منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: القصة القصيرة

العرض المتطور

  1. #1

    القصة القصيرة

    بسم الله الرحمان الرحيم
    القصة القصيرة
    تعتبر القصة القصيرة فنا حديثا لا يتجاوز عمره قرنا ونيف... كان كاتب القصة القصيرة يعتبر دخيلا على الأدب والثقافة، لذلك كان يتم نشرها تحت عنوان فكاهة، أو حكاية، حتى أصبحت فيما بعد فنا رفيعا له أدوات وتقنيات ومهارات وموهبة... وكان أول من ارتقى بها هو "جوجول" 1809 حتى 1852م، وبه عرفت وفي زمانه اشتهرت... حيث يقول فيه "مكسيم جوركي": "لقد خرجنا من تحت معطف جوجول"، ثم بعد ذلك قفز بها الفرنسي "جودي موباسان" 1850 إلى 1892م قفزة عملاقة، إذ قال عنه "هولبروك جاكسن": "إن القصة القصيرة هي موباسان، وموباسان هو القصة القصيرة".
    وكانت القصة القصيرة في الأدب الغربي قبل "جوجول" على شكل حكايات قصيرة مكتوبة، وهناك مجموعتان ظهرتا في نهاية العصور الوسطى هما: "الديكاميرون" أي ألف ليلة وليلة الإيطالية 1349 - 1353م، متمثلة في مجموعة حكايات للكاتب الإيطالي "جيوفاني بوكاتشو"، ثم حكايات "كانتربري" 1385-1400م، وهي 24 حكاية ألفها الشاعر الإنجليزي "تشوسر جفري". بل لم يتحدد في الغرب مصطلح "القصة القصيرة" كمفهوم أدبى إلا عام 1933 فى قاموس "أكسفورد".
    أما في الأدب العربي فقد اختلف عمالقته في تعريفها، إذ عرفها البعض على أنها تصوير حدث في ظرف غير عادي، تعرض له شخص عادي.. وعرفها آخرون على أنها تصوير حدث تعرض له شخص غير عادي في ظرف عادي.. يقول الدكتور عزالدين إسماعيل: "وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجا، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية."
    ما من شيء يحدث في حياة الإنسان إلا ويصلح أن يكون قصة... هذا ماقاله "سومرست موم" ذات مرة...
    إذن فالمادة القصصية تكمن بداخل الكاتب، وهي تمثل بعضا من تجاربه الخاصة وعلاقاته بالناس وبالأشياء... وملاحظاته العديدة، التي يخزِّنها في نفسه لوقت الحاجة... فقط هي تحتاج إلى الموهبة التي تجعل منها عملا فنيا له قيمته.
    وعلى الكاتب أن يحسُّ أنَّه مفتون بتلك القصة بشكل كبير... وكلمة افتتان هنا مهمَّة... فهي بعينها الكلمة التي استخدمها عالم النفس الشهير "كارل يونج" حين قال: "إن الإفتتان هو المفتاح... فحين تجد نفسك مفتونا تماما بشيء ما، فباستطاعتك إذا كنت مسيطرا على المباديء الأساسية، أن تستخدمه في توسيع موهبتك وتجويد إبداعك..."
    ولكن هذا الإفتتان لايجب أن يتركَّز على ماهو عادي وواضح ولا يحتاج إلى شرح... بل يجب أن يتركَّز على ماهو غريب ومثير للإهتمام... وعلى القاص مهمة توصيل هذا الإفتتان المثير إلى المتلقِّي الذي سيقرأ القصة... ليجعله يشعر بنفس شعوره حين كتبها.
    فهناك كثير ممن يخلطون بين القصة والقصة القصيرة، وأنا واحد منهم، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور متوغلة في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيدا ضخما من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن.. وهنا أكاد أجزم أن الأمة العربية لا ينافسها غيرها، فيما صاغت من قوالب للتعبير عن القص والإشعار به، فنحن الذين قلنا من غابر الدهر: "يحكى أن... وزعموا أن.... وكان ياما كان..."، أو "حدث ذات مرة"... يالها من جملة سحرية ألفنا سماعها.. إلى آخر هذه الفواتح، التي يمهد بها القصاص العربي في مختلف العصور، لما يسرد من أقاصيص، وفي هذا المجال يقول قوستاف لوبون: "أتيح لي في إحدى الليالي أن أشاهد جمعا من الحمُالين والأجراء، يستمعون إلى إحدى القصص، وإني لأشك في أن يصيب أي قاص غربي مثل هذا النجاح، فالجمهور العربي ذو حيوية وتصور، يتمثل ما يسمعه كأنه يراه". وما هذا إلا دعوة تتكرر وتتأكد، إذ يقول أحدهم: "إجلس واصغ، سأخبرك هذه القصة".... ربما كانت متعة محددة، لكنها كافية أن تستمتع بقصة ما جيدة، تقابلها متعة كتابة قصة جيدة كذلك.
    لذلك إني لأومن إيمانا شبه جازم بأن فن القصة جذوره عربية أصيلة، ولم يكن وافدا إلينا من الغرب، لا قليله ولا كثيره، بل جذوره في بيئتنا.. ماعدا ما يطلق عليها اليوم بـ"القصة المعاصرة"، أوالقصة القصيرة الحديثة، التي لا تلتزم بقواعد الفن الدقيقة، فهي وافدة من الغرب والله أعلم.
    إن كثيرا منا سارع في الإنكار على الأدب العربي أن فيه قصة، وما كان ذلك الإنكار إلا لأننا وضعنا نصب أعيننا القصة الغربية، في صياغتها الخاصة بها، وإطارها المرسوم لها، ورجعنا نتخذها المقياس والميزان، وفتشنا في الأدب العربي عن وجود أمثال لهذا المقياس فلم نجد.. والحقيقة أن الأدب العربي فيه قصص ذو صبغة خاصة به، وإطار مرسوم له، وإننا لنشهد فيه ملامحنا وسماتنا واضحة جلية، فقد بدأت القصة العربية مع بداية الإنسان، فنشأت القصص الأسطورية مع الإنسان القديم.
    ثم سبب الخلط الآخر والله أعلم هو ما تشهده ساحة الإبداع الأدبي من فوضى نتيجة تداخل الأجناس الأدبية، على أيدي المغرمين بتقليد أدباء الغرب بحجة التجديد، وما هو سوى تقليد أعمى يتجاهل الذّوق الفني للقارئ العربي، الذي تربى على تلقي ألوان أدبية شكلت عنده ذوقا فنيا، بل وساهمت في تشكيل شخصيته العامة، وهي ألوان قابلة للتجديد وفق السياق العام للتطور، الذي تشهده الحياة في المجتمع العربي المسلم، لا وفق ما يراه الآخرون.
    ثم بعد هذا كله، يقع تداخل آخر بين القصة القصيرة والرواية المختصرة، إذ اختصار الرواية لا يمكن أن نعتبره قصة قصيرة... ذلك أن الأخيرة لا تختلف عن الرواية فقط من حيث عدد الصفحات... بل تختلف عنها من حيث المساحة الزمانية والمكانية.. والحدث... فالقصة القصيرة: عنصرها الزماني والمكاني محدودين... والحدث غالبا ما يكون حدثا واحدا غير مركب... بعكس الرواية التي تمتد على مساحة واسعة من الزمان والمكان... والأحداث فيها تتشعب... كذلك فإنها تختلف عن الخبر، في أن الخبر صياغة تقريرية لحادث ما.. بينما القصة القصيرة بناء وتركيب وتحليل...
    وللقصة القصيرة أنواع عديدة، أعرف أربعة منها:
    أ ـ الأساطير أو المــيثالوجـيا كما يشخصها البعض:
    هو المــزج بين الأساطير، والزمن المعـاصر.. دون التــأثر بما شكلته لنا الأسـاطير من سحر وجمــال.. أو حتى التقيد بأزمنتها وأمكنتها..
    ب ـ التسجيلية:
    لا تعني الخــواطر والوجدانيات.. أو الكتابة الإنشائية.. بل هي قصص في إطارها المألوف.. ولكن بإضافات إبداعية جديدة.. تضمن للكاتب الحرية والوجدانية معــا..
    ج ـ السيكولوجــية:
    وهي قصص.. تطمح إلى تصوير الإنســان.. وعكس أفكــاره الداخلية.. تصل إلى المستوى النفسي للإنسـان.. وتفند مشــاعره وأحاسيسه.. وتتحدث دائمـا عن أشياء خفية في النفس البشرية..
    د ـ التصور أو الفانتــازيا كما يحلوا لبعض القصاص تسميتها:
    وأعتبره أشرس أنواع القصة القصيرة.. فهو ذو طـابع متمرد.. متميز بالغربة والضيــاع.. وهو أسلوب ثوري.. على الأساليب التقليدية.. وخروج غير مألوف عن الـدارج، بحيث يطغى على المـادة... يهدف كاتب هذه النوعية من القصص إلى إبراز مـدى الفوضى الفكـرية والحضـارية.. لدى إنسـان هذا العصــر.. وحياته.. فهو يرفض التقيد أو الرضوخ للواقع.
    تتكون القصة القصيرة التركيبية من ثلاثة عناصر:
    1) العقدة
    2) الصراع
    3) الحل
    ومن الصعب أن تكون القصة القصيرة ناجحة إذا بدأت بمقدمة فاشلة خالية من عنصر التشويق.. والمقدمة تقودك إلى العقدة.... التي دائما ماتخفي تسائلات....؟؟؟ وكيف يسير الصراع بعد ذلك...؟؟ وكيف تكون النهاية...؟؟؟(حل العقدة).
    كما أن للقصة عناصر تقليدية أيضا هي الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان ـ لكن هذه الشروط أو العناصر لم تعد تشغل بال كتاب القصة الحديثة، إذ تجاوزها الكثيرون ممن يحاولون التجريب فهم يرون أنها: سير نحو هدف ما، ومن معاني السير البحث، ولا سيما البحث عن الوجود، والقصة هي أحسن مثال لهذا اللون من البحث، وهذا السير هو في الحقيقة مجهول، مغامرة منغلقة الأسرار، حركية دائمة ديمومة متدحرجة، وعلاقة القصاص بهذا اللون من البحث غريبة، إذ أن القصة تستقطب من نفسه، فينتحلها عند كتابتها ومعايشتها، حتى تتمكن من تقرير مصيرها بنفسها فنياً.
    إن الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يحمـل كمـاً هـائلاً من القصص التي لا يمكن أن ينطبق عليها مصطلح القصة القصيرة، رغم أن هذا اللون الأدبي ـ أي القصة القصيرة ـ هو أكثر الألوان الأدبية قابلية للتطوير والتجديد، وهذا ما تؤكده النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة التي وضعها كتّاب القصة الأوائل، أو التي استنتجها النقاد من كتابات أولئك الرواد. وبصرف النظر عن مدى تقبل المتلقي للنصوص القصصية الجديدة، فإن على المبدعين التعامل بحذر مع النص قبل الإقدام على مغامرة التجريب، حتى لا يتخلى النص القصصي نهائياً عن كـل مقومات القصـة القصيرة.. ليصبح لونـاً أدبياً آخر يمكن تصنيفه في أي خانة من خانات الأدب، باستثناء القصة القصيرة.
    فالقصة القصيرة، من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيراً من الشبان بكتابتها، رغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص، ولذلك يخفق 70% على الأقل في كتابتها. وأما من حيث العوامل الخارجية، فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، ومئات الصحف والمجلات تحتاج كل يوم لمئات القصص، وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، ثم يذكر من هذه العوامل الإذاعة أيضاً، والناس الذين سيطرت على حياتهم السرعة في كل شيء، حتى فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ضالتهم، لأنها تلائم روح العصر بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة. ثم إن القصة القصيرة لا تزدهر مع حياة الخمول، بل تزدهر مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به، وما اهتمامها بالإنسان إلا اهتمام بالطبقات المسحوقة بشكل خاص.
    وفي هذا العصر يعيش الإنسان أقسى أنواع المعاناة، وأشدها وطأة على النفس، وفي مثل هذه الظروف تزدهر القصة القصيرة.
    أما القصة التقليدية فهي السـكون والقـرار، إذ هي مشـروحة جـاهزة، مضبوطة الأهـداف.. منطقية قدرية، عاقلة.. إذا لم يخرجها باعثها من مكانها، ليصوغها ويقدمها للقراء، على شكل قصة مثيرة للإهتمام.
    وهذا الكلام لا يؤخذ على علاته، فالعملية الإبداعية لا تقتصر في نجاحها على أساليب دون غيرها، سواء كانت هذه الأساليب تقليدية أو تجريبية، فإذا توفر الصدق الفني إلى جانب إشراقة الأسلوب وقدرته على تفجير الأسئلة في ضمير المتلقي، يمكن الحكم للعمل الإبداعي لا عليه. فما الفائدة في أن يقدم على التجريب من لا يملك الأدوات الفنية التي تؤهله لذلك، إن العملية الإبداعية في هذه الحالة لا تتعرض للتجريب بل للتخريب.
    ومع ذلك فإن شروط القصة القصيرة لم تعد ملزمة، لأنها شروط قابلة للنقض، كغيرها من الشروط العامة التي تخضع حين تنفيذها لظروف مختلفة عن تلك التي كانت حين فرضها. وهي قابلة للتجاوز حسب درجة الوعي التي يتمتع بها المبدع.. ذلك الوعي الذي لا يتيح للمتلقي فرصة الوقوف والسؤال عن لماذا تم تجاوز هذا الشرط أو ذاك. فهو أمام عمل إبداعي متكامل، تم تشكيله وفق رؤية جديدة ومتطورة لا يملك المتلقي حيالها إلا الإعجاب. لكن إذا أمكننا أن نتخلى عن بعض أو كل شروط القصة القصيرة، فكيف لنا أن نتخلى عن كل أو بعض عناصرها؟. إن هذا التخلي عن هذه العناصر يحيل الكتابة إلى لون أدبي آخر غير القصة. قد يندرج تحت مسمى الخاطرة أو الكتابات الوجدانية أو أي لون أدبي آخر غير القصة، وهذا لا يعني أن هذه العناصر جامدة ولا تقبل التطوير. وأول هذه العناصر الشخصية القصصية. فقد كنا إلى وقت قريب نقرأ الشخصية القصصية فنجدها صدى لكاتبها، إذ أن ثمة علاقة تشبه التوحد بين المبدع وشخصياته القصصية، وهذا التوحد وإن كان يلقي الضوء على المبدع وفكره، إلا أنه يحول بين الشخصية وممارسة تصرفاتها الطبيعية، وفق الدوافع والأجواء التي وجدت فيها، وعندما يطـل المبدع بفكره من خلال شخصياته القصصية، فإن هـذا يكرس النمطية التي تتكرر بشكل أو بآخر، وتلقي بظلالها على ما يأتي بعدها.
    لكننا مع تقدم التقنية القصصية، نتيجة فسـح المجال أمام التجارب الجديدة.. أصبحنا نقرأ نماذج متعددة من تلك الشخصيات، لا تظهر فيها سيطرة الكاتب وتحكمه في مصيرها، وأصبح سلوكها مرهون الخطوات بالظروف والعوامل والأجواء التي وجدت بها، دون الشعور بأن الكاتب هو المتصرف بشؤونها، والمتحكم في تصرفاتها والمقرر لمصائرها، وهذا لا يلغي العلاقة بين المبدع والنص، ولكنه يجعل هذه العلاقة متوازنة ومحكومة بضوابط خفية يعرفها المدركون للإشكاليات المتعلقة بالإبداع أو التلقي.
    وحين الحديث عن العلاقة بين المبدع والنص علينا ألا نتجاهل أهمية التجارب الذاتية في إثراء العمل الإبداعي، وهذه التجـارب لا تبرر للمبدع فرض رأيه وفكره، فيما يتعارض مع قدرة شخصيته القصصية على استيعاب وتمثل هذا الرأي أو الفكر، لأن العديد من العوامـل هي التي تحـدد هذه القـدرة على الاستيعاب والتمثل، وبغياب هذه العوامل تصبح تلك القدرة مفقودة، والتناقض واضحاً بين الشخصية وسلوكها المحتمل والمتوقع. إن إدراك توازن العلاقة بني المبدع والنص يقودنا إلى شيء من التسليم بأن هذه العلاقة طبيعية وغير متنافرة، إذا تقيدت بتلك الضوابط الخفية التي أشرنا إليها آنفاً. أما القول بانعدام العلاقة بين المبدع والنص، كما يزعم المنادون بموت المؤلف، فإنه قول يتجاهل مجمل المعطيات التي تحيل النص من مجرد فكرة هلامية، إلى كائن يتنامى حتى يبلغ أوج نضجه. وهكذا يكون الحال بالنسبة للجزئيات التي يتكـون منها النص في نهاية الأمر.
    وعند الحديث عن الشخصية القصصية سواء في الرواية أو القصة القصيرة، يتبادر إلى الأذهان أن المعنى هو الإنسان، وإن لواء البطولة في القصة لا يعقد إلا لهذا الإنسان، مع أن الأعمال الروائية والقصصية المشهورة تزخر بأبطال حقيقيين يتحكمون في مسار الأحداث، ولكنهم ليسوا رجالا أو نساء، ليسوا بشرا، وإن كانوا هم محور الأحداث، ومركز استقطابها، وعلاقتهم بالناس هي علاقة محكومة بظروفها، لا أقل ولا أكثر. ولهذا يوجد في القصة القصيرة أن الشحصية الإنسانية ليست شرطا.
    فالشخصية الرئيسية أو البطل في القصة القصيرة لا يشترط أن يكون إنساناً، ماقد يختلف نوعا ما مع الرواية. قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن فلسفة الزمـن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب مجموعة من الأحداث والشخصيات.. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات. وليست أي قصة بطلها الزمن لها علاقة بالتاريخ، ولانظن أن كل رواية أو قصة تاريخية.. لا بد أن يكون بطلها الزمن. كما أن المقصود بالمكان في عديد القصص لا علاقة له بالأيديولوجيا، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة.. بطلها المكان..
    اليوم لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله مجموعة مـن العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام.
    قد يكون الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في ذلك على روافـد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامـل لا تكوِّن إبداعـه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضـح على أعماله الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث، أي من مجرد فكرة.. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق.
    والحدث هي وظيفة يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر.. من تناقض وانسجام بين الأشياء.. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة، فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي.
    ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نسـاهم في إعادة كتابة النص مجدداً.
    ومع أن الحدث يحتاج إلى الدلالات والإشارات التي تؤدي إلى توضيحه أو تمييزه، بين العناصر الأخرى المكونة للقصة القصيرة.. إلا أننا لابد أن نسـلم بأنه لا يعتمد على السرد ليأخذ شكله النهائي، والتمادي في السرد هو من المآخذ التي يدينها النقاد في العمل القصصي، لكن توظيفه بشـكل ذكي ومتوازن مطلوب لتحديد معالم النص الإبداعي. فالسرد عنصر مهم إذا استخدم وفق مقاييس فنية دقيقة، كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك، ليس بالنسبة للحدث فحسب، بل بالنسبة للقصة ككل.
    ولا يمكن لأي واحد يريد كتابة قصة ما، تجاهل الحدث أو تهميش دوره في القصة القصيرة، إذ يؤدي إلى وجـود فراغ في بناء القصة، هذا الفراغ لا يمكن أن يسد بمادة أخرى بحجة التجريب، وبحجة أن القصة من أكثر الفنون الأدبية قابلية للتطوير، وهنا لابد أن نفرق بين التطوير الواعي، والتجريب العشوائي، الذي يغري الكثيرين بولوج باب القصـة، فإذا هم بعد فترة، وقد تلاشت أسماؤهم بعد أن تلاشت كتاباتهم نتيجة الفشل.
    وما من حـدث إلا وله بداية ووسط ونهاية لكن هذا الحدث كما هو الحال في بقية عناصر القصة القصيرة، يختلف في طريقة طرحه من مبدع لآخر، بحيث لا يمكن وضع قواعد صارمة ينحصر في دائرتها من حيث طريقة الطرح، وتسيير دفته في الاتجاه المطلوب، وهذا الاختلاف في طريقة الطرح تفرضه عوامل عديدة من داخل النص ذاته، ووفق توجهه وأجوائه العامة، حتى لا يبدو طرحاً قسرياً أو متناقضاً مع ما حوله. ومن أوجه ذلك إخضاع الحدث لجملة من المفاهيم الفضفاضة التي لا يستوعبها، ومنها مفاهيم علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسـفة الواقعية، والنظريات العلمية، مما هو فوق احتمال الحدث، ومما هو فوق طاقة القصة القصيرة بصورة عامة.
    وذلك لأن القصة ليست بالدراسة العلمية التي تعتمد في مناهجها على العقل المنطقي، بل هي فن يعرف بواسطة العلامات والرموز والأشكال. أعني الألفاظ والجمل والأسلوب والمعاني.. إلى غير ذلك من الأساليب الأدبية والإبداعية الجذابة. عن واقع لا يضارع واقعها الكلي، ولا علاقة للأول بالثاني، لأن واقـع القصـة متفرد، موحـد، مسـتقل بذاته، مثله مثل الوقائع الأخرى: كالأحلام والرؤيا والخيال والذكرى، والحياة اليومية والأعمال الفنية والأدبية.
    وهذا الحدث كما سبق وتحدثنا عنه له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة الـمحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن تمـدد الزمـان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق المنوال الداخلي، دون أن تتمرد القصة القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من المرارة الغير مستساغة، بل والمرفوضة حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة.
    والبيئة هي التي تحتضن الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصـة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه.
    فالبيئة بهذا المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كـل العناصر، لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى لحظة الإستيعاب، عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية والقصة القصيرة نكتشف أهمية البيئة، وذلك لأن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز، والرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر، والرواية تعرض للشخص من نشأته إلى زواجه إلى مماته، وهي تروي وتفسر حوادث حياته من حب ومرض وصراع وفشل ونجاح، أما القصة القصيرة فتكتفي بقطـاع من هذه الحياة، أو بلمحة منها، بموقف معين أو لحظة معينة، تعني شيئاً معيناً، ولذلك فهي تسلط عليها الضوء، بحيث تنتهي بها نهاية توضح لنا هذه اللحظة. وهذا لن يتحقق إلا في بيئة تتوفر فيها كل الظروف الملائمة والمناخ المناسب لتحقيق هذه الغاية.
    هناك نوع من القصص القصيرة التي تفـلت مـن البيئة الـواقعية، إلى بيئة خيالية يحاول فيها المبدع تحقيق ذاته، في أجواء لا يستطيعها في الواقع المعاش. فإذا هذه الخيالية بيئة يمارس فيها المبدع انطواءه، وتذمره من الواقع، واحتجاجه على الكثير من الأوضاع القارة والسائدة في المجتمع. فهو يسعى إلى تحقيق رغباته في بيئة لا تنطبق عليها مظاهر أو شروط الواقع المعاش، ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنها بيئة صالحة للعمل الإبداعي. إذا توفرت لدى المبدع إمكانيات وأدوات تمكنه من أداء مهمته الإبداعية بالشكل والمضمون المناسبين. خاصة إذا سلمنا بأن المبدع والفنان عموماً ذو شخصية تتمتع بحواس وإمكانيات للإدراك فريدة من نوعها. تؤدي به إلى الالتزام بموقف لا يهتم بقبول أو رفض الآخرين له.
    وعندما نتحدث عن بناء القصة، فإننا نعني هذه العناصر الرئيسة ـ الشخصية ـ الحدث ـ البيئة، لكن عندما نتحدث عن نسيج القصة فإننا نعني: اللغة ـ الوصف ـ الحوار ـ السرد، ومن هذه الأدوات يتكون النسيج العام للقصة وهي أدوات لا تستخدم استخداماً عشوائياً، بل لابد من توظيفها لتوضيح ملامح الشخصية وتطوير الحدث، وإبراز البيئة القصصية، لتكون هذه العناصر حاضرة أمام المتلقي بدرجـات متساوية قدر الإمكان. ولن يتحقق ذلك، ما لم تكن الأدوات المتاحة في نسيج القصـة مرتبطة بتلك العناصر ارتباطاً وثيقاً، فاللغة لابد أن تكون مطابقة لمستوى الشخصية أثناء الحوار، بحيث لا يمكن للعامي أن ينطق بالفصحى، أو تخاطبه بها.
    وكذلك الوصف لابد أن يقتصر على ما تفرضه العناصر الأساسية للقصة، حتى لا يطغى على هذه العناصر أو يربك إيقاع القصة المتناغم وانسجامها التام.
    أما الحوار، فهو مطالب بأن يساعد على توضيح ملامح الشخصية، وجلاء الحدث، وأي حوار لا يضيف جديداً إلى الشخصية أو الـحدث، يندرج تحت مسمى اللغو الذي لا تحتمله القصة القصيرة.

  2. #2

    رد: القصة القصيرة

    مررت استاذ فتحي واظن ان الموضوع يستحق التثبيت
    ونتمنى لكل من لديه الزياة ان يضيف
    وفقك الله والف شكر

  3. #3

    رد: القصة القصيرة


    عناصر القصة القصيرة :
    1- المقدمة أي المدخل .
    2 - الفكرة .
    3- الحدث .
    4- العقدة .
    5 النهاية .
    6 - طبيعة اللغة .
    وهنا لا بد للكاتب أن يعرف ماذا سيقول للقاريء والفكرة التي يريد توصيلها له ، فلا توجد قصة في الهواء ، ولا تتجرد عن ظرفي المكان والزمان وتتحرك في اللابعدين .
    وعليه أن يدخل موضوعه بطريقة لافتة تربط القاريء بالنص ليتابعه لآخره .
    وأن تتفاعل الأحداث والشخصيات بما يخدم الفكرة ، ويتصاعد تفاعلها حتى تصل للنهاية باختلاف أنواعها المحدودة والمفتوحة ، والمتعددة ، على ألا تعلو لغة القصة لتصبح شعرا ، وأن تكون بسيطة ما أمكن ليفهم القاريء هدف الكاتب .

  4. #4

    رد: القصة القصيرة

    شكرا لك أخ فراس ودمت بخير

  5. #5

    رد: القصة القصيرة

    شكرا أستاذ عبد الرحيم
    التفاعل هو المطلوب في القصة وإلا لا تتعدى الحبر الذي كتبت به

  6. #6

    رد: القصة القصيرة

    مرور ثان ويرسل بريديا من جديد ويفك التثبيت
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. صباح القصة القصيرة جدا
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-25-2013, 05:48 AM
  2. مميزات القصة القصيرة
    بواسطة حسن لشهب في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-11-2011, 04:28 AM
  3. القصة القصيرة جدا/ق ق ج
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-25-2008, 09:01 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •