حيرة شاعر
شعر : ماجد الراوي من ديوانه المطبوع ( طيوف ساحرة)
كَمْ قَدْ وَلِعْتُ بِشُهْرَةٍ وبَريْقِ = وحَسِبْتُ أنَّ المَجْدَ بالتَّصْفيقِ
وظَنَنْتُ أنَّ الكَوْنَ دَوْحَةُ شاعِرٍ = يَحْيا بِمِزْمارٍ ونَفْخَةِ بُوقِ
وتَبِعتُ أفْذاذَ القَريضِ ولمْ أزَلْ = أسْمُو لَهُمْ في مَوْطِنِ التَّحْليْقِ
حتّى عَرَفتُ بأنَّهُمْ قدُ خُيِّبُوا = فالشِّعْرُ أكْسَدُ سِلْعَةٍ في السُّوقِ
وبَدا لِفِكْري أنَّ بالفَهْمِ العُلا = والفِكْرُ خَيْرُ وسِيْلةٍ لِشُرُوقي
ولِذاكَ أخْلَقْتُ الطُّرُوسَ تَصَفُّحاً = حِيناً وإلْماماً وبالتَّدْقيْقِ
وإذا بميزانِ الثَّقافَةِ خاسِرٌ = مِنْ حالِهِ دَمْعي يجُفُّ ورِيْقي
غَرِقَ الرَّعاعُ بِجَهلِهِمْ فَتَبَسَّمُوا = وهَمَتْ دُمُوعُ العالِمِ الإغْريْقي
وجَنى السَّعادَةَ في البَسيْطَةِ جاهِلٌ = يبدو له الكركيّ كالبِطْريقِ
قُلتُ الحياةُ حَديقَةٌ يبدُو بها = ثَمَرٌ يَرُوقُ بِبَهْجَةٍ وبَريقِ
فاقْطُفْ ثِماراً كالكواكِبِ عُلِّقَتْ = واتْرُكْ سَبيلَ البائِسِ المَسْحُوقِ
إجْلُبْ لِثَغرِكَ ما يُحِبُّ ويَشتَهي = أمْسى غِذاءَ الرُّوحِ مَبْعَثَ ضيْقِ
ومَدَدْتُ كفَّي كي أنالَ جَنِيَّها = وأقُولُ يا نَفْسي لَذيذاً ذُوقي
وإذا بِطيفٍ قبلَ كفِّي يرْتَقي = يَجْني الثِّمارَ بِزَفْرةٍ وشَهيْقِ
فيلٌ يَمُدُّ بِخِفَّةٍ خُرْطُومَهُ = يَجْني بهِ يَبَساً وكُلَّ وَرِيْقِ
وذهبتُ أسْعى للتِّجارَةِ علَّني = أُمْسي بِجَمْعِ المالِ رَبَّ السُّوقِ
وجَلَستُ بينَ التاجِرِيْنَ وبَعْضُهُمْ = مُتَمَلِّقٌ يَبْدُو بِثَوْبِ صَدُوقِ
أمْسى يُثَرْثِرُ للوَرى مُتَلَوِّناً = ويُجابُ بالإعْجابِ والتَّصْديقِ
وبضاعتي كسدت فإني صادق = سهلٌ على أمثالهم تطويقي
قالُوا الحُظُوظُ حِكايَةٌ مَصْنُوعَةٌ = والفِعْلُ للأعْمالِ بالتَّحْقيقِ
لكِنَّني لمْ أسْتَطِعْ يا صاحِبي = في الشُّوكِ وَسْطَ الرِّيحِ جَمْعَ دقِيْقي
لَمّا رأيْتُ الكَوْنَ سِجناً مُظلِماً = أعْيا عليَّ مَذاهِبي في الضِّيقِ
يَمَّمْتُ دَرباً في الجِبالِ ولمْ أزَلْ = أَسْجُو بِتَفكيْرٍ يَطُولُ عَميْقِ
ونَظَرْتُ في الآفاقِ نَظْرةَ حائِرٍ = يَرجُو البَيانَ بِكَثرَةِ التَّحْديْقِ
فَبَدَتْ لِقَلْبيْ في السَّماءِ إضاءةٌ = قالَتْ طَريْقُ اللّهِ خَيْرُ طَريْقِ