ألف شــكر للشـيخ الدكتـور عايض القـرني ...
ليس من أحد في بلاد العرب والمسلمين إلا ويعلم من هو الدكتور عائض القرني. ذلك الداعية الإسلامي الكبيـر الذي ملأ علمـه أوساط المسلمين. وشـاهده أو تابعه السواد الأعظـم من المسلمين عبر كتبه وكتاباتـه، او قصائـده ومحاضراتـه، أو دروسـه ولقاءاتـه.
ورغم أنني لست بصـدد التعريف بهذه الشخصية الاسلامية القديـرة، إلا أن قصتي معه كانت فريـدة. فقد وردني منذ أسابيع قليلــة مقالة منظومـة له بعنوان: "متــى اللقـاء يا دمشــق". ورغـم اني مهتم بكتب الشيخ القرني ومقالاتـه، ولعلي قرأت هذه المقـالة بالذات في وقت سـبق، إلا أن وقـعها كان مؤثـرا جدا في نفسي في غمـرة الظروف التي تشـهدها أرض الشــام.
صحيح أن الشيخ الفاضل له في الدين والأدب والبيـان مايفوق هذه المقـالة نظمـا وبيانـا وعلمـا ووزنـا، إلا أنهـا تميزت بحجم وفـائهـا، وجميـل كلامهـا، ووقـع معانيهـا، وصدق عاطفتهـا. وكانت قراءتي لهـا لأكثـر من مـرة باعثـا لي على القيـام بنظـم رد متواضع توخيت من خلالـه تنسيـق الأفكــار والعبارات مع جميـل وصـدق ما حوتـه المقالـة من أحاسيس ومشـاعر وعواطف، فكتبت مايمكن أن أسـميه:
مقامـة الخـانـي في الثنـــاء على القرنـــي
وهي مقـال بسـيط في جنب علم الشـيخ وفضلــه، إلا أنـه يمكن النظـر إليهـا من باب الإحساس بالوفـاء، ومشاعر العرفـان، التي تختلج في صـدري تجـاه ما أبـداه الشـيخ من ثنـاء على الشام وفق قول حق ومشـاعر صدق. وأنا لسـت إلا تلميـذا مبتدئـا في مدرسـة الشـيخ الأسـتاذ.
ولقد توخيت أن يكون رصف الكلمـات وضبط القوافي صحيحا في السكون والتحريك، فكانت المقامة منضبطـة من هذا الجانب، ويمكن لقارئهـا أن يستشـعر الضبط الواضح في القوافي سواء قرأ الجمل بالسكون، أم بالتحريك. إلا أن القراءة بالسكون، تزيـد عـدد الجمـل المنسجمة بالقوافي، وتعتبر النقطة (دون الفاصلة) هي إشـعار بانتهـاء التراصف من ناحية القافية المضبوطة بالحركة والتشكيل.
محمد هشـام نذير الخـاني – الرياض 2013
مقامـة الخـانـيّ في الثنـــاء على القرنـــيّ
وعلى القرني خير السلام، من الخانيِِِّ ابن الشـام. سـحرنا الثنـاء، وأدهشـنا الوفـاء. إخلاصكـم معهــود، وفضلكـم مشــهود، فأهل العلـم رحمــة الخـلاق، تعـم الناس في الآفــاق.
تحيـة إلى الأهـل الكـرام، في كل بـلاد الإسـلام. بحسـب امرىء من الفضـل، أن يُســلم أمـره للعقـل. وهل لي قبــل بالوصف؟ للقرنـي سـليل الحصف؟ فما القطـرة في جنب البحـر؟ وما اليـوم في ثنـايا الدهـر؟ غمـرنا علـم العائض، بفضل غزيــر فائض. قلبـه بالهوى يذخـر، بحب اللـه يفخـر.
مازالت الشــام وفيــة، تظــل بالحب حفيــة. يصبـه المحبــون، من أعلى قاسـيون، فينسـاب رقراقــا، ســائلا مشـتاقا، فيهـدي إلى دمشــق الشــام، تحيـة الوفـاء والســلام، وبشــائر خيـر الأنـام، يا شـام أبشـري بالإنعـام، من العليــم العــلام. فمحبك لايــلام، وسـاكنك لايضـام، ويطيب الكـلام، ويحسن الختـام، والقرني يقــول: يرحمك الملك العــلام.
ذكريات العائض في الشــام كثيـرة، وكل مأثـرة بالوقوف جديـرة، يحدث بالبصر وتنطـق البصيـرة، يجزم القول وتصدق الســريرة، وتتعاهــد الشــام والجزيــرة، أن يظـل الديــن شــامخا، ويكـون اليقيـن راسـخا، رســوخ عمــود الكتــاب، كما رأى ســيد الأحبـاب. وبلقرن وحمص وأم القرى، وحران ومدينـة خير الـورى. واللــه تكفـل بالشـام واصطفى، حديثـا من النبي المصطفى. إنها الخيرة من البــلاد، يجتبي إليها خير العبـاد.
ياعائض الإيمـان .. قلبك بالحب سـليم صادق، وأنت بعلم الحديث حاذق، أتى منك "الغني المفهــم"، ويشـهد على ذلك مسـلم، والمعجـزة الخـالدة، عظيمـة ورائـدة، "ومفتـاح النجـاح"، مسـور بالوشـاح، وتاج المدائـح، وصحيح الصحائح.
يا منبع العـلم، وناظـم النظـم، يا نجـل الكـرام، وسـيد الأقـلام. أحبك الأنـام، وأحبتك الشــام، وأرض الأبـدال لن ينســاها، من بارك فيهـا واجتباهــا.
ســتعود الشــام، يعمهـا السـلام، ويسـودها الوئـام، بنهرهـا الخـالد، ويقينهـا الصامـد، وسـمائها الزرقـاء، وغوطتهـا الخضـراء، ودجلــة والفرات، وحمص وحمــاة، والبحر الواســع، والسـهل الشـاسع.
ومن الجامـع العتيـد، تحيــة ابن الوليـد، ســيف اللــه الخـالد، أب للعـز ووالــد. ومن شـهباء الخليـل، نبادر بالشـكر الجزيـل، وبالعرفان الجميل.
فقلمـك فضيـل، بـاعه طويـل، للصـدق ســليل، نتاجـه جميـل، ومجـده أثيـل، ومنـه التنكيـل، والأخـذ الوبيـل، لكــل فاســق، عتــل منافـــق, فليس لصولة الحق أفـول، يشهد الله ويشـهد الرسـول.
للقرني في العلـم قصـة، وله في الشـام حصــة. كيف لا؟ .. والله بارك ووصى، وبهـا تكفـل وخص، قـولا كريمـا ونصـا. فالشـام موئـل العلمـاء، بركـة رب السـماء. وأهــل العلـم يعلمـون، للقـرآن يتـدبرون، ولــه قارئــون، وللخـالق مسـبحون.
رب بعبـده أســرى، إلى الأقصى وأثــرى، على عبـده بمنــة، لامست نعيـم الجنـة. وحول الأقصى بــارك، وكل شــبر شـارك، ونابـه من طيب البركـات، ما مـلأ الأرض والســموات، فأمست الشــام ... أرض النبوات، ومنبـع الخيـرات، فيهـا نرتجـي الحســنات، بالشـكر بالباقيـات الصالحـات.
لأهـل العلــم في الشــام فصـول، ونعمــة لاتحـول، وفضـل لا يـزول، والقلـم فيهـا يصـول، يكتب ويجـول، ويخــط ويقــول: بركـة اللــه كانت دليــلا، أفرزت الشــام للعـلم فحـولا، تنسـموا الدين صبـا عليـلا، وأنتجت أقلامهـم شـفاء غليـلا، والقلـم كان للحـق ســليلا.
في دروب الله سـلكوا السـبيلا، والباع في الدين كان طويـلا، وصبرهـم في اللــه أمسى جميـلا، وفي الصدق والحق باتوا عـدولا. لم يرضـوا بغير اللـه بديــلا، وبالأميـن محمـد هاديـا ورسـولا.
سـخرت لهم الأرض ذلولا، واتخذوا الله في سـعيهم وكيلا، وذللت قطوف العطاء تذليـلا، وسـعود الدنيـا فاق المثيـلا، وأمسـى ثواب الآخـرة جزيـلا، كأسـا طاب مزاجهـا زنجبيـلا، والعيـن فاضت وكانت ســلسـبيلا.
أويس كان للعائض مثــلا، خير التابعيـن قولا وعمــلا، والباقيات الصاحات خير أمـلا, عند الكريم لا يبتغي بـــدلا.
عائض الإيمان هنيئا لك ...
نفس صفت، وسريرة نقت، وهمـة علت، وذات سمت، تشـعر بالحب والجمـال، وتتمتـع بطيب الخـلال. فينتج النقـاء شوقا وإلهـاما، أحب الآل وأحب الشــآما.
هي نفس رقيقـة، بالعطـاء طليقـة، وباليقين وثيقــة، تحبهـا الخليقـة، ولهـا طريقـة، فصيحـة عريقـة، مسـبوكة أنيقـة، بالحكمـة لصيقـة، وبالثنـاء خليقـة، تنطقهـا الســليقة، وتعلوهـا الحقيقـة، للحـق شــقيقة، أحبت البيت العتيق، والفاروق والصديق، وتكـره العقـوق. إنهـا طريقـة الإيمـان، وسـليقة الإحسـان، ونـور القرآن، والحق والبيـان.
في القلب .... حب يتدفــق، وشـوق يتعلــق، يذوق .. يرى .. ويتنشـق، بصـدق يتحـقق: في دمشق أكباد تخفق، وأوراق تصفق، ونهر يتدفق، ودمع يترقرق، وزهر يتشقق.
سـبحان اللـه ...ماهــذا ؟ أرقــة في القلب سـاحرة؟ أم يـد بالنظم ماهـرة؟ أم سـخاء في الحب وفيـر؟ أم عطـاء من النفس نميـر؟ لا .. إنـه نقـاء في القلب كبيــر، ينوح الشـجن ويصحـو الضمير، لمن هو بالحب جديـر، القرني عرف بالوفـاء، تميزت نفسـه بالصفـاء، في العلن وفي الخفـاء، وفيّ بعيـد عن الجفـاء.
صدقت أمير الكـلام صـدقا، تدفـق حبـك كشـفت العشـقا، هيـاما متيـما قـولا وحقـا، وضعت في الفؤاد دمشــقا. وأهل العلـم خير الشـهود، للحق العلـي المعبـود، أهل الكـرم والجـود، بلقـرن وفيـة على العهـود.
دمشق موئـل العلمـاء، ومكــة خيـار السـماء، وطيبـة لخير الأنبيـاء، حصنـا ميز بالآلاء، بالحب والوفـاء. وأرض الجزيـرة، بالفضل جديــرة، طاب فيهـا الحجـاز ونجـد، ومن الرسول قول ووعـد، أن الكـل للـه عبـد، ولإبليس مقت وبعـد، يائس في الأرض يعـدو، ليس في الجزيرة مهـد، هي للإلحـاد لحــد.
توسـط عائض روضة العلمـاء، في مكـة وفي الفيحـاء، وأحب أرض الأنبيـاء، وتأسى بزهـد الأوليـاء، فانطلـق محفوفـا بالآلاء، ســلما للــه وللأوليـاء، وسـيفا مسلطا على الأعـداء.
أحب الخليفـة الزاهـد، ورأى في دمشـق الشـاهد، وزار الحلـق والمسـاجد، ورأى النبع والموارد، للعلـم ظـل مجـددا، ومن حبـه بات معـددا، لمناقب الشـام مرددا. والقلب في لهفـة يخفـق، في الجهـاد حمصا يرمـق، مسـجدا بالبطولـة يعبـق، وسيف الله يمشــق، خــالد للكفـر يمحــقُ، بركب الشـهادة يلحـق.
وألبـاني في الشـام رام، العيش والسـكنى والمقـام، كان في الحديث إمـاما، ورمى في الله السـهاما، فأصـاب الملفقيـن، ودحض المبطليـن، وأسكت المرجفيـن. و"على الساحل" وقفـة الإمـام، شــيخ الإسـلام، البطـل الهمـام، داحض الأوهـام، وثابت المقـام. وجسـور المحبـة ممتـدة، وحصن النفـاق يتـردى، والعائض بالحـق أردى، كفـرا وزورا تحـدى. كتب في الديـن فصـولا، وســلط على الكفــر نصـولا.
لم ينس كتاب الأغـاني، وصاحبـه الأصبهـاني، وجميـل المعـاني. وغاص في بحـار ابن كثيـر، وعلمـه الغزيـر، وتأســيه الوفيـر، وحيــرة العلمـاء، في وصف الهـواء، وعذوبـة المـاء، وجمـال النساء ... يادمشـق ... لقد سـحرت القـرني .. بالقامـة الهيفـاء، والمقلـة الكحـلاء، والديـم الغيثـاء، والسماء الزرقـاء، والغـزل والإيمـاء.
وهب اللـه العائض حكمـة، وخيـرا ونعمـة، واهتم بالحديث الشـريف، بعطـاء كثيف، مجانبـا للضعيف، بأسـلوب الحصيف، والسـرد اللطيف. و"تـاج المديـح" شـاهد، بمدح الحبيب فرائـد.
يعيش اللحظـات، والأيـام والذكريـات، ويهـدي التحيـات، والسلام والصلوات، إلى رب السموات، متقربـا بالإخبـات، ويتبعـه صلاة على الرسـول، علـه يحظى بالقبـول.
يسـكب العبـرات، ويتخيـل الوقفـات، ويصلي الصلوات، على خيــر الورى، فالعين تــرى، هاديـا موقـرا، جمـالا ومظهـرا، ووجـها أزهـر، وفضلا أغـزر، عم فضله الثرى، وطيبة وأم القرى.
أم البلـدان، وجنـة الجنـان، تلقـى العلمـاء بالحب إخوانـا، كما فتحت للصحابـة أحضانـا، تجلهــم عرفــانا، وتزيــن الأركــان. فهـم للنهج لازمــون، وللأمانــة حاملـون، وعن الإسـلام ذائـدون، وللإعـداء كائــدون.
ولئن تمايلت السنابل، وتراقصت الخمائل، فهي الرســائل، والحب الهاطــل، والقلب الحافـل، والحق الحاصل، لمن صان الدين، وتوخى اليقين، وشهد مع الشاهدين، صدقـا ويقينــا، بأن اللـه واحـد، لاولـد ولا والـد، ودين محمـد خـالد، يشـهد الراكع والسـاجد.
يذكـر في دمشق ... الصحابـة فتحوهـا، بالديـن ملؤوهـا، وبالحب زرعوهـا. ما اتخـذوا السـيف وسـيلة، بل نشـروا العلـم بالفضيلـة، بالليـن وبالســهولة، فهما وتأثبﻻ، وأناة وتعقيـلا.
فأحبهـم الناس، الأعراق والأجناس، وســاد دين الإسـلام، بفضل إولئك العظـام، فدخـلوا القلوب، وجانبـوا الحروب، وملؤوا الدروب، شـمالا وجنوبا، علمـا مكتوبـا، وجزاء محسـوبا، وعطـاء مســكوبا.
وهاهو يذكـر .. في دمشـق الخمائـل، والنبـع والجـداول، والأنهـار والســلاسـل، والحمـام الهـادل، والخيـر النـازل، والشواهد والدلائـل، والمخطوط والرسائل، والفروض والنوافـل، والأنسـاب والقبـائل، والديـم الحوامـل، والفضل والفضـائل.
مادام يذكر الأعيـاد اليوميـة، والمآثـر الأمويـة، والحلقات العلمية، والنخوة والحمية. ويطير القلب مشتاقا، يسكب الأشواق، ويعقـد الميثـاق، عـدلا وإطلاقـا، ويُسـمع الآفـاقا، ويحني الأعنـاق .. ياشــام .. جـاوزي الفراق، وأعيـدي الوفـاق، وانبذي الشـقاق، وفكـي الوثـاق، ولملمي العشـاق، فالقلب تـاق، حبـا واشـتياقا.
القرني يقول: تاريخ الرجال في دمشق مكتوب، والثرى نــدي محبوب، والذهبي مؤلف موهوب، وشيخ الإسلام يرد الضلال، ويكتب المقال، مدافعـا صوالا، وراجيـا أمّـالا، أن يعود الدين إلى الأصل، بالجزم وبالقول الفصل، بالحق وبالحجة يُصلي، نـارا منــذرة بالخصل، تنـال الكافـرين، وتلف الظالميـن.
الشـام جمعت الديـن، والحق واليقيـن، والآل والعارفيـن، والصحابـة والتابعيـن، خصت بالاختيـار والتمكيـن، من القوي المتين، بلاغـا من الوحي المبين، والنبي الأميـن.
ومهمـا أطلت مقالـتي للأحبـاب، فقـد جـاوزني أولو الألبـاب، بالفضـل والآداب، واللفـظ والكتـاب، والعلم والأنسـاب، وعطـاء الوهـاب، والتوكل والاحتسـاب. فهم الذين تفقهـوا في رياض الصالحيـن، وروضـة المحبيـن، ومدارج السـالكين.
أعطـاهم اللــه عـزا لايضـام، ومجـدا لايـرام، بالكعبـة والمقـام، وسيد الآنـام، وصحبـه الكـرام. وعلى ذلك يشــهد الإسـلام، وخلفــاؤه العظـام، والصحب الكـرام، والأمـة والأعـلام.