شَهَادَاتٌ
... بل إن له من الحديث الطيب ما لو تمثل طائراً رشيقاً أنيقاً لحلق، وله من العمل الصالح ما لو تجسد نوراً ساطعاً ناصعاً لأشرق، ثم إن له على لساني وعلى ألسنة كثير من الناس غيري ذكراً حسناً لو تجلى نجماً لامعاً رائعاً لتألق ...
هذه كانت آخر كلماته التي ختم بها شهادته في حضوره اليوم بينهم، والذي يؤرخ لآخر عهدٍ له بمجلسهم، إلا أن الشهادة التي أفصح لهم عنها لم تكن الأولى ولا الأخيرة، وكذلك تواجده في مجلسهم، الذي اعتاد أن يغص بهم رفقته، لم يكن الوحيد بدون مثيل أو توأم، بل عرفت كثير من المجالس غيره ذات الحضور ...
لم يثن يوماً على أحد ممن خبرهم جيداً إلا بكلمات هي أهل لصاحبها وهو أهل لها، دون زيادة منه في لفظ أو نقصان في معنى، ولم يمدح يوماً رجلاً ممن أحاط بمعرفة دقيقة بهم إلا بما يستحق من عبارات بعيداً عن أي مجاملة، وفي منأى عن كل نفاق ...
ظل حاملاً لمسك الشكر حيثما حل وارتحل، ولم يضن بشهادة أو بكلمة حق على من هم أجدر بالثناء الجميل، وكان وما يزال مبادراً سباقاً إلى الإشادة بالحسنات، مسهباً في سيرتها، وحريصاً على غض الطرف عن السيئات، ملمحاً فقط ومنبهاً، وموجزاً ومقتضباً في الإشارة إليها، فهو يعلي من شأن الأولى، ويبشر بخيرها العميم ومعروفها الدائم، بقدر ما يدني من أمر الثانية، وينفر من شرها المستطير ومنكرها الذميم ...
إنه اليوم يبسط أولى كلماته مستهلاًّ أول شهادة له أمام الحاضرين في مجلس جديد، ومن جملة ما ساقه منها قوله: ... وتكفي الإشارة إلى أن له من الكلام الخبيث ما لو تجسد ناراً شرسة ضارية لشبَّ بسرعة كبيرة وأحرق، وله من الفعل القبيح ما لو تمثل وجهاً كريهاً شنيعاً لامتلأ منه قلب الرعب رعباً وتشقق، بل إن له على لسان كثيرين غيري وعلى لساني ذكراً سيئاً لو لاح للعيون سواداً معتماً لغاصَ سريعاً وتسلق ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com