مة:
الحمد لله القائل في كتابه الكريم (( ... هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) (المنافقون4) والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: "أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان" ([1]).
أما بعد:
فإن أفضل ما يفنى فيه العمر، ويبذل له الجهد والوقت هو دراسة كتاب الله عز وجل، فهو المعجزة الخالدة، والحجة البالغة، بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول، وتضافر إيجازه وإعجازه، وحّوت كل البيان جوامعه وبدائعه، قد أحكم الحكيم صنيعته ومبناه وقسم لفظه ومعناه.
لذلك عكف العلماء على دراسته والكشف عن أسراره وإعجازه وبيان جمال نظمه وروعة إبداعه، فأحببت أن أسهم بجهدي المتواضع في هذا المجال بقدر ما أستطيع، فوقع اختياري على موضوع (آيات النفاق في القرآن الكريم دراسة لغوية) لتكون موضوعاً لبحثي لنيل درجة الماجستير.
وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أيضاً خطر النفاق والمنافقين على الأمة، وكثرة الآيات التي تحدثت عنهم، فقد جاء ذكرهم في سبع عشرة سورة من السور المدنية البالغ عددها ثلاثين وهي البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحجّ، والنور، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والمنافقون، والتحريم، واستغرق ذلك قرابة مائتين وخمسين آية.
فكان الحديث عنهم بلغة فريدة، وأسلوب بليغ تعاونت فيه الألفاظ والتراكيب لتعبر عن أخطر مسألة تقدح في العقيدة، وتهدد المجتمع المسلم وهي (النفاق).
وعند عودتي إلى بعض المراجع التي تعرضت لموضوع بحثي، وجدت مرجعاً قريباً من بحثي، وهو كتاب (لغة المنافقين في القرآن) للدكتور عبدالفتاح لاشين، وعند الاطلاع عليه وجدته أشبه بكتب التفسير، فقد كان يذكر المؤلف الآيات التي تتحدث عن المنافقين، فيذكر مناسبتها، وأسباب نزولها، ثم يذكر الأقوال اللغوية للمفسرين دون أن يشير إليهم، فبدأ بذكر الآيات التي في سورة البقرة ثم الآيات التي في سورة آل عمران وهكذا.
فقد اعتمد في كتابه اعتماداً أساسياً على كتب التفسير- وعددها سبعة عشر كتاباً- ولم يتعدها إلى غيرها، ومع هذا لم يكن يشير إليها في أثناء كتابه وإنما ذكرها في قائمة المصادر التي اعتمد عليها.
وهناك كتب أخرى تعرضت لموضوع البحث، ولكنّها تناولته من الناحية الشرعية لا اللغوية، ومن أشهرها كتاب (النفاق وأثره في حياة الأمة) للدكتور عادل بن علي الشدي، وهو في الأصل رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم العقيدة بكلية التربية بجامعة الملك سعود، فهو كتاب في العقيدة لم يكن للبحث اللغوي فيه نصيب.
وقد اقتضت دراستي هذه أن يقسم البحث على تمهيد وثلاثة فصول وينقسم كل فصل منها على مباحث.
فكان التمهيد في تعريف النفاق لغةً واصطلاحاً، وذكرت فيه أنواع النفاق وأسباب ظهوره، وصفات المنافقين، وموقف القرآن في مواجهتهم وشروط قبول توبتهم.
أما الفصل الأول فكان في (الدراسة الصوتية لآيات النفاق) فجاء هذا الفصل في أربعة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن علاقة الجرس الصوتي بمعناه، وبيّنت في المبحث الثاني التكرار الصوتي، وكيف أنّ هذا التكرار يحدث إيقاعاً ترتاح له النفس وتطرب له الأذن ويقوي المعنى، ووقفت في المبحث الثالث عند التلاؤم والتنافر بين الحروف من خلال عرض أقوال العلماء في ذلك مشفعاً ذلك بالترجيح، وتناولت في المبحث الرابع الفاصلة مبيناً أقسامها، وخصائصها في آيات النفاق.
وقد أوقفت الفصل الثاني على (الدراسة الصرفية لآيات النفاق) وكان ذلك في ثلاثة مباحث، فتناولت في المبحث الأول الصيغ الفعلية، وتحدثت في المبحث الثاني عن الصيغ الاسمية للمصادر ذاكراً دلالة تلك الصيغ، وخصصت المبحث الثالث للمشتقات ذاكراً الدلالات المختلفة لها.
أما الفصل الثالث والأخير فكان في (التراكيب النحوية لآيات النفاق) وقد توزع هذا الفصل على ثلاثة مباحث، فقسمت المبحث الأول على قسمين: تحدثت في القسم الأول عن أُسلوب التوكيد، وفي الثاني تحدثت عن أسلوب النفي، وكان المبحث الثاني في قسمين: القسم الأول في أسلوب الشرط، والقسم الثاني في الجملة الطلبية من استفهام وأمر ونهي وترجٍ وتحضيض ونداء، وختمت الفصل بمبحث عن الجملة الإفصاحية فتناولت أسلوب الذم وأسلوب التعجب في آيات النفاق.
وقد جاءت خاتمة البحث في أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة وأتبعتها بثبت للمصادر والمراجع.
ووجدت أنّ منهج التحليل الوصفي هو الأليق بمثل هذه الدراسات، متخذاً من التطبيق سبيلاً إلى توضيح ما أريد بيانه، واعتنيت بتصدير كل فصل من فصول الدراسة بمقدمة نظرية موجزة، متجنباً الخوض في المسائل الخلافية إلاّ بقدر ما تدعو إليه الحاجة بما يتناسب مع طبيعة البحث، وتتبعت الصيغ الصرفية والتراكيب النحوية وذكرت مواطن ورودها.
وعزوت الآيات القرآنية الواردة في البحث ذاكراً اسم السورة ورقم الآية بعد ذكر الآية مباشرة حتى لا أثخن البحث بالهوامش، لأنّ الآيات التي وردت في البحث كثيرة، وقد كنت أذكر الآية بنصها عندما أرى ضرورة لذلك وكثيراً ما عنيت بذكر موضع الشاهد من الآية.
ولا يسعني في ختام هذه المقدمة إلاّ أنّ أرد الفضل لأهله فأشكر شيخي وأستاذي الدكتور هادي النهر الذي تعاهد هذا البحث بالرعاية والتوجيه، ولم يأل فضيلته جهداً في توجيهي وإرشادي ورعايتي، بل فتح لي قلبه وبيته ومكتبته على الرغم من كثرة مشاغله، فجزاه الله عني خير ما جزى شيخاً عن تلميذه.
ويلزمني أيضاً توجيه الشكر إلى قسم اللغة العربية رئاسة وأساتذة، الذين تتلمذت على أيديهم وكان لهم فضل علي بعد الله عز وجل فجزاهم الله عني خير الجزاء.
وأشكر كل من قدّم إليّ يدَ المساعدة لإتمام هذا البحث من قريب أو بعيد وأخص منهم مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية الذي أمدني ببعض المراجع فجزاهم الله خيراً.
وأتوجه بجزيل الشكر وعظيم الاحترام إلى أساتذتي الأفاضل أعضاء لجنة المناقشةِ، على قبولهم مناقشة هذه الرسالة، وإبداء التوجيهات السديدة والآراء العلمية القيمة التي يُستكمل بها عملي- إن شاء الله- شروط نجاحه وقبوله فجزاهم الله عني خير الجزاء.
والله أسال أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم الدين، وأستغفر الله فيما عسى أن يكون من خطل أو زلل، فإن أصبت فمن الله وإن أخطات فمني ومن الشيطان.
[1] - المسند (1/22، 44)
المصدر
http://www.yemen-nic.info/contents/studies/detail.php?ID=16654