الحداثة بين شعرنا ونثرنا
من قلم غالب أحمد الغول
أن أعداء العرب والمسلمين حاولوا منذ قرون أن ينالوا من تراثنا , لغة وعروضاً وشعراً , وادعوا أن الأمة العربية لا يمكنها التطور إلا باستعمال اللهجة العامية , وهذه الأفكار هي أقصر السبل للخلاص من مقومات حضارتنا دينياً وخلقياً وإنسانياً .
لقد مر زمن طويل والمثقفون يتفرجون على لغتهم , وكأنها غريبة عنهم , ومعلمو المدارس بثقافاتهم المختلفة لم ينجحوا في تخريج أجيال تحفظ اللغة بقوة وجدارة , بحيث تتمكن هذه الأجيال من الإبداع والتطوير في الأبحاث الصالحة لدعم اللغة وتشجيع الشعراء على الكتابة وترويض العقول لإنتاج شاعرية تتماشى مع لغتنا وعروضناً , وإن الذين وقفوا ضد الشعر العمودي وحاولوا استبداله بما يسمونه شعرا لا يعتمد على وزن أو قافية , إنهم بمحاولتهم هذه لا يريدون إلا هدم تراثنا ولغتنا, وبالتالي الوصول إلى ديننا الحنيف , فاللغة والقرآن والدين الإسلامي وفروع كل علومنا ما هي إلا كشبكة خيوط العنكبوت , إن استأصلت منها خيطاً فسد البيت كله .
وأما الذين يناشدون مثقفينا باللهجة العامية , فأي لهجة يريدون ؟ وهل هذه اللهجة يفهمها كل شعوب العرب , أم أن للقطر الواحد عشرات اللهجات , فانظر إلى هذه الكلمة :
كيف : إنها كلمة فصيحة , ويمكن أن تقولها ويفهمك كل الشعوب العربي : كيف حالك ؟
أما لو استعملنا اللهجات , فانظر إلى هذه الكلمات التي تعني ( كيف )
في المغرب يقول ( واش حالك )
في الأردن يقولون ( جيف انك )
في سوريا يقولون ( شلونك )
في مصر يقولون ( إزيك )
وبعض اللهجات يقولون( كيفك)
وهذه الكتابة من الصعب التحكم بإملائها من جهة , ومن الصعب أيضاً تحديد نبرتها , ولا تصلح للعلم والمعرفة , وبها نفقد نحونا وصرفنا وبالتالي نفقد معاني القرآن وتفسيره , ومن حكمة الله أن جعل لغتنا لغة واحدة موحدة بين العرب والمسلمين لنفهم بعضنا البعض ,
يقول الجاحظ عن لغتنا العربية , هي (( جامع قومي يشد بعض أفراد الأمة إلى بعض , ويربط ماضيهم بحاضرهم , فهي عامل مهم للتطور , وهي أقدم اللغات الحية , ولا تزال تحتفظ بالإعراب تاما كاملاً ))
ولقد وصلنا من أشعار الجاهليين شعراً استعملوا بها اللهجات , وقوبلت بالرفض , لأنها لا تتماشي ووحدة اللغة العربية , ومما جاء حول ذلك :
جيادك في القــــــــــــيظ في نعمة
تصان الجلال ــ وتنطي ــ الشعيرا
فاستعمل كلمة ( تنطي ) بمعنى ( تعطي ) , وهذا لم يقبله العرب بعد نزول القرآن .
ولقد روي عن عمر أنه سمع رجلا يقرأ (( عتى حين )) بلهجة هذيل , وهو يقصد كلام الله ( حتى حين )) فقال له عمر : من أقرأك هذا ؟
فقال : ابن مسعود
فكتب عمر إلى ابن مسعود ( إن الله عز وجل أنزل القرآن فجعله عربياً , وأنزله بلغة قريش , فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام )).
وأما الحداثة الذين يريدون أن يكون شعرنا مهزلة لأفكارهم لا يحمل وزناً ولا قافية , ليختلط الأمر , ويصبح كل نثر شعراً , ليصلوا إلى أحاديثنا النبوية وإلى بعض آيات القرآن لينسبوها للشعر , فيكفينا ما روي عن الوليد بن المغيرة وهو من فصحاء قومه حيث سمع القرآن , وعاد إلى قومه يقول لهم (( لقد عرفت الشعر رجزه وهزجه فما هو منهم ( أي القرآن )
وختاماً أقول , تعهد الله في الحفاظ على لغتنا وقرآننا , فلا نخشى من حداثة المحدثين , والله معكم ويرعاكم .