"محمد عساف" جوعُ شعبٍ للفرح
د. فايز أبو شمالة
لكل إنسان طريقته في التعبير عن الفرح والمرح والانشراح الذي مزق صمت الليل في قطاع غزة، وغطى بردائه الناعم تلال الحزن والهم والترقب والقلق والانضغاط الذي سكن جوانح الفلسطيني بشكل عام، وعشش حصاراً إرهابياً في وجدان سكان قطاع غزة بشكل خاص.
إنه الفرح العفوي المكبوت الذي انتظر فوز محمد عساف بلقب محبوب العرب ليتفجر انتماءً واعياً لهذا التراب، وشكراً لملايين العرب الذين صوتوا للقضية الفلسطينية، وأكدوا أن فلسطين ما زالت لب الوجدان العربي، رغم أوضاع العرب السياسية غير المستقرة.
ولا أبالغ لو قلت: إن ردة فعل الفلسطينيين لفوز محمد عساف في عرب أيدل، وخروجهم العفوي كان أصدق ألاف المرات من فرح بعض الفلسطينيين الذين تجمعوا أمام المقاطعة في رام الله عشية اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين بصفة مراقب، كان الحشد أمام المقاطعة سياسياً، وكان تمثيلياً، وكان موجهاً، بينما خروج الناس للشارع بفوز محمد عساف كان عاماً طافحاً، وكان عفوياً صادقاً، ويفيض حباً للوطن الذي انتصر في المنافسة.
ولا أبالغ لو قلت: إن خروج الناس العفوي للشوارع عشية فوز محمد عساف يشابه خروج الناس للشوارع عشية انهزام الصهاينة، وانسحابهم من قطاع غزة سنة 2005، فالمشهد لا يختلف كثيراً، مع الفارق المعنوي بين الفرحين، لأن خروج الصهاينة من قطاع غزة مثل هزيمة لعدو، وكان نصراً شارك فيه الجميع، بينما انتصار محمد عساف شخصي وإن افتخر فيه الجميع، والفرح بالاندحار الصهيوني الأول في تاريخ فلسطين كان نتاج عمل مقاومة مسلحة إبداعي، بينما الفرح بفوز محمد عساف كان نتاج عمل فني مبدع.
لقد فرح الناس بفوز محمد عساف لأنه فلسطيني، لقد تعصبوا لشقيق المعاناة، وانتصروا لابن مخيم خان يونس، الذي ورث عن أبيه مذاق الجرح الغائر بعد هجرته من قرية القسطينة التي اغتصبها الصهاينة، وورث عن أمه لحظات التشرد القاهر الذي عرفته بعد الهجرة من قرية بيت دراس، فجاء فرح الناس انتقاماً من الحزن الذي صبه على رؤوسهم الصهاينة.
وفي الوقت الذي اجمع فيه الفلسطينيون على الفرح لفوز محمد عساف، انقسموا على برنامج عرب أيدول، وهنا لا بد من التمييز بين الفن وبين توظيف الفن لأغراض سياسية، ويجب التفريق بين الفنان المبدع، وبين انحراف الفنان إلى مواطن الرذيلة، ويجب التفريق بين الأداء الفني الراقي الواعي وبين العمل الهابط في الفعل والقول.
محمد عساف فنان مبدع، رفع رأس فلسطين بجميع فصائلها، واثبت حتى اللحظة أنه خير سفير للحق الفلسطيني الذي شوه سيرته اليهود، وقد أثبتت محمد عساف أن فنه أرقى شأناً من الانتماء الحزبي، وأن صوته الرائع قد عاد بالنفع الإعلامي على فلسطين كل فلسطين.