“الصهيونية الإسلامية” قائمة فكريا، وقادمة سياسيا (!!) ، بقلم أسامة عكنان
ArabNyheter | 2014/02/02لا يوجد تعليقات
ومرد قيامها الفكري وقدومها السياسي، إلى متلازمة إعلان "معاداة الرأسمالية والصهيونية"، و"تبني مقولاتهما" في ذات الوقت (!!)يجب أن نعترف ابتداءً بأمرٍ غايةٍ في الأهمية مفادُه، أنه لن يعرفَ الحقيقة من ينتظر "مهديا" و"مسيحا" ليخلصاه وينقذاه. ولن يُحررَ وطنا ولن يحقق نهضة ولن يوحِّدَ أمة وأرضا، من يبنى مصيرَه على انتظار تحقُّق الأساطير. فليعتبر كلُّ واحدٍ منا نفسَه "مسيحا" و"مهديا منتظرا"، وليمارس بنفسه ما ينتظر منهما أن يمارساه نيابة عنه، عندئذ سيكتشف أن الروايات التي تحدثت عنهما – إن صحت – إنما كانت تتحدث عن يقظتهما في قلبه وفي عقله، أي أنها كانت تتحدث عنه هو شخصيا، عندما يتقمَّص صفاتِهما النبيلة والعظيمة التي أشارت إليها تلك الروايات.إلى ماذا يقودنا هذا الاعتراف؟! وعن ماذا سيكشف لنا، في سياق موضوعنا الذي نحن بصدده؟!لن تتسنى لنا فرصة استكشاف ذلك، ما لم نؤَسِّس له بالرؤية التالية..إن الصهيونية الدينية بضلعيها "المسيحي البروتستانتي" من جهة، و"اليهودي الأشكينازي" من جهة أخرى، عمِلَت على صهينةِ العالم سياسيا، بدءا بالمسيحيين الكاثوليك والأرثوذوكس، ومرورا بالمسلمين، وانتهاء بأتباع الديانات الشرقية. ولأن معظم أهل الأرض باستثناء المسيحيين والمسلمين واليهود – بصفتهم أتباع ديانات سماوية ذات مصدر واحد – ليست لديهم أيُّ مرجعيات ذات طبيعة دينية، يمكنها أن تمثل أرضا خصبة للترويج للصهيونية "الدينية"، فقد كان من الطبيعي أن ينصبَّ الجهد هناك في جانبه السياسي، فيما انصب الجهد هنا حيث أتباع الديانات السماوية الثلاث، في جانبه "الديني" تمهيدا لبلورة جانبه "السياسي".فالمسيحيون والمسلمون واليهود على حدٍّ سواء، لديهم معتقدات متشابهة للغاية فيما يتعلق بمعارك وأحداث ما يطلق عليه آخر الزمان – وهي المعتقدات التي تمثل بيت القصيد في مآل الديانات الثلاث – فملاحم "آخر الزمان" عند المسلمين، هي نفسها معركة "هرمجدون" عن المسيحيين واليهود، وستحدث في فلسطين عند "باب لد" قرب "الرملة". و"المسيح" الذي سيغير وجه العالم، ويحكم بالعدل، ويتخلص من الشر والكفر والوثنية، سوف يأتي ليحققَ ذلك، سواء في المعتقدات اليهودية أو الإسلامية أو المسيحية، وإن كان سيأتي عند اليهود ليخلصهم من المسلمين والمسيحيين، وسيأتي عند المسيحيين ليخلصهم من اليهود والمسلمين، فيما سيأتي عند المسلمين ليخلص الأرض من اليهود والمسيحيين!!!إنها عقيدة واحدة عنصرية وبغيضة، قائمة على إقصاء الآخر، وعدم الاعتراف بمشروعية شراكته في الحياة الآمنة، ولا بحقه في النعيم الدنيوي والأخروي، عندما يقاس النعيم بمعايير استحقاق دينية لاهوتية. ومع الأسف فإننا نحن المسلمون استنسخنا هذه العقيدة من الإسرائيليات ومن معتقدات المخلِّصين في الديانات الوثنية، ونسبناها إلى الرسول الكريم عليه السلام، لأن الوضاعين والكذابين في تاريخنا لم يكونوا قادرين على نسبة ذلك إلى القرآن الكريم ذاته، وهو الكتاب الذي خلا خلوا تاما وقاطعا من أيِّ إرهاصات أو إشارات لمثل هذه المعتقدات "الآخر زمانية" شديدة العنصرية والشوفينية.في واقع الأمر إن الصهيونية تمكنت من الانتشار السرطاني سياسيا على مستوى العالم، لأن البطش والجبروت الأنجلوساكسوني البروتستانتي "الرأسمالي الاحتكاري"، امتلك كلَّ الأدوات – منذ الهيمنة البريطانية وحتى الهيمنة الأميركية – التي تُمَكِّنُه من السطوة السياسية الشاملة. وعندما نقول "الصهيونية" لا نقصد اليهود، لأن اليهود بصفتهم الدينية الصرف، ليست لهم سطوة ولا قيمة ولا أهمية، خارج الحاضنة الصهيونية الرأسمالية الاحتكارية. وإنما نقصد عندما نذكر الصهيونية، الإمبراطورية الرأسمالية الاحتكارية التي ورثتها الإمبراطورية الأميركية عن الإمبراطوريتين الاستعماريتين البريطانية والفرنسية، والتي جعلت من اليهود، وبالتالي من الصهيونية اليهودية، الواجهة الأمامية لممارسة كلِّ شرورها في العالم عبر منطقتنا العربية.منذ أن تزاوجت "الرأسمالية العالمية" بـ "الصهيونية البروتستانتية" وحصل التلاقح التاريخي بينهما، وُلِدَت "الصهيونية اليهودية" كقناع يخفي حقيقة الرَّحِم الذي ولدت منه، وذلك بغرض إخفاء جوهر المعركة وجوهر الصراع وجوهر التناقض، ليصبح تناقضا عربيا/يهوديا – مادامت الصهيونية قد تجلت عبر يهوديتها – بدل أن يكون تناقضا عربيا/إمبرياليا رأسماليا احتكاريا، وبالتالي أميركيا – في الوقت الراهن – من منطلق أن التناقض إذا كان بين العرب والصهيونية، فجوهر الصهيونية ومصدرها ومُخَلِّقُها هو هناك في قلب تلك الرأسمالية التي بدأت بريطانية وفرنسية، لتؤول إلى إمبريالية أميركية.بناء على ما سبق يمكننا القول بأن الغايات الصهيونية تبقى مخدومة، وخنادقها تبقى آمنة، مادامت قد نجحت في إقناعنا عبر الإعلام والثقافة، وعبر آلاف الكتب والمؤلفات، وعبر الأغاني والأفلام والبرامج التلفزيونية، بأن معركتنا هي مع اليهود بالدرجة الأولى، بصفة الصهيونية صهيونيتهم، لأنها تمثل اليهود وتعبر عنهم وعن حقوقهم الدينية والتاريخية، وأنها ليست شيئا آخر غير ذلك.ولن تبدأ كفة الميزان في الاعتدال لصالحنا، إلا إذا بدأت كفة ميزان المعرفة في الاعتدال لصالح الحقيقة، التي كانت ضحية تزييفِ وعيٍ حوَّلَنا بالتبعية لضحايا وعي وتاريخ وسياسة، إنها الحقيقة الغائبة التي تؤكد على أن معركتنا ليست مع هؤلاء اليهود بمجرد يهوديتهم، بل هي مع كلِّ من يقف في خندق "الظلم العالمي"، الذي تمثله وتقوده "الإمبريالية العالمية البروتستانتية الأنجلوساكسونية" بالدرجة الأولى، بصرف النظر عن لون أو جنس أو عرق أو دين أو هوية عابرة.وإلى كلِّ من تخدعه أساطير وخرافات "الهيمنة اليهودية" على الإعلام والمال والثقافة، نتوجه بالسؤال التالي..
ترى، هل يُعَدُّ "الوليد بن طلال" بثرائه الفاحش الذي لا يخدم سوى الشيطان ورأس المال العالمي الذي تكوَّن في حاضنته ووفق أسسه وقواعده، واستمر ويستمر داخل فضاءاته، وبقنواته التلفزيونية الماسخة لكلِّ عناصر الثقافة العربية والإسلامية، بل وحتى الإنسانية.. وقبلَه "عدنان خاشقجي" وأشباهه في الثمانينيات.. وبعده وبرفقته حُزْمَة المليارديرات المعاصرين في كلِّ الدول العربية، من الذين حوَّلَتْهم مليارديريتهم إلى مواطنين يحملون تابعيةً يدينون لها بالولاء، هي على وجه الحقيقة شيء آخر غير تابعياتهم العربية التي يحملونها ويتحركون بواسطتها على سطح هذا الكوكب، وهي تابعية "رأس المال العالمي" وجنسيته ومواطنته.. ومثل هؤلاء جميعا معظم أباطرة النفط من سفهاء هذا العصر حكاما ومحكومين، ممن يُسَخِّرون مواقعَهم ونفوذَهم لغايةٍ وحيدة، هي تثبيت أركان الرأسمالية العالمية بأبشع صورها وأكثرها تغولا.. نقول.. هل هؤلاء يُعَدُّون نماذجَ لرؤوس الأموال ولمظاهر الثراء ومن ثم لعوامل النفوذ الاقتصادي العربية والإسلامية؟! وبمعنى آخر، هل أن هذا النوع من أصحاب المال والنفوذ، هم أصحاب مال ونفوذ مسلمون يخدمون الإسلام ويحسبون عليه، ويُصَنَّفون من ثمَّ في خندقه وفي خندق العرب والعروبة؟! أم أن مالَهم لا دين له؟! وإن كان له دين، فهو دين الرأسمالية العالمية؟! ولا جنسية له، وإن كانت له جنسية، فهي جنسية مدموغة بأختام "اقتصاد السوق"؟! ولا وطن له، وإن كان له وطن، فهو وطن يتأسس في كل مكان فيه "استعبادٌ لفقراء العالم"، وعلى رأسهم جميعا "العرب" و"المسلمون"، باسم الأديان والشرائع وكلِّ اللافتات التي تحمل اسم "الله"؟!إن الإجابة واضحة وقاطعة ولا تحتاج منا إلى فذلكة أو تفيهق وجدل عقيم (!!) ومثل هؤلاء كلُّ أثرياء ومليارديرات وأساطين المال والإعلام والثقافة اليهود في العالم، لا يصح النظر إليهم بصفتهم يهودا، وإلى النفوذ والمال الذي يمتلكونه بصفته نفوذا ومالا يهوديين، بل يجب النظر إلى كلِّ ذلك من زاوية "أين يصب، وماذا يخدم، وبأيِّ دين اقتصادي يدين"، خاصة بعد أن تطورت الأمور في هذا العالم إلى مستوى غدت فيه "الحرية" هي الأيقونة التي يتاجر بها الجميع: "الغني" قبل "الفقير"، و"مصاص الدماء" و"آكل لحوم البشر" قبل "الناسك" و"الزاهد" حتى في "لحوم الدجاج"، ما أفقدها – أي قيمة الحرية – القدرة على أن تكون المعيار الذي نميِّزُ به بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين الله والشيطان، بعد أن غدا الشيطان نفسه هو أكبر داعية من دعاة "الحرية الإنسانية"، مادامت هذه الدعوة قد تجاوزت قدراتِه على منعها هو وزبانيته، فلم يعد أمامه من سبيل إلا اختراقها للإبقاء على معادلات "الظلم الاقتصادي" قائمة ومستمرة، لتغدوَ "الحرية" من ثمَّ دعوةَ الجميع بلا استثناء، بدءا بباني السجون والمعتقلات والزنازين، لينتفعَ منها وبها القادر على توجيه دفةِ وأشرعةِ مراكبها بالمال والإعلام ومفاتيح الثقافة التي يهمين عليها؟!! ومن هذا المنطلق، فإن الكلَّ، بمن فيهم "الوليد بن طلال" ونظراؤه من رجال الأعمال العرب، وكافة أثرياء "النفط" السفهاء، وكومبرادور الأنظمة الوظيفية هنا وهناك، يصبون في خندق الإمبريالية العالمية ومراكز رأس المال العالمي. وبالتالي فاليهودي والمسيحي والمسلم – بحكم هوية واقع الحال – الذين يخدمون الهدف الإمبريالي نفسه، لا يمكن النظر إلى أيٍّ منهم من حيث دينه، ومن زاوية هويته الدينية بشكلها التقليدي المتعارف عليه والموروث عن والديه والمحسوب له بحكم الجغرافيا، بل من زاوية الأيديولوجيا التي يحملها مالُه، وتلك التي يخدمها ثراؤُه، ويوَظَّف لأجلها نفوذُه.إن ظاهرة خطيرة بدأت تتكشف في واقعنا العربي تتمثل في بزوغ عهد "الصهيونية العربية"، وهي اختزال لمفهوم "الصهيونية الإسلامية"، لأن هذه الأخيرة تتجلى أكثر ما تتجلى عند العرب تحديدا. وفي حقيقة الأمر فإن هذه الظاهرة كانت موجودة منذ زمن بعيد في موروثنا الثقافي وتراثنا المعتقدي، ولكنها كانت ظاهرة كامنةً وغيرَ مُفَعَّلَة. ولأننا حين نتحدث عن ظاهرة نطلق عليها اسم "الصهيونية العربية" أو "الصهيونية الإسلامية"، إنما نكون بصدد عرض مسألة غاية في الخطورة، فمن الضروري أن نعيد التذكير في هذا السياق بأن الفكر الصهيوني الذي انبثقت عنه "الصهيونية العملية" ذات الامتدادات العالمية، ليس فكرا يهوديا في الأساس، بل هو فكر مسيحي ظهر في قلب المسيحية الأوربية.لا بل إن اليهود في أوربا قد حاربوا هذا الفكر عشيَّة ظهوره في قلب حركة الإصلاحات الدينية التي شهدتها أوربا عقب انقضاء ظلمة القرون الوسطى وبدء معالم عصر النهضة، ووقفوا ضده وفي مواجهته قرونا طويلة، ولم يستسلموا له أو يتجاوبوا مع متطلباته الاستعمارية الأوربية، إلا مع منتصف القرن التاسع عشر على مستوى بعض النخب الثقافية، ولم يصبحوا أداة من أدواته السياسية إلا مع انعقاد مؤتمر "بازل" في أواخر القرن التاسع عشر، عندما حصل ذلك التزاوج بين الخطط والإستراتيجيات الاستعمارية الأوربية عامة والبريطانية منها خاصة، وبين طموحات النُّخب اليهودية التي رأت في هذا الفكر تعبيرا عن ولائها للرأسمالية العالمية بالدرجة الأولى.وإذا كان الفكر الصهيوني إنجازا رأسماليا مسيحيا صِرفا، تحرك به اللاوعي الأوربي عشية وصول العثمانيين إلى "فيينا" ومحاصرتها مرتين، في سياق إعادة إنتاج الذهنية الدينية الأوربية بشكل يتيح لها تجاوز المهانة التاريخية التي شعر بها الأوربيون الصليبيون عقب اندحار آخر الحملات الصليبية عن المشرق العربي بعد مائتي عام من التواجد الاستيطاني الاستعماري هناك، فلن نكون مجانبين للصواب إن أكدنا على أن كلَّ ما من شأنه رفد المشروع الصهيوني الراهن بمقومات البقاء والاستمرار، ومساعدته على استكمال مهمته الاستعمارية في المنطقة بوصفه المُكَمِّلَ الإمبريالي له، هو قطعا وجه آخر لصهيونيته.فإذا كانت الصهيونية في الأساس مسيحيةً أوربيةً منشأً وسيرورةً وتطوراً، لأنها تخلَّقت في قلب الكنيسة الأوربية، وقامت على "إعادة صياغة فكرتي أرض الميعاد والعصر الألفي السعيد"، في العهدين القديم والجديد على حدٍّ سواء، على أيدي مصلحين دينيين مسيحيين أوربيين، بشكل مَهَّدَ لإعادة استعمار المشرق العربي بعد عدة قرون من ذلك، فإن نجاح المسيحية الأوربية في التأصيل لها – أي للصهيونية – لتكون مطلبا ومعتقدا يهوديا تُحسنُ الرأسمالية الاختباء وراءه في حملاتها الاستعمارية، وهي تروِّج للمعتقدات المسيحية واليهودية الجديدة، لا يقل أهمية عن نجاحها في إعادة إنتاج المنطقة العربية المشرقية سياسيا واقتصاديا وثقافيا بعد صبِّ "المسألة الشرقية" – كما كانت الأدبيات الدبلوماسية والسياسية لدى النُخب الأوربية تطلق عليها – في قوالب جديدة ساعد عليها انهيار "الرجل المريض"، وذلك على قاعدة تَقَبُّل الصهيونية والتعامل معها، باعتبارها أمرا طبيعيا يمكن التعايش معه وقبوله بل والدفاع عنه إذا تطلب الأمر ذلك.لا قيمة لأيِّ محتوى ديني للفكرة الصهيونية، فمثل هذا المحتوى ليس أكثر من أكذوبة تهدف للتجييش البشري للفكرة وإخفاء مضمونها السياسي الإمبريالي، لأنها في الأساس فكرة استعمارية أوربية استخدمت الدينين المسيحي أولا واليهودي ثانيا، وهي تحاول الآن وبمساعدة قوى السَّفَة والتَّصَهْيُن العربية استخدام الدين الإسلامي، للتغطية على المشاريع الاستعمارية الأوربية في المنطقة العربية. فقيمة الفكرة إذن هي قيمة سياسية أولا وآخرا. وبالتالي فصفةُ "صهيوني" إذ انطبقت على أولئك الذين قبلوا سواء من اليهود أو من المسيحيين، بأن يكونوا أداةً للفكرة الصهيونية في جوهرها الاستعماري، موافقين من ثمَّ على تجيير معتقداتهم الدينية من جهة، ومستعدين دوما للتخندق في الخندق السياسي المتماهي مع تلك المعتقدات من جهة أخرى..نقول.. إن صفة "صهيوني" إذ انطبقت على أمثال هؤلاء، فلا معنى إطلاقا – مادمنا نتحدث عن أطر ومقدمات ونتائج سياسية في الجوهر – لِتَجَنُّب وصف الإنسان العربي ذي المرجعية الدينية الإسلامية أو غير الإسلامية، والذي يتبنى تلك المعتقدات وإن يكن من منظوره الخاص، أو ذلك الذي يقبل التخندق في الخندق السياسي المتماهي مع الأهداف والإستراتيجيات التي ما خُلِقَت الصهيونية ولا وُجِدَت "إسرائيل" إلا لتحقيقها، بأنه عربي صهيوني، أو بأنه يمثل ما نطلق عليه "الصهيونية العربية" أو بتعبير أدق "الصهيونية الإسلامية".لا يوجد هناك أيُّ مُسَوِّغ علمي أو عقلي يُلْزِمنا بقبول التفريق بين "إسرائيل الصهيونية"، و"الأنظمة القُطْرِية الوظيفية"، وفصائل "الإسلام السياسي"، المعتنقة لـ "الصهيونية الدينية"، والتي توظِّفُها لتكون إطارا معتقديا لمشروعها السياسي، بالقول بأن الأولى وحدها هي "الصهيونية"، في حين نتجنب وصف الثانية والثالثة بأنهما "صهيونيتين"، رغم أن الجهات الثلاث تعتنق المعتقدَ الدينيَّ نفسَه، بكل حتمياته التاريخية القائمة على الأساطير والخرافات الآخر زمانية ذاتِها. كما أنه لا يوجد هناك أيُّ مُسَوِّغٍ علمي أو عقلي يلزِمُنا بقبول التفريق بين "مراكز الرأسمالية العالمية" و"الأنظمة الوظيفية" وفصائل "الإسلام السياسي" الأوسع انتشارا وتأثيرا، بالقول بأن الأولى وحدها هي "الإمبريالية"، في حين نتجنب وصف الثانية والثالثة بأنهما إمبرياليتين، إذا استطعنا أن نثبتَ أن الجهات الثلاث تعتنق المعتقدَ الاقتصادي نفسَه، بكل رأسماليته المتغوِّلَة"، لتؤديَ في نهاية المطاف المهمة نفسَها، خدمة لتمرير العلاقات نفسِها، ودفاعا عن المنظومات السياسية والاقتصادية نفسِها، في المنطقة نفسِها، مستهدفةً المجموعات البشرية العربية نفسِها.فمادامت الصهيونية ليست دينا، بل مشروعا سياسيا تستَّر وراء الدين، وجيَّش لنفسه بشريا في حاضنة الدين، فإن كلَّ من يسهم بدوره ومن موقعه السياسي في تمرير الإستراتيجيات التي نشأ لأجلها ذلك المشروع، هو حتما وبالضرورة جزءٌ لا يتجزأ منه، وسيُعتبر مُجَيِّشا لنفسه في حاضنة الدين إذا أصَّل لنفسه دينيا.وإنه على هذا الأساس ومن هذا المنطلق يجب التعامل مع منظومات التجزئة القُطرية الوظيفية العربية التي لا تتعارض سياساتها وبرامجها ورؤاها مع سياسات وبرامج ورؤى الإمبريالية العالمية التي تستخدم الصهيونية لتمرير تلك الرؤى والإستراتيجيات والبرامج، باعتبارها منظوماتٍ صهيونيةً بكل ما لهذه الكلمة من معاني ودلالات، والتعامل معها من ثَمَّ على هذا الأساس.
كما أنه على الأساس نفسه يجب التعامل مع فصائل "الإسلام السياسي" التي لا تتعارض برامجها ومشاريعها الاقتصادية، وحتمياتها التاريخية، مع الشمولية والعنصرية والاقصائية المنطواة في معتقدات الصهيونية من جهة أولى، ومع الرأسمالية وآليات اقتصاد السوق المدمِّرَة لقواعد العدالة المجتمعية محليا وإقليميا وعالميا من جهة ثانية. وإلا فإن هناك خللا في التصور، وانحرافا في مسار الصراع، وخطأ مستفحلا في تشخيص جوهر التناقض الناشئ في المنطقة منذ رُسِمَت بقلمي "سايكس" و"بيكو"، في حاضنة الإعلان البلفوري وصكوك الانتدابين البريطاني والفرنسي، لا بل أن هناك انحرافا موغلا في القدم، نتج عن القراءة الفاسدة للتاريخ العربي والإسلامي برمته.ترى، كيف يمكننا تصديق أن أكبر وأوسع فصائل الإسلام السياسي التي كشفت سيرورة المرحلة الراهنة في الواقع العربي، عن مركزية ومحورية وجودها وهيمنتها وقيادتها، وهي جماعة "الإخوان المسلمين"، قابلة لأن تُجَسِّدَ مستقبلَ الأمة العربية "ثقافيا" و"سياسيا" و"اقتصاديا" بالشكل الذي تطمح إليه تلك الأمة وهي تُؤَسِّس لمشروع نهضتها ووحدتها وتحرُّرِها، بينما معظم أعضاء هذا الفصيل وتياراته – ولن نقول جميعها – ما يزالون يعتبرون رجلا مثل "سيد قطب" – وهو المفكر الذي نحترمه جدا، وننحني أمام بطولته الفائقة وهو يستشهد مرفوع الرأس لأجل فكرته، وإن خالفناه في معظم طروحاته الفكرية التي أنتج من خلالها الإسلام في قالب أسّس لكلِّ الانفصالية والانعزالية والاستعلاء – هو مرجعُهم، ورمزُهم ومُشَكِّلُ طريقتهم في التفكير، ويعتبرون كتبَه من ثمَّ هي نموذج المؤلفات التي يقيمون في ضوء محتوياتها أفكارَهم، وخاصة كتابي "معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن"، وهو الذي أسَّس بمقولة "المفاصلة الشعورية" – التي أتعب نفسه كثيرا في ترسيخها وإثباتها قرآنيا وتاريخيا، خاصة في تفسيره لسورة الأنعام، وفي تأصيله لما اعتبره "الجيل القرآني الفريد" – لكلِّ مقدمات الفكر الانعزالي عن الآخر، والتكفيري له، والاستعلائي والاستقوائي عليه، حتى لو لم يكن هو شخصيا يقصد ذلك ويرمي إليه ويعنيه بالقدر الذي آل إليه؟!وكيف يمكننا أن نتفهَّم مستقبل الأمة لو قُدِّر لفصيلٍ من فصائل "الإسلام السياسي" هو الفصيل "السلفي الوهابي" أن يكون صاحب كلمة فاصلة وهامة في صياغة ذلك المستقبل، ونحن نراه يتنطنط من خندق محاربة الإلحاد في الحضن الأميركي، إلى خندق محاربة أميركا التي تقف ضد المسلمين، ليقيم كلَّ معتقداته على أن الله سيجمع اليهود في فلسطين لنقتلهم يوما ما بمساعدة الحجر والشجر وبرمح المسيح، هذا إذا لم يكن أصلا قد وقف في خندق "الوظيفية" متبنيا الرأسمالية بكلِّ حذافيرها إذا وفقط إذا تحررت من الفائدة البنكية؟!! من هم هؤلاء السلفيون الوهابيون، وما هي هويتهم الفكرية، وما هو مدى وعيهم بحقائق الوجود الكبرى؟! وكيف نستطيع فهمهم أصلا ونحن نرى هذا القدر من التناقض يَلُفُّ معتقداتهم وسلوكاتهم ومواقفهم الاقتصادية والسياسية، قبل أن نستطيع بناء أيَّ تصور حول مستقبلنا في ظل هيمنتهم؟!!وأيُّ قدر من الظلام سيعمُّ الأمة حاضرا ومستقبلا على كلِّ الصُّعد لو قدر للإسلام السياسي "الشيعي الجعفري" أن يقود الأمة وأن يعيد بناء سيرورتها على حيثيات "الفقه الجعفري" و"المذهب الشيعي" الممعن في نكوصيته اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.. إلخ؟!!! هل يستطيع من اعتنق "المفاصلة الشعورية" عقيدة إسلامية، أن يتقن فن التعايش مع الآخر إذا لم يغيِّر هذه العقيدة؟! وهل من السهل أن نطمئن على مستقبل "الدولة المدنية"، و"الديمقراطية التعددية التشاركية" اللتين نصبو إليهما، ونحن نسلم أنفسَنا للسلفية بأيٍّ من أشكالها؟! وأيُّ مصير ينتظر نظامنا المجتمعي وعدالتنا وحريتنا ووحدتنا وقواعد تعايشنا وتقدمنا، إذا كانت للتشيُّع الجعفري اليد الطولى في تقرير مستقبل هذه الأمة وفي تحديد شكلِ مصيرها؟!!ما لم تحسم كلُّ فصائل الإسلام السياسي موقفَها بوضوحٍ تام من القضايا الثلاث الكبرى المذكورة تاليا، على نحوٍ يتماهى مع التطلعات الحقيقية للأمة العربية في النهضة والوحدة والتحرر، فإنها غير مؤتمنة على مستقبلنا، وهي مرشَّحة لأن تعيدَنا إلى المربعات الأولى في كلِّ قضايانا، وعلى رأسها "مربع الشمولية" في قضية "شكل الدولة"، و"مربع الرأسمالية" في قضية "نموذج الاقتصاد"، و"مربع اللامواطنة" في قضية "شروط التعايش". لا بل إنها مرشَّحة لأن تقودَنا إلى استحضار مفاهيم انقرضت واندثرت، من مثل "أهل الذِّمَّة"، و"جزية الصَّغار"، و"المستبد العادل"، و"أهل الحلِّ والعقد"، و"أمير المؤمنين"، و"بيعة المنشط والمكره"، التي لا يصلح أيٌّ منها لأن يؤسِّسَ منفردا أو متفاعلا مع غيره، لدولة مدنية ديمقراطية تعدُّدِيَّة تشارُكِيَّة معاصرة قائمة على المواطنة.. * الاعتراف بمفهوم الدولة المدنية القائم على لادينيتها، وعلى عمق دلالة التعددية والتشاركية والمواطنة في هذه الدولة التي يجب أن تكون كلُّ المذاهب والأديان والطوائف والاثنيات فيها، متحركة تحت سقوف مدنيتها ومواطنيتها وتعدديتها لا فوق تلك السقوف.* الاعتراف بالعلاقة المحتمة والمصيرية بين "النهضة والوحدة والتحرر" من جهة، وفكرة "الأمة العربية القومية" في حاضنة مواجهة ومقاومة "المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي" بكل فضاءاته من جهة أخرى.* الاعتراف بالتناقض الحقيقي والجوهري بين الأمة العربية ومتطلباتها الاقتصادية الرافعة لمشروع النهضة والتحرر والوحدة، وبين الرأسمالية العالمية كنظام اقتصادي. والاعتراف بالتالي ومن هذا المنطلق بألاَّ قيمة لأيِّ رؤية اقتصادية لا تتأسَّس على جوهرية هذا التناقض، وهو الأمر الذي يجب معه أن يُعاد بناء كلِّ المفاهيم والفلسفات والأيديولوجيات الاقتصادية على أساسه، دون أن يعني ذلك أن يكون البديل هو الاشتراكية والشيوعية اللتين أثبتتا فشلهما السياسي والاقتصادي على مستوى العالم، بعد أن أثبتتاه قبل ذلك على المستوى الفلسفي. إن البديل ينشأ من إعادة قراءة واقعنا العربي قراءة مُعَمَّقَة "متطلباتٍ" و"أداءً" و"أدوارا"، لنُصيغَ من وحي تلك المتطلبات والأداءات والأدوار فلسفة جديدة، لا يهمنا تطابقها أو تناقضها مع أيٍّ من الفلسفات الثلاث القائمة وهي "الليبرالية"، و"الشيوعية"، و"الإسلامية" إلا بقدر ما ينطوى ذلك التطابق أو ذلك التناقض على القدر الملائم من التجاوب مع ضرورات نهضتنا. فلا توجد فلسفة معينة تُعْتَبَر قدرا للإنسانية أياًّ كان مصدرها وأيا كانت مرجعيتها، فقدر الإنسانية الوحيد هو واقعها وسيرورة هذا الواقع واحتياجاته الموضوعية، مع تأكيدنا على أننا نقصد بـ "الفلسفة الإسلامية" ليس الدين الإسلامي في ذاته في مرجعيته النصيَّة الأم متجسِّدة في القرآن الكريم، بل نحن نقصد مختلف التجليات التاريخية لتلك المرجعية والمنطواة فيها بالقوة باعتبارها – أي التاريخية – إنتاجا بشريا صرفا ينقل الانطواء بالقوة إلى حالة تجسُّد بالفعل في الزمان والمكان، وهي – أي التاريخية مرة اخرى – قابلة للنقد والتقض بل والهدم أيضا إذا اقتضت الضرورة، وهو ما يعني أن تلك المرجعية الأم إذا كانت قابلة لأن تُقرَأ على نحوٍ يُوَلِّدُ لنا الفلسفة الرابعة الجديدة القائمة على العناصر الثلاثة المشار إليها سابقا، فمن حقها علينا أن تُسْمِعَنا صوتَها، كي نرى ونفهم ومن ثم نُقَرِّر (!!)انتهى