تربية الفأر بالعب .. لا تخلو من فائدة
في بعض الأحيان تؤول تربية بعض الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم الى أشخاص آخرين، سرعان ما يبدون تذمرهم من الاحتفاظ بهؤلاء الأطفال. فتقوم المرأة التي أوكلت الظروف لها رعاية إحدى الفتيات اليتيمات، بالشكوى من تلك الفتاة و مشاكستها وصعوبة إدارتها، وبعد أن تذكر حالات كسلها وطول لسانها وعدم الاستفادة منها في أي عمل منزلي، تنهي حديثها بتساؤل تهكمي ( أيربي أحد فأرا بعبه؟)
هذه الظاهرة استلهمتها حكوماتنا العربية في تعاملها مع المعارضة التي قد تظهر في البلاد بشكل جمعيات أو أحزاب أو نقابات، وتتعامل معها كأنها عبء ثقيل، لا حق لها في قول أو الاعتراض على أي شيء باعتبارها يتيمة لا والد لها، والسكوت عنها لفترة هي منة من الحكومة العربية، وأن هذا السكوت لا بد أن يكون له نهاية ..
بالمقابل، فإننا نرى أن المعارضة في البلدان المتقدمة، تُفتح أمامها دوائر الإحصاءات العامة، وملفات الدولة، وفي بعض الدول تُخصص ميزانيات وأبنية وتُدفع رواتب لأشخاص يساعدون نواب المعارضة ليكونوا قادرين على انتقاد أخطاء الحكومة بشكل علمي ودقيق. وفي بريطانيا (مثلا) يكون للحزب الذي لا يحكم البلاد، وزارات وموظفين من داخل الحزب، ويُطلق على هذا النظام اسم (حكومة الظل)، فتبقى كوادر الحزب المعارض قريبة من نشاط الحزب الحاكم، تتعرف على أخطاءه وتستثمرها في الانتخابات المقبلة، متجاوزة تلك الأخطاء ببرامجها، وبالتالي فإن المستفيد من كل هذا النظام هي الدولة بحكامها ومحكوميها، ويكون السباق على التفنن في خدمة سياسات الدولة ..
في تربية الدجاج اللاحم، يلجأ بعض المربين الى إدخال بعض (كتاكيت) الدجاج البياض المعروفة بكثرة حركتها ونشاطها، بين قطعان (كتاكيت) الدجاج اللاحم لتنشيطها ودفعها للحركة وتناول غذائها، وبالتالي فالهدف (ربحي) بحت.
في سلوك الدول المتقدمة، قبل أن تفكر الحكومة بأي قانون أو إجراء فإنها تحسب ألف حساب لما سيكون من ردة فعل للمعارضة، تماما كما يحدث في أريافنا عندما يقصر أحدنا في وليمة أو تخرج زوجته بملابس تثير انتقاد من يراها، فإنه سرعان ما يتوقف ويتحسب متسائلا : ماذا ستقول الناس عنا؟
في بلادنا لا تحسب الحكومات أي حساب للمعارضة، وتتخذ ما تراه مناسبا من وجهة نظرها، معتبرة نفسها مفوضة بشكل مطلق للتحكم بمصائر الناس، والحكومات عندنا يختارها رأس الحكم، فلا يكون بجلساتها نقاش حيوي، وأحيانا تأتي الموافقة من الحكومة أو من مجالس برلمانية (صورية) قبل أن يُتخذ القرار.
لسلوك حكوماتنا، بعض الفوائد، منها أنها تريح الناس من الاجتهاد والتثقف، فلا فائدة من القراءة ولا فائدة من الانتقاد ولا فائدة من البحث، طالما أن براءات الاختراع لا محل لها في بلادنا، فنوفر بذلك ثمن الأوراق وأجهزة المختبرات ورواتب موظفي دوائر منح براءة الاختراع، فهناك من يفكر عنا وهناك من يتولى أمرنا وهو أدرى بمصالحنا منا .. ثم لماذا نريد أن نخترع؟ وكل العالم قد سُخِر لخدمتنا فهذا رز أمريكي وهذه سيارة ألمانية وهذا جوخ إنجليزي وهذا تلفزيون ياباني وهذا سيراميك إيطالي .. وأخيرا هناك جيوش عالمية تقوم بحماية أوطاننا ..
هل ترى أن من يربي الفأر بعبه أكثر دراية منا أم نحن أكثر دراية؟