برسم التطبيع
عدنان كنفاني
الممارسات البربرية التي يقوم بها العدو، مهما كانت غير أخلاقية وغير متكافئة فهي تقع تحت مسمى "الصراع الوجودي المصيري"، وتأتي المساءلة عن حجم الضرر الذي تتسبب به على الشعب الفلسطيني في صالحه، وهذا ما يسعى إليه.
لكن الأسئلة تتوارد عندما يُترك الشعب الفلسطيني الأعزل وحيداً في مواجهة آلة القتل، وقطعان الذئاب، يتخلّى عنه امتداده القومي، وقيادته المفترضة، التي تساهم في دعم العدو، ويصل الحال، على خلفية (التنسيق الأمني) مع العدو إلى سحب القوى الأمنية والشرطية وحفظ النظام من كافة مدن وقرى وشوارع الضفة الغربية، تاركة الساحات مرتعاً للقوات الإسرائيلية تعيث بها قمعا واعتقالا وتدميراً، لم تتوقف في أيّ وقت، لكنها تصاعدت بشكل جنوني موتور على تهمة (اختطاف ثلاثة مستوطنين)، وكان الأمر في دائرة الاشتباه.
ثلاثة من المستوطنين فُقدوا، ومهما تكن الخلفية، فهي أيضاً في منظومة الصراع الوجودي، ونحن نعلم أن المستوطنين هم أيضاً آلة حرب مدجّجة، قامت الدنيا، قُلبت المدن والقرى، اعتُقل المئات، دُمّرت بيوت، وحرب مجنونة على غزّة.. كيف لا والفرص مؤاتية، الكل مشغول في فسحة (الربيع العربي)، والتنسيق الأمني مع السلطة يمشي بخطوات أمينة وثابتة، والشعب الأعزل يدفع الثمن.
ثلاثة مستوطنين هم من القتلة الأوباش، وبدأ الرد بقتل أطفال فلسطينيين أبرياء حرقاً وذبحاً، أما السلطة فهي تدين "اختفاء الثلاثة"، وترجو أن يكونوا على قيد الحياة!! واطمئنوا أيها القتلة نحن لن نسمح بثورة شعبية ولا بانتفاضة ولا حتى بشكوى.
ما أشبه ما يجري الآن على أرض فلسطين بما حدث منذ سنوات "بمدلول التطبيع"، عندما تعرّض شاب فلسطيني للقتل، بعد أن أصابته شظيّة قنبلة من دبّابة صهيونية بقصد القتل المُشبع، وأعلن الأطباء إن الشاب الفلسطيني المصاب، مات سريرياً.
الخبر الذي استوقفني، هو أن والد الشاب تبرّع بخمسة من أعضاء ابنه الشهيد، لإنقاذ خمسة أشخاص يحتاجون إليها، والأشخاص المتبرّع لهم هم من الصهاينة!
قلب الشاب الفلسطيني المتوَفى سريرياً، نُقل إلى صدر شاب صهيوني أنقذه من الموت.
خبر مثير تناقلته وسائل الإعلام المنظورة والمسموعة، وصبّته في رؤوس العالم.
يخرج الطبيب الجراح، يعلن على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية بأنه اكتشف أخيراً، وهو يمسك القلبين بين يديه "القلب المعطوب والآخر السليم"، أن لا فرق بينهما.
ثم يأتون بالمتبرع العظيم، "والد الشاب" يلقّنوه كلمات مؤثرات يقولها:
(إنه لم يشعر بمثل هذا القدر من السعادة من قبل، وهو يحسّ أن حياة ابنه ستستمر قلباً ينبض في صدر شاب صهيوني.!)
إذا كان ذلك المتبرّع الموصوف "بالنبل الإنساني المفرط بالأريحية" ينشد ترويجاً لتقبّل التعايش، وهو يعلم أنه يعيش تحت أقدام الغازي، فأقل ما يقال فيه أنه هراء.
تمنيت لو أن ذلك "المتبرّع"، حتى يضع انتماءه تحت واحد من الشعارات "الوطنية" التي نسمع عنها، لو أدرَج شرطاً قبل توقيعه على لائحة التبرّع يقول فيه: أعطيك قلب ابني الذي قتلته شريطة أن ترحل عن قلوبنا.. لكن هذا لم يحدث.!
أذكر هذه الحادثة استطرادا لما يجري، التوقيت، وغياب الحضور العربي، كي ندرك من هم الذين يضخّون "الحياة" في جسد الأخطبوط، ولا بأس أن يبقى الشعب الفلسطيني الأعزل وحده في مواجهة آلة البطش.
نحن على يقين بأن الذي "اغتصب" قلب الشاب الفلسطيني، لن يتوقّف عن ممارسة مهنة القتل التي لا يتقن سواها.
وندرك أيضاً أن الولاء، والتبعية، والتنسيق الأمني"، هو تصريح لآلة القتل (الإسرائيلية) أن تصول وتجول، وتفتك بالدم الفلسطيني في غزّة وفي فلسطين كلها.
http://tishreen.news.sy/tishreen/public/read/323125