تعريفات أصناف الخونة والجواسيس
الدكتور عبد الستار قاسم
21/كانون ثاني/2014
فرضت ظاهرة الجواسيس والخونة نفسها على اللغة العربية بسبب قدرة أعداء الأمة على تجنيد العديد من الناس على مختلف المستويات لخدمتهم على حساب الأمة. أحاول هنا أن أسوق تعريفات لمختلف المصطلحان التي يتم تداولها في الشارع العربي بخاصة في الشارع الفلسطيني لأنه هو الشارع الأكثر تضررا من هذه الظاهرة.
أبدأ بكلمة خيانة والتي تعتبر كلمة عامة تشير إلى فشل المرء بالقيام بواجبه أو تأدية الأمانة عن سابق إصرار. وهذه ظاهرة عالمية عامة لأن أغلب الناس يديرون ظهورهم أحيانا لبعض واجباتهم أو ما التزموا به، ويلجأون إلى تبرير إدارة الظهر. المدرس يخون طلابه إن لم يقم بواجباته خير قيام، والطبيب يخون مريضه إن لم يعط التشخيص الجهد والوقت الكافيين، والطالب يخون نفسه ومدرسه وعائلته إن لم يجتهد في دروسه، الخ. الخيانة هي إخلال متعمد ومقصود بالأمانة، وعادة تترب عليها نتائج سيئة تطال غالبا الجهة التي أمّنت. ومن هذا التعريف نستطيع القول إن كل تعاون مع عدو هو إخلال بالأمانة وهو خيانة. لكن الخيانة درجات. هناك خيانة ظرفية ذات بعد يومي بسيط لا تلحق أذى كبيرا في مجال المعنيين، وهناك خيانة كبيرة يمتد أذاها بعيدا. فمثلا الخيانة الزوجية ذات مدى بعيد تؤثر في النهاية سلبا على النسيجين الاجتماعي والأخلاقس للأمة، لكن فشل طالب في تحضير دروسه قد لا يتجاوز أثره الطالب نفسه.
هناك كلمات أخرى تحمل في داخلها الخيانة لكنها أكثر تخصيصا فيما يتعلق بالتعامل مع العدو ومساعدته، منها الجاسوس والعميل والمتعاون، والمخبر، وأحيانا هناك كلمات شعبية تشير إلى هذا النوع من الخيانة مثل قرن أو داسوس أو عصفور.
الجاسوس هو الجهة أو الشخص الذي يعمل سرا لصالح جهة خارجية أو داخلية بهدف جمع المعلومات حول المواضيع قيد الاهتمام عند الجهة المعادية أو المنافسة لصالح الجهة المستخدمة بهدف تمكينها معلوماتيا ومعنويا أو تنفيذ نشاطات أخرى ، ما يؤهلها للقيام بتخطيط السياسات والإجراءات المناسبة للسيطرة أو تجنب الشر والأذى أو القضاء على المنافسة أو تحقيق النصر العسكري أو الأمني أو الثقافي. هذا النوع من خونة الأوطان هو الأكثر شيوعا في العالم إذ تلجأ الدول إلى تجنيد أشخاص من دول أخرى لخدمة أغراضها على كافة أشكالها. وغالبا ما يكون الجاسوس شخصا، وقد يكون شركة أو مؤسسة أو جمعية. في الوطن العربي، ظاهرة تجنيد الجواسيس من قبل إسرائيل وأمريكا ودول أخرى منتشرة، وساهمت دائما في إلحاق الهزائم بالعرب وتحقيق النصر لأعدائهم.
في الحالة الفلسطينية، الجاسوس هو من يعمل سرا لصالح جهة داخلية أو خارجية، غالبا لصالح إسرائيل، بهدف تمكينها من رقاب الشعب الفلسطيني. الجاسوس يجمع المعلومات ويقوم بنشاطات أخرى مثل بث الفتن والعمل على تحطيم المعنويات.
أما العميل فهو أشد خطرا من الجاسوس ذلك لأن العميل ينفذ سياسة تلحق ضررا واسعا، بينما يمكن أن يكون ضرر الجاسوس آنيا ومحدودا بشخص أو عدة أشخاص. الاثنان يلحقان ضررا بالوطن والمواطن، لكن ضرر العميل واسع ويشمل كل الناس في الوطن دفعة واحدة. وعليه فإن العميل هو الشخص أو الجهة الذي يتولى موقعا عاما مثل إدارة جامعة أو شركة إنتاجية ضخمة أو وزارة ويعمل في ذات الوقت على تنفيذ سياسة معادية بهدف إضعاف أبناء وطنه لصالح العدو. فمثلا يعتبر القائد الذي يوظف الناس بالوساطات والمحسوبيات عميلا لأنه يعمل عن سابق إصرار وترصد على التمييز بين الناس وإبعاد الكفاءات لصالح أشخاص لا يتمتعون بالمهنية والكفاءة. هذا القائد يفسخ المجتمع، ويسبب انهيارا أخلاقيا وفتنا ومشاجرات. وسواء كان هذا القائد مجندا بصورة مباشرة أو غير مباشرة من إسرائيل، هو يقدم لها خدمات عظيمة وجليلة قد تعجز عنها هي. العميل ينفذ سياسة عامة ويجر معه كل المواطنين. فمثلا عندما يطبع قائد فلسطيني علاقات الفلسطينيين مع إسرائيل فإنه يؤثر على فئات شعبية واسعة ويبدأ جزء منها بالتطبيع، وبهذا يكون القائد المطبع خادما لإسرائيل.، وهكذا شأن الذي يعترف بإسرائيل، وهكذا.
العميل قد يكون مفكرا أو تاجرا أو مدير مؤسسة او رئيسا أو مثقفا أو رجل أعمال كبير، أو مفاوضا، الخ. المهم أن يكون مؤثرا ويستطيع تنفيذ سياسة عامة ترغب بها إسرائيل. فمثلا أرادت إسرائيل يوما فرض ضريبة القيمة المضافة على الشعب في الأرض المحتلة/67، رفض الشعب المطلب الإسرائيلي وانتفض وقدم الضحايا، ولكن أصحاب رؤوس الأموال قرروا دفعها للعدو خوفا على مصالحهم المرتبطة بالإرادة الإسرائيلية. العملاء هم الأخطر وهم الذين يقودون الشعب بمسميات وطنية، والشعب في ذات الوقت لا يدري كيف وصل هؤلاء إلى سدة القيادة. وهؤلاء يجنون فوائد شخصية وفيرة من العدو ويحصلون على امتيازات تمكنهم من البقاء على الشاشة بأوهام وطنية.
المخبرون هم الذين يتطوعون بنقل معلومة للعدو طمعا في تحقيق مصلحة معينة، وهم لا يجهدون أنفسهم في البحث عن المعلومة، وإنما قد تصلهم عرضا فلا يبخلون بها على العدو. أما الجواسيس فهم المكلفون بالبحث عن المعلومات الخاصة بنشاط معين مثل العمل الوطني ضد قوات الاحتلال. هؤلاء ينشطون في المؤسسات والتجمعات والفصائل والأحزاب وبين الناس عموما ليتمكنوا من الحصول على المعلومات الدقيقة، ويتقاضون أجرا قد يكون على شكل راتب أو مكافآت متناسبة مع أهمية المعلومة وحجمها. هؤلاء عبارة عن وشاة يتتبعون أفرادا أو جماعات. أما العملاء فهم كبار الخدم الذين يقومون على تنفيذ سياسة العدو من خلال تقبل سياسات عامة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك. إنهم لا يشون بأحد معين ولا يتتبعون النشاطات السرية لمجموعات أو أحزاب أو فصائل، وإنما يعملون على فتح الطريق من أجل تطبيق سياسة معينة للعدو أو تشجيعها وحث الناس على قبولها تحت ذرائع من التوجهات الوطنية والقومية والدينية. هؤلاء هم الذين يكثرون من الحديث عن المصلحة الوطنية تسترا على مصلحة العدو، وهم الأخطر من بين الفئات الثلاث لأنهم يقودون الناس جميعا إلى الهاوية وليس شخصا بعينه أو مجموعة أشخاص.
العملاء مكرمون الآن من قبل إسرائيل لأن أدوارهم ما زالت حيوية لتنفيذ المشروع الصهيوني على كل أرض فلسطين الانتدابية. فمثلا هم يحملون بطاقات ال VIP أي (very important person) ويستطيعون التجول بما في ذلك داخل إسرائيل في ظل الأوقات العصيبة هذه والتي يمنع فيها الشعب الفلسطيني من الحركة عبر الطرق بين القرى والمدن الفلسطينية. حتى أن بعضهم يستطيع استعمال مطار اللد للسفر خارج البلاد، وكذلك التنقل بين الضفة الغربية وغزة. بعضهم يتلقى أموالا من الخارج بخاصة من أوروبا وأمريكا لتمويل جمعيته أو منظمته غير الحكومية، والبعض الآخر يستمر في عمله داخل وزارة السلطة وأجهزتها المختلفة. عدد من هؤلاء يرسم السياسة العامة للشعب الفلسطيني باسم المصلحة الوطنية والعمل الدؤوب لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
أما المتعاون فخائن، وكلمة متعاون تعبير مخفف للخيانة. طبعا التعاون تعبير واسع النطاق والمجال لكنه مهما صغر او كبر يبقى عونا للعدو بطريقة أو بأخرى. المهم أن المتعاون لا يرى حرجا في مساعدة العدو، ولديه الاستعداد والقابلية لتقديم خدمات متفاوتة الأهمية للعدو. الأكاديمي الذي يقيم علاقات مع جامعة إسرائيلية متعاون، لكنه ليس بخطورة الأكاديمي الذي يشارك بمؤتمر هرتسيليا الهادف إلى ترسيخ أقدام إسرائيل على الأرض الفلسطينية.