لم أجد من هو أشد حمقا ممن اعتقد يوما أن اتفاقية "أوسلو" التي أعادت بعض المُتعَبين من حمل البندقيَّة إلى بلادهم، وهو يتأبطون رغبتَهم في تجربة مهمات الحراسة والقمع، هي التي ستعيد إليهم بلادَهم نفسَها (!!)
أيُّ نوع من عمى البصر والبصيرة يجعل أمثال هؤلاء لا ينتبهون إلى أن عددا من الفلسطينيين يزيد عن مائةِ ضعفِ مَنْ عادوا، كانوا مقيمين في بلادهم أصلا، لكن تلك البلاد لم تكن لهم في يوم من أيام الاحتلال (!!)
فما الذي سيجعل هذا الكيان الغاصب يتعامل مع فدائي خلع بِزَّةَ المقاتل المهيبة، وارتدى بِزَّة الحارس ورجل الشرطة القميئة الذليلة، على نحوٍ مختلف عن تعامله مع غيره من المواطنين على مدى سنوات الاحتلال (؟!)
فإذا كان هذا العدو الغاصب قد رفض الاعتراف لثلاثة ملايين فلسطيني لم يستسلموا يوما وهم ثابتون فوق أرضهم، بأيِّ حق لهم، فهل سيتعامل مع كتيبةٍ من المستسلمين بخلاف ذلك (؟!)
ما أغباكم، وما أحمقكم، وما أقل عقولكم أيها الأوسلويون، عندما خدعتم أنفسَكم بكذبةِ أنكم ستعودون إلى أرض الوطن السليب، وأنكم ستثبتون أقدامَكم فيها لتفرضوا على الاحتلال إرادتَكم (!!)
ونسيتم أن الثلاثة ملايين فلسطيني الثابتين على أرضهم كانوا في هذا أقوى منكم، وإنما هم كانوا في حاجة إلى بنادقكم وهي تردفُ ثباتَهم على الأرض من محيط فلسطين لأسباب إستراتيجية يعرفها القاصي والداني مثلما كنتم تعرفونها قبل أن تتعاموا عنها قاصدين (!!)
ولم يكونوا بحاجة إليكم ليشاهدوا مسرحيةً جديدة تؤدونها على أرض الوطن، لم تختلف كثيرا عما عهدوه في قوات الاحتلال (!!)
وَهِمْتُم أنكم ستَقْوَوْنَ بدخولكم على دبابةٍ إسرائيلية، والحقيقة هي أنكم أضعفتم من كان بكم قويا عندما كنتم مصدر حرج وإزعاج لكل "العُربان" من أوثان "الوظيفيات والتبعية"، حتى وأنتم تتنقلون من معسكرٍ من معسكرات التيه والتشرد والاغتراب والشتات إلى آخر، بلا بندقية، وبرصاصة فارغة محسوبةٍ عليكم (!!)
فارتاح عربان الوظيفيات من هَمِّكم بغبائكم، عندما جعلتموهم يتنفسون الصُّعَداء وهم يُلقون بقضيتكم إلى أحضانكم، ويلقون بكم وبها إلى أحضان عدوكم (!!)
فأصبح من حقهم أن يترفَّعوا عن مناجزة هذا العدو حتى بالكلام والصراخ بعد أن اصبح عدوكم وحدكم، منتظرين معركتكم الجديدة الخاسرة مسبقا معه ليوقعوا برضاكم على مشهد المسرحية الأخير، وأنتم تنحرون القضية على مذبح الرعونة والحماقة والغباء، كي لا نقول على مذبح الخيانة والتآمر (!!)
فتبا لكم من حمقى أضعتم أنفسكم، وأضعتم ثبات شعبكم على أرضه، وأضعتم معكم كل وطني عربي عندما نزعتم من بين يديه حقه في أن يناضلَ بكل ما أوتي من قوة، لكي يعملَ على إجبارِ نظامِه على احتضانكم حتى تُنْجَزَ القضية، أو أن يهلكَ ويرحل (!!)
لقد كان هؤلاء البغاة والطغاة من أركان النظام الوظيفي العربي يدركون جيدا ومن خلفهم عتاة الصهاية والإمبرياليين، أن القضية الفلسطينية إذا طالت بلا حل ستكون صاعق التفجير في كل مكان في هذا الوطن العربي الكبير ولن ترحم أحدا أو تستثنيَه من حرائقهان ولن تبقى طوبة لنظام عربي وظيفي قائمة على طوبة أخرى (!!)
فكان لابد من ان تتم إزاحتها إلى مساحة تؤجل كلَّ ذلك، ولم تكن هناك مساحة أفضل ولا أحدى من تلك التي تجعل فلسطين قضيتكم وحدكم، وتجعل معركتم مع عدوكم معركة سياسية بعيدة عن أيِّ أرض عربية قد تتلظى مباشرة بأيِّ فشل كان قد استنزف حتى ذلك التاريخ كلَّ مخزونات قدرته على احتضان صمت الشعوب وغفوة طلائعها (!!)
إنني ومن هذا المقام أعلن بلا تحفظ أو تردد أو شك، وبيقين يكافئ يقيني بأن للكون خالقا خلقه، أنكم بمشروعكم الأوسلوي البائس، ومعكم من مهَّدَه لكم وجرجركم إليه بمشاريع سابقة، لم تكن قد بدأت بقرار فك الارتباط عام 1988، ولا هي انتهت به، ومن أسهم في جعله يستكمل دوره الخانق بمشاريع لاحقة شبيهة، قد وضعتم أكبر حجر عثرة في طريق التغيير والتحرير في هذه الأمة، وأنقذتم كلَّ الأنظمة الوظيفية من مصيرها الذي كان محتَّما (!!)
لقد كنتم أنتم وإياهم بهذه البادرة الشنيعة، من أطال في عمر التردي العربي، وفي عمر الوظيفية العربية، وفي عمر الانحطاط العربي (!!)
وأنتم أكثر من غيركم من يجب أن يدفع الثمن ويحاسب حساب الشياطين والمجرمين، لأن أوسلو هي التي أزاحت توقيتات الثورات العربية الحقيقية لتؤخرها عدة عقود، لأنكم سحبتم من أيدي الشعوب صاعقَ التغيير والتثوير، وتركتموها بدونه عارية من كلِّ أردية ثورتها، ومجردة من كلِّ أسلحة تفجير براكينها، ألا وهي "فلسطين" التي قتلتمونا وقتلتموها معكم بأسطورة تقديم "مشروع الهوية" على "مشروع التحرير" (!!)
فتبا لكم، وتبا معكم لكل من لا يزال يحمل لمشروعكم الفاشل، ولكل ما نتج عنه في أيِّ مكان من هذا الوطن الكبير، أيّ ذرة من أمل بالنجاح وتحقيق المراد (!!)