«يا خوفي» جوبز «ماسوني»!!
١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١بقلم محمد أبو عبيد
كلما ألمت كارثة بدولة مبدعة لا تنتمي إلى ملتنا، وكلما أصاب مكروه عبقرياً ليس من نِحلتنا، انبعثت رائحة العنصرية من مسامات البعض منا. فعندما ناءت اليابان تحت وطأة تسونامي وخسرت ما خسرت من ثروتها البشرية والصناعية والإبداعية، نصّب البعض أنفسهم وكلاء السماء على الأرض ليقرروا أن ذلك غضب ألهي، والأنكى أنهم ضنّوا بأي مشاعر إنسانية تجاه اليابانيين في محنتهم، حينها، فقط لمجرد أنهم ليسوا من ملة الإسلام.
ولأن ذلك ديدن يسير وفقه البعض، فلم يكن مفاجئاً، ولا صادماً، أن لا يبدي بعضنا أية مشاعر إنسانية تجاه رحيل "عبقري التفاحة" ستيف جوبز لمجرد أنه ليس مسلماً، مع أن والده سوري مسلم.
لكن اللامفاجىء، أو اللاصادم، لا يعني أنه غير باعث على الأسف. فمن حق المرء الموضوعي أن يأسف على سلوك قلة، ولعلها ثلة، من الناس لا تقيّم الإبداع ولا المبدع إلا وفقاً للدين الذي يدين به. وعلى منوالهم يصبح بابلو نيرودا غير شاعر، ولا رمبو، وكذلك سحقاً لمسرحيات شكسبير، ولا إبداع عند الرحابنه، وتباً للطائرات العملاقة، ووصل هذا السيل زباه عندما استنكر البعض الترحم على الراحليْن نزار قباني ومحمود درويش.
لعل هذا البعض الذي نحت نهجه في تقييم البشر من التصخّر الفكري، وتجوز عليه صفة التصحر أيضاً، لا ينفي سمة الإبداع عن المبدعين، لكنه يرفض التضامن معهم أوقات الملمّات. فعندما شاع خبر رحيل جوبز، وحزن العالم قاطبة على هذا الرحيل، نشز البعض منا مستنكرين هذا الحزن، وغاضبين على آخرين قالوا على صفحاتهم التواصلية الالكترونية "رحمه الله". فنشأ جدل، بيزنطي كالعادة، حول هل يجوز الترحم عليه أو يؤثم من يفعل ذلك.
كعادتنا، إذن، نتجاهل "الكل" ونبحث عن جزء من الجزيء لإشعال ريح الجدل العقيم، والأوْلى أن نعدد مناقب جوبز بدلاً من النبش في المثالب، وأن نقدر رجلاً هو "ثائر تكنولوجي" عوضاً عن تنصيب أنفسنا الموزِعين لرحمة الله نعطيها من نشاء ونحجبها عمن نشاء، والرحمن الرحيم هو الأعلم بمن يستحق رحمته.
بررّ البعض نأيه عن الأسى من رحيل جوبز بالشك في أن يكون الراحل صهيونياً أو ماسونياً، ويبدو، إن لم يكن مؤكداً، أن من ألصقوا إحدى هاتين الصفتين بجوبز لا يعلمون، بعد، أن الصهيونية هي فكر وليست معادلة رياضية ولا فيزيائية، وأن الماسونية ليست عناصر كيميائية، فكل ما قدمه جوبز للبشرية هو اختراعات علمية وليس مشروعات صهيونية تآمرية، فليس هناك "آي باد" صهيوني، ولا "آي فون" ماسوني، إنما هناك ثورة تكنولوجية أحد أقطابها جوبز الذي جعل من تفاحته المقضومة حياة عصرية يستفيد منها، حتى من يهاجمون جوبز. فالأولى لنا أن نفكر كيف تكون لنا تفاحتنا العلمية لا أن نحاكم المبدعين، خصوصاً أن تفاحنا لم يتعد "معسل الشيشة".
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article30252