محطات على رواية النزوح نحو
القمر للكاتب عيسى قواسمي
بقلم: راتب حمد
صدرت مؤخراً رواية النزوح نحو القمر لعيسى قواسمي، وهي الثالثة من سلسلة روايات أتحفنا بها الكاتب الذي لم يعد "مفاجأة" على ساحة الأدباء بوطننا الحبيب وخاصةً القدس، وقد انتقل الكاتب نقلة نوعية تظهر حُسن اختياره الحدثَ ونقله للقراء بطريقة رائعة لافتاً النظر بتطور أدواته الكتابية بشكل جليّ وواضح ومميز عن الروايتين السابقتين.
طُبعت الرواية على نفقة الكاتب الخاصة، ولم يظهر بها لا اسم دار نشر ولا مطبعة لتقديم هذا العمل. فقد اقتصر الأمر على عبارة "القدس- 2010". وقد تجاوز الكاتب الروايتين السابقتين بالإهداء إلى زوجته ليعانق بصدق الأمل الذي يعيشه أبناء المخيمات خاصة أنّه عاش التجربة مع أبناء شعبه بالمخيمات في رحلته الأخيرة إلى سوريا.
تتكون الرواية من أربعة وعشرين فصلاً، تناول فيها الكاتبُ همومَ أبناء الوطن بجراءة متناهية، يذوّبُ فيها الواقع الأليم الذي يعيشه الكثير من الناس ممن غُلب على أمرهم، ولكنهم صمتوا وسكتوا، أمّا كاتبا فإنه يتحدث ويطلق العنان لنفسه بالتحدي بإرادة صامتة صارخة لما يدور في أروقة السلطة الفلسطينية على لسان سليم ابن المخيمات بالشتات والذي يحلم بالعودة، ويضحي بالغالي والرخيص ليعود للوطن حتى يكون أحد أعمدة البناء. ولكنه يفاجأ بالواقع المرير ومن أقرب الناس إليه ابن عمه علي الضابط المسؤول في الأجهزة الأمنية ليصل الحد بحرق بيته ليتخلص منه. وبين كلوديا الحبيبة الغائبة القريبة البعيدة والتي تعشعش في كيانه حاضرة في فلسفته وحزنه وألمه. يظهر ذلك من خلال الحوار الدافئ المزركش بمعاني الفلسفة التي ينهم منها الكثير خلال دراسته في تشيلي، وبين سامية الفتاة التي تدرس اللغات في جامعة بيرزيت، وتعشقه من أول لقاء في مطعم برام الله مصادفةً لما يتمتع به من ثقافة ومعرفة كاد يسحرها بها، وهي ما زالت تحاول معه مرة ومرات.
تكثر الصور المتلاحقة والتشبيهات الرائعة خلال السرد القصصي والتي يحسنها عيسى قواسمى كنثر شعري، ولكن الملاحظ هنا أن الكاتب يأخذ على عاتقه بالتحدث عن سليم (الشخصية المحورية بالرواية)، أما عندما يتحدث عن قراره بالعودة للوطن يقول في صفحة 47 "لقد كنت حقاً بحاجة لقرار واحد ووحيد وحطة واضحة لأن السفن التي تغادر لا يمكنها أن تترك ظلها في الميناء". لقد أخذ قراره تجاه أشياء كثيرة أهمها الوطن وكلوديا وكان صادقاً شفافاً قوياً دافع عن إيمانه القاطع بكل ما يفعل فكان ما كان ليعيش الغربة الحقيقية داخل الوطن وليكون مشرداً في وطنه أكثر مما كان خارجه.
وهنا أيضاً تظهر قدرة الكاتب على تقمص شخصية سليم وبيان حقيقة المشاعر والنظرة إلى الأشياء بالمفهوم الخاص وفتح مساحات وآفاق كثيرة للتحليل. وهذا يحسب للكاتب المبدع الذي طوّر أدوات الكتابة بشكل واضح وجلي واستفاد استفادةً كبيرة من تجاربه السابقة.
رغم كل المفاجآت التي حلّت على شخص سليم إلاّ أنه بقي صامداً واضحاً متماسكاً بجميع مفاهيمه وآرائه وجعلها عقيدة في حياته يدافع عنها وما زال، لأن الكاتب خبرها وعرفها ودرسها وحللها وتألم لها وهو ما زال كذلك مع ملاحظة التردد والقلق والضعف الذي يواكب شخصية سليم مع مواجهة بعض الأمور.
لم يغب عن بال الكاتب أن يظهر طيبة وصدق مشاعر الناس العاديين اتجاه سليم والوقوف بجانبه في كل ما تعرض له، بالوقت الذي يتحدث سليم عن ذلك بفلسفته وسلوكه وضمه لتوفيق العوض ليعملا سوياً ضمن جمعية حمورابي للاجئين، والتي أراد من خلالها تثبيت حق العودة وعدم التنازل عن ذلك أبداً في الوقت الذي تنازلت عنه السلطة عندما وضعت الاستمارات في أروقة الدولة.
لم يغب عن بال الكاتب أن يظهر الصراع القائم بين القادمين الجدد والمنتفعين وبين أناس كثيرين هنا يعيشون ألم الحصرة على هؤلاء الذين قدموا ليأخذوا كل شيء ولم يعد لهم غير الفتات.
راتب حمدندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدسحزيران 2010