آباء غير شرعيينجرت العادة على تسمية الطفل الذي ينجب خارج علاقة زوجية موثقة بعقد على أنه "ابن غير شرعي"، وهذا يأتي ضمن طريقة أخذ الأمور كما هي وبدون تفكير. هذه التسمية ترافق هذا المولود في رحم أمه وطوال حياته ولا ترحل معه إلى قبره ، بل تبقى ذكرى له بعد وفاته وذكرى لأبنائه وأحفاده إلى يوم يبعثون. ما هو غير الشرعي في الموضوع ومن هو غير الشرعي؟ هل هو الطفل الذي يأتي إلى الدنيا بدون إرادته أم الأب الذي قام بالعمل غير الشرعي بكامل وعيه وعلمه؟ الصح أن نقول أن هذا أب غير شرعي لطفل لا ذنب له بدلا من إلقاء التهمة والذنب على الطرف الأضعف في العملية كما اعتدنا دائما. فالآباء والأمهات هم غير الشرعيين والأطفال من هذه العلاقة هم النتيجة أو الضحية ليس إلا. المجتمع الذي يستمر في نسب اللاشرعية إلى الأطفال ويتناسى مصدر اللاشرعية الأصلى هو مجتمع يجتر عاداته وتقاليده البالية فتجده يتوارث مثل هذه التسميات كما يتوارث حمضه النووي وجيناته وصفاته الوراثية الأخرى. المطلوب هو طفرة حقيقية في النظر إلى الأمور والتحرر من الكثير من تقاليدنا التي صارت ثقيلة على صدورنا في زمن الجلطات والسكتات القلبية وأمراض ضغط الدم وخلافه.إياد جميل دويكات
وجرت العادة أيضا على إسكات الأطفال دائما ليتحدث الكبار، وأكثر من ذلك تكميم أفواه الأطفال مهما كان نوع ما يريدون قوله، وترك المجال للكبار للكلام مهما كانت نوعية ما يقولون. هذه الممارسة هي تجسيد عملي لإسكات المستقبل وتكميمه وإطلاق العنان للماضي مهما كان نوعه ومستواه ليسرح ويمرح في ميادين الكلام. كل هذا التكميم يبدأ بالبيت ومحيطه والمدرسة ومحيطها، فما إن يصل الإنسان لمرحلة يمكن فيها أن يكون له رأي، حتى نراه مشوه الآراء وفاقد الثقة فيما يقول في معظم الأحيان. عملية إسكات الأطفال، واستخدام أقسى وأصعب الألفاظ لإسكاتهم هو تأسيس لممارسة عامة على جميع المستويات من قمع الرأي. المعظم يقوم بهذه الممارسة فيسكت من هو أصغر أو أضعف منه، الآباء يسكتون الأبناء، والمعلمون يسكتون الطلبة، والساسة يسكتون العامة. الآباء البيولوجيون والمعلمون والساسة كلهم آباء في هذا السياق، فهل ما يقومون به من ممارسات يستحق صفة "الشرعي"؟
وجرت العادة أيضا على نسب المؤسسة في بلادنا إلى الفرد وخصوصا في مؤسسات مجتمعنا المدني العتيد، بدلا من نسب الفرد إلى مؤسسته. من هو الأب ومن هو الإبن؟ الفرد أم المؤسسة؟ الأدهى أن الكثير من هؤلاء "آباء المؤسسات" مذبوحون حتى الوريد على الديمقراطية وتداول السلطة والمشاركة العامة وقبول الآخر وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في صناعة القرار. هؤلاء الآباء يسكنهم وسواس مشاركة المرأة والشباب والطفولة وحقوق المعاقين والأقليات والفقراء وكأن الله أرسلهم فقط للمرافعة عن حقوق هؤلاء المظلوبين والمطالبة بفرصهم في المجتمع. لكنهم في الممارسة آباء مؤسساتهم التقليديين، فهم كل شيء في حياة المؤسسة. وكما نعلم فإن "كل مؤسسة بأبيها معجبة" وهو أيضا معجب بنزاهتها وولائها وطاعتها العمياء لأبوته ولوثريته التي تحمل كل هموم الدنيا على كتفيه اللذين أعياهما عبء العمل العام ومشاغل المظلومين. على الرغم من كل هذا الحكم الفردي المطلق للمؤسسة، إلا أن أي خلل سينسب لها في الغالب، فلا يتردد "الأب" في قتلها دفاعا عن الشرف إن شابها أي فساد أو سوء استخدام، وكأنه هو الطاهر العفيف ذو الشرف الرفيع. يتبرأ مثل هؤلاء الآباء من مؤسساتهم تماما كما يتبرأ الآباء من أبنائهم متناسين أن ما يقوم به هؤلاء الأبناء –بيولوجيين ومؤسسات- هو من صنيعة الآباء. فمن هو غير الشرعي في هذه الحالات؟ هل هي المؤسسات التي تذهب ضحية المفسدين والمسيطرين أم هم آباؤها غير الشرعيين الذين اغتصبوها طوال عمرهم ونسبوا لها العار عندما انكشف أمرهم؟
هذه هي صور الآباء غير الشرعيين، وغير ذلك فلا أظن أحدا يختار أن يكون غير شرعي بإرادته، اللاشرعية يصنعها الآباء ويدفع ثمنها الأبناء طوال عمرهم فأي أب تريد أنت أن تكون؟
iyad@insan.ps
http://www.insan.ps/articledet.php?id=23