غربة الفزانى البهى
محمد السنوسى الغزالى
ناءت به المسارب والدروب الموجعه ومعاناة الغربة ورحلة الضياع من المهد في صرمان(1936م.) حتى اللحد في بنغازى مرورا ببعض السنون في المرج حتى بلوغه عشرة اعوام ، ولذلك كان الشعر ملاذه الاختيارى ومنفاه غير الوحيد ، او فلنقل ان كل ملاذاته كانت مهلكة للقلب وللحرف بالنسبة له..فكانت حصيلة عمره من الشعر بضعة دواوين منها :
- قصائد مهاجرة.
- اسفار الحزن المضيئة.
- الموت فوق المئذنة.
- رحلة الضياع.
- مواسم الفقدان
- الطوفان آت
- فضاءات اليمامة العذراء.
- دمي يقاتلني الان والقنديل الضائع في المدن الوثنية..
ثم مجموعته الكاملة طبعتان.. ودواوين اخرى..
كان الحوار بيني وبينه حاداً حول شعره..لكنه كان قامة ادبية كبيرة..وذات مرة كتب لي اهداء على الطبعة الثانية من الاعمال الكامله..كتب بالحرف( هذا ما استطعته لك واغرب عني)!!!
الكتابة عن الراحل علي الفزانى اشبه بالغوص في يمٍٍٍٍ ٍ ربما لايمكنك استكناه منتهاه ، ولذلك كنت ارى الفزاني اكثر من شاعر أو كائن تتملكه العواطف فيفرغها شِعراً!!.
لقد كتب الفزاني الشعر ، لكنه كتب اكثر وتمظهر في معانيه في الا دب والسياسة والتاريخ والحضارة، ولكنه لم ينشره!! وكان قبل اى شىء آخر رجلا عفيف النفس كبرياءه نادر ، بالرغم من حياة الكفاف التى كان يعيشها ويحترق فى اتونها..وقد يستغرب القارىء اذا تمعنت في انى ارى على الفزانى اديب وقامة كبيرة فى السياسة والتاريخ والذائقة الادبية اكثر مما هو شاعر..رغم اشتهاره كشاعر..ومن وجهة نظرى كان الشعر لدى الفزانى جزئية فرضتها معاناته التى عاشها فى غربته الحضارية من صرمان الى المرج وقراءة الكتاتيب الى بنغازى التي رحل منها الى الخلود عام 2000م... إذ لم يكن من اليسير عليه الا يجد وسيلة يعبر بها عن هذه المعاناة الذاتية التى لابد ان لها امثلة ومثائل فوق الارض..مع ذلك استطيع ان اصف الفزانى كشاعر رجيم مثل بودلير وايضا ككائن ضد العالم مثل بول ايلوار وليس فى هذا تناقض فى وجهة النظر..فالشعر الذى تفرزه حالة الصدق هو شعر ايضا..هذه هو الفزاني من وجهة نظرى ..انه كاتب مقاله ومحلل سياسى واجتماعى بالدرجة الاولى..الشعر لديه عبارة عن تعبير عن معاناته مما يحيط به من خراب...لقد عانى الفزانى من تخلف المجتمع ومن العقليات العشائرية البغيضة ..واقصد هنا الشللية ولذلك نجد فى شعره القتال ضد التخلف والعقلية الشللية التى طاردته فى المؤسسات والشوارع حتى انتقل من منزل الى آخر فراراً من هذا الكم والضمائر الخربة!!.. ايضا الدفاع عن المحصنات التى كان يرى انها محاصرة ككائنات تريد اثبات وجودها فى مجتمع قمعى ذكورى بحت حتى الوسط الثقافى الذى ينبغى ان يكون اكثر تقدما ووعيا ً ..هكذا قال لى ذات يوم بالحرف الواحد..:ان هذا المجتمع يرفض ان تكون المراة كفاءه يشهد لها..ولذلك يساء اليها تحت طائلة الهاجس القديم تجاهها..قال لى حتى المثقفين الذين يظنون انهم تجاوزوا هذا الطرح يمارسون القذف ضد المحصنات بطريقة موغلة فى الدناءة والدونية..قال: اذا اعطاك الله عمرا ونبغت نساء لدينا فسوف تقابل بحروب شعواء تحت اى شعار..فاياك ان تتخلف عن موقع الدفاع..وقد كان الفزانى يستشرف المستقبل...فى شعره هذه هى معاناته وهذا هو موقفه وهذا هو دفاعه..لكن للفزانى افاق اخرى فى الكتابة هى ذاكرته الحضارية والتاريخية والثقافية وكنت اتمنى ان نكون اكثر وفاءا للفزانى فنجمع مقالاته وكتاباته العديدة فى السياسة والادب..بل ونترجمها الى لغات اخرى اذا استطعنا ذلك..فليس كافيا ان يكون باسمه مكتبه فى شارع عمر المختار(بنغازي)..لأنه كان يؤمن بجدوى صنع الاجيال وليس كثيرون من مجايليه على هذا النحو ...و فىمركز الصابري الذى لم ادخله بعد رحيل الفزانى تعرفت على الفزانى الاديب والانسان...وكانت بينى وبينه علاقة خاصة لاادعى انها دافئة بل احيانا ماكانت لدودة...
ذات مرة كلفت باجراء حوار معه لصحيفة الاسبوع الثقافى..جئته هنا فى هذا المركز وكنت ممتلأ شبابا وتحمسا وانفعالا وكنت مرتبا او مبرمجا ضده لسذاجتى ، ونشر الحوار بحذافيره وكان الخلاف حول ادب الشباب فى ذلك الزمن هل هو الادب العمرى اى عمر الكاتب ام الادب الشاب
بغض النظر عن عمر الكاتب..اذكر فى ذلك اليوم انه قال لاحد الموظفين لااريد ان يزعجنى احد حتى اتفاهم مع هذا الولد!!..
لكن الخبرة والاحتكاك به غيرت من وجهة نظرى فيه..والتقينا فى حب الصادق النيهوم ذلك الكائن الذى جمع بيننا فى حضوره وغيابه ، النيهوم الذى صنع اجيالا وعندما رحل لم يجد من يدافع عنه حتى من تلك الاجيال التى ابدع هو حروفها فى الاصل ، الفزانى كان يحب النيهوم والتقينا فى هذا الجانب وقضينا عدة سنوات نتحدث عنه ونجعله مرجعيتنا في كل اختلاف..وكان بالنسبة لى الصادق النيهوم قيمة ادبية علمتنى الحرف والكتابة بعد ابى رحمه الله ورحم الله الصادق النيهوم وعلى الفزانى..وكان الفزانى ينظر له كشخص وكقيمة ايضا..ومن مصادفات القدر ان يكون الفزانى هو عراب الصلح بينى وبين المرحوم سليمان كشلاف بعد خلافنا الذى وصل الى ان تطايرت بيننا الصحون والسكاكين فى فندق الشاطى بطرابلس!!..وبعد الصلح فى مهرجان النهر جاءنى الفزانى فى المنزل قال لى : الرجل يريد ان يتصل بك ويستشيرك فى امر فلاتكن نزقا كعادتك..واتصل بى كشلاف وقال : تلك المعركة اريد ان ادونها فى كتاب ولكنى اردت ان استشيرك فى عنوان للكتاب استوحيته من تلك المعركة الطفوليه كما قال ..لقد اردت ان اعنونه بــ (الشمس وحد السكين!!)..
لاانكر انه استثارنى لكنى تذكرت الفزانى فقلت له : لست بوليسا على عناوينك..انت حر..اذا كنت ترى اننا نحن الذين ندافع عن النيهوم هم السكاكين وانت الشمس المشرقة..فهناك التاريخ الذى سيقول كلمته ..وانتهى هذا الموقف الذى اكتبه هنا لاول مرة..
* الفزانى يليق به صرح ثقافى باسمه يتحول الى خلية نحل ويحتوى جميع كتاباته وهمومه واهتماماته...هذا هو اقل ما يستحقه ، الفزاني الذى قتلته عفته فى الغربة ، وكان يعرف ما به لخبرته فى المجال الطبى..وواجه قدره بشجاعة كما كان يواجهه على الارض وتحت السماء...
الفزانى الذى قاتل ضد الشللية او المافيا الثقافية كما سماها..واتمنى ان يرى النور مخطوطه:
( المافيا الثقافية عبر التاريخ) هذا الاستقراء الجميل الذى قرات جزء كبير منه ..وليته ينشر ايضا دراساته عن الشعر المعاصر..لقد كان الفزانى عظيما فى شعره وهو يعبر عن معاناته من الشللية وكان اعظم فى قراءته للتاريخ..وهنا من وجهة نظرى يمكن ان نقرأ الفزانى ونتعرف اليه فى هذه الابيات من قصيدة رحلات قابيل العربى :
ايها الساقى الوسيم
هَاتِ كأسا – منْ دَم ٍ عذْب ٍ-ودَنْدِنْ لِلنديمْْ
فرَفِيقى خَازِنُ النارِ ورُبانُ الجحيمْ
كل ما حرمهُ الانسانُ يغدو – فىلـُهانَا كالنعيمْ
مات فخذا ً وكَِبِدْ
ولِساناً عربياً من قتيل ٍ فى اُحُدْ
واذا الزادُ فى الليل نفذْ
فلدينا بعضُ قِديدٍ حَنينْ
وغدا ً ناتى براس ابى ذَر العََنيدْ
وكنت اتمنى ان يكون بين يدى الان نصه الشعرى الذى يقول فى مطلعه :
إلهى اريد ان افتح بابا للحوار الجميل..
ففى هذا النص ما يمكن ان يقال الكثير عن الفزانى الاديب والانسان..والذى رحل وهو يقاتل فى المدن الوثنيه وما يزال دمه فى الوريد ضد تصاريف القبيلة وقذف المحصنات..
اخيرا... انى اشكر صادقا اؤلئك الذين اهالوا عليه التراب فى حياته ، لقد عمقوا فينا قراءته ، وكانوا مخلصين لموقفهم فلم يذرفوا عليه دموع التماسيح بعد رحيله..وهذا موقف يعبر عن الصدق مع الذات مهما كان الاختلاف حوله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تجلسوا حتى يعود على الفزانى
محمد السنوسي الغزالي
(1)
قفوا تكريما فقد رحل الفزانى..وسيعود ،مزاحه ثقيل كعادته..لكنه هذه المرة أكثر ثقلا وقساوة ولم يكن خفيف الدم..يا على هذه المرة كان دمك ثقيلا!!ارجع وكفاك هذرا!! تعرف اننا نحبك فلا تختبر فجيعتنا فيك..يعرف على الفزانى كم نحبه هذا الشامخ العصامي الأبي الفقير الفقيه المكابر المتعالي على الحياة!! المرعب يريد أن يختبر قلوبنا ونحن في انتظاره..فلا تجلسوا أيها الأصدقاء حتى يعود من فجاءته!!
(2)
قاهر الموت لا يموت..الساخر من الرحيل لا يرحل..لا تصدقوه ..هاهو كرسيه العتيق أمامي وهو يحدثني عن حكيم الميت الذي خرج بكفنه من قبره وذهب ليجلس في مأتمه بعد أن غافل حارس المقبرة ثم ضربه!!فلا تصدقوا أن الرجل الذي كان مالىء الدنيا يرحل هكذا..لابد من ضجيج يستحقه قبل أن يرحل بمثل هذا الهدوء المفاجيء..لابد أن ينتهي العالم ونكسر الأقلام ونطوى الصحف ونتوقف عن القراءة قبل أن يرحل!!..فيا على..أيها الفرزدق في زمانه لا ترحل ..أيها الساكن في الجوانح لا ترحل..حبات المسبحة بدأت تتدحرج ولم يبق غيرنا وبعض المكابرين الذين قرأوا في مدرستك عشق الأرض..
(3)
لا ترحل يا على... من بعدك سيقاتل القبيلة القميئة؟؟ والجهل والجاهلين والأفاقين والأدعياء؟؟..من سيفضح الكروش المتعفنة ومن لديه غيرك ملفات المدعين ؟؟ من سيفضح الجراح ويسل سيفه في وجه مافيات الثقافة؟؟ ..من سيبحث عن الضوء والقناديل التائهة..من سيرقص حافيا سخرية من العهر، من سيفضح الجهويين الذين طاردوك من شارع الى شارع ..وظللت تعشق مدينتك...غرامك وعشقك فى العروق..من سيكتب قصيدة أخرى غدا؟؟..
(4)
لا تصدقوا أن هذا الأسمر العنيد المكابر سيرحل..فلا تسترخوا ولا تجلسوا حتى يعود من رحلة ضياعه وإسفاره المضيئة...سيعود.. لا تصدقوا..انه فقط يمازحنا وهو يعرف ان الطوفان آت فمن سيحتفي به غيره حتى وان قاتله دمه !!، سيعود ليملأ الدنيا غضبا وحروفا لاتلين ..وما أصعب ان نصدق انه قد رحل ..سيعود..سيضرب سيغافل حارس المقبرة وسيفاجىء الذين تنفسوا الصعداء ويدخل الى المنصة ليعلن استمراره في حقده المرير على المدن ألوثنيه ..فلا تجلسوا..إكراما له لا تجلسوا حتى يعود..
صحيفة الجماهيرية
30/9/2000
من صرمان إلى بيرن
علي عبد السلام أبوبكر الفزاني
مواليد صرمان-ليبيا: 17/2/1936
من مؤسسي اتحاد الكتّاب الليبيين ومؤسس فرع رابطة الأدباء والكتاب ببنغازي.
نشأ نشأة دينية على يد والده الذي عمل بالقضاء لفترة بمدينة صرمان .
حفظ القرآن في الحادية عشر من عمره بجامع سيدي زكري بصرمان، على يد الشيخ علي الميلادي.
انتقل مع أسرته عام 1947 إلى بنغازي، وتخرج عام 1953 بدبلوم عال في التمريض (أول دفعة تمريض ليبية).. ثم الإجازة العليا في التوعية الصحية بجامعة الإسكندرية عام 1971.
أرسل للعمل إلى المرج في المستشفى الصدري، ومنه أوفد إلى الجامعة الإسلامية ليعمل ممرضاً بها وهناك درس اللغة والنحو على يد العالم المعروف المرحوم الشيخ "عيسى الفاخري".. عاد إلى بنغازي والتحق بالعمل بالصيدلية المركزية وواصل دراسته الليلية وتعلم الإنجليزية على يد الأستاذ الفاضل "محمد بودجاجة".. أكمل دراسته حتى الثانية ثانوي طالباً منزلياً وفي الوقت نفسه بدأ ينشر بعض قصائده وقد نشر أولى قصائده في جريدة برقة ثم احتضنه الأستاذ الشاعر الراحل/ عبد السلام قادربوه فنشر له قصة وقصيدتين وعلى يديه أتقن علم العروض.. توقف عن النشر حتى سنة 1965، ثم بدأ إنتاجه يخرج في الصحف نثراً وشعراً، ينظم على الطريقتين التقليدية والحديثة.
• طبع أول دواوينه (رحلة ضياع) عام 1967، لدى مكتبة الأندلس والذي كتب مقدمته "الصادق النيهو"، وفي السنة التالية 1968، طبع ديوان (أسفار الحزن المضيئة) لدى مكتبة الأندلس أيضاً وقدم له الدكتور "مصطفى منذور".. خرج ديوانه الثالث (قصائد مهاجرة) بمقدمة للدكتور "عبد القادر القط" في 1969 بمكتبة الأندلس أيضاً.
سافر إلى الإسكندرية لإتمام دراسته العليا بالمعهد العالي لجامعة الإسكندرية ونال إجازة عليا في التوعية والتثقيف الصحي وكُرِّم في نفس السنة في عيد المعلم العام 1970.
طبع ديوانه الرابع (الموت فوق المئذنة) عن طريق مكتبة الخفيفي ببنغازي 1973 ف وأعيد طبع ديوانه (رحلة ضياع) مرة أخرى بنفس المكتبة.
صدرت له الأعمال الشعرية الكاملة الأولى عام 1975 ف عن الإدارة العامة للثقافة.
صدر له (مواسم الفقدان) عام 1978 ف، وتبعه (الطوفانآتٍ) عام 1981ف.
العام 1984 ف طبع ديوانين في كتاب واحد وهما (دمى يقاتلني الآن، والقنديل الضائع في المدن الوثنية) وأعيد طبع المجموعة الشعرية الكاملة الأولى في نفس السنة.
العام 1996 ف صدر له ديوان (ارقص حافياً) عن الدار الجماهيرية للنشر
والتوزيع والإعلان، وفي نفس السنة صدر ديوان (طائر الأبعاد الميتة) عن اتحاد الكتاب العرب السوريين ووزع في الوطن العربي.
صدر له ديوان (فضاءات اليمامة العذراء) العام 1998 ف عن الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع و الإعلان.
الأعمال النثرية: بدأ الشاعر يكتب اليوميات في الجرائد والمجلات الليبية منذ العام 1964 ف ويواصل نشر إنتاجه النثري حتى الآن.
شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في الوطن العربي ومؤتمرات اتحاد الكتاب العرب في عدة أقطار عربية.
صدرت عنه رسالة ماجستير في تونس عن أعماله الشعرية الأولى
للأستاذ محمد البدوي"، كما تناوله الأستاذ "طاهر عمران" في أطروحته لنيل الماجستير من جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور "على عبد الواحد" والدكتور "عبدالقادر القط".
أجيزت رسالة دبلوم عال حول الثورة في شعر علي الفزاني بإشراف الدكتور "عماد حاتم".
صدرت العديد من الدراسات حول شعره بجريدة تشرين السورية والصحافة الخليجية.
كتبت عن ديوان (رحلة ضياع) حلقات نقدية تزيد عن ثلاثين حلقة بجريدة الحقيقة للدكتور "محمد أحمد وريث".
الوظائف الثقافية:
• أميناً للمركز الثقافي الصابري ومؤسساً له.
• أميناً لقسم الترجمة والتأليف بإدارة الفنون والآداب.
• محرر أول بمجلة الثقافة العربية.
• أميناً للثقافة الجماهيرية ببنغازي.
• أميناً للجنة النصوص بإذاعة الجماهيرية ببنغازي.
• عضو هيئة تحرير مجلة الفكر الثوري.
• عضو أمانة رابطة الأدباء والكتّاب بمنطقة بنغازي.
• مستشاراً لمجلة الثقافة العربية.
• عضو هيئة تحرير الملحق الثقافي لصحيفة الجماهيرية.
يتكلم اللغتين الإنجليزية والإيطالية.
تحصل على وسام الفاتح العظيم للريادة في عيد الوفاء الأول.
كتب العديد من البرامج للإذاعتين المرئية والمسموعة وإذاعة صوت أفريقيا وإذاعة بنغازي المحلية، منها: أبعاد أدبية/ الأبعاد الأخرى/ كتاب اليوم/ قراءات في الشعر العالمي المعاصر/ الصحة والمجتمع.
دواوينه:
رحلة الضياع- دار مكتبة الأندلس/1967
أسفار المدينة المضيئة- دار مكتبة الأندلس/1968
قصائد مهاجرة- دار مكتبة الأندلس/1969
الموت فوق المئذنة- المكتبة الوطنية/1973
- المجموعة الشعرية الأولى- الدار الجماهيرية/1975.. (تحوي المجموعات: رحلة الضياع/ أسفار المدينة المضيئة/ قصائد مهاجرة/ الموت فوق المئذنة).
مواسم الفقدان- الدار الجماهيرية/1977
الطوفان آت- الدار الجماهيرية/1981
دمي يقاتلني الآن و القنديل الضائع- الدار الجماهيرية/1984
أرقص حافياً- الدار الجماهيرية/1995
طائر الأبعاد الميتة- اتحاد الكتاب العرب/1995
فضاءات اليمامة العذراء- الدار الجماهيرية/1998
توفي في بيرن بسويسرا يوم 27/9/2000
ودفن في بنغازي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
من اعماله
رحلة في لغة البكم
أتهجّى لغة البكم أداري
محنتي الصمت.. نواميس القبيلة
بدويُّ أرفض الأرض تدورْ
ثابت كالطوطم المغروس في إرث العشيرة
وإذا لاح الهلال
لاح لي وحدي- أنا الكون ومجدي العادياتْ
ومدى الأغنية المبحوحة الأوتار في حلق الدمن
موقد النار وصيحات من مغارات الذئاب
وإذا غاب المطر
في فجاج الأرض نغدو قوتنا نبتُ العرارْ
ربّما جاء إلينا زائرٌ نعله الفولاذ والخيلُ الحديد
يبتغي القَارَ- وشيئاً من قرار الأرض لا ندري مداه
لغة البكم مداها العوسجات!
ونباحٌ. وصياحٌ العنزة العجفاء في القفر اليباسْ
ومواعيد لاتي العزواتْ
شيخنا لا يقبل القسمة بعد الغنيمة
الجواري للنخاسات وتسبي المحصنات
زمن كالثلج- لا يقوى يذوب
وإله الشرق مأواه الصقيع
قتل الدفء فما أبقى اشتعالاَ
كلما ثارت- على الأرض براكين- وغاوتنا شموس
ضمنا كهف جديد
فحرام في مقامات القبيلة
تُبعدُ القملَ وأسراب الذبابْ
وحرام أن يرى الحراس في كفيك صفحات كتابْ
وحرام أن تزرع الأرض زهوراً ومشاتل
تحفر الأرض وتفتض مناهل
وحرام أن تقاتل
إرثك المملوءَ صلباً ومقاصلْ
وحرام أن تجادل
لغة البكم وترتاد المجاهلْ
* * *
عندما- رّفتْ- حمامة
بذرةً تحمل بشرى (عشتروتْ)
أقفلوا بوابة الأفق عليها فتاهت في المدار
حينما أنبت في الأحجار فأسي
فاتحاً في الصخرة الصماء كوة
رافضاً عادي ويأسي
ورأيت الله في البر والبحر شموساً
وعصافير جميلة
جرَّني- شيخ القبيلة
لقرار البئر- لكن-
رغم منفاي الطويل
يحمل الضوء صراخي للملايين فتصعد
فلماذا لا أكونْ؟
* * *
أتراني بين رعب وارتعاش
وأسى (الخمسين) والفقر والمكابر
وضياعي وضياع الحلم المقتول في ليل المدائن
واشتهائي أحمل الأقمار باقات ضياء وجنائنْ
أتراني؟.. غير مل يلقى ضرير من حقير
كسرةُ الخبز تولّى من أكفي وصغاري في العراءْ
ما الذي يجعل الشعر مناراً في وطنْ؟؟
كيف؟ ماذا؟ صار منفاي الوطن؟
هدموا ذاكرة البوح وحبي للحياة
هو موت- لا أبالي- بالذي يأتي
وما أخفاه البوح مني-
صار للأعمى مباحْ
فاتركيني حاملاً مصباح روحي لملاذ لا أراه
شاعراً غنى قليلاً أو كثيراً واستراحْ
* * *
قال لي العشَّارُ: (اصبر سنفيق)
وأنا تحت ركام الصبر من عهد سحيقْ
آه من كنز العقوق
والقناعات بأثل العُدْوة الجرداءِ،
والصّبار والموت الصفيقْ
واصطفاق الباب في إثري ومزاليج الطريق
وأنا أطفو قليلاً ثم أهوي كالغريق
تستغيث النطفة السمراء في الأرحام ممَّا سيكون!
والذي كان عقيماً!
والذي لم يأت أدهى!
والمواريث جنونْ!
* * *
يا يباس النسغ في الطين. يا مأوى الرقيق
أتراني أشعل القنديل في ليل دروبي
والمغارات وظلماء الشقوق
وأحيل الثلج في الشرق.. حريق!؟
* * *
ما له يَرْتَدُّ في اللحم متى اكتظّت مزارات الرّياح
ودم العرق على العرق كما يُجتاح جُرحٌ
يتهاوى جسدٌ. ينهدُّ مكسور الجناحْ
يختفي من خشب الصلب فيلقى
حاصب الرؤيا في الأبعاد..
يغدو- مستباحاً
عَلَقاً فرّغه الطّاغوتُ جيلاً يورثُ العقم لجيلٍ
والرؤى إرث مباحْ
* * *
لِمَ في عينيك ترسو
سفن الذل ويُغتالْ الذهولْ
لِمَ لا يجتاز هوة الصمت، وأشقى
بالوصول
حُبّنا ضليلاً ومهاناً وخرافي الحلول
لَمْ يعانق سدرة الله ولا أعلن رفضاً وذوى عبر الفصول
نحن- لا حربَ (ولا سلمَ- ولا موت لأنكيدو)
ولا زهو (أخيل)
نحن وهم المستحيلْ!
* * *
ها أنا عدت كما كنت طريد
دون نعل دون خبرْ
أختفي في جثث الموتى وأرتال العبيدْ
كبريائي جبهة سمراء حقدي في الوريد!
1986
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
سيدة
ذات مرة
في بداية ربيع إغريقي جميل
قابلت امرأة، جميلة-
لم تقل من أنت- ما اسمك- من أي بلد؟
شربنا شاياً في المقهى
وذهبنا- للمرقص
قلت لها- ذلك المساء!
أرغب أن أدعوك باسم السيدة (نعم)
قالت أرغب أن أسميك السيد (عابر)
بعد شعر ودّعْتُها دون أسف على شيء
للآن وبعد ربع قرن لم أر السيدة (نعم)
وللآن وبعد ربع قرن لم تر هي السيد (عابر)
أما أنا-
فقد عبرت (نَعَمْ) مرة واحدة
وعبرتني- مرة- واحدة أيضاً
هذا يكفي صعلوكاً متمرداً مثلي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهر زاد
ظلمت شهرزاد الذّكية
ذات الجمال الطَّريِّ العابث
تحكي ألف ليلة وليلة
بالإضافة إلى أيام العطلات الرسمية
كان الملك شهريار
يصغي باهتمام
مبتهجاً كان ومسروراً ومغتبطا
لم يتجهم وجهه أبداً
لم يُدّونْ في مفكرته السوداء شيئاً غير طبيعي
لم يطلب جهاز تسجيل مرئي أو مسموع
لم يكن- شهريار عادلاً- فلا ملك عادل
لكن الأنثى الذكية
لم تتحدث عن المجاعات والغليان الشعبي
لم تشر إلى- لعبة الأمم والدوائر السرية
لذا- قلدها الملك شهريار
حزمة من اللآلئ والعقود والأحجار الكريمة
وضع في رصيدها كل أنواع العملة الصعبة
وينفق أحفادها للآن
على ملذاتهم بسخاء
الشعب المسكين للآن يقول:
هذه امرأة ذكية ولطيفة
لقد خرجت من المحنة الطويلة
بسلام!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الحوار المقـفـل
إلهي سأفتح باب الحوار الجميل
فهذا المساء
مساء شتاء طويل
وهذا الصقيع علي شديد، شديد
وما ذقت خبزاً وليس لدي لحاف
وبيتي الفضاء الفسيح المديد
...
إلهي الجميل
أتعرف طفلي الجميل
لقد مات جوعاً- تمزق قصفاً- وكنت تراه
لك الحمد على الكارثة
لك الحمد على الواقعة
ولكن لدي- إلهي- سؤال
لماذا خلقت الملوك.. وجنس الطغاة؟
لماذا تذل العباد بأيدي العباد؟
لماذا يقاتل سيفي ذراعي ورمحي يدي؟
لماذا يصير العراق خراباً؟؟
وأنت خلقت العراق جميلاً
بطلع جميل..
ونخل نضيد
لماذا يموت الحسن مراراً؟
أكان الحسين يليل بغاة..؟
إلهي أجرني فإن السؤال
يخاف السؤال
وإن السكوت محال
وإن القرون الطوال
تمر علي وخوفي سجين الشفاه
...
إلهي قرانا بها مترفون
نهار ضرار- وليل مجون
وحتى الحروف
تصير فروجاً سبايا لأن الرغيف
تحول لغما مخيفا
فإما الركوع، وإما الركوع وإما السجون
.. وإما الرصيف
...
إلهي لماذا الغموض يلف القصيد؟
لماذا يصير النبوغ كلغو بليد؟
لماذا يباع الكلام.. وأنت إلهي شهيد
على سخفهم
على عريهم
على عريهم من ثياب الإباء العنيد؟
...
خذوني
خذوني
إلى حيث شئتم
إلى السجن مرحى فما كنت يوماً طليق
يقيني بأني ولدت بأرض الرقيق
أنا يوسفي المنافي وبئري القديم
تحول حينا فصار ملاذ الحريم
وما قد ثوبي ولكن لبست رداء العبيد
...
إلهي تعال!
هموا أرسلوا قنبلة!
على كل حبة قمح فصارت رذاذاً رماد!!
هموا أحرقوا السنبلة!
فصار نخيل العراق ذبيحاً كرأس الحسين!!
وكل العراق- وكل البلاد- وكل الخليج- كرأس الحسين
وكل النبات وكل الزمان- وكل غداة كرأس الحسين
...
خذوني
خذوني
إلى السجن- مرحى
فكل تراب.. عراق
وكل المنافي عراق
فمصر....... عراق
دمشق عراق
وسرت عراق
وكل البلاد عراق
خذوني
خذوني إلى السجن
إني عميل العراق
خذوني فإن السجون تضاء-
بنزيف العراق
التباس
طوبى لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة فهؤلاء......
...
طوبى لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة فهؤلاء
............
...
طوبى
لمن يدق باب الله
يقول له:
معذرة
مالفرق بين لفظة
الدمار- والدولار!؟
----------
مجلة البيت.. العدد:12- السنة:36- 12/2000.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال شاعر قديم ” أعطيتني الوحل فصنعت منه الذهب ” و لست بمعتقد بأني صنعت لكم ذهبا و لكنى متأكد بأنني حاولت و وجدت - المحاولة – و هذا مكسب طيب بيد أن على أن أغوص في المزيد من الوحل و الطين و أن أحفر بأظافري بحثا عن مكان للبذرة في الصخور – هناك حيث الأجيال و الأطفال و أمتي ينتظرون الخلاص و الربيع و الشمس في بلاد الشمس.
علي الفزاني
بخط يده