منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    المقامة الحاتمية /مروان قدري مكانسي

    المقامة الحاتمية /مروان قدري مكانسي
    حدثنا موجوع بن ملسوع فقال :
    بعدما سافر الأهل والأولاد ، ومكثت وحيداً وقد حرمت السهاد ، قلت في نفسي : ليس لك يا هذا إلا الغوص في بحور الكتب والمراجع ، علك تدفع بها سأم التقلب في المضاجع ، فانصرفت إلى مكتبتي بلهفٍ وحب ، وشرعت أصطفي ما يروق لي من الكتب ، وأخرجت منها ستة أو سبعة ، لأطفئ بها ما يعتريني من شواظ الهمِّ واللوعة ، فالقراءة خير زادٍ للعقل والوجدان ، و بها أُمر بني الإنسان .
    وما إن توكلت على العزيز الرحيم ، مبتدئاً ببسم الله الرحمن الرحيم ، حتى رُنَّ جرس الهاتف المدرار ، وتوالت رناته باستمرار ، فساءلت نفسي المرتاعة : من المتصل بي هذه الساعة ؟ وأسرعت فرفعت السماعة .
    ـ من المتكلم الكريم ؟
    ـ أنا صديقٌ قديم ، لم أرك منذ سنين ، واشتدَّ بي الشوق والحنين .
    ـ صديقٌ قديم ؟
    ـ أجل ، أنا عبد العظيم .
    ـ أهلاً بالأخ الحبيب ، والصديق النجيب ، أين أنت ؟ ومتى وصلت ؟
    ـ لقد وصلت لتوِّي ، وأبحث عن فندقٍ إليه نأوي .
    ـ نأوي ؟ أراك تتحدث بضمير الكثرة ، فهل يرافقك أحد في هذه السفرة ؟
    ـ نعم ، تصحبني أسرتي ، أبنائي وبناتي وزوجتي .
    واستحييت أن أسأل عنهم ، ما عددهم ، وما أعمارهم ؟ وأخذتني السجايا الحاتمية ، ومفاخر الشهامة العربية ، فقلت : مادام الأهل في سفر ، وأنا أقاسي الوحدة والضجر ، لم لا ينزل عندي ويكون سبب هنائي وسعدي ؟نتذكر عهد الطفولة والشباب ، يوم كنا مع الأصحاب والأحباب ، نلهو ونمرح بين الزهور ، ونحاكي الفراشات والطيور ، فما أجمل الماضي البريء ، وما أطهر القلب المضيء ....
    فقلت : يا أخي عبد العظيم ، لا بد من أن تنزل ضيفاً عندي وتقيم ، لا تبرح المكان ، فإني قادمٌ إليك الآن .
    قال : لا تشغل في إقامتي البال والخاطر ، فإني للمدينة زائرٌ وعابر ، وقد اشتقت إلى لقياك ، وأحب أن أكحل عيني قبل سفري برؤياك .
    قلت : ما عهدتك بخيلاً ، وبكلامك ثقيلاً ، لا بد من استضافتك ، والقيام بواجبك .
    قال : إن كان ولا بد فاعلم أن أولادي سبعة ، وأنا وأمهم نغدو تسعة .
    وبعفويةٍ لم أحسب لها حسابا ، طرت إلى صاحبي والشوق يجتذبني إليه اجتذابا ، وبعدما ضمنا العناق ، وفاضت بيننا أحاديث الهيام والأشواق ، صحبتهم إلى بيتي ، وما إن وصلوا حتى بدأت محنتي .
    قد تسألني : ما الحكاية ؟ إليكها من البداية .
    كان الأولاد ـ حرسهم الله ـ في أعمار متفاوتة ، ولا يميلون إلى طبائع ثابتة ، فلكل واحد منهم طبع ، لا يطيقه أسدٌ ولا يتحمله ضبع .. فالصغيرة الأخيرة تقوم وتقعد ، وتستيقظ وترقد ، على بكاءٍ متواصل ، يفتك بالرأس وبالمفاصل .
    والتي فوقها عمراً ، قد سببت لي كمداً وقهراً ، إذ هي لا تحب أن يبقى شيء من الأثاث مكانه ، ولا بد من تحريكه إلى أمكنة أخرى قبل أن يفوت أوانه .
    أما الصبي الصغير ، والمدلل الخطير ، فقد أوتي لساناً يقاس بالأمتار ، يتفوق به على كل ثرثار ، فتراه يتدخل في أحاديث الكبار ، كأنه الأحنف بن قيس أو عمار ، ولا يردعه أبوه ، ولا إخوته وذووه ، بل يعجبون لجرأته ، وفصاحته وطلاقته ، و يا ليته كان يقول جملة واحدة مفيدة ،إذاَ لأصبحت حياتي بهم هانئة سعيدة ، وإنما هرطقة غير عاقل ، يصدق فيها قول القائل :
    كلامكَ يا هذا كفارغ بندقٍ خليٌ من المعنى ولكن يقرقع
    وأما بقية العقد النضيد ، فقد كان عن ناظري بعيد ، وتواروا عني بالحجاب ، امتثالاً لشريعة العزيز الوهاب ...
    قد تقول : وماذا عن الكتب التي أخرجتها ، لتقطف منها ثمارها وزهرتها ؟
    فأجيب : لقد تمكنت ـ بعون الله ـ من إنقاذها ، والحفاظ على أمنها وسلامتها ، فأدخلتها غرفة نومي بارتياح ، قبل أن يداهمني الاجتياح .
    قال : زدني يا موجوع زدني ، وبمزيدٍ من التفاصيل أفدني .
    قلت : ما عساي أن أقول ، وقد آلت أحلامي وآمالي إلى الأفول ؟ إن صديقي الزائر ، والذي زعم أنه عابر ، قد غيَّر نيته ، وبدَّل وجهته ، فما إن رأى البيت قد خلا من أصحابه ، حتى حلَّ رحاله وفكَّ حبائل ركابه ، وقال لي : لقد صعبت علينا حالك ، وما وصل إليه مآلك ، لذا فقد عزمنا على الإقامة عندك أسبوعا ، عزماً لا نقبل فيه نقاشاً ولا رجوعا ، نطهو لك فيه أطيب الطعام ، ونكون لك من جملة الخدام ، فالغربة كربة ، والوحدة صعبة ، ثم أردف الصاحب قائلاً ، وموضحاً ومعللاً :
    وحتى تتمكن الزوجة من أن تصول في البيت و تجول ، أرجو أن تتنحنح كلما هممت بالدخول ، فإذا دخلت بيتك ، فالزم فيه غرفتك ، ولا تكثر من الدخول والخروج ، خشية أن يجد الإحراج إلى قلوب نسائنا بداً من الولوج ، وستأتيك إلى حجرتك كل طلباتك ، فالجميع هنا رهن إشاراتك ...
    وأسرت في غرفتي ، واشتدت عليَّ محنتي ، فقد كنت قبل مجيئهم حرأً طليقاً ، فأصبحت الآن عبداً رقيقاً ، إن وجدت في نفسي للطعام حاجة ، فلن أجرؤ على فتح باب الثلاجة ، وإن فتت الظمأ أحشائي وكبدي ، فلن تجد قطرة من الماء عندي ، إذ المطبخ بعيد عن غرفتي ، وليس بتابعٍ لسطوتي وحمايتي ...
    وقد تسألني : وماذا عن صاحبك المدنف ، الذي هزه الشوق إليك فرفرف ؟
    فأقول : لقد اعتكف وزوجته في غرفة يستريحان ، وأطلقا لأولادهما في بيتنا العنان ، يعيثون في المنزل الفساد ، ويدمرون البلاد والعباد ، فقد غيروا تضاريس البيت في عجل ، وكسروا الكؤوس والأواني دونما أي خجل ، وبذروا الأرض خبزاً وإداما ، فأنبتت قمَّلاَ وهواما ، وأخرجوا المخزون والمدَّخر ، ولم يتركوا في الثلاجة شيئاً يدَّكر ، وطبخوا لنا بهمةٍ طعاما ، يشبه الغسلين و الزقوما ،
    فما استسغت بلعه ومضغه ، وقد خشيت قرصه ولدغه ، فآثرت الفرار من البيت ، وإلى أقرب مطعم أتيت ، فالحفاظ على صحتي غنيمة ، حتى لو اعترفت بالهزيمة ، وقد أحسَّ بكربتي الجار ، ولم يشعر بحالي نزلاء الدار ، إذ القوم بين نائمٍ وآكل ، وصارخٍ وهاتفٍ وغافل .
    ومضى الأسبوع الثقيل ، وكأنه عمر طويل ، وبدأت ألوم نفسي ، في جهري وهمسي ، وأقول : مالك وما لحاتم الطائي ، وأنت عنه البعيد النائي ؟ لقد تغيرت الموازين وتبدلت ، واختلفت المعايير وتحولت ، فلا القوم الذين كانوا هم القوم ، ولا العوم في بحر الفضائل هو العوم ...
    ودعت صاحبي بضراوة ، وقد شعرت بالأسى والمرارة ، ثم قمت أرمم ما بلي من الدار ، وأطلب العفو من العزيز الغفار ، لأنني صممت ألا أعود إلى مثلها ثانية ، إذا كان في العمر أعوام باقية .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    2,207

    السلام عليكم

    مقامة رائعة بحق

    أي والله هي رائعة وتستحق أن تكون مرجعاً لمعرفة هذا النوع من الادب

    تقديري لكِ أختي

المواضيع المتشابهه

  1. من هو اشرف مروان؟
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-01-2013, 12:51 PM
  2. اقرأ للدكتور /قدري جميل
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-06-2011, 06:22 PM
  3. قصة أبو مروان في شهر رمضان
    بواسطة علي جاسم في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-17-2009, 01:02 AM
  4. أفرُّ من ندم مني ومن قدري .
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-18-2009, 04:01 AM
  5. نرحب بالاستاذ(قدري محروس)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-10-2008, 04:06 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •