غموض كبير لف قضية وصول أجهزة مراقبة أميركية إلى سوريا لقمع الانتفاضة المندلعة هناك، في ظل نفي الجانب العراقي ضلوعه في إيصال الأجهزة، وامتناع السفارة الأميركية عن التعليق. ووسط تضارب المعلومات حول الجهة التي استوردت لصالحها أجهزة المراقبة، أكدت مصادر عراقية لـ"نقاش" أن سوريا هي التي أقدمت على استيرادها الولايات المتحدة الأميركية من خلال شركة إماراتية وسيطة، وأن لا علاقة للعراق بهذه الصفقة. وكانت شركة أمريكية متخصصة بإنتاج نظم لمراقبة الانترنت قد كشفت في أواخر تشرين أول (أكتوبر) الماضي أن سوريا تستخدم النظم التي تنتجها الشركة لحجب مواقع مؤيدة للانتفاضة المستمرة في البلاد. وقالت الشركة المذكورة، وهي شركة "بلو كوت" Blue Coat ومقرها شمالي ولاية كاليفورنيا، إن تلك الأجهزة بيعت للعراق ووجدت طريقها بشكل غامض إلى سورية. وبحسب الشركة الأمريكية فقد وصل 13جهاز مراقبة إلى حكومة دمشق من اصل 14 جهاز اتفقت الشركة مع الجانب العراقي على توريدها له. سعد المطلبي عضو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال لـ"نقاش" إن الحكومة العراقية اكتشفت أن شركة "كل العراق" الإماراتية هي التي قامت باستيراد تلك الأجهزة من شركة "بلو كوت" الأميركية لصالح سوريا وأن العراق ليس طرفا في القضية. ولكن مراسل "نقاش" الذي بحث في دليل الشركات التجارية الإماراتية لم يجد شركة تحمل اسم "كل العراق". تضارب المواقف هذا جاء في وقت تدقق فيه الولايات المتحدة الأميركية في المعلومات المتعلقة بأداء شركة "بلوكوت"، فالنظام الذي تعمل به تلك الأجهزة يسمح بمراقبة شبكة الأنترنت وفرض الحجب على مواقع الانترنيت، فيما تحظر القوانين الأميركية بيع مثل تلك الأجهزة إلى سوريا.مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان قال في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري أثناء جلسة استماع حول سورية في الكونغرس ان "وزارة التجارة (الأميركية) تدقق في المعلومات بشأن (شركة) بلو كوت". أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي كانوا قد طالبوا أيضا بفتح تحقيق حول الأمر، وبحسب تقارير صحفية سابقة نشرت منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري فإن الديمقراطيان كريس كونز وبوب كايسي والجمهوري مارك كيرك وجهوا رسالة إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير التجارة جون برايسون أعربوا فيها عن "مخاوفهم" بشان بيع معدات معلوماتية للرقابة على الأنترنت يُعتقد أن النظام السوري يستخدمها ضد معارضيه. وفي حال ثبوت إبرام الصفقة بشكل مباشر بين الشركة والجانب السوري فإن "بلو كوت" ستتعرض للمساءلة بتهمة مخالفة قوانين التصدير الأميركية. وتقضي قوانين العقوبات على سوريا التي فرضها الأمريكيون عام 2004، بحظر بيع منتجات أمريكية إليها باستثناء المنتجات الطبية والأغذية، لكن تلك القوانين لم تمنع الحكومة السورية من شراء منتجات "بلوكوت" من طرف ثالث في بلد آخر وهو ما يوجه اصابع الشك الى الحكومة العراقية ولعبها دور الوسيط في الصفقة. الأجهزة المذكورة وصلت الى دمشق نهاية تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، وهو الموعد ذاته الذي كان من المقرر ان تصل فيه الى العراق بحسب تصريحات سابقة للناطق باسم القوات الأميركية في العراق الجنرال جيفري بيوكانن في آب (أغسطس) الماضي الذي أكد حينها أن "الولايات المتحدة ستزود اقسام وزارة الداخلية العراقية بأجهزة تنصت ضمن محاور تدريب وتجهيز القوات العراقية وصولاً لاستكمال جاهزيتها". سفارة الولايات المتحدة الأميركية في العراق لم تؤكد او تنفي فيما لو كانت تلك الأجهزة قد وصلت بالفعل إلى العراق أم لا، حيث رفض مسؤول الإعلام العربي في السفارة الأميركية ايريك باربي الإدلاء بأي تعليق لـ"نقاش" حول الموضوع . أما وزارة الداخلية العراقية فنفت علمها بنية القوات الأميركية تزويد اقسامها بهذه الأجهزة واكتفى وكيل الوزارة لشؤون الإستخبارات والمعلومات حسين علي كمال بالتأكيد لمراسل "نقاش" بأن "الوزارة ليس لديها خطط لاستيراد هكذا أجهزة، وان الوزارة لم تستلم أية جهاز من هذا النوع". "بلو كوت" من جهتها أشارت إلى أن الجهة التي استلمت انظمة مراقبة الانترنت هي وزارة الاتصالات العراقية وليست وزارة الداخلية، لكن الحكومة العراقية عادت ونفت على لسان أحد مستشاريها تعاقد أي وزارة على استيراد تلك المعدات. علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، أكد أيضا في تصريح لـ "نقاش" أن "العراق لم يسلم سوريا هكذا اجهزة، وانه (العراق) بلد مستقل وله الحق في استيراد الأجهزة التي يراها مناسبة لتحقيق الأمن في البلاد". المواقف التي أصدرتها الأطراف الرسمية تعكس الموقف العراقي المساند للنظام السوري والتي ظهر في الاجتماع الأخير للجامعة العربية حينما امتنع العراق عن التصويت على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. علي الجبوري استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد قال لـ"نقاش" ان العراق افضل بلد وسيط لإيصال هذه الأجهزة الى سوريا لأسباب عدة منها "العلاقة المتينة التي تربطه مع الولايات المتحدة الأمريكية وتأييده للنظام السياسي السوري". ويرى الجبوري ان العراق يتسم بعلاقة متينة مع الولايات المتحدة على خلاف بعض الدول الأخرى التي تؤيد النظام السوري وليس لديها علاقات مع الحكومة او الشركات الأميركية. ضلوع العراق من عدمه في صفقة اجهزة التنصت الأميركية التي تسربت الى سوريا ستكشفه التحقيقات الأمريكية والتحركات التي ستجري في الأيام المقبلة والتي قد تكشف عن خفايا أكبر غير متوقعة في هذا المجال.
http://www.niqash.org/articles/?id=2942&lang=ar