كانت خطبت الجمعة يوم أمس – 16/1/1434هـ - عن المصيبة التي لا تبلى .. انتقال الحبيب صلّ الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى .. وقد ذكرني موقف الصديق – في تلك المصيبة - بمقالة نشرتها تحت عنوان (من قتل الصديق رضي الله عنه؟!! فأحببت إعادة نشرها ..
من قتل الصديق رضي الله عنه؟
لدقائق معدودة تنسمت عبق التأريخ .. ملأت رئتيّ من ذلك الهواء النقي،وقفت أمام (سقيفة بني ساعدة) – رغم الظلام الذي يتمدد فوقها – سقيفة بني ساعدة – كم يبدو الاسم فخما – المكان الذي اجتمع فيه الصحابة رضوان الله عليهم للحوار،والتشاور في مرحلة ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم،ومن سيقود الأمة،وهنا في هذا المكان الذي يسبح الآن في الظلام،بعيدا عن التفاصيل تمت البيعة لسيدنا الصديق .. عبد الله بن أبي قحافة رضي الله عنهما.
أنا للقلم أن يحيط بفضائل سيدنا الصديق؟!!! أفضل الأمة بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... أول رجل يدخل في الإسلام ... المبشر بالجنة ... المتصدق بكل ماله .. صهر سيدنا رسول الله صلى الله عليه ... رفيق الهجرة .. الواضع يده في الجحر،حين لم يجد ما يسده به ... تلدغه (عقرب)،ورأس سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على فخذه،فلا يتحرك .. فتسيل دمعة ألم حتى تسقط على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتوقظه .... أحب الرجال إلى سيدنا رسول الله – صلى الله عليه مسلم - .. ووالد أحب النساء إليه صلى الله عليه وسلم ...
كم تبدو شخصية سيدنا الصديق رضي الله عنه وديعة .. ذلكم الرجل البكاء إذا قرأ كتاب الله سبحانه وتعالى ..
من قتل الصديق رضي الله عنه؟
هناك من يقول أنه – رضي الله عنه – مات نتيجة سم قديم .. لكن الذي سحرني،قول البعض أنه مات بسبب (الحزن) .. ولن أضع علامة تعجب واحدة ... مات رضي الله عنه حزنا على صاحبه صلى الله عليه وسلم.
لنكون داخل المشهد علينا أن نتصور قيمة،وضخامة انقطاع الصلة بالسماء بموت - يا له من خبر متجدد لا يتقادم،ما قرأت الخبر إلا وصعقت كأن الخبر ابن لحظته!!!! - سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكيف كان وقع الخبر على الصحابة رضوان الله عليهم؟!! من رأوا وعايشوا وتحدثوا ولمسوا وصافحوا .. وسمعوا كلام الله – سبحانه وتعالى – من فمه الشريف الطاهر .. صلى الله عليه وسلم؟!!!!!!!
فإذا استطعت تصور كل ذلك،فتصور وقع الخبر على رفيق الدرب،من لحظة النطق بالشهادتين عند بدأ الرسالة،إلى لحظة انتقال الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى؟!!!!
إذا استطعت تخيل كل ذلك،فتصور لحظة وصول الخبر،وكيف عبر كل صحابي عن حزنه،عن ألمه،بطريقته،منهم من أُقعد فلم يستطع الوقوف،ومنهم من هام على وجهه،ومنهم من أصابه الخبل .. ومهم .. ومنهم .. ومنهم ..
إلا رجلا واحدا ... لم يكن باستطاعته أن يعبر عنه حزنه .. عن حزنه المضاعف .. على موت نبيه – صلى الله عليه وسلم - .. حزنه على موت صديقه – صلى الله عاليه وسلم - .. حزنه على موت خليله – صلى الله عليه وسلم - .. لم يستطع أن يعبر عن ألمه .. كان عليه أن يحمل الأمة كلها على كتفه .. كاتما حزنه .. مخفيا ألمه .. في مكان ما من ذلك القلب الشفيق الرحيم المحب ... نعم لقد حمل الأمة على كتفه .. صارخا بها :
من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات .. كيف لم ينفطر قبله وهو ينطق بهذه الجملة؟!! إنه التسامي فوق الألم .. التعالي على الحزن .. ثم يُذكّر الأمة - وكأنه الوحيد الذي يحفظ تلك الآية - بقول الحق سبحانه وتعالى :
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ..) .. فيستفيق الفاروق – رضي الله عنه – وهو الذي كان يطوف مهددا بسيفه من أن يقول بموت الرسول – صلى الله عليه وسلم - .. فيسقط السيف من يده ... ثم كانت حروب الردة .. فكانت هما آخر ..
(الحزن) قتل سيدنا الصديق رضي الله عنه،وجزاه عن أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – خير الجزاء.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 6/9/1431هـ