كم مرّة خرجت من منطقة الراحة؟
فادي عمروش
تٌعرف منطقة الراحة (Comfort Zone) بأنّها حالة سلوكية يمارسها الشخص بلا توتر أو خطر بسبب اعتياده على ممارستها ضمن إطار روتيني محدد. ينتج عن هذا الروتين تكيّف ذهني يعطي الشخص شعورا غير واقعي بالأمان وفي نفس الوقت يحد من قدرته على التقدم والإبداع.
وهنا يحضرني تساؤل الصديق فادي الشلبي عن سبب تسمية دائرة الراحة بهذا الاسم مع أنّ الجالس بداخلها لا يفرز في جسده الكثير من هرمونات السعادة، وهو غير مرتاح وغير قادر على الإنجاز ويُحسُّ بالتقصير، ويعاني ما يعانيه حتى على الصعيد الصحي، ولماذا يتم تصوير الخروج منها على أنّه هو الصعب، والذي يجعلك تفقد راحتك.
حين تقبع في منطقة الراحة، تتقاعس عن الإقدام على أي شيء جديد لكي لا تغيّر ما اعتدت عليه، وبالتالي تخسر كثير من الفرص التي يمكن أن تٌفتح لك بسبب اعتيادك لذلك.
ولكن هل تدرون ما هو الأخطر؟
الأخطر برأيي أن منطقة الراحة هي وهم وهم ، نعم وهم، فأنت تشعر بالأمان الزائف بسبب تكيّف ذهنك مع الحالة الراهنة فهي ليست منطقة راحة أبداً للأسف وإنّما منطقة خطر، ومستنقع مخيف لأنّك قد تكتشف فجأة أنك خارج هذه المنطقة بدون أي تحضير أو أدوات لمواجهة هذا الوضع الجديد، ومشكلة المستنقع أنّك لا تكتشف انّك تغرق فيه سوى في النهاية!
تبدأ حياتك الحقيقية بعد خروجك من منطقة الراحة!
نعم، لأنّك تتحدى افتراضاتك وتتحدى خوفك وقلقك لتكشف انّ الأمر لم يكن يستحق ذلك الخوف والهلع والقلق.
هل جرّبت مرّة الصعودة بلعبة مخيفة في مدينة الألعاب؟ هل عشت القلق والرهبة أنّه من المستحيل ان تقوم باللعب بتلك اللعبة، هل لعبت بها؟ ، هل تعرف ماذا ستقول حين تنزل؟
ستقول واو لم يكن الأمر يستحق كل ذلك أبداً، . ولربّما ستقول واو ياله من أم رائع سأكرر، وبكل حال ستكتشف أن كل ذلك القلق والهلع كان بسبب وهم انحيازنا وميلنا للقيام بما هو سهل، ومُريح، ومألوف، وحتى إن لم تًعجبلك فستقول ببساطة لم تعجبني لانني جربتها وليس بسبب الوهم منها.
هل جرّبت الاقدام على أمر جديد، مهنة جديدة، مقابلة عمل جديدة؟ هل فتحت آفاق جديدة لك ام بقيت بقوقعتك بأن الأمر لن يجري على مايرام ؟ وماذا ان لم يجري على ما يرام ، ماذا ستخسر؟
هل جرّبت ذات مرة النوم في نُزل شبابي مشترك للمرة الأولى ؟ هل كسرت حاجز النوم مع الغرباء .. ؟ هل جرّبت كسر حاجز أن تبادر بحديث بالطائرة مع شخص غريب ؟ هل جرّبت الدخول بمهنة جديدة أو مهمة جديدة ؟ هل جرّبت ان تنام لمرّة واحدة خارج سريرك الوثير؟ هل جرّبت مرة طعام مختلف عن ما تحبّه ؟ هل جرّبت العيش لنباتي لمدة سبوع مثلا قبل ان تحكم انه مستحيل؟ هل جرّبت السفر بحقيبة صغيرة بدون حمل اشياء كثيرة .. ، هل جرّبت الآكل الآسيوي ؟ هل كسرت حاجز تسلّق جبل .. الخ
للخروج من دائرة الراحة أو الكسل يجبُ أن تدخل دائرةً جديدة يود د. فادي الشلبي تسميتها دائرة الإنتاجية والفعالية (Creative and active zone) وهي التي تتخلى فيها عن كسلك، وتعيش حياتك ضمنها بطريقة صحية ومُنتجة، وعندئذ فقط ستكون مرتاحاً وسيتحول ماتفعله يومياً لزيادة انتاجيتك وتحسين صحتك إلى دائرة الارتياح الخاصة بك.
إذا كان ثمّة نصيحة يمكن أن أقولها لك بصراحة وبجاحة:
اخرج من منطقة الراحة قبل أن تٌجبر على ذلك بعد حين، إنّ أضعف الايمان أنّك ستكون حينئذ ستكون معتاداً ..
وكما قال عبد الرحمن الكواكبي: لوعرفتم أن الخوف من التعب تعب، و أن الإقدام على التعب راحة.