أستطيع أن أتفهم ببساطة تباين الآراء في قضية المرأة .. حتى تلك الآراء الحادة .. ولكنني لم أستطع فهم غضب بعض الرجال والذي يصل إلى (الشتائم) أحيانا! في انفعال وغضب يتجاوزان انفعال وغضب المرأة نفسها !!
عدت لأقرأ أو أراجع ما يتعلق بقضية المرأة وحماس بعض الرجال .. فوجدت الدكتور"المجذوب"قد كتب التالي،وإن كان يتحدث عن المرأة الغربية وعن الحرية الجنسية :
(الجدير بالملاحظة أن كثيرين من الرجال كانوا يظهرون حماسا شديدا لفكرة الحرية الجنسية للمرأة تفوق ما أبدته الغالبية العظمى من النساء المتحمسات لتحرير المرأة. ولم تدرك النساء في ذلك الوقت فداحة ما سوف يتحملنه نتيجة لوضع هذه الفكرة موضع التنفيذ إلا عندما شرح أحد أشد أنصار حركة تحرير المرأة حماسا ممارساته التي قال أنها حصيلة فهمه لمعنى التحرر. فقد اعترف أنه عشق زوجة صديق له،ولكن نظرته إلى هذه التجربة كانت مختلفة لدى كل من الرجل والمرأة ونظرة كل منهما إلى الصداقة،التي قال عنها : "إن الصداقة بين الرجال والنساء ليست صداقة فقط،ولكنها أيضا علاقة جنسية،وهي ضرورية للصداقة بخلاف الصداقة بين الرجل والرجل. وعندما توجد صداقة حقيقية بين رجل وامرأة فالنتيجة الطبيعية تكون علاقة جنسية (..) وهكذا فإن حماس الرجال للدعوة لتحرر المرأة لم يكن الدافع إليه إيمانهم بحق النساء في أن يعشن في ظروف أفضل،وأن يكون لهن من الحقوق والضمانات ما يحول دون انحرافهن،وإنما كان الدافع هو رغبتهم في أن تتاح لهم فرص أكبر للاستمتاع بالنساء وهو ما لاحظته السيدة "فلويد هايد"فكتبت تقول :
"لسوء الحظ فإن الرجال الذين تدخلوا في موضوع حرية المرأة أصروا على أن يتقاضوا الثمن علاقة جنسية من أجل أن يعلموا النساء السياسة ويسمحوا لهن بأن يتساوين معهم في الحركة الثورية"وأضافت قائلة :"ومنذ أيام الهيتريات أي البغايا أو النساء المتحررات في بلاد الإغريق،طلب الرجال الثمن من أجل فتح الأبواب أمام الاهتمامات الجديدة للنساء. فالمرأة يجب أن تدفع الثمن،علاقة جنسية من أجل كل ما تتلقاه من الرجال،وألئك النسوة الهيتريات أصبحن شاعرات وفنانات ومشاركات في أمور السياسة،في حين أن أخواتهن العفيفات بقين في البيوت عبدات مجهولات للرجال ينجبن لهم الأبناء،ولا يكاد أحد يدري بهن،في حين أن البغايا الهيتريات كن يشاركن في الحياة العامة. ولو أن المرأة منهن حاولت أن تحتفظ لنفسها بالحق في الاختيار أو أن تمارس حريتها فعلا،لقذف بها الرجال خارج العالم الذي صنعوه لها ولأفقدوها فرصتها" وتستطرد فلويد قائلة : "والآن نجد نساء هذه الأيام ذوات العقول الراجحة ممن أصبحن مستقلات،يشعرن بجوع شديد إلى العلاقات الاجتماعية مع الآخرين،ولكنهن لا يحصلن عليها إلا إذا دفعن الثمن،علاقة جنسية. وهن يدركن أنهن مرغوبات كإناث وكشريكات محتملات في علاقة جنسية أكثر منهن كائنات ذوات عقول ومواهب وقدرات ليس لها علاقة بالجنس. وهو ما يجعلهن يواجهن اختيارا صعبا بين أن يحافظن على استقلالهن وحريتهن،وبين أن يضحين بهذه وتلك (..) أما الرجل فإنه خاضع لميله الفطري إلى المرأة،لا يتخلى عما يعتقده من وجوب أن تدفع له من جسدها مقابلا لكل ما يقدمه لها من خدمات،حتى لو كان ذلك في مجال تنمية قدراتها العقلية والاجتماعية ،فهو وإن أظهر تقديرا لما تحرزه في هذا الصدد فإنه لا يجد أن هذه المواهب والقدرات تشبعه بالقدر الذي يشبعه به جسدها،لذلك فإن المرأة ستظل فريسة للرجل ..{ ص 204 – 205 ( اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة ) / د.أحمد علي المجذوب / الدار المصرية اللبنانية / الطبعة الأولى / 1421هـ / 1993م}.
هل استعملت السيدة"فلويد هايد"عبارة "فريسة الرجل"؟! هذه تجربة كتبتها صاحبتها تحت عنوان (اغتصاب عادي للغاية .. إمبريالية مألوفة للغاية) بقلم : ماي : تم تشكيل لجنة لمساندة بعض العمال المعرضين للفصل وهناك تعرفت عليه .. (هو من ضمن أعضاء لجنة الدعم،وكان مثلي من غير المنتمين إلى المنتدى . وكان في أصله من مستعمرة فرنسية (..) أما أنا فأصلي من فيتنام،وأنا أعيش في فرنسا. (..) وقد قام بيننا ضرب من التفاهم لأنه كانت تجمع بيننا وجهات نظر مشتركة بصدد الإمبريالية وبصدد الكفاح التحرري (..) كان هو المبادر إلى التعرف إلي أثناء اجتماع في المنتدى حين خاطبني بالقول : "بودي لو أتناقش معك حول فتنام،فأنت على ما أعتقد فيتنامية. إن نضال الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية تجربة غنية بالنسبة البلدان التي ما تزال ترزح تحت النير الأجنبي". أثار كلامه اهتمامي،فقبلت عن حسن نية،وختم محادثتنا بالقول :"سنلتقي بعد الاجتماع". حين خرجنا من ذلك الاجتماع،ذهبنا إلى المقهى كي نتناقش. ولم نتناقش طويلا حول ذلك الموضوع،وسرعان ما أدركت أن طلبه النقاش حول الموضوع المشار إليه لم يكن إلا ذريعة مناسبة لاقتناصي" تناول يدي وجدها دافئة ،وقرب مقعده (..) أربكتني حركته فما تجرأت على صده بعنف. وأفهمته أنني لا أقبل تمهيداته لإقامة علاقة بيننا ص 163 (..) لكن ألح وأصر على الرغم من كل شيء،إذ قال بينه وبين نفسه ولابد : "سينتهي بها الأمر إلى أن توافق" (..) وأنه لما كانت له وجهة نظر ثورية حول نضالات التحرر ضد قوى القمع والاضطهاد فحري به أن يأخذ في اعتباره ما تعانيه النساء من اضطهاد نوعي في المجتمع الراهن. ص 164 (..) كان من رأيه "هو"على كل حال،أنه من الطبيعي أن يكون الرجال هم المبادرون إلى مغازلة النساء ما دامت النساء لا يبادرن إلى ذلك .؟ فلا مناص من أن يقوم أحد الطرفين بالخطوة الأولى " ص 166 (..) وقد اعتبر تلك المقابلة الأولى مرحلة أولى،اتفاقا يفترض فيه أن يعطيه فيما بعد الحق في (؟؟) رغما عني،إذ وصفها بأنها مغازلة أمام اللجنة يوم تدخلت لجنة"حركة تحرر النساء"للتنديد باغتصابي ص 166 (..) ولم أره ثانية في اللجنة لحقبة من الزمن،,كان ذلك موضوع تندر بيني وبينزميلتين أخريين كان قد حاول اقتناصهما بدورهما تحت ستار ذرائع أخرى،سياسية بالطبع" ص 167 { ( قضية النساء ) / بقلم عدة كاتبات / ترجمة /: جورج طرابيشي / بيروت / دار الطليعة / الطبعة الثانية / 1986}.
نهاية القصة قاسية وتصور مدى ضعف المرأة .. مما جعل الكاتبة تشبه ذلك الرجل – والمغتصب بشكل عام – بالدول الإمبريالية .. التي تملك "سلاحا" وتشبه المرأة بالدول المستضعفة والتي لا تملك"سلاحا"!!
إذا انتقلنا من هناك .. إلى هنا .. نجد التالي .. كتب الأستاذ عبد العزيز مشري – رحم الله والديّ ورحمه – معلقا على كثرة المتصلين من السعودية في بداية انتشار الفضائيات،وتلفظ بعضهم بألفاظ (محلية خارجة) لا تفهمها المذيعة .. حينها كتب يقول : ( إنهم محرومون عاطفيا وجنسيا،يشكون من الفراغ،ليس فراغ الوقت فقط،وإنما قبلا،فراغ يحتاج إلى تعبئة ضرورية لا يمكن للإنسان السوي أن يحيا بدونها،ولا أن يحقق قيمته الإنسانية نفسا وجسدا وبالتالي فكرا .. ذلك هو : حاجته إلى العاطفة المقابلة،عاطفة الأنثى ..){ جريدة البلاد العدد الصادر يوم 3 / 3 / 1418هـ}... إنه حديث مباشر وصريح عن الإشباع العاطفي و الجنسي .. ولا شيء أبدا عن عقل المرأة أو ذكائها أو قدرتها .. وفي نفس الإطار كتب الأستاذ عبد الله أبو السمح : ( ليهنأك الزمان أبا عمرو فهاهو قد استدار وعدت إلى مكانك الأثير في ذات المقهى على الناصية اليمنى لشارع الشانزلزيه وبدايات الخريف تهب نسماتها على باريس (..) وإخوانك الخليجيون (..) يملؤون الرصيف العريض جيئة وذهابا ( ..) لكن الوجوه قد تغيرت صفاتها،ولم تعد نساؤنا يلطخن وجوههن بالأصباغ بل ارتقين سنة بعد أخرى فأجدن الزينة،ولم تعد الثياب فضفاضة كأنها مستعارة،بل متكاملة متلائمة ){ جريدة عكاظ العدد الصادر يوم 10 / 6 / 1418هـ}. مرة أخرى .. الحديث كله عن (جسد) المرأة .. و السخرية من ملابسها الفضفاضة – كأنها مستعارة – ومدح الملابس التي تصف تفاصيل الجسد الأنثوي !!
ومن زاوية أخرى،وإن كانت تصب في نفس الإطار كتب الأستاذ حمد القاضي : ( لم أصدق عيني وأنا أقرأ إجابة لسؤال صحفي طرح على القاص المعروف د.عصام خوقير والعجب أولا أن السائلة امرأة،والإجابة منشورة في صحيفة نسائية هي"شقائق الرجال"بجريدة المدينة عدد يوم الأربعاء 2 / 4 / 1415هـ أما السؤال فهو بالناص "هل تجد سعادتك عند المرأة؟" أما الجواب "الصاعقة" فهو : ما لم تكن زوجة أو حماة فنعم){ جريدة الجزيرة العدد الصادر يوم 24 / 4 / 1415هـ}.
هكذا يبدو الحماس المبالغ فيه من قبل بعض الرجال مثيرا للريبة!! ... وقد كتبت فيلسوفة الوجودية – وصديقة فيلسوف الوجودية سارتر - .. ( إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالا رمزيا. لم تفز إلا بما أراد الرجل التنازل عنه. لم تأخذ شيئا أبدا بل تسلمت ما أعطي لها) {نقلا عن مقالة "المنقبة .. آخرا!!" "د.ملاك الجهني}.
قبل الختام ... لم أعثر على توثيق تجربة مناضلة أخرى – لعلها كورية – ذهبت إلى باريس .. وخرجت بنتيجة مفادها أنها اكتشفت أن الرجل هناك يرى أنها إذا لم تذهب معه إلى الفراش .. فهي لم تتحرر بعد!! .. وإلى الشرق مرة أخرى .. ولقطة من فيلم"السفارة في العمارة" - ذلك الفيلم التطبيعي .. كما أراه - حيث نرى بطل الفيلم وهو يحمل "داليا البحيري"على كتفه وهي تهتف .. ثم انحرف بها عن الجموع .. إلخ.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني
...