لماذا سرّي، وفي عمّان؟
د. فايز أبو شمالة
لماذا كان سرياً؟ إنه لقاء ضم "نتانياهو" وكل من ملك الأردن عبد الله الثاني، والسيد عباس، فما دواعي السرية؟ وإن كان سرياً، فما مبررات الإعلان عنه فيما بعد؟ وهل كان التخوف من ردة فعل الشارع العربي الأردني، أو الفلسطيني وراء السرية؟ أم كانت السرية من باب الخشية على شعبية "نتانياهو"، ومكانته بين بني قومه، والحرص على عدم اتهامه بالتنازل، والتفريط بالحقوق التاريخية لليهود بأرض فلسطين؟!
كان بإمكان القادة الثلاثة عقد اللقاء العلني، والدفاع عن فكرتهم. ولاسيما أن السيد عباس قد التقى قبل ذلك مع أكثر من رئيس وزراء إسرائيلي، ومنهم "أرئيل شارون" وهو أخطر، وأقسى صهيونية، وأقصى يهودية من "نتاناياهو" فلماذا التردد؟ والشعب العربي الفلسطيني يعرف أن هدف إسرائيل من استئناف المفاوضات المباشرة، تنفيس موجه الكراهية لليهود التي تنتشر على مستوى العالم، والتي وصلت إلى حد تشبيه دولة إسرائيل بالنازية؟ والشعب العربي الفلسطيني يعرف أن الدعوة الأمريكية ومن ثم الفرنسية، ومن ثم الإيطالية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف المفاوضات المباشرة لا رادّ لها، ولا طاقة للفلسطيني الذي يتسلم راتبه آخر الشهر من الدول المانحة، لا طاقة له برفض المفاوضات المباشرة، ولماذا السرية طالما كانت المفاوضات هي خيار السلطة الوحيد؟
أما عن الشق الآخر في سرية اللقاء؛ فإن الأردن قد وقع اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل، ويرتبط بعلاقة دافئة معها لم تتأثر حتى في عز حرب الرصاص المصبوب على غزة، ولم تتأثر من قبل في عز الهجوم الإسرائيلي على مدينة جنين سنة 2002، وترتبط الدولة العبرية مع الأردن بعلاقة قوية وراسخة، عززتها الوقائع والأحداث على مدار السنين.
فلماذا السرية، والشعب العربي يثق أن السلطة الفلسطينية، وبدعم من لجنة المتابعة المنبثقة عن جامعة الدول العربية، ستنزلق إلى المفاوضات المباشرة، مثلما انزلقت إلى غير المباشرة دون أن تحقق إنجازاً، والشعب العربي أمسى متأكداً أن المفاوضات لعبة سياسية تمارسها إسرائيل بدعم أمريكي أوربي يهدف إلى أشغال المنطقة بعملية سلام للتفرغ إلى ما هو أبعد من ذلك، ولاسيما مع تصاعد اللهجة العدائية ضد إيران، وأن الأنظمة العربية ترعى عملية الحمل الكاذب للسلام لتغطي على عجزها، وقصورها عن القيام بواجبها تجاه الأرض العربية المغتصبة، وأزعم أن الشعب العربي بات يدرك أن أنظمة الحكم العربية تتعامل مع الأمن القومي للدولة العبرية متمماً، ومؤسساً للأمن القومي العربي، وأن أي انفجار للمقاومة سيخلط الأوراق، ويخربش الرؤية الأمنية المشتركة لأمريكا وأوربا وحلفائهم من الأنظمة العربية، حتى صار تحقيق الهدوء في الضفة الغربية حاجة للأنظمة العربية قل أن يكون مصلحة للمستوطن الإسرائيلي.
من المنطق أن يعقد لقاءً سرياً بين السيد عباس والسيد خالد مشعل، أو مع الرئيس الإيراني، أو مع رئيس الوزراء التركي، أو حتى مع رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، وأن يكون الخوف من افتضاح الأمر سيؤثر على مستوى الدعم المالي المقدم من الدول المانحة، ولكن من غير المنطق أن يعقد لقاءً سرياً مع رئيس وزراء إسرائيلي في عمان.