالثاً: شطب قضية القدس الشرقية المحتلة باعتبارها محررة وليست محتلة انطلاقاً من الأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية التي يؤمن بها نتنياهو.
رابعاً: التمسك بمبدأ تبادل الأراضي بحيث تضمّ كتل المستعمرات الكبيرة في القدس وحولها وحول نابلس إلى الكيان الصهيوني.
خامساً: الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة كدولة للشعب اليهودي.
سادساً: الاعتراف الفلسطيني بنهاية الصراع وإسقاط جميع المطالب الفلسطينية من «إسرائيل».
سابعاً: بقاء منطقة الأغوار والمرتفعات الفلسطينية على طول نهر الأردن تحت سيطرة القوات الإسرائيلية.
ثامناً: يؤمن نتنياهو أن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محررة وليست محتلة خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وجميع دول العالم التي تعتبرها أراضي محتلة يجب الانسحاب منها.
وأعلن نتنياهو بوقاحة منقطعة النظير قائلاً: إن «إسرائيل» ستكون سخية بالنسبة إلى حجم الدولة الفلسطينية لكنها لن تعود إلى حدود عام 1967 ولن تقبل بتقسيم مدينة القدس وبعودة اللاجئين داخلها، وقال إنه على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة لتحقيق السلام التاريخي ويجب إدراك أن اليهود ليسوا محتلين في الضفة الغربية، كما قال بعنجهية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني: «نحن لسنا محتلين غرباء، هذه أرض آبائنا أرض إسرائيل».
قرر عباس اللجوء إلى الأمم المتحدة في أيلول (2011) على الرغم من شكوكه بالنجاح في الحصول على عضوية المنظمة الدولية، وبالتالي كان مصمماً على الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالعضوية في المنظمة الدولية.
إذا لم يتحقق هذا الهدف فسيحصل على اعتراف غالبية دول العالم بالدولة الفلسطينية ونشوء زخم دولي يطالب بإنهاء الملف الفلسطيني.
طالبت الإدارة الأمريكية عباس بالتراجع عن التوجه إلى الأمم المتحدة تجنباً لإحراجها نتيجة استخدامها للفيتو في مجلس الأمن.
ــ أرسل عباس مبعوثين (وفداً) إلى الإدارة الأمريكية لاستكشاف بديل مثمر مثل إطلاق المفاوضات على أساس حدود الرابع من حزيران، لكنه لم يحصل على أي جواب مشجع.
ــ أكد شعث أن عباس يطالب بما تطالب به السياسة الأمريكية وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وقال: ذاهبون إلى الأمم المتحدة ليس من أجل إعلان الحرب على أحد، وإنما من أجل المطالبة بحقوقنا التي تعترف بها أمريكا.
ــ الإدارة الأمريكية تفضل العودة إلى المفاوضات بدلاً مما تسميه الخطوات الأحادية الجانب.
شعث: نتفاوض مع إسرائيل منذ 20 عاماً ولم تحقق أي تقدم الحياة 10/6/2011 لذلك لجأنا إلى الخيار الدولي.
ــ خطوة أبو مازن بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي يوصي الجمعية العامة بقبول عضوية الدولة الفلسطينية، وإذا حصل الطلب على ثلثي الأصوات ستحصل على العقوبة الكاملة وهذا لن يتحقق بسبب الفيتو الأمريكي.
الدولة موجودة في قرار التقسيم الذي بموجبه أقيم الكيان الصهيوني باستخدام القوة العسكرية ودعم الدول الغربية واغتصاب 78% من فلسطين العربية، فلسطين بحاجة إلى الاستقلال الوطني وممارسة السيادة وحق تقرير المصير وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وبالتالي تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتفعيل مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية وليس التشطيب عليها كما يطالب العدو الصهيوني، ووجوب معاقبة قادتها ومحاكمتهم والتعويض عن الخسائر والأضرار.
أبلغ عريقات كلنتون أن السلطة مستعدة لاستئناف المفاوضات غداة اعتراف الأمم المتحدة بالدولة على أساس الخطاب الأخير لباراك أوباما إذا أبدى نتنياهو استعداداً مماثلاً وعلى الملأ.
وعلق عباس على معارضة «إسرائيل» توجهه إلى الأمم المتحدة وقال: «إن إسرائيل تعتقد أننا إذا توجهنا إلى الأمم المتحدة فسنعمل على عزلها ونزع الشرعية عنها، وهذا أمر غير ممكن على الإطلاق، لأننا لا نريد عزل «إسرائيل» ولا نريد نزع شرعيتها بل على العكس نريد التعايش معها».
ارتكبت قيادة فتح ممثلة بياسر عرفات ومحمود عباس أكبر جريمة وطنية بحق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية في انخراطها في التسوية بالرعاية الأمريكية، وبالتالي قبولها بمعادلة التحكم الإسرائيلي ــ الأمريكي بمسار عملية المفاوضات ونتائجها وصولاً إلى الاتفاق على الحل النهائي، ووافقت على المفاوضات بالتخلي عن قرارات الشرعية الدولية والاعتراف بإسرائيل في 78% من مساحة فلسطين والتخلي عن المقاومة والقضاء على الانتفاضة الأولى مقابل توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو ووقف الانتفاضة الثانية مقابل دخول أولمرت وليفني في المفاوضات مع مهندسي اتفاق أوسلو عباس وقريع.
إن التخلي عن قرارات الشرعية الدولية وعن مقاومة الاحتلال جعل التسوية السياسية برعاية الولايات المتحدة محددة بميزان قوى لمصلحة الكيان الصهيوني والاستعمار الاستيطاني اليهودي المدعوم بالراعي الأمريكي الحليف الاستراتيجي له والمعادي للحقوق الفلسطينية وللعروبة والإسلام، وأدى ذلك إلى جعل نتائج المفاوضات هي المرجعية وتقليص حدود الدولة الفلسطينية لصالح ضم كتل المستعمرات الكبيرة والأحياء والمستوطنات اليهودية في القدس الشرقية المحتلة من خلال فرض مبدأ تبادل الأراضي الذي وافقت عليه قيادة فتح ومنظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني، مما فتح شهية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي من أجل ضم أهم الأراضي وأكبر نسبة من تبادل الأراضي.
واتفق أوباما مع نتنياهو على جعل الدويلة المزمع إقامتها بدون سيادة كاملة من خلال تحديدها بدولة منزوعة السلاح، واستقطاع غور الأردن ومناطق أخرى بذريعة أنها ضرورية للأمن الإسرائيلي.
وجرى إسقاط حقوق اللاجئين واستحقاقات النكبة مما يشكل خروجاً عن البرنامج الوطني لفسح المجال أمام الكيان الصهيوني لتحقيق المزيد من الاستعمار الاستيطاني، وطرحت «إسرائيل» الدولة مقابل التشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، مما زاد من التفاف الشعب الفلسطيني حول حق العودة أكثر من أي فترة مضت.
أدى التخلي عن المقاومة وإسقاط حق وإلغاء الميثاق إلى حدوث خلل هائل في العملية التفاوضية لصالح الاحتلال وسياسته القائمة على الاستعمار واعتبار الأراضي المحتلة أرض الآباء والأجداد وأراض محررة وليست محتلة، وجاء الانقسام الذي رسخه الاحتلال والرباعية الدولية ليزيد من مأساوية الوضع الفلسطيني.
تتطابق مقترحات أوباما في خطابيه الأخيرين تماماً مع شروط نتنياهو للتسوية وتسعى الولايات المتحدة وقف المساعي الفلسطينية للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بتهديد السلطة بقطع المساعدات المالية.
إن توجه عباس إلى الأمم المتحدة لم يأت في إطار استراتيجية وطنية نضالية لفتح معركة مع الاحتلال على المستويات كافة، مما سيفسح المجال أمام المفاوض الفلسطيني للعودة مجدداً إلى المفاوضات دون تغيير في مرجعيتها وأسسها ومنطلقاتها، فالمفاوض الفلسطيني أسقط الخيارات الأخرى كافة، ويعتمد على التمويل الأمريكي والأوروبي، واستئناف المفاوضات بدعم ممن أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب.
يتطلب الاتجاه إلى الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وأن تجري المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة وتحت مظلتها لتطبيق جميع قراراتها بما فيها قرار العودة والتعويض رقم 194 والذي جرى التأكيد عليه 135 مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أدى انحياز الحزبين الديمقراطي والجمهوري لسياسة إسرائيل الكولونيالية والعنصرية والإرهابية إلى تراجع الرئيس أوباما عن موقفه من تجميد الاستيطان وعن الانتقادات التي وجهها لإسرائيل بهذا الخصوص.
وأدت الضغوط عليه إلى تبني الشروط الإسرائيلية بشأن المفاوضات والحل النهائي.
وتراجع أوباما في خطابه أمام الإيباك في 22/5 عن رؤيته وتبني رؤية الرئيس بوش الابن حيث طالب بضرورة أن يؤخذ بعين الاعتبار التغيرات التي وقعت في الضفة الغربية منذ احتلالها حتى اليوم بدلاً من معاقبة إسرائيل عليها.
ويعني هذا تبني أوباما موقف نتنياهو الذي يطالب بضم الكتل الاستيطانية الكبيرة أي حوالي 650 ألف مستعمر يهودي إلى الكيان الصهيوني، وبالتالي ربط أوباما حدود 1967 بمبدأ تبادل الأراضي وضم الكتل الاستيطانية، واتفق أوباما مع نتنياهو على أن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح (منزوعة السلاح).
عصف الحراك الشعبي بالحكام المستبدين حلفاء الولايات المتحدة، بسبب تبعيتهم للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويسعى الرئيس أوباما إلى ركوب موجة ربيع الثورات العربية، فأيد ثورة مصر وتونس والمتمردين في ليبيا، وهاجم سورية وإيران وتوجه عباس إلى الأمم المتحدة.
وأخذت الثورات تغيّر من الواقع العربي، وأصبح من أسمتهم رايس "المعتدلين العرب" لا يستطيعون الموافقة على ما تطلبه الولايات المتحدة.
فالرئيس أوباما يطالب القبول بالتغيرات الجغرافية والديمغرافية التي حققها الاحتلال الإسرائيلي باستخدام القوة العسكرية في حرب حزيران العدوانية عام 1967 بضم كتل المستعمرات الكبيرة إلى الكيان الصهيوني.
لذلك لا تقود سياسة أوباما للتوصل إلى حل سياسي عادل، وفي الوقت عينه لا يستطيع أوباما أن يتعامل مع العرب كما كان يتعامل مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
إن الولايات المتحدة لا تصلح على الإطلاق للقيام بدور الراعي لعملية التسوية لأن أوباما خضع كلية لنتنياهو من خلال اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة.
حددت الأمم المتحدة في القرار 181 حدود «إسرائيل» وحدود الدولة الفلسطينية، وكانت حدود العام 1967 حدود وقف إطلاق النار، لذلك لهذا فإن المطلوب اليوم هو عودة «إسرائيل» إلى حدود قرار التقسيم، والتوجه لعقد مؤتمر دولي للسلام على أساس مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية بخصوص عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم أسوة بالتعامل الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية فالعرب يريدون استرجاع أراضيهم وحقوقهم المغتصبة وتدعيمها بالقانون الدولي وبمقاومة الاحتلال. ومعاقبة المعتدي الاسرائيلي على حرب حزيران التي شنها عام 1967 والاستمرار باحتلال فلسطين والجولان ومزارع شبعا واستغلال مياهها وثرواتها.